من المأسي التي تبتلى بها الشعوب في مختلف المراحل والازمان ، ان يوجد بين ظهرانيها نفر من الناس، على شكل افراد او جماعات محدودة ، يمارسون ادواراً في مجالات شتى ، دون ادنى شعور بالمسئولية تجاه مجتمعاتهم ، ودون ابسط مشاعر الحرص على حاضر ومستقبل اوطانهم ، ويمارسون العاباً صبيانية بالنار عبر تماديهم المريب وسعيهم الدؤوب لاثارة ونبش رواسب ومشاكل ونعرات يقومون باستدعائها من اعماق التاريخ السحيق ويبذلون محاولات مستميتة لإعادة شيء من الحياة الى جثثها الهامدة المحنطة، دون ان نجد ولو بصيص ضوء نرى من خلاله سبباً وجيهاً او مبرراً سديداً يسعى اصحاب تلك الادوار الى تحقيقه، اللهم الا تخريب مسيرة شعوبهم وتدمير وحدتها وتمزيق اوصالها باثارة الفتن والصراعات بين ابنائها وفئاتها المختلفة ، ويقف الناس مشدوهين امام السؤال .. لمصلحة من ، ويدفع ممن ، يقوم أولئك النفر بتنفيذ تلك الادوار التخريبية المشبوهة ؟ وفي بلادنا –اليمن- دأبت بعض الكتابات المنشورة في بعض الصحف ، ومنذ سنوات قليلة خلت ، على اثارة واشعال نيران فتن خطيرة عبر محاولاتها البائسة لاحياء رواسب ونعرات اجتماعية اكل الدهر عليها وشرب ، ولفظها منطق العصر وحقائقه فتارة نجدهم يكيلون تهم الطائفية ، واخرى نراهم يطلقون تهم السلالية ويقذفون بها كل تحرك ايجابي بناء وكل صاحب راي ينبري لمواجهة الانحراف والفساد والعبث والتحلل المستشري في جسد اوضاعنا العامة .. و اكثر ما يثير الريبة والدهشة معاً تبني تلك الكتابات السوداء من قبل صحف بعضها لسان حال احزاب كبيرة وحاكمة يفترض ان تكون اكثر من غيرها حرصاً وشعوراً بالمسئولية انطلاقاً من جسامة الامانة التي تتحملها تجاة الوطن والشعب كل الوطن وكل الشعب دون استثناء او تمييز وليس يعقل او يقبل باي حال من الاحوال ان تجعل صحيفة حزب حاكم من نفسها منبراً لكتابات متخلفة ومشبوهة تسعى الى اشعال نار الفتنة وتفكيك عرى وحدة الشعب الوطنية الوثيقة باستعداء فئة ضد اخرى بث سموم الحقد والبغضاء بين فئات الشعب الواحد الموحد في عقيدته واصله وتاريخه وثقافته ، واصبح من غير المعقول ولا المقبول شريعة واخلاقاً وانتماءاً التزام الصمت او التغاضي عن تلك الكتابات المسمومة التي تستهدف تحطيم مكاسب حاضرنا وتطلعات مستقبلنا ، بل بات من الواجب حتماً تعرية وكشف اهدافها ودوافعها المريضة ومواجهتها مواجهة حازمة وصريحة والا كنا مشاركين في تحمل المسئولية والاثم معهم . لقد نال اخوتنا الهاشميون من سفه تلك الكتابات الرعناء الكثير من الاساءة والضرر والعنت فهم بسبب الانتماء السلالي وحده ملكيون .. اماميون .. عنصريون .. مندسون في الصفوف طابوراً خامساً للتخريب والتدمير في مختلف العصور والأزمان والمراحل! بل ذهبت تلك الكتابات في غيها وضلالها إلى حد تصويرهم وكأنهم غرباء دخلاء آن أو أن ترحيلهم إلى موطنهم (قريش) حيث لم يقضوا الفترة المحددة في قانون جنسية أولئك المرضى والمشبوهين إذ لم يمض على إقامتهم في البلاد سوى أكثر من إلف ومأتي عام فقط !! وفات هؤلاء الكتاب ومن يقف خلفهم –الخارجين عن دائرة الزمن- ادراك حقيقة انه لم يعد هناك على وجه الدنيا شعب نقي العنصر بسبب الهجرات والاختلاط عبر مراحل تاريخية طويلة ، ولو لم يعمهم الحقد ويطمس على قلوبهم لعلموا إن أكثرية الشعب اليمني ووفقاً لرؤيتهم المتخلفة لا يفي بشروط قانون جنسيتهم العنصري البائس!! ولم يكتف الكتاب العنصريون المرضى بكل ذلك ، بل عمدوا في سبيل خدمة إغراض حملتهم العدائية الحاقدة إلى تشويه وتزييف التاريخ ، وخاصة المراحل التي حكم خلالها أئمة هاشميون ، وهي مراحل طويلة فنشروا عليها جميعاً دون استثناء أو تمييز غطاءاً اسوداً قاتم السواد وجردوها من كل ايجابية وفضيلة والصقوا بها كل السلبيات والرذائل وهكذا حاولوا مستميتين إعادة صياغة جزء هام من تاريخنا الوطني بعيون سوداء عدمية دون إقامة أدنى اعتبار لمقتضيات الكتابة التاريخية من التجرد والموضوعية والحيادية . كل ذلك التزييف كان بهدف إضفاء مبررات مصطنعة لحملتهم العدائية الحاقدة ضد الهاشميين من إغفالهم المتعمد لاستقراء الحقائق والظروف التاريخية والموضوعية التي كانت سائدة آنذاك وأفرزت نظاماً سياسياً حاكماً يقف على قمته حاكم هاشمي كمخرج من دوامة الصراعات والحروب المتواصلة بين مختلف القبائل و التي لم تكن تقبل بأي حال من الأحوال –ولا تزال- باستئثار وتفرد إحداها بحكم البلاد ، حيث كان ذلك المخرج حلاً لمشكلة قائمة ولم يكن استئثار بالحكم وسيطرة على مقاليد بفعل الغلبة والقوة والنفوذ .. ولم يكن حكم البلاد محصوراً ومقتصراً على الحاكم الهاشمي أو أفراد سلالته ، بل كان موزعاً على حلقات متصلة ومترابطة تشكل سلسلة الحكم القائم كالقضاة والمشايخ أو الأعيان والموظفين .. الخ . وكان هناك في مختلف المراحل ثوار على جور وظلم الحكم يقودهم هاشميون ضد الحكم الهاشمي ! ومع ذلك فكم من ثورات أطاحت بنظم حكمها قامت بها أمم وشعوب على امتداد كوكبنا الأرضي ، منذ أقدم العصور . لكننا لم نقرأ في صفحات التاريخ أن أحدا قد انبرى داعياً الناس إلى استئصال وإبادة كل سلالة الحكام بسبب انتمائهم ألسلالي إليهم ..! على انه يمكننا بعملية استقراء سريعة لأطروحات كتاب ومنظري العنصرية الجديدة ، أن نتبين بوضوح حقيقة أهدافهم ومراميهم الكامنة في محاولة صرف انتباه الناس عن التفكير في أسباب المشكلات والمعاناة التي يرزحون تحت وطأتها الثقيلة والتستر على مظاهر الفساد والانحراف المتفشية في واقعنا ، وإشهار سيف الإرهاب والتخويف وتسليطه على رقاب كل من يجأر بالشكوى وينتقد الأوضاع السيئة وإجهاض كل محاولة للتحرك الايجابي لتصحيح وتقويم اعوجاج تلك الأوضاع وخاصة إن جاء ذلك التململ والرفض من قبل هاشمي حيث يكون شعار الحملات أقوى واشد وذلك لإجبار كل هاشمي على الصمت والانزواء والتواري ، وزرع الانطباع في أذهانهم أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة ليس لهم حقوق المواطنة الكاملة كمواطنين .. على إن هذا المنهج السيئ لا يقتصر استخدامه على إخوتنا الهاشميين فحسب ، بل يمتد ليطال مختلف فئات الشعب إذا هي فكرت أو عملت في اتجاه ممارسة دورها الايجابي الذي تمليه عليه حقوق المواطنة الحقة .. فعقد مؤتمر عادي جداً ، بل اقل من عادي في محافظة كمحافظة تعز مثلاً ينتج عنه مطالب مشروعة وعادية للغاية يتحول ، في عرف كتاب العنصرية الجديدة ، إلى مؤتمر طائفي تآمري تقسيمي تحركه الامبريالية العالمية والرجعية الإقليمية! أما إذا عقدت القبائل اليمنية مؤتمراً لها لا ترضى عنه السلطات المتحكمة ، يطالب بمطالب عادلة وسليمة ، فهو مؤتمر قبلي عشائري تحركه مؤامرات كبرى ورهيبة ضد أمن الوطن ووحدته وسلامته! إذن يتضح أن المسألة برمتها محاولات يائسة للدفاع عن الفساد والانحراف وحمايته ، وإرهاب المواطنين وإخراس أصواتهم وإجهاض حركتهم نحو غد أفضل ومشرق ، لكنها محاولات فاشلة حتماً ولن يحالفها أي قدر من النجاح في مسعاها . ومن هذا الفهم اشعر باني اختلف إلى حد مع رؤية الأخ العزيز الدكتور / محمد عبدالملك المتوكل في مقالته المبدعة المنشورة في ((صحيفة الوحدوي)) الصادرة في 13/4/1993م تحت عنوان ((أيها اليمنيون.. الصرب قادمون)) في رده على كتاب العنصرية الجديدة في بلادنا .. ومبعث الاختلاف ان الصربيين يشنون جميعهم حرب إبادة ضد شعب البوسنة والهرسك تأسيساً على فلسفة عنصرية متأصلة ، في حين أن النفر الذين يدفعون إلى تجريد حملات عنصرية معادية هم في حقيقة الأمر أضعف وأهزل من أن يصلوا إلى مستوى الصرب من حيث القناعة والإيمان بفلسفة عنصرية واضحة ، لأن طموحهم لا يتعدى حدود المحافظة على أوضاع الفساد والانحراف والعبث ليقتاتوا من فتات موائدها المتعفنة.. ثم أن جهلهم الفاحش بفهم واستيعاب حقائق الواقع بلغ درجة تبعث على الشفقة والرثاء أفقدتهم صواب الرؤية بأن الشعب اليمني قد شب كثيراً عن الطوق وأصبح على درجة عالية من الوعي يجعله قادراً تماماً على معرفة أسباب ومسببي مشكلاته وأزماته ومعاناته ، ولن تخدعه ألاعيب العنصريين الجدد الهادفة إلى زجه في صراعات هامشية لا أساس لها بين فئاته ، فالهاشميون من الشعب اليمني واليه ، وهم إلى ذلك بشرف انتمائهم إلى بيت النبوة وتجسيدهم لروح ومضامين الرسالة الإسلامية ، يحتلون في وجدان وضمير الشعب اليمني مكانة رفيعة تصد عنهم كيد الكائدين وحقد الحاقدين. إن الكتاب العنصريين الذين استمرءوا –عن جهالة- اللعب بالنار ، والعبث بالحقائق والثوابت الوطنية ، لن يكون لهم من نصيب يجنوه من وراء ذلك اللعب والعبث سوى احتراق أصابعهم وسط لهيب النار التي حاولوا اللعب بها .، أما الشعب اليمني الذي يسعون إلى تدمير كيانه ووحدته فسيظل كما كان دائماً موحداً قوياً متماسكاً ، ولئن كان (الصرب قادمون) في بلادنا فإن قدومهم لن يكون إلاّ إلى نهايتهم المحتومة.. فالهاشميون والقبائل والقحطانيون والعدنانيون وجميع المواطنين من المهرة إلى صعده كلهم يشكلون معاً نسيجاً واحداً منصهراً عبر الزمن اسمه اليمن واليمنيون ولعل واجب النصيحة يقتضي في الأخير ان نوجه نصيحة مخلصة لجميع الصحف التي جعلت من نفسها منبراً لأصوات العنصرية البغيضة وخاصة منها صحب الأحزاب الحاكمة المسئولة أن تتدارك انزلاقها نحو هاوية خطأ تاريخي قاتل وتغلق الأبواب التي فتحتها لتسرب السموم وهبوب رياح الفتن والإمراض الاجتماعية ، فليس من الحكمة ولا من صالحها ان تسمح بتمرير سياسات خرقاء كتلك عبر وسائل إعلام محسوبة عليها ، خاصة والبلاد كلها على أبواب انتخابات عامة يتقرر على نتائجها مصير الأحزاب والأشخاص بل والوطن كله .. حتى لا يكونوا كأولئك الذي يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ؟ )) ألا هل بلغت .. اللهم فأشهد (( و هنا أضيف قول الحق _________________ {آل عمران/102} وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {آل عمران/103} وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران/104} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {آل عمران/105}