· تتعرض رسالات الله من هذه إلى تحريف وتغيير، وتم فيه تشويه صورة أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام والإساءة إلى شخصياتهم واتهموا بأبشع وأسوأ الاتهامات التي لا تقال على بني البشر العاديين ناهيك عن الأنبياء والرسل الأنقياء المطهرين المعصومين. وتتضح أمامنا من سياق تسلسل نزول رسالات الله ورسله أن كل رسالة جديدة أتت لتغير أو تعدل أو تلغي أو تضيف أحكاماً وتعاليم على ما سبقها من قبيل النسخ أو الإنساء قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}, “البقرة:106”, و{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (39) سورة الرعد. ثم كان آخر المطاف لدين الله الواحد الإسلام حين أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على نبيه ورسوله محمد عليه وآله الصلاة والسلام, لتكون الرسالة الخاتمة للدين, وبها تكامل واكتمل بصيغته النهائية وضمن سبحانه وتعالى وتكفل بحفظ هذه الرسالة من أي تحريف أو تغيير أو تبديل إذ قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر , وذلك الشيء منطقي وحتمي حيث لا رسالة بعدها ولا نبي بعد محمد إذ قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة. وبتكامل الدين واكتماله وتمامه ثبتت الأحكام واستقرت التعاليم وتوضحت الأوامر والنواهي, وصححت التحريفات وبينت التشويهات التي دخلت على رسالات الإسلام السابقة كلها بنسخ أو إنساء بعض أحكامها وتعاليمها وتثبيت بعضها الآخر ورسمت الصور الحقيقية النقية الناصعة المشرقة لجميع رسل الله وأنبيائه المطهرين المعصومين وأزيلت الصور المحرفة المشوهة السيئة التي رسمت لهم عليهم الصلاة والسلام جميعاً تحريفاً في رسالات سابقة. قال تعالى: حول مهمة ودور ورسالة نبيه ورسوله محمد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}, “الأعراف: 157-158. وقال تعالى في محكم كتابه العزيز القرآن الكريم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة. وخلاصة القول هنا أنه بما أن خالق الخلق والكون وكل شيء هو الله الواحد الأحد لا شريك له فإن الدين لا يمكن إلا أن يكون ديناً واحداً موحداً تتابعت رسالاته وكتبه وتعاليمه وأوامره ونواهيه على يد سلسلة طويلة من الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى وبعثهم إلى أقوامهم ومجتمعاتهم بهدف تقويم الاعوجاج وإصلاح الاختلافات وتصحيح الانحرافات سواء في علاقاتهم وعباداتهم لخالقهم أو في علاقاتهم وتعاملاتهم بين بعضهم ببعض لتقوم على أساس من القسط والعدل والسلام والتعاون والتكافل والخير, وذلك منذ بدء الخليقة وحتى نزول رسالة القرآن على يد رسول الله ونبيه محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كخاتمة للرسالات الإلهية السابقة عليها, والتي اشتملت على تقويم وتصحيح ما طرأ عليها من تحريفات, وإزالة ما تعرضت له من تشويه وإساءة لأشخاص الأنبياء والرسل ومن اصطفاهم الله جل وعلا وفضلهم على العاملين نساءً ورجالاً, ولتخفف وتلغي بعض الأحكام والحدود بالغة الشدة التي تضمنتها, ولتضع الصيغة الأخيرة والنهائية لتعاليم وأحكام وأوامر ونواهي الدين الواحد الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده… ووفقاً لهذه الرؤية فإننا طالما وقعنا في خطأ جسيم ولا نزال حتى الآن, حين نشير أو نتحدث عن ديانات إلهية أو نطالب بحوار وتفاهم بين الديانات, إذ ليس هناك أديان متعددة وإنما هناك دين واحد صادر عن إله خالق واحد, وكل المؤمنين بالله وحده لا شريك له هم أتباع دين واحد, قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} “آل عمران:19”. وإنما تعددت رسالاته وكتبه وتعدد حملتها المبعوثون بها إلى أقوامهم من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام, إلى أن ختمت واكتملت وتكاملت برسالة القرآن الكريم على يد رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خاتم النبيين وبالقرآن أكد الله جل علاه بالقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}, ووصف القرآن الكريم بالقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}, إذ يفهم من سياق ومعنى الآية الكريمة أنه يوجد ما هو قويم سواء مما جاءت به رسالات وكتب الله سبحانه وتعالى السابقة أو من الأفكار والآراء البشرية, إلا أن القرآن بكل مضامينه وما ورد فيه سيظل هو الأقوم دائماً, ولأنه كذلك جاء إلزام الله جل وعلا لكل المؤمنين بالقرآن الكريم بأن تكون دعوتهم الناس إلى الإيمان وتعاملهم مع المخالفين وغير المؤمنين بالقرآن قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}, بعيداً عن مواقف العداء والعنف والسب والتجريح, ولأن الدين قد تكامل واكتمل وأخذ صيغته النهائية بالقرآن الكريم الخاتم لرسالات السماء, فقد منح الله سبحانه وتعالى لعباده كامل الحرية في الاختيار بين الكفر والإيمان إذ يقول سبحانه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أولياؤهم الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} “البقرة:256-257”. وقوله جل وعلا: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} “الكهف:29”. لا.. بل نجد أكثر من ذلك وأعمق معنى ودلالة إذ يتضح للقارئ الدارس المتدبر المتعقل لنصوص وأحكام القرآن الكريم بأن الله جل علاه بين بكل جلاء ووضوح وحسم بأن الإنسان بقدر ما يتمتع بكل الحرية, وبعيداً عن كافة صور وأشكال القهر والإكراه, في الاختيار بين طريق الإيمان المبينة معالمه وطريق الكفر والظلال المبينة ملامحه, فإنه ـ أي الإنسان وحده ـ له كامل الإرادة والحرية ـ بصفة فردية شخصية ـ في اختيار أعماله وتصرفاته, إن خيراً أو شراً… هدى أو ضلالاً, وبجميع صورها وأشكالها دون ضغط أو تأثير أو إملاء من أحد أو جماعة؛ لأنه وحده الذي سيخضع للمساءلة والحساب والعقاب أو الثواب. وتجد هذه الحقيقة الجوهرية أحكم وأبلغ وأدق تعبير مؤكد عليها في قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}, “هود:28”. وفي قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}, “الأعراف:88”. وفي هاتين الآيتين الكريمتين يأتي التساؤل في كل منهما: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}, و {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}. وكأنه سؤال استهجاني له دلالة عميقة حاسمة في التعبير والاتهام بشيء منكر وفظيع لا تقره لا الشرائع الدينية ولا الأعراف المجتمعية السائدة في الحالتين معاً وعلى قدم المساواة حالة الإيمان وحالة الكفر. ثم تعالوا لنر معاً دقة وحرص التأكيد على حرية الإنسان وحده في اختيار أفعاله وتصرفاته بقوله تعالى: { وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }, “النور:33”. لاحظوا هنا عبارة {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} وعبارة {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }, ففي الأولى نهى عن إكراههن إن هن أردن تحصناً بمعنى عدم رغبتهن في البغاء لتكتمل شروط وأركان المسئولية الفردية في عمل الفحشاء, وفي الثانية وفي حالة إكراههن أو بتعبير أدق من بعد إكراههن فإن الله غفور رحيم, بما يفهم منه انتفاء المسئولية الفردية في حالة الإكراه, والله أعلم. إن هذا الإسلام, الدين, الذي جاء كتاب الله, (القرآن الكريم) خاتماً لكتبه ورسالاته السابقة جميعاً ومكملاً لكتب ورسالات دين الله الواحد للبشرية جمعاء والمؤمنين به من المسلمين, يتعرض ويتعرضون, اليوم, لحملة عدائية واسعة النطاق ومتعددة الأوجه, لم يشهد التاريخ الإنساني كله مثيلاً لها في عنفها وشراستها خاصة, منذ الأحداث الإرهابية التي واجهتها أمريكا في 11 سبتمبر 2001م, وتتهمه بأنه دين يقوم على التعصب والكراهية والعنف والإرهاب والإكراه والعنصرية والتخلف وغير ذلك من الاتهامات الهادفة إلى تشويه صورته والإساءة إلى تعاليمه وقيمه ونبيه الكريم, كما صرح أحد كبار القساوسة اليمنيين في أمريكا موجهاً إساءات بالغة وسباباً بذيئاً إلى الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ شخصياً, مستغلين أجواء ومشاعر وظروف ما يطلق عليه حرب العالم ضد الإرهاب, وتوظيفه وتوجيهه بشكل سلبي ومتعمد وكأنه حرب ضد الإسلام والمسلمين ومستندين إلى تصرفات وأعمال إجرامية منسوبة إلى عدد محدود جداً من الأفراد المنتسبين إلى الإسلام والمسلمين كمبرر وذريعة لحملتهم العدائية ضد الإسلام والمسلمين بشكل عام, اعتمادً على آراء واجتهادات ومواقف وأعمال بعض الأفراد والجماعات والحركات المتطرفة والمتعصبة والعنيفة المنسوبة إلى الإسلام والمسلمين وهي لا تمثلهم ولا تعبر عنهم, ولهذا فإن هدفنا من هذا البحث, كما أوضحناه في مقدمته, ينصرف إلى دراسة أهم وأبرز تعاليم وقيم وأهداف ومقاصد الإسلام, كما نراها استناداً إلى آخر رسالاته القرآن الكريم في محاولة لرسم معالم الصورة الحقيقية للدين الإسلامي, لنتبين بعد ذلك ما إذا كانت كل تلك الحملات المعادية والاتهامات التي تنسب للإسلام صحيحة أم باطلة وظالمة وذلك ما سنتناوله على النحو التالي:- أولاً: سلمية الدعوة وحرية الاختيار دون إكراه والاعتراف بالتعدد والاختلاف: عندما بعث الله جل جلاله رسوله النبي الأمي محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأنزل عليه الكتاب (القرآن الكريم) هدى للناس ورحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}, و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}, “الأحزاب:46-45”. حدد له وللمؤمنين به أسلوب الدعوة ومنهجها بوضوح تام قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وقال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. وقال: {وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} , وقال: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}, وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. ويضيف: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ},ويوضح الله لرسوله والمؤمنين قائلاً: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}. ومع هذه الأسلوب والمنهج السلمي في الدعوة القائم على الحوار الحسن والمحاجاة اللطيفة التي ألزم الله بها المؤمنين نهاهم عن توجيه السباب والشتائم في الدعوة قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }. ومن أجل تثبيت هذا المنهج القائم على أسلوب الدعوة السليمة وترسيخه بحجج وبراهين قاطعة أكد الله سبحانه وتعالى على حقيقيتين جوهريتين من حقائق الخلق والحياة التي أرادها الله وهما:- الحقيقة الأولى: عدم إدعاء امتلاك واحتكار الحقيقة: حيث يؤكد الله سبحانه مراراً في كتابه العزيز (القرآن الكريم) أنه وحده العالم بكل شيء والناس لا يعلمون, وينهى المؤمنين عن الاعتقاد بكل شيء والناس لا يعلمون, وينهى المؤمنين عن الاعتقاد, أو الشعور بأنهم وحدهم أصحاب الإيمان الصحيح وأنهم وحدهم يحتكرون الحقيقة. قال تعالى: { فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }, وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}, ويقول جل وعلا: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ*إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}, وقال موجهاً الخطاب إلى نبيه الكريم: { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ* قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }. ثم يؤكد الله جل جلاله على أنه وحده من يعلم بحقيقة إيمان الخلق من عدمه وهو علام الغيوب فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}….يتبع