الحلقة
الأخيرة
تطرقنا في الحلقة السابقة من هذه التناولة ، إلى عدد من الاسباب والمبررات والدوافع التي جعلتنا نطرح فكرة تهجير رأس الدولة واسرته ومحلة وممتلكاته وترئيسه بشكل زمني مفتوح وغير محدد ومن يصلح من ابنائه بعده بقاعدة”تهجير”وتكبير عرفية مكتوبة وفقاً للأعراف والقواعد والتقاليد القبلية الموروثة أو بعقد اجتماعي سياسي وفقاً للمصطلحات الحديثة ، وهي فكرة طرحنا ها نيابة عن صاحبها ومهندسها القاضي العلامة/ محمد بن يحيى السدمي كما اشرنا في الحلقات السابقة ثم تطرقنا إلى كيفية أو آلية تحقيقها عملياً كوجهة نظر أولية مقترحة .. وبقي امامنا مسألة التكييف أو الاخراج الدستوري للفكرة أو بعبارة اخرى التأصيل الدستوري الملائم للفكرة وموقعها في سياق التنصيص لأحكام وبنود الدستور وهو الجانب الذي وعدنا بمحاولة الخوض فيه ضمن هذه الحلقة الخامسة التي غالباً ستكون الأخيرة . غير انه – وقبل البدء في تناول موضوعنا تبدو هناك ضرورة واهمية خاصة لتوضيح الهدف أو الغاية الجوهرية المراد ضمان تأكيدها وتحقيقها من وراء فكرة التهجير القبلي العشائري والسياسي ايضاً عبر مراحل تاريخية موغلة في القدم ، وفي سبيل ذلك نكتفي هنا بإقتطاف فقرات من كتاب البنية القبلية في اليمن بين الاستمرار والتغير للدكتور /فضل علي ابو أحمد غانم يحاول فيها معرفة طبيعة الهجرة في المجتمع اليمني ومنه المجتمع القبلي على وجه الخصوص والنشأة التاريخية لهذا المفهوم والدور الذي يلعبه نظام الهجرة في عملية الضبط الإجتماعي والسياسي في المجتمع وخاصة بالنسبة لحالات الحرب والمنازعات والحروب التي تحدث بين القبائل والأقسام القبلية والأشخاص بشكل شبه مستمر بالإضافة إلى الحصانة التي تتمتع بها تلك الفئات والمتمثلة في ضمان عدم الأعتداء على أعضائها في أوقات السلم والحرب معا الأمر الذي مكنها من القيام بالتوسط بين القبائل المقاتلة أو المتنازعة والتحكيم في المنازعات المختلفة ثم يستطرد الدكتور فضل أبو غانم قائلاً ( ومن ثم فإن الهجرة للمكان أو الإنسان لها ارتباط قوي بطبيعة الحياة اليومية للمجتمع القبلي وبالسياسة القبلية وذلك فهي تمنح للأشخاص والفئات التي تقوم بحل المنازعات والخلافات بين الافراد وكل ما يتعلق أو يتصل بهم ، حيث يصبح الاعتداء أو الإساءة إليهم من الأمور التي يحكم فيها العرف بعقوبات شديد كما يشمل ذلك المكان الذي قيمون فيه و كذلك الحيوانات والأموال والأشجار التي يمتلكونها والاشخاص الذين يكونون في حمايتهم ورعايتهم. وتهدف هذه الحماية إلى جعل الأشخاص والفئات الذين يقومون بالتدخل في حل المنازعات والتحكيم فيها بعيد ين عن وسائل التخويف أو التهديد عند القيام بالتوسط في النزاع أو عند إصدار الأحكام من قبل أي من الاطراف المتنازعة). ويضيف قائلاً : ( وما ينطبق على هجرة السوق ينطبق على الأماكن الأخرى أو الأشخاص الذين يعرفون بأسم (الهجرة ) والتي تمثل (الحرم) الآمن لتطبيق العدل والأمن والضمان بالسلامة للإطار المحيط بها بعيداً عن المنازعات القبلية وبذلك فهي تضيف إلى البعد الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والثقافي في النظام القبلي بعداً جديداً يتمثل في البعد الامني الذي من خلاله يمكن معالجة الفوضى السياسية شبه المستمرة انتهى كلام الدكتور فضل أبو غانم . وتأسيساً على مضمون الفقرا ت المقتبسة إضافة إلى ماسبق إيضاحه في ثنايا الحلقات السابقة من هذه التناولة إن نظام الهجرة في السياق العام لمنظومة التقاليد والقواعد والأعراف الوطنية الموروثة والمتراكمة عبر مراحل موغلة في القدم من تاريخنا وخصوماتنا الوطنية والضاربة بجذورها الراسخة في اعماق الواقع والوجدان الشعبي والتي اصبحت ممارسة وسلوكاً عملياً يومياً وتلقائياً حتى وقتنا الحاضر . إن هذا النظام أي الهجرة تشكل وتجذر بغرض ضمان تحقيق جملة من الغايات والأهداف الرئيسية واهمها . 1- ضمان حيادية واستقلال ونزاهة من يتمتعون بصفة الهجرة وضمان عدم انحيازهم أو موالاتهم أو محاباتهم لأي طرف من الأطراف المتنازعة والمتقاتلة اثناء تدخلهم وتحكيمهم في حل المنازعات والحروب والمنافسات بين الأفراد والجماعات . 2- منحهم حصانة وحماية كاملتين بأشخاصهم وفئاتهم واماكنهم وممتلكاتهم والمحتمين بهم ، لضمان إبعادهم تماماً عن المؤثرات والضغوط واساليب التخويف والتهديد والترهيب في عملهم وأحكامهم التي يصدرونها في حل المشكلات والنزاعات والحروب 3- تأكيد وترسيخ دورهم كمراجع يتم عادة اللجوء والاحتكام إليها والقبول بأحكامها المحايدة العادلة في كافة اشكال المنازعات والمشاكل ن بإتفاق وقبول ورضى الجميع ذلك ان غياب مثل ذلك الدور ألتحكيمي المرجعي من شأنه استمرار وتصاعد حدة ونطاق المنازعات والحروب إلى ما لانهاية . 4- ضمان وحيادية عاصمة الدولة ومدنها وطرقها العامة ومرافقها ومؤسساتها وممتلكاتها ومشاريعها الإنتاجية والخدمية ودور العلم والعبادة فيها وأسواقها والمساحات المخصصة لإجتماعات القبائل الرئيسة والفرعية (المساريخ) ومفردها مسراخ ودور القضاء والمحاكم والقضاء ورجال العلم والتعليم وأصحاب الأعمال والحرف المهنية والصناع والمزارعين ومحيي الأفراح والفنانين (دواشين وأخدام) وموظفي الدولة وعمالها وضيوفها من الأجانب والنساء والأطفال وغير ذلك بهدف عدم توقف واستمرار مختلف المجالات وألانشطة العامة والإقتصادية والانتاجية والتعليمية والثقافية والإجتماعية ومصادر المعيشة والرزق والمنافع العامة الحيوية الضرورية …….إلخ. والحقيقة أن نظام الهجرة بهذه الصورة مرتبط بالمنظومة المتكاملة للتقاليد والقواعد والأعراف الملزمة يعتبر مفيداً وإيجابيا ورائعاً من حيث كونه يوفر أرضية وأجواء وشروطاً موضوعية ملائمة وكاملة إمام عملية التنمية والتطور والأمن و الاستقرار والأمان للبلاد والمواطنين والمقيمين والخطط وبرامج وسياسات الدولة في مختلف مجالات الحياة. إن فكرة المطالبة بجعل (رأس الدولة) متمتعا بصفة هجرة هو واسرتة وأماكنه وممتلكاته والتوافق الوطني الغالب او الاجماعي على (تكبيره) أو (ترئيسه) على نحو مطلق زمنياً ومن بعده من صلح من أبنائه من شأنه أن يضمن تحقيق ما أوردته الفقرات الأربع المشار إليها آنفاً من ناحية , والاهم من ذلك انه يضمن حياديته وعدم انحيازه وتحريره من كافة اشكال الانتماء والارتباط والعمل ضمن نطاق دوائر ضيقة ومحدودة للغاية (قبلياً) أو (مناطقياً) أو (حزبيا) وهو ما يؤهله ويتوجه (مرجعية وطنية عليا ) يتولى القيادة العليا للوطن والشعب ويتولى مهام ومسئوليات الرقابة والإشراف والتصحيح والتقويم لمجريات الأمور والشئون العامة للحكم والمجتمع في إطار من الضوابط والشروط الدستورية والقانونية النافذه إن فكرة نظام( الهجرة ) هذا بقدر ما هي فكرة مستخلصة ومستنبطة من المنظومة المتكامله للقواعد والتقاليد والأعراف الوطنية المتكونة والمتبلورة عبر سلسلة من التراكمات والخبرات التي صاغها وأنضجها شعبنا اليمني على مدى مراحل تاريخية طويلة منذ أقدم العصور فإنها استلهمت روح وجوهر ومضامين ( صحيفة المدينة المنورة التي صاغها سيدنا الأعظم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم _في السنه الأولى للهجرة ’’كاول دستور في العالم يوضح ويحدد الوضع الحقوقي والعلاقات السياسية والإدارية والتنظيمية لجماعة المسلمين في علاقاتهم وتعاملاتهم بعضهم ببعض، وعلاقاتهم وتعاملاتهم مع أهل الكتاب ( اليهود) ، والتي أكدت جملة من الأحكام والمبادئ الأساسية أهمها :- 1- اعتبار أفراد المجتمع في المدينة أمة واحدة من دون الناس ، تقوم على حرية الاعتقاد الديني والمواطنة المتساوية سياسياً ومن حيث الحقوق والواجبات . 2- إبقاء كل جماعة من جماعات المهاجرين والأنصار واليهود تسير شئونها وتدير أمورها ذاتياً وفقاً لما اعتادوا عليه في السابق ما لم يتصادم مع تعاليم الدين ومكارم الأخلاق السائدة ، وفي ظل المسئولية التضامنية الجماعية لكل منها حيث ذكرت أحكام الصحيفة كل جماعة باسمها وأنهم ( على ربعتهم) “أي أفراد جماعتهم ” يتعاقلون معاقلهم الأولى ((أي مسئولية الأقارب والأسرة التضامنية )) في دفع الديات والأغرام ( العاقلة ) وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . 3- قيام المجتمع على أساس من النصرة بالحق والمعاداة بالحق : ( وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو أبتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم) . 4- تحديد المرجعية العليا لمجتمع المدينة ( وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله ) وإضافة إلى منظومة الأعراف والقواعد والتقاليد الوطنية المتكونة والموروثه تاريخياً والمضامين أو المبادئ الأساسية لصحيفة المدينة المنورة كأول دستور عالمي مكتوب ومتكامل ، فإن فكرة ” التهجير ” المشار إليها قد استلهمت واستوعبت طبيعة المجتمع اليمني وخصوصيته التي ظلت قائمة وراسخة ومعمولاً بها في مراحل ما قبل الإسلام ومراحل طويلة بعد الإسلام باعتباره مجتمعاً ( عشائرياً عشرياً قبلياً) يتسم دائماً بتعدد وتنوع وتمايز عشائري قبلي ثقافي اجتماعي ثري وعميق الجذور يضمه كيان وطني واحد يستوعب ويتمثل ويتعامل مع ذلك التعدد والتنوع والتمايز على قاعدة القبول والمشاركة والإدارة الذاتية دون طغيان الكيان المركزي الواحد وسحقه وإلغائه للكيانات المحلية ذات الخصوصية والتمايز عميق الجذور وبعيداً عن تمرد الكيانات المحلية المتمايزة على الكيان الوطني المركزي الموحد بل يظل التعدد والتنوع والتمايز في نطاق الواحد الجامع تنظمه أحكام وأسس وعلاقات وتعاملات تقوم على تقاسم وتوزع دقيق ومتكامل للسلطات والصلاحيات دون إلغاء أو إقصاء أو سحق وطغيان .. وجاء الإسلام ودخل اليمنيون فيه طواعية فملكهم الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله ما تحت أيديهم من الأرض والمرعى والسهول إلى آخره، وهكذا اعتبرت أرض اليمن أرضاً عشرية وليست خراجيه وعين الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- الولاة على مخاليف اليمن ابقاءاً واستمراراً لخصوصية تركيبة المجتمع اليمني . وبناءً على ما سبق فإن مسألة “تهجير” رأس الدولة وأسرته وأماكنه وممتلكاته و ( ترئيسه ) هو ومن بعده من صلح واستقام من أبنائه على أهميتها وضرورتها الملحة فإن الاقتصار عليها وحدها فقط غير كافٍ لتحقيق انطلاقة نهضوية وحضارية شاملة بل يجب أن تكون جزءاً من إعادة صياغة وبناء النظام السياسي برمته في بلادنا من حيث أسسه وطبيعة وظائفه وعلاقات مؤسسات الدولة على مستوى المركز الوطني والكيانات الأدنى المحلية وصلاحياتها ومسئولياتها وعلاقاتها إلخ… وعلى وجه التحديد مطلوب الآتي :- 1- إعادة النظر في شكل وطبيعة التقسيمات الإدارية المختلفة للبلاد بما يؤدي إلى إيجاد تقسيمات إدارية كبرى تحت أسماء ( مخاليف ) أو ( مقاطعات ) أو ( أقاليم ) وغيرها من الأسماء، على أن يستند هذا التقسيم إلى الأخذ بعين الاعتبار والاستفادة من دروس وتجارب الماضي لعملية التقسيم الإداري للكيانات المحلية الأكبر ، وضمن كل كيان تقسيم آخر أدنى إلى محافظات ومديريات ونواحي ، وكيفية وآلية قيام سلطاتها وهيئاتها المنتخبة انتخاباً حراً ونزيهاً ونظيفاً دون مؤثرات أو تدخلات من أي نوع بهدف إفراز قياداتها المؤثرة الحقيقية . 2- تشكيل هيئة مساعدة لرأس الدولة الذي أصبح ( المرجعية القيادية العليا) تتشكل من رؤساء الكيانات المحلية الكبرى المنتخبة انتخاباً حراً وصحيحاً ، وتكون عضوية هذه الهيئة لفترة زمنية مفتوحة غير محدودة ، ويحل نوابهم في الكيانات المحلية محلهم في رئاستها .. 3- تغيير النظام الانتخابي الحالي واستبداله بنظام آخر يرسخ ويعمق من الولاء الوطني حيث أن النظام الحالي له مخاطر بالغة الجسامة لما يؤدي إليه من حصر الاهتمام والولاء للمنطقة وليس للوطن .. 4- التأكيد على الضمانات الدستورية الكفيلة بإطلاق الحريات العامة وحقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها وتوسيعها. أما فيما يتعلق بمسألة كيفية التكييف والتأصيل الدستوري لموقع ودور وسلطات وصلاحيات ( رأس الدولة ) بعد ” تهجيره” أو (ترئيسه) على النحو الذي ذكرناه آنفاً ، وبدون المساس بجوهر وطبيعة النظام الجمهوري ، فإني أرى في هذا الإطار بأن النظام السياسي في جمهورية إيران الإسلامية هو أكثر نظام جمهوري يمكن أن نستفيد من أسسه ومضامينه الدستورية في هذه القضية وأقترح الآتي:- 1- أن ( رأس الدولة ) تحت اسم ( رئيس الجمهورية) يمكن أن ينص على اعتباره ( مرجعية وطنية عليا) تتولى القيادة والرقابة والإشراف على مختلف الأمور والشئون الرسمية والشعبية في البلاد وتكون القوات المسلحة تحت إمرته وإشرافه المباشر ، ووزارة الدفاع تكون مسئولة في الحكومة عن متابعة الشئون الإدارية والإمداد والتسليح وغيره من الجوانب الفنية والإدارية ، ويتولى ( رئيس الجمهورية ) وقد صار قبلياً… اة .
الأخيرة
تطرقنا في الحلقة السابقة من هذه التناولة ، إلى عدد من الاسباب والمبررات والدوافع التي جعلتنا نطرح فكرة تهجير رأس الدولة واسرته ومحلة وممتلكاته وترئيسه بشكل زمني مفتوح وغير محدد ومن يصلح من ابنائه بعده بقاعدة”تهجير”وتكبير عرفية مكتوبة وفقاً للأعراف والقواعد والتقاليد القبلية الموروثة أو بعقد اجتماعي سياسي وفقاً للمصطلحات الحديثة ، وهي فكرة طرحنا ها نيابة عن صاحبها ومهندسها القاضي العلامة/ محمد بن يحيى السدمي كما اشرنا في الحلقات السابقة ثم تطرقنا إلى كيفية أو آلية تحقيقها عملياً كوجهة نظر أولية مقترحة .. وبقي امامنا مسألة التكييف أو الاخراج الدستوري للفكرة أو بعبارة اخرى التأصيل الدستوري الملائم للفكرة وموقعها في سياق التنصيص لأحكام وبنود الدستور وهو الجانب الذي وعدنا بمحاولة الخوض فيه ضمن هذه الحلقة الخامسة التي غالباً ستكون الأخيرة . غير انه – وقبل البدء في تناول موضوعنا تبدو هناك ضرورة واهمية خاصة لتوضيح الهدف أو الغاية الجوهرية المراد ضمان تأكيدها وتحقيقها من وراء فكرة التهجير القبلي العشائري والسياسي ايضاً عبر مراحل تاريخية موغلة في القدم ، وفي سبيل ذلك نكتفي هنا بإقتطاف فقرات من كتاب البنية القبلية في اليمن بين الاستمرار والتغير للدكتور /فضل علي ابو أحمد غانم يحاول فيها معرفة طبيعة الهجرة في المجتمع اليمني ومنه المجتمع القبلي على وجه الخصوص والنشأة التاريخية لهذا المفهوم والدور الذي يلعبه نظام الهجرة في عملية الضبط الإجتماعي والسياسي في المجتمع وخاصة بالنسبة لحالات الحرب والمنازعات والحروب التي تحدث بين القبائل والأقسام القبلية والأشخاص بشكل شبه مستمر بالإضافة إلى الحصانة التي تتمتع بها تلك الفئات والمتمثلة في ضمان عدم الأعتداء على أعضائها في أوقات السلم والحرب معا الأمر الذي مكنها من القيام بالتوسط بين القبائل المقاتلة أو المتنازعة والتحكيم في المنازعات المختلفة ثم يستطرد الدكتور فضل أبو غانم قائلاً ( ومن ثم فإن الهجرة للمكان أو الإنسان لها ارتباط قوي بطبيعة الحياة اليومية للمجتمع القبلي وبالسياسة القبلية وذلك فهي تمنح للأشخاص والفئات التي تقوم بحل المنازعات والخلافات بين الافراد وكل ما يتعلق أو يتصل بهم ، حيث يصبح الاعتداء أو الإساءة إليهم من الأمور التي يحكم فيها العرف بعقوبات شديد كما يشمل ذلك المكان الذي قيمون فيه و كذلك الحيوانات والأموال والأشجار التي يمتلكونها والاشخاص الذين يكونون في حمايتهم ورعايتهم. وتهدف هذه الحماية إلى جعل الأشخاص والفئات الذين يقومون بالتدخل في حل المنازعات والتحكيم فيها بعيد ين عن وسائل التخويف أو التهديد عند القيام بالتوسط في النزاع أو عند إصدار الأحكام من قبل أي من الاطراف المتنازعة). ويضيف قائلاً : ( وما ينطبق على هجرة السوق ينطبق على الأماكن الأخرى أو الأشخاص الذين يعرفون بأسم (الهجرة ) والتي تمثل (الحرم) الآمن لتطبيق العدل والأمن والضمان بالسلامة للإطار المحيط بها بعيداً عن المنازعات القبلية وبذلك فهي تضيف إلى البعد الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والثقافي في النظام القبلي بعداً جديداً يتمثل في البعد الامني الذي من خلاله يمكن معالجة الفوضى السياسية شبه المستمرة انتهى كلام الدكتور فضل أبو غانم . وتأسيساً على مضمون الفقرا ت المقتبسة إضافة إلى ماسبق إيضاحه في ثنايا الحلقات السابقة من هذه التناولة إن نظام الهجرة في السياق العام لمنظومة التقاليد والقواعد والأعراف الوطنية الموروثة والمتراكمة عبر مراحل موغلة في القدم من تاريخنا وخصوماتنا الوطنية والضاربة بجذورها الراسخة في اعماق الواقع والوجدان الشعبي والتي اصبحت ممارسة وسلوكاً عملياً يومياً وتلقائياً حتى وقتنا الحاضر . إن هذا النظام أي الهجرة تشكل وتجذر بغرض ضمان تحقيق جملة من الغايات والأهداف الرئيسية واهمها . 1- ضمان حيادية واستقلال ونزاهة من يتمتعون بصفة الهجرة وضمان عدم انحيازهم أو موالاتهم أو محاباتهم لأي طرف من الأطراف المتنازعة والمتقاتلة اثناء تدخلهم وتحكيمهم في حل المنازعات والحروب والمنافسات بين الأفراد والجماعات . 2- منحهم حصانة وحماية كاملتين بأشخاصهم وفئاتهم واماكنهم وممتلكاتهم والمحتمين بهم ، لضمان إبعادهم تماماً عن المؤثرات والضغوط واساليب التخويف والتهديد والترهيب في عملهم وأحكامهم التي يصدرونها في حل المشكلات والنزاعات والحروب 3- تأكيد وترسيخ دورهم كمراجع يتم عادة اللجوء والاحتكام إليها والقبول بأحكامها المحايدة العادلة في كافة اشكال المنازعات والمشاكل ن بإتفاق وقبول ورضى الجميع ذلك ان غياب مثل ذلك الدور ألتحكيمي المرجعي من شأنه استمرار وتصاعد حدة ونطاق المنازعات والحروب إلى ما لانهاية . 4- ضمان وحيادية عاصمة الدولة ومدنها وطرقها العامة ومرافقها ومؤسساتها وممتلكاتها ومشاريعها الإنتاجية والخدمية ودور العلم والعبادة فيها وأسواقها والمساحات المخصصة لإجتماعات القبائل الرئيسة والفرعية (المساريخ) ومفردها مسراخ ودور القضاء والمحاكم والقضاء ورجال العلم والتعليم وأصحاب الأعمال والحرف المهنية والصناع والمزارعين ومحيي الأفراح والفنانين (دواشين وأخدام) وموظفي الدولة وعمالها وضيوفها من الأجانب والنساء والأطفال وغير ذلك بهدف عدم توقف واستمرار مختلف المجالات وألانشطة العامة والإقتصادية والانتاجية والتعليمية والثقافية والإجتماعية ومصادر المعيشة والرزق والمنافع العامة الحيوية الضرورية …….إلخ. والحقيقة أن نظام الهجرة بهذه الصورة مرتبط بالمنظومة المتكاملة للتقاليد والقواعد والأعراف الملزمة يعتبر مفيداً وإيجابيا ورائعاً من حيث كونه يوفر أرضية وأجواء وشروطاً موضوعية ملائمة وكاملة إمام عملية التنمية والتطور والأمن و الاستقرار والأمان للبلاد والمواطنين والمقيمين والخطط وبرامج وسياسات الدولة في مختلف مجالات الحياة. إن فكرة المطالبة بجعل (رأس الدولة) متمتعا بصفة هجرة هو واسرتة وأماكنه وممتلكاته والتوافق الوطني الغالب او الاجماعي على (تكبيره) أو (ترئيسه) على نحو مطلق زمنياً ومن بعده من صلح من أبنائه من شأنه أن يضمن تحقيق ما أوردته الفقرات الأربع المشار إليها آنفاً من ناحية , والاهم من ذلك انه يضمن حياديته وعدم انحيازه وتحريره من كافة اشكال الانتماء والارتباط والعمل ضمن نطاق دوائر ضيقة ومحدودة للغاية (قبلياً) أو (مناطقياً) أو (حزبيا) وهو ما يؤهله ويتوجه (مرجعية وطنية عليا ) يتولى القيادة العليا للوطن والشعب ويتولى مهام ومسئوليات الرقابة والإشراف والتصحيح والتقويم لمجريات الأمور والشئون العامة للحكم والمجتمع في إطار من الضوابط والشروط الدستورية والقانونية النافذه إن فكرة نظام( الهجرة ) هذا بقدر ما هي فكرة مستخلصة ومستنبطة من المنظومة المتكامله للقواعد والتقاليد والأعراف الوطنية المتكونة والمتبلورة عبر سلسلة من التراكمات والخبرات التي صاغها وأنضجها شعبنا اليمني على مدى مراحل تاريخية طويلة منذ أقدم العصور فإنها استلهمت روح وجوهر ومضامين ( صحيفة المدينة المنورة التي صاغها سيدنا الأعظم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم _في السنه الأولى للهجرة ’’كاول دستور في العالم يوضح ويحدد الوضع الحقوقي والعلاقات السياسية والإدارية والتنظيمية لجماعة المسلمين في علاقاتهم وتعاملاتهم بعضهم ببعض، وعلاقاتهم وتعاملاتهم مع أهل الكتاب ( اليهود) ، والتي أكدت جملة من الأحكام والمبادئ الأساسية أهمها :- 1- اعتبار أفراد المجتمع في المدينة أمة واحدة من دون الناس ، تقوم على حرية الاعتقاد الديني والمواطنة المتساوية سياسياً ومن حيث الحقوق والواجبات . 2- إبقاء كل جماعة من جماعات المهاجرين والأنصار واليهود تسير شئونها وتدير أمورها ذاتياً وفقاً لما اعتادوا عليه في السابق ما لم يتصادم مع تعاليم الدين ومكارم الأخلاق السائدة ، وفي ظل المسئولية التضامنية الجماعية لكل منها حيث ذكرت أحكام الصحيفة كل جماعة باسمها وأنهم ( على ربعتهم) “أي أفراد جماعتهم ” يتعاقلون معاقلهم الأولى ((أي مسئولية الأقارب والأسرة التضامنية )) في دفع الديات والأغرام ( العاقلة ) وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . 3- قيام المجتمع على أساس من النصرة بالحق والمعاداة بالحق : ( وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو أبتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم) . 4- تحديد المرجعية العليا لمجتمع المدينة ( وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله ) وإضافة إلى منظومة الأعراف والقواعد والتقاليد الوطنية المتكونة والموروثه تاريخياً والمضامين أو المبادئ الأساسية لصحيفة المدينة المنورة كأول دستور عالمي مكتوب ومتكامل ، فإن فكرة ” التهجير ” المشار إليها قد استلهمت واستوعبت طبيعة المجتمع اليمني وخصوصيته التي ظلت قائمة وراسخة ومعمولاً بها في مراحل ما قبل الإسلام ومراحل طويلة بعد الإسلام باعتباره مجتمعاً ( عشائرياً عشرياً قبلياً) يتسم دائماً بتعدد وتنوع وتمايز عشائري قبلي ثقافي اجتماعي ثري وعميق الجذور يضمه كيان وطني واحد يستوعب ويتمثل ويتعامل مع ذلك التعدد والتنوع والتمايز على قاعدة القبول والمشاركة والإدارة الذاتية دون طغيان الكيان المركزي الواحد وسحقه وإلغائه للكيانات المحلية ذات الخصوصية والتمايز عميق الجذور وبعيداً عن تمرد الكيانات المحلية المتمايزة على الكيان الوطني المركزي الموحد بل يظل التعدد والتنوع والتمايز في نطاق الواحد الجامع تنظمه أحكام وأسس وعلاقات وتعاملات تقوم على تقاسم وتوزع دقيق ومتكامل للسلطات والصلاحيات دون إلغاء أو إقصاء أو سحق وطغيان .. وجاء الإسلام ودخل اليمنيون فيه طواعية فملكهم الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله ما تحت أيديهم من الأرض والمرعى والسهول إلى آخره، وهكذا اعتبرت أرض اليمن أرضاً عشرية وليست خراجيه وعين الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- الولاة على مخاليف اليمن ابقاءاً واستمراراً لخصوصية تركيبة المجتمع اليمني . وبناءً على ما سبق فإن مسألة “تهجير” رأس الدولة وأسرته وأماكنه وممتلكاته و ( ترئيسه ) هو ومن بعده من صلح واستقام من أبنائه على أهميتها وضرورتها الملحة فإن الاقتصار عليها وحدها فقط غير كافٍ لتحقيق انطلاقة نهضوية وحضارية شاملة بل يجب أن تكون جزءاً من إعادة صياغة وبناء النظام السياسي برمته في بلادنا من حيث أسسه وطبيعة وظائفه وعلاقات مؤسسات الدولة على مستوى المركز الوطني والكيانات الأدنى المحلية وصلاحياتها ومسئولياتها وعلاقاتها إلخ… وعلى وجه التحديد مطلوب الآتي :- 1- إعادة النظر في شكل وطبيعة التقسيمات الإدارية المختلفة للبلاد بما يؤدي إلى إيجاد تقسيمات إدارية كبرى تحت أسماء ( مخاليف ) أو ( مقاطعات ) أو ( أقاليم ) وغيرها من الأسماء، على أن يستند هذا التقسيم إلى الأخذ بعين الاعتبار والاستفادة من دروس وتجارب الماضي لعملية التقسيم الإداري للكيانات المحلية الأكبر ، وضمن كل كيان تقسيم آخر أدنى إلى محافظات ومديريات ونواحي ، وكيفية وآلية قيام سلطاتها وهيئاتها المنتخبة انتخاباً حراً ونزيهاً ونظيفاً دون مؤثرات أو تدخلات من أي نوع بهدف إفراز قياداتها المؤثرة الحقيقية . 2- تشكيل هيئة مساعدة لرأس الدولة الذي أصبح ( المرجعية القيادية العليا) تتشكل من رؤساء الكيانات المحلية الكبرى المنتخبة انتخاباً حراً وصحيحاً ، وتكون عضوية هذه الهيئة لفترة زمنية مفتوحة غير محدودة ، ويحل نوابهم في الكيانات المحلية محلهم في رئاستها .. 3- تغيير النظام الانتخابي الحالي واستبداله بنظام آخر يرسخ ويعمق من الولاء الوطني حيث أن النظام الحالي له مخاطر بالغة الجسامة لما يؤدي إليه من حصر الاهتمام والولاء للمنطقة وليس للوطن .. 4- التأكيد على الضمانات الدستورية الكفيلة بإطلاق الحريات العامة وحقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها وتوسيعها. أما فيما يتعلق بمسألة كيفية التكييف والتأصيل الدستوري لموقع ودور وسلطات وصلاحيات ( رأس الدولة ) بعد ” تهجيره” أو (ترئيسه) على النحو الذي ذكرناه آنفاً ، وبدون المساس بجوهر وطبيعة النظام الجمهوري ، فإني أرى في هذا الإطار بأن النظام السياسي في جمهورية إيران الإسلامية هو أكثر نظام جمهوري يمكن أن نستفيد من أسسه ومضامينه الدستورية في هذه القضية وأقترح الآتي:- 1- أن ( رأس الدولة ) تحت اسم ( رئيس الجمهورية) يمكن أن ينص على اعتباره ( مرجعية وطنية عليا) تتولى القيادة والرقابة والإشراف على مختلف الأمور والشئون الرسمية والشعبية في البلاد وتكون القوات المسلحة تحت إمرته وإشرافه المباشر ، ووزارة الدفاع تكون مسئولة في الحكومة عن متابعة الشئون الإدارية والإمداد والتسليح وغيره من الجوانب الفنية والإدارية ، ويتولى ( رئيس الجمهورية ) وقد صار قبلياً… اة .