الحلقة الاولى
يظل أسلوب الحوار المفتوح المتحرر من كل الضغوط والقيود الكابحة دائماً وأبداً هو الوسيلة الناجحة الوحيدة لمعالجة الأزمات والمشاكل والخروج بحلول ومعالجات سليمة وفعالة للمشاكل والأزمات والخلافات مهما كان حجمها وخطرها وآثارها السلبية . ذلك أن مبدأ الحوار الحر والشفاف والصريح الخالي من أجواء ومؤثرات وضغوط الإرهاب الفكري والقهر والقمع والتخويف هو وحده القادر على إعطاء التوصيف والتشخيص الدقيق والصائب لمشكلات وأزمات الواقع واختلالاته وتناقضاته ، ومن ثم إيجاد الحلول والمعالجات العملية الفعالة والناضجة لها برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة وعلى نحو حقيقي وموضوعي وجاد ، موفرة أسلوب الحوار الحر لجميع الأطراف المعنية ذات العلاقة دون استبعاد الحوار الحر لجميع الأطراف المعنية ذات العلاقة دون استبعاد أو قيد أو إقصاء أو خوف أو تهميش سواء جاء عن طريق القوة والغلبة أو عن الإستبداد الديمقراطي ، الناتج عن الأغلبية العددية ، فالنتيجة النهائية لكليهما واحدة . ومن هنا اكتسبت الديمقراطية الليبرالية بمفهومها الشامل ميزة رئيسية لتلافي احتمالات الوقوع في شراك الاستبداد الديمقراطي ، يجعل وسائل وأدوات وقنوات الحوار جميعها مفتوحة ومتاحة ومكفولة لجميع الأفراد والجماعات والآراء والتوجيهات والأحزاب السياسية والفكرية والنقابات والمنظمات للتعبير بكل حرية عن أرائها وأفكارها ومعتقداتها وبرامجها لا فرق بين حاكم ومحكوم فرداً كان أم جماعة ، وهذه الميزة بقدر ما تجنب المجتمع الوقوع في شراك الاستبداد الديمقراطي بالأغلبية العددية ، فإنها تخلق مناخاً صحياً تتمكن من خلاله الأقلية من تحاشي التهميش والإلغاء ، وتواصل نشاطها للتأثير في الرأي العام وجذبه إلى تأييد أرائها وبرامجها وتحقيق الأغلبية المطلوبة لتحقيقها ، وهو ما يساهم في تطوير وتفعيل مستويات الوعي السياسي والثقافي لأفراد وقطاعات المجتمع ، ويحفزهم على المشاركة النشطة الفاعلة في مجالات العمل العام ، ذلك أن عزوف المجتمع -بشكل متزايد- عن المشاركة وسلبيته وعدم مبالاته يعتبر مؤشراً ونذير شؤم بوجود خلل بالغ الخطورة ، يهدد المجتمع ونظامه السياسي ونسيجه الاجتماعي ، وهو أمر يقلق من يحكم بأكثر مما يقلق المعارض على عكس ما هو قائم في مجتمع كمجتمعنا اليمني حيث تعتبر السلطات أن معيار نجاحها يتحدد بمدى قدرتها على دفع أوسع قطاعات المجتمع وخاصة قواه الفاعلة النوعية نحو السلبية واليأس واللامبالاة والتهميش بمختلف وسائل الترهيب والقمع والاستبداد والترويع والتجويع إلخ ، ظانة أن ذلك هو أفضل وسيلة وأسلوب لضمان استمرار الحاكمين ودوام سلطتهم ، ورغم التسليم بأن مثل ذلك الظن قد يكون صحيحاً – إلى حد ما في حماية واستمرار الحاكمين – إلا أن النتيجة النهائية كارثة محققة للمجتمع والوطن ولو على المدى البعيد . أقول ما سبق كمدخل تمهيدي لأطروحات ستتناولها هذه الدراسة ، بات من الضروري والملح طرحها تحت وهج شمس ساطعة انطلاقاً من حرص وطني ومسئولية أخلاقية ، فلقد صدمني وهالني كثيراً تلك الحملة الإعلامية الشرسة من حيث طبيعتها ومداها ، التي جردتها صحف حكومية وناطقة باسم الجيش أو القوات المسلحة ، وصحف أهلية مدعومة حكومياً في مواجهة أراء شخصية طرحتها في سياق حوار تلفزيوني أجراه برنامج ((الإتجاه المعاكس)) في ((قناة الجزيرة الفضائية)) طلب إلى المشاركة فيه يوم 15/8/2000م ، حول اليمن ووحدته وأوضاعه وأفاق مستقبله ، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لا تزال تلك الحملة الهستيرية تتواصل على نحو أو آخر ، وكم كنت أتمنى من كل قلبي صادقاً ، أن أجد في مضامين تلك الحملة الإعلامية ، أو على الأقل في القليل منها ، مناقشة تنقد وتفند وتحلل وتدحض كل أو بعض الآراء أو الملاحظات والأفكار التي عبرت عنها في برنامج الإتجاه المعاكس وفي غيره ، لعلي استفيد منها في إثراء أو تصحيح أو مراجعة أو حتى تغيير ما ذهبت إليه من رؤى وتصورات وآراء تمثل اجتهادات وقناعات شخصية قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة وربما تكون غير مكتملة وقاصرة تحتاج إلى مراجعة وتصحيح وإنضاج ، وهو ما لا تستطيع أي وسيلة من الوسائل أن تحققه سوى وسيلة الحوار الحر الهادف الصريح وحدها وليس شيء سواها …. واعترف أنني وقفت مدهوشاً وحائراً ومحبطاً أيضاً ، حين وجدت كل مضامين الحملة الإعلامية المضادة في الصحف الرسمية وصحف الحزب الحاكم وغيرها من الصحف الأهلية الدائرة في فلكهما ، لا تحمل سوى الشتائم والإتهامات والتخوين والتفسيق ، والإستهداف الشخصي دون الإقتراب من آرائي وأفكاري المعبر عنها سلمياً ، وهو مالم يتح أمامي أية إمكانية للدخول في تلك الحملة بأي قدر من الحوار الهادف والبناء والإيجابي ، لالتزامي الصارم بمنهج ثابت يقضي بعدم الدخول مطلقاً في جدل ومهاترات مع أطروحات تقتصر على الشخص وتبتعد عن الموضوع ولا يلتزم بآداب الحوار وأخلاقيات إدارة الخلاف الفكري . والأكثر إيلاماً مجاراة بعض مسئولي الدولة لمنهج ومضامين تلك الحملة الصحفية غير الإيجابية مضيفين إليها عبارات التهديد والوعيد ، وما كان ينبغي لهم ولا يليق بمراكزهم ومسئولياتهم فعل ذلك ، وإلا أصبحت الحياة تسير بغير قواعد وضوابط وقوانين ومرجعيات تضبط إيقاعاتها وتعيد توازنها بقدر معقول من الحيادية الإيجابية والمسئولية الموضوعية العادلة . ولعله مما يبعث على القلق والفزع العميقين أن يكون أسلوب ومضامين تلك الحملة الصحفية الشرسة وغير الموضوعية منهجاً عاماً يحكم طبيعة التعاطي والتعامل مع قضايا ومشكلات الوطن وهمومه في مختلف مجالات حياته وشئونه ، وإذا ما كان ذلك كذلك – وهو ما نأمل أن لا يكون – فمن المحتم أن يقودنا إلى كارثة وفتنة لن يبقى أي منا جميعاً بمنأى عن آثاراها ونتائجها المدمرة . إن سيادة واستفحال منهج التعاطي والتعامل الخاطئ والمتخلف مع قضايا ومشكلات وأزمات وهموم شعبنا ووطننا اليمني ، أفرز لنا قاموساً عجيباً غريباً من الشعارات والمصطلحات والصيغ مثل : ((إمامي – عميل – خائن – طائفي – انفصالي – مناطقي – كافر – مرتد)) وغيرها من المصطلحات التي بولغ في استخدامها على نحو مبتذل في مواجهة الخصوم ، أو المناوئين السياسيين ، إرهاباً لهم وإقصاء لوجودهم وإلغاء لدورهم المشروع في العمل الوطني العام دون أن يعي مستخدمو هذه المصطلحات والشعارات – بابتذال وبمناسبة ودون مناسبة – أو يدركوا الخطورة البالغة الكامنة وراء سوء استخدام وتوظيف مثل تلك المصطلحات فيما تخلفه من انعكاسات وردود أفعال وآثار نفسية سلبية وعميقة ، تظل عبر عملية تراكمية طويلة الأمد تتفاعل وتعتمل تحت السطح غير المرئي ، محدثة تأثيرات وتحولات وأخاديد عميقة في التفكير والعقل الفردي والجمعي على حد سواء ، وتظل في حالة تحفز وتأهب للتعبير عن نفسها ، على شكل طفرات وتفجرات عنيفة ومدمرة متى ما تهيأت أمامها ظروف ومتغيرات وأجواء داخلية وخارجية ملائمة ومواتية ، ويكون الوطن – حينئذ – الخاسر الأكبر ويكون الشعب كله هو من يدفع الثمن باهضاً بسبب ذلك المصير الذي ضيعناه بأيدينا وبذرنا بذوره الخبيثة في ظل غياب الوعي والإدراك والشعور بالمسئولية ، وتعاملنا مع القضايا الإستراتيجية بعقلية تحكمها عوامل الإستخفاف والسطحية والعبث والمزاح غير الجاد ، والنظرة القاصرة الضيقة واللحظية العاجزة تماماً عن استشراف آفاق المستقبل البعيد . وإذا أخذنا الحملة الصحفية الهستيرية كمقياس ونموذج لما هو سائد في حياتنا العامة ، فهل يمكن لأحد أن يتصور ما هو أكثر بؤساً وإفلاساً وتعاسة من أن تركز سياسات تلك الصحف الرسمية والشبه رسمية وكتابات كتابها بكل الإهتمام والعناية على شكل الشخص المستهدف ونوع ملبسه وطريقة جلوسه وإيحاءات نظراته وهمساته ولمساته ولفتاته ، فمنهم من غرق في بحر التخيل فلم يستطع أن يرى في الشخص موضوع الإنتقاد والهجوم سوى أنه يعيش في بحبوحة من العيش ورغد الحياة يغمره المال والثراء المتدفق عليه من كل اتجاه ، والبعض الآخر أجهد نفسه في تأليف وأختلاق حكايات و(حوازي) اسقطوها إسقاطاً نفسياً جوياً على حياة وماضي الشخص محل انتقادهم وهجومهم ، والبعض الثالث نسي الله وحكمته في خلقه فأنساه الله نفسه ، وأحل الحاكم محل الله سبحانه ، فالحاكم يمن على الناس بالحياة والرزق ويقضي عليهم بالموت والعوز على نحو ما تصوره تجاه الشخص المستهدف بالنقد والهجوم ، وراح الجميع يتبارى في فنون السباب والشتائم والتخوين والتجريم دون أن يقتربوا قيد أنملة من منطقة رأي ووجهة نظر الذي ينتقدونه ويهاجمونه . وأخيراً جاءتنا الطامة الكبرى حين هبط علينا من غابر الوقت إنسان على حين غرة ، فهمنا من قوله أنه يحمل (شمعة) الثورة والجمهورية والحرية والديمقراطية معاً ، كوثيقة مرور يدخل بها المعمعة الدائرة ، وجاءنا هذا القادم الجديد – القديم بأساليب في النقاش والحوار ما سبقه إليها أحد من العالمين ، وأشهر اسلحة عتيقة عفى عليها الزمن منذ أمد بعيد ، فإن كنتم تريدون معرفة ماذا قال هذا فتعالوا وانظروا بمن أبتلاني .. لقد أستهل هذا معركته بسباحة غير ماهرة في بحر الأنساب ، والأصول المعرفية والسلاليه القديمة ، فمنحني شرف الإنتساب إلى أعلاها ، وأشرفها قدراً وهو ما يشكر عليه هذا أولاً ، ثم ألقى بقنبلة صوتية مذهلة من صنع العصور الجاهلية الأولى على واقع القرن الواحد والعشرين باكتشافه الفذ غير المسبوق لحقيقة أن (العدنانيين) الذين سكنوا اليمن ، (القحطانية) منذ أكثر من (1200) ألف ومائتي عام إنما هم ضيوف على اليمنيين (القحاطنة) أكرموا وفادتهم وأحسنوا إليهم ، وهؤلاء العدنانيون لم يمنحهم (صاحبنا) الجنسية اليمنية بعد بسبب سوء تصرفاتهم وفساد أخلاقهم!! ، ونسي في زحمة أفكاره (المتخفية) أن يحدثنا عن مصير الهجرات العدنانية الأولى ، من (كنانة) إلى اليمن والشام والبحرين ، وما إذا كان هؤلاء قدموا إلى اليمن قبل ألاف السنين قد حصلوا على الجنسية اليمنية أم لا يزالون محرومين منها مثل إخوانهم اللاحقين في الهجرة !!؟ . وواصل (صاحبنا) معركته في طريق وعر وخطير موثقاً شهادته المريعة بأن ((أجدادي وآبائي من الأئمة الهاشميين الحديث العهد قاموا بأغتصاب طلاب المدارس جنسياً من الذكور طبعاً وأضافوا على ذلك ممارسة الزنا مع النساء (المحصنات) بالقوة))!!!… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هل سمع أي منا أن أحداً قد سجل شهادة مثل هذه الشهادة قديماً أو حديثاً؟ وهل تعلمون ماذا تعني مثل هذه الشهادة بالنسبة لواقع الحال الذي نعيش فيه في الوقت الراهن ؟ إلا تعتقدون معي أن هذه الشهادة علامة بارزة من علامات قيام الساعة ؟! وهل استطاع أحد ممن قرأ وشهد معركة هذا القادم العتيق المخبر بأحداث الماضي السحيق أن يدرك أو يعي شيئاً مما أراده أو هدف إلى إيضاحه؟ إن علينا جميعاً أن ندرك تماماً بأن كل اليمنيين على أرض الوطن اليمني مواطنون – لا رعايا – يقفون جميعاً على قدم المساواة في المواطنة ، وإن مسئولية وواجب المواطنة باتت تفرض علينا ، وجوباً ، أن ننتشل تفكيرنا بالقضايا والمشكلات والهموم الوطنية من سراديب الظلام والهمس الخافت إلى الأفق المضيء المشرق الفسيح والحوار الحر والمفتوح والمسموع ، وذلك حتى لا نترك المجال لأمراض العقول والقلوب والعميان البصر والبصيرة ، ولأسرى التخلف والأحقاد والفرقة – يعملون معاول الهدم والتخريب في كياننا وتفكيرنا الوطني ويعيثون في الأرض فساداً وإفساداً ، ويدفعون بنا نحو الكارثة والهلاك . وهو ما ستفعله بأذن الله تعالى وتوفيقه في الحلقات القادمة من هذه الدراسة التي تهدف إلى فتح الجروح المتقيحة وتنظيفها لتبرأ وتبرأ الأجزاء المتعفنة لضمان سلامة الجسم كله مستندين إلى مبدأ المكاشفة والوضوح والمصارحة لإخراج تفكيرنا من دائرة المشاعر الباطنية المكبوتة إلى دائرة فعل العقل الظاهر المستنير من خلال إدارة حوار وطني واسع وشامل وصريح وصادق للخروج بمشروع وطني مجمع عليه لصنع المستقبل المشرق الواعد على أرض وطننا لنا ولأجيالنا القادمة من بعدنا … فإلى اللقاء
يظل أسلوب الحوار المفتوح المتحرر من كل الضغوط والقيود الكابحة دائماً وأبداً هو الوسيلة الناجحة الوحيدة لمعالجة الأزمات والمشاكل والخروج بحلول ومعالجات سليمة وفعالة للمشاكل والأزمات والخلافات مهما كان حجمها وخطرها وآثارها السلبية . ذلك أن مبدأ الحوار الحر والشفاف والصريح الخالي من أجواء ومؤثرات وضغوط الإرهاب الفكري والقهر والقمع والتخويف هو وحده القادر على إعطاء التوصيف والتشخيص الدقيق والصائب لمشكلات وأزمات الواقع واختلالاته وتناقضاته ، ومن ثم إيجاد الحلول والمعالجات العملية الفعالة والناضجة لها برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة وعلى نحو حقيقي وموضوعي وجاد ، موفرة أسلوب الحوار الحر لجميع الأطراف المعنية ذات العلاقة دون استبعاد الحوار الحر لجميع الأطراف المعنية ذات العلاقة دون استبعاد أو قيد أو إقصاء أو خوف أو تهميش سواء جاء عن طريق القوة والغلبة أو عن الإستبداد الديمقراطي ، الناتج عن الأغلبية العددية ، فالنتيجة النهائية لكليهما واحدة . ومن هنا اكتسبت الديمقراطية الليبرالية بمفهومها الشامل ميزة رئيسية لتلافي احتمالات الوقوع في شراك الاستبداد الديمقراطي ، يجعل وسائل وأدوات وقنوات الحوار جميعها مفتوحة ومتاحة ومكفولة لجميع الأفراد والجماعات والآراء والتوجيهات والأحزاب السياسية والفكرية والنقابات والمنظمات للتعبير بكل حرية عن أرائها وأفكارها ومعتقداتها وبرامجها لا فرق بين حاكم ومحكوم فرداً كان أم جماعة ، وهذه الميزة بقدر ما تجنب المجتمع الوقوع في شراك الاستبداد الديمقراطي بالأغلبية العددية ، فإنها تخلق مناخاً صحياً تتمكن من خلاله الأقلية من تحاشي التهميش والإلغاء ، وتواصل نشاطها للتأثير في الرأي العام وجذبه إلى تأييد أرائها وبرامجها وتحقيق الأغلبية المطلوبة لتحقيقها ، وهو ما يساهم في تطوير وتفعيل مستويات الوعي السياسي والثقافي لأفراد وقطاعات المجتمع ، ويحفزهم على المشاركة النشطة الفاعلة في مجالات العمل العام ، ذلك أن عزوف المجتمع -بشكل متزايد- عن المشاركة وسلبيته وعدم مبالاته يعتبر مؤشراً ونذير شؤم بوجود خلل بالغ الخطورة ، يهدد المجتمع ونظامه السياسي ونسيجه الاجتماعي ، وهو أمر يقلق من يحكم بأكثر مما يقلق المعارض على عكس ما هو قائم في مجتمع كمجتمعنا اليمني حيث تعتبر السلطات أن معيار نجاحها يتحدد بمدى قدرتها على دفع أوسع قطاعات المجتمع وخاصة قواه الفاعلة النوعية نحو السلبية واليأس واللامبالاة والتهميش بمختلف وسائل الترهيب والقمع والاستبداد والترويع والتجويع إلخ ، ظانة أن ذلك هو أفضل وسيلة وأسلوب لضمان استمرار الحاكمين ودوام سلطتهم ، ورغم التسليم بأن مثل ذلك الظن قد يكون صحيحاً – إلى حد ما في حماية واستمرار الحاكمين – إلا أن النتيجة النهائية كارثة محققة للمجتمع والوطن ولو على المدى البعيد . أقول ما سبق كمدخل تمهيدي لأطروحات ستتناولها هذه الدراسة ، بات من الضروري والملح طرحها تحت وهج شمس ساطعة انطلاقاً من حرص وطني ومسئولية أخلاقية ، فلقد صدمني وهالني كثيراً تلك الحملة الإعلامية الشرسة من حيث طبيعتها ومداها ، التي جردتها صحف حكومية وناطقة باسم الجيش أو القوات المسلحة ، وصحف أهلية مدعومة حكومياً في مواجهة أراء شخصية طرحتها في سياق حوار تلفزيوني أجراه برنامج ((الإتجاه المعاكس)) في ((قناة الجزيرة الفضائية)) طلب إلى المشاركة فيه يوم 15/8/2000م ، حول اليمن ووحدته وأوضاعه وأفاق مستقبله ، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لا تزال تلك الحملة الهستيرية تتواصل على نحو أو آخر ، وكم كنت أتمنى من كل قلبي صادقاً ، أن أجد في مضامين تلك الحملة الإعلامية ، أو على الأقل في القليل منها ، مناقشة تنقد وتفند وتحلل وتدحض كل أو بعض الآراء أو الملاحظات والأفكار التي عبرت عنها في برنامج الإتجاه المعاكس وفي غيره ، لعلي استفيد منها في إثراء أو تصحيح أو مراجعة أو حتى تغيير ما ذهبت إليه من رؤى وتصورات وآراء تمثل اجتهادات وقناعات شخصية قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة وربما تكون غير مكتملة وقاصرة تحتاج إلى مراجعة وتصحيح وإنضاج ، وهو ما لا تستطيع أي وسيلة من الوسائل أن تحققه سوى وسيلة الحوار الحر الهادف الصريح وحدها وليس شيء سواها …. واعترف أنني وقفت مدهوشاً وحائراً ومحبطاً أيضاً ، حين وجدت كل مضامين الحملة الإعلامية المضادة في الصحف الرسمية وصحف الحزب الحاكم وغيرها من الصحف الأهلية الدائرة في فلكهما ، لا تحمل سوى الشتائم والإتهامات والتخوين والتفسيق ، والإستهداف الشخصي دون الإقتراب من آرائي وأفكاري المعبر عنها سلمياً ، وهو مالم يتح أمامي أية إمكانية للدخول في تلك الحملة بأي قدر من الحوار الهادف والبناء والإيجابي ، لالتزامي الصارم بمنهج ثابت يقضي بعدم الدخول مطلقاً في جدل ومهاترات مع أطروحات تقتصر على الشخص وتبتعد عن الموضوع ولا يلتزم بآداب الحوار وأخلاقيات إدارة الخلاف الفكري . والأكثر إيلاماً مجاراة بعض مسئولي الدولة لمنهج ومضامين تلك الحملة الصحفية غير الإيجابية مضيفين إليها عبارات التهديد والوعيد ، وما كان ينبغي لهم ولا يليق بمراكزهم ومسئولياتهم فعل ذلك ، وإلا أصبحت الحياة تسير بغير قواعد وضوابط وقوانين ومرجعيات تضبط إيقاعاتها وتعيد توازنها بقدر معقول من الحيادية الإيجابية والمسئولية الموضوعية العادلة . ولعله مما يبعث على القلق والفزع العميقين أن يكون أسلوب ومضامين تلك الحملة الصحفية الشرسة وغير الموضوعية منهجاً عاماً يحكم طبيعة التعاطي والتعامل مع قضايا ومشكلات الوطن وهمومه في مختلف مجالات حياته وشئونه ، وإذا ما كان ذلك كذلك – وهو ما نأمل أن لا يكون – فمن المحتم أن يقودنا إلى كارثة وفتنة لن يبقى أي منا جميعاً بمنأى عن آثاراها ونتائجها المدمرة . إن سيادة واستفحال منهج التعاطي والتعامل الخاطئ والمتخلف مع قضايا ومشكلات وأزمات وهموم شعبنا ووطننا اليمني ، أفرز لنا قاموساً عجيباً غريباً من الشعارات والمصطلحات والصيغ مثل : ((إمامي – عميل – خائن – طائفي – انفصالي – مناطقي – كافر – مرتد)) وغيرها من المصطلحات التي بولغ في استخدامها على نحو مبتذل في مواجهة الخصوم ، أو المناوئين السياسيين ، إرهاباً لهم وإقصاء لوجودهم وإلغاء لدورهم المشروع في العمل الوطني العام دون أن يعي مستخدمو هذه المصطلحات والشعارات – بابتذال وبمناسبة ودون مناسبة – أو يدركوا الخطورة البالغة الكامنة وراء سوء استخدام وتوظيف مثل تلك المصطلحات فيما تخلفه من انعكاسات وردود أفعال وآثار نفسية سلبية وعميقة ، تظل عبر عملية تراكمية طويلة الأمد تتفاعل وتعتمل تحت السطح غير المرئي ، محدثة تأثيرات وتحولات وأخاديد عميقة في التفكير والعقل الفردي والجمعي على حد سواء ، وتظل في حالة تحفز وتأهب للتعبير عن نفسها ، على شكل طفرات وتفجرات عنيفة ومدمرة متى ما تهيأت أمامها ظروف ومتغيرات وأجواء داخلية وخارجية ملائمة ومواتية ، ويكون الوطن – حينئذ – الخاسر الأكبر ويكون الشعب كله هو من يدفع الثمن باهضاً بسبب ذلك المصير الذي ضيعناه بأيدينا وبذرنا بذوره الخبيثة في ظل غياب الوعي والإدراك والشعور بالمسئولية ، وتعاملنا مع القضايا الإستراتيجية بعقلية تحكمها عوامل الإستخفاف والسطحية والعبث والمزاح غير الجاد ، والنظرة القاصرة الضيقة واللحظية العاجزة تماماً عن استشراف آفاق المستقبل البعيد . وإذا أخذنا الحملة الصحفية الهستيرية كمقياس ونموذج لما هو سائد في حياتنا العامة ، فهل يمكن لأحد أن يتصور ما هو أكثر بؤساً وإفلاساً وتعاسة من أن تركز سياسات تلك الصحف الرسمية والشبه رسمية وكتابات كتابها بكل الإهتمام والعناية على شكل الشخص المستهدف ونوع ملبسه وطريقة جلوسه وإيحاءات نظراته وهمساته ولمساته ولفتاته ، فمنهم من غرق في بحر التخيل فلم يستطع أن يرى في الشخص موضوع الإنتقاد والهجوم سوى أنه يعيش في بحبوحة من العيش ورغد الحياة يغمره المال والثراء المتدفق عليه من كل اتجاه ، والبعض الآخر أجهد نفسه في تأليف وأختلاق حكايات و(حوازي) اسقطوها إسقاطاً نفسياً جوياً على حياة وماضي الشخص محل انتقادهم وهجومهم ، والبعض الثالث نسي الله وحكمته في خلقه فأنساه الله نفسه ، وأحل الحاكم محل الله سبحانه ، فالحاكم يمن على الناس بالحياة والرزق ويقضي عليهم بالموت والعوز على نحو ما تصوره تجاه الشخص المستهدف بالنقد والهجوم ، وراح الجميع يتبارى في فنون السباب والشتائم والتخوين والتجريم دون أن يقتربوا قيد أنملة من منطقة رأي ووجهة نظر الذي ينتقدونه ويهاجمونه . وأخيراً جاءتنا الطامة الكبرى حين هبط علينا من غابر الوقت إنسان على حين غرة ، فهمنا من قوله أنه يحمل (شمعة) الثورة والجمهورية والحرية والديمقراطية معاً ، كوثيقة مرور يدخل بها المعمعة الدائرة ، وجاءنا هذا القادم الجديد – القديم بأساليب في النقاش والحوار ما سبقه إليها أحد من العالمين ، وأشهر اسلحة عتيقة عفى عليها الزمن منذ أمد بعيد ، فإن كنتم تريدون معرفة ماذا قال هذا فتعالوا وانظروا بمن أبتلاني .. لقد أستهل هذا معركته بسباحة غير ماهرة في بحر الأنساب ، والأصول المعرفية والسلاليه القديمة ، فمنحني شرف الإنتساب إلى أعلاها ، وأشرفها قدراً وهو ما يشكر عليه هذا أولاً ، ثم ألقى بقنبلة صوتية مذهلة من صنع العصور الجاهلية الأولى على واقع القرن الواحد والعشرين باكتشافه الفذ غير المسبوق لحقيقة أن (العدنانيين) الذين سكنوا اليمن ، (القحطانية) منذ أكثر من (1200) ألف ومائتي عام إنما هم ضيوف على اليمنيين (القحاطنة) أكرموا وفادتهم وأحسنوا إليهم ، وهؤلاء العدنانيون لم يمنحهم (صاحبنا) الجنسية اليمنية بعد بسبب سوء تصرفاتهم وفساد أخلاقهم!! ، ونسي في زحمة أفكاره (المتخفية) أن يحدثنا عن مصير الهجرات العدنانية الأولى ، من (كنانة) إلى اليمن والشام والبحرين ، وما إذا كان هؤلاء قدموا إلى اليمن قبل ألاف السنين قد حصلوا على الجنسية اليمنية أم لا يزالون محرومين منها مثل إخوانهم اللاحقين في الهجرة !!؟ . وواصل (صاحبنا) معركته في طريق وعر وخطير موثقاً شهادته المريعة بأن ((أجدادي وآبائي من الأئمة الهاشميين الحديث العهد قاموا بأغتصاب طلاب المدارس جنسياً من الذكور طبعاً وأضافوا على ذلك ممارسة الزنا مع النساء (المحصنات) بالقوة))!!!… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هل سمع أي منا أن أحداً قد سجل شهادة مثل هذه الشهادة قديماً أو حديثاً؟ وهل تعلمون ماذا تعني مثل هذه الشهادة بالنسبة لواقع الحال الذي نعيش فيه في الوقت الراهن ؟ إلا تعتقدون معي أن هذه الشهادة علامة بارزة من علامات قيام الساعة ؟! وهل استطاع أحد ممن قرأ وشهد معركة هذا القادم العتيق المخبر بأحداث الماضي السحيق أن يدرك أو يعي شيئاً مما أراده أو هدف إلى إيضاحه؟ إن علينا جميعاً أن ندرك تماماً بأن كل اليمنيين على أرض الوطن اليمني مواطنون – لا رعايا – يقفون جميعاً على قدم المساواة في المواطنة ، وإن مسئولية وواجب المواطنة باتت تفرض علينا ، وجوباً ، أن ننتشل تفكيرنا بالقضايا والمشكلات والهموم الوطنية من سراديب الظلام والهمس الخافت إلى الأفق المضيء المشرق الفسيح والحوار الحر والمفتوح والمسموع ، وذلك حتى لا نترك المجال لأمراض العقول والقلوب والعميان البصر والبصيرة ، ولأسرى التخلف والأحقاد والفرقة – يعملون معاول الهدم والتخريب في كياننا وتفكيرنا الوطني ويعيثون في الأرض فساداً وإفساداً ، ويدفعون بنا نحو الكارثة والهلاك . وهو ما ستفعله بأذن الله تعالى وتوفيقه في الحلقات القادمة من هذه الدراسة التي تهدف إلى فتح الجروح المتقيحة وتنظيفها لتبرأ وتبرأ الأجزاء المتعفنة لضمان سلامة الجسم كله مستندين إلى مبدأ المكاشفة والوضوح والمصارحة لإخراج تفكيرنا من دائرة المشاعر الباطنية المكبوتة إلى دائرة فعل العقل الظاهر المستنير من خلال إدارة حوار وطني واسع وشامل وصريح وصادق للخروج بمشروع وطني مجمع عليه لصنع المستقبل المشرق الواعد على أرض وطننا لنا ولأجيالنا القادمة من بعدنا … فإلى اللقاء