مرشح الرئاسة عبدالله سلاّم الحكيمي في حوار صريح لـ»البلاغ

     نريد گسر الحاجز التأريخي للحكم وأن نرى رئيساً من حضرموت أو عدن أو تعز الرئيسُ ليس مكروهاً لشخصه، وإنما مكروهٌ لسياساته والدولة الإتحادية هي الحل الحوارُ مع السياسي المعروف/ عبدالله سلاّم الحكيمي يكتسبُ أهميةً عندما يرتبطُ بالانتخابات الرئاسية.. ربما يتساءلُ البعضُ لماذا أقدم عبدُالله سلاّم الحكيمي على ترشيح نفسه للرئاسة؟، ولماذا هو في الخارج ولم يعد حتى الآن؟، ولماذا طرح فكرةَ الأقاليم الأربعة، وفكرة الدولة الإتحادية؟، ولماذا منافسة الرئيس/ علي عبدالله صالح؟. كلُّ هذه الأسئلة وغيرها كانت الهدفَ من وراء الحوار، بالإضافة إلى رغبتنا في أن نجعلَ القارئ على معرفة كاملة بشخصية مرشح الرئاسة؛ لأن المواطنَ هو الذي سيُعطي صوتـَه لهذا المرشح أو ذاك.. منافسةُ الرئيس لها أسبابُها عند الرجل.. اعتبَرَ أن »28« عاماً كافية للرئيس.. واعتبَرَ أن هناك حاجزاً تأريخياً في المنافسة على الرئاسة.. تمَنـَّى أن يجدَ يوماً  ما رئيساً من حضرموت أو عدن  أو تعز أو الحديدة.. يرى ضرورةَ فصل أيّ  قاضٍ أو أكاديمي جامعي يتعاملُ مع المخابرات.. خمسُ ساعات كانت خلاصةََ الحوار الذي حاولنا فيه أن نأتيَ على كل الأفكار التي طرحها مرشحُ الرئاسة في برنامجه.. الحوارُ كان أشبهَ بالمكاشفة وهو بالمقابل كان جريئاً وواضحاً في أنه يريدُ أن يكونَ واضحاً مع المواطن أولاً وأخيراً؛ لأنه هو الذي سيقولُ كلمةَ الفصل في الانتخابات الرئاسية. في الجانب الاقتصادي هناك أفكارٌ جريئة مثل تخصيص »5٥٪« من موارد النفط لمؤسسة الضمان الإجتماعي، وأفكار أخرى.. في الجانب العسكري هناك إلغاء المؤسسة العسكرية نهائياً.. لكن الوقتَ لم يسعفـْـنا لمناقشة الجانبين الاقتصادي والعسكري، لكننا موعودون بإكمال الحوار في أعداد قادمة.. { أجرى الحوار/ رئيس التحرير أولاً: لماذا جاءت فكرةُ الترشح للرئاسة؟ >> الترشحُ للرئاسة جاءَ مفاجئاً تماماً لي، لم أكن في أيِّ وقت من الأوقات أفكرُ بالترشح لا للرئاسة ولا لأي موضع يتطلبُ الترشحَ ما دون ذلك، ولكن وجدتُ أن الأوضاعَ في البلاد تسيرُ حقيقةً نحو انهيار شامل، إذا استمرت الأوضاعُ على ما هي عليه الآن، ثم وجدت إحجاماً من الشخصيات التي ينبغي لها أن ترشحَ نفسَها لأسباب عديدة جعلها تحجم عن ترشيح نفسها رغم أنها مؤهلة وقادرة، فلم يعد أمامي من خيار سوى أن أعلنَ عن رغبتي في الترشح رغم علمي بأني لستُ بأفضل من الشخصيات البارزة التي كان مؤملاً منها أن تعلنَ عن ترشيح نفسها، هذا من جانب، ومن جانب آخر وجدتُ أن كلَّ الرؤى والبرامج المطروحة للإصلاحات حتى الآن لم تعالج الأزمة الحقيقية للنظام، بل طرحت حلولاً يمكن وصفُها بأنها جزئيةٌ على سبيل المثال.. طرحُ صيغة النظام البرلماني بدلاً عن النظام الرئاسي، وهذه صيغة جيدة لكنها جزئية، ذلك أن الذي يسيطر على النظام الرئاسي سيسيطر على النظام البرلماني بالتأكيد، وهكذا كان برنامجي يطرح صيغة الدولة الاتحادية الديمقراطية اللامركزية باعتبارها إعادة بناء للنظام السياسي بأكمله، ويحقق تداولاً سلمياً للسلطة فعلياً وحقيقياً. > أنت ذكرتَ أن الترشحَ جاء لتجاوز أزمة النظام.. ما هي هذه الأزمة؟. >> أزمةُ النظام تتمثلُ في السيطرة الأسرية العسكرية، الأمنية على النظام، وهذا ما فتح البابَ على مصراعيه للفساد والإفساد العام، وأصبح الشعارُ الديمقراطي على هامشيته مجرد شعار لا معنى له؛ لأنه لا يتجسَدُ عملياً على أرض الواقع من حيث التداول السلمي للسلطة، ومن حيث التلاعب الواسع في نتائج الانتخابات وتزويرها، أي بعبارة أخرى هناك نظامٌ فردي أسري عسكري قمعي يتدثرُ بدثار الديمقراطية الزائفة. هذه الطبيعةُ للنظام هي التي انتجت سائرَ الاختلالات في سائر النظام في بلادي. > قد يقولُ البعضُ بأننا نعيشُ في وضع ديمقراطي وأن هذا هو خيار الشعب؟. >> الديمقراطيةُ المدعاةُ في بلادنا لا تتعدى كونها مجرد شعار تتداولـُه دوائرُ الإعلام الرسمية، ومن وجهة نظري فلا وجودَ لشيء اسمه ديمقراطية على الإطلاق وذلك للأسباب التالية: ١- فردٌ يسيطرُ على كل صغيرة وكبيرة في البلاد. ٢- أسرتـُه وأقاربُه ومقرَّبوه يسيطرون على مفاصل السلطة وهم الحكام الفعليون للبلاد. ٣- عدمُ وجود القضاء النزيه والمستقل والحيادي. ٤- غيابُ سيادة القانون. ٥- غيابُ الفصل بين سلطات الدولة. ٦- تزويرُ الانتخابات وهذا أمرٌ بات معلوماً. خلاصة ذلك كله أننا لا نسمعُ عن ديمقراطية في ظل غياب البُنية الأساسية ولو بحدها الأدنى لها. وهذا ما يوجبُ إعادةَ بناء النظام السياسي برمته لكي ندخل البلد على أول طريق للديمقراطية الحقيقية. > أنت أشرت إلى فردية السلطة هل تقصد أسرة الرئيس؟، أم منطقة؟، أم جهة معينة؟. >> المقصودُ هو الرئيسُ شخصياً كحاكم أول، ثم أسرته المقربون، ثم أبناء عشيرته.. دوائرُ بعضُها فوق بعض، كلُّ واحدة تسلم إلى الأخرى، والأدهى من ذلك أن الوظيفة العامة في زماننا هذا باتت هي الأخرى تورَّثُ، فأبناءُ كبار المسؤولين مدنيين وعسكريين صاروا يورثون المناصبَ القيادية كلـَّها تقريباً، وأولُ ما يعيَّنُ هذا الابنُ وزيراً أو ما يعادلُ ذلك.. فأين هي سلطة الشعب إذاً؟!.. بقيةُ فئات الشعب ستصبحُ بعد عقدين أو ثلاثة عبارةً عن خدَم لهؤلاء الذين يتوارثون الوظائفَ العامة للدولة بدون وجه حق. > ألا تعتبرُ أن التنافـُسَ عبر صندوق الانتخابات للرئاسة هو اعترافٌ بالديمقراطية حتى لو أدى إلى ترشح نجل الرئيس بدلاً عنه؟. >> في دساتير العالم أو معظمَ دول العالم الديمقراطي يحرم على قرابة الرجل الأول في الدولة إلى درجة معينة استلام مناصب قيادية، أو الدخول في مشاريع تجارية خوفاً من سوء استغلال سلطة الوالد أو القريب، ناهيك عما لذلك من أثر في إفساد الحياة السياسية الطبيعية، ولو كنا في بلد تجري فيه الانتخابات نزيهةً وشفافةً ولا يجري فيها تزويرٌ لقبلنا ذلك الأمر على علاته؛ لأننا ندرك أن للشعب بصيرةً نافذةً يستطيعُ بها أن يميز بين الغث والسمين.. دعني أفشي لك بسر، في انتخابات 1997م مثلاً أقصد انتخابات الرئاسة قيل هناك مرشح منافس وهو نجيب قحطان الشعبي.. علمت بعد سنوات من إجراء هذه الانتخابات من مصادر صديقة لي ساهمت في فرز نتائج الانتخابات أن قحطان حصل على ما لا يقل عن مليوني صوت ورغم أن هذه الأصوات لا تؤهله للفوز بمنصب الرئاسة إلا أن حجمَها أفزع الحاكم وجرى التلاعب بها ولو كان الحاكمُ فطناً وكيِّساً لكان ترك النتيجة كما هي خاصة وأنها لا تؤثر على الحكم، ولكان أصبح أن يوصف أن هناك ديمقراطية، لكن أنظمة الحكم الديكتاتورية عادة ما تفزع من هبة نسيم لو جاءت من اتجاه معاكس. > كلامك هذا يعني أنه لا مانع من ترشح نجل الرئيس لكن على أن يكون هنالك فاصلٌ بين فترة حكم الرئيس، وترشيح نفسه، ولو فترة واحدة؟. >> نحن مستعدون للقبول بترشيح الرئيس، وابنه معه إن أرادا أو حتى ابن الرئيس بدون مُحلـِّل، أهم شيء في رأيي أن تكون الانتخابات نزيهةً وشفافةً وتحت إشراف دولي مباشر، كما جرى في فلسطين، ودعنا نسقط الحواجز كلها حتى لا يقولوا بأننا نضعُ شروطاً تعجيزيةً أمامهم. > البعضُ يقولُ: إن مشكلة الانتخابات ليس في التزوير في النتائج النهائية ولكن التلاعب يكون قد سبق أثناء تقسيم الدوائر ومن خلال استخدام المال العام في شراء الأصوات؟. >> بالتأكيد أنه حينما نطالبُ بالإشراف الدولي والمحلي أيضاً فإننا نقصُدُ به إشرافاً على كل مراحل العملية الانتخابية ابتداءً من جداول الناخبين ومروراً بالإقتراع، وانتهاءً بالفرز وليس هناك ما يعيبُ من الناحية الدستورية أن يكون هناك إشرافٌ دولي مباشرٌ، بل وحتى إدارة دولية للانتخابات طالما واليمن عضوٌ في المنظمة الدولية، ووقـّعت على كل المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحريات العامة، وحقوق الإنسان، والحقوق المدنية والسياسية…الخ، فالإشرافُ الدولي هنا ليس تدخلاً في شؤون السيادة، وإنما إعمال للسيادة الأممية التي وقـّعنا على معاهداتها في إطار يسمى بالسيادة الوطنية. > ماذا عن التلاعُب بالأموال العامة في الانتخابات؟. >> ألم أقل لك قبل قليل بأن الدولة والبلاد بمالها وناسها ومؤسساتها بيد فرد واحد يديرُها عبر الأقارب والمقربين على ما يشاء وكما يشاء، ولا يوجد هناك فصل بين المال العام والمال الخاص ومال الدولة، ومال الحزب الحاكم، والتنافـُسُ في وضع كما هو الحال في بلادنا إنما يتم عادةً بين الدولة بكل سُلطاتها وإمكاناتها وقراراتها وقوتها، وبين منافسين مُعارضين لا يملكون شيئاً.. هذا هو الوضعُ في بلادنا، وليست هنالك ديمقراطية لا يتوفر فيها تكافؤ الفرص.. فالحاكمُ الذي يستطيعُ أن يفصُلَ من الوظيفة مَن يشاء، ويعينَ مَن يشاء، والذي يستطيع أن يمنحَ المالَ أو يحجبه بدون ضوابط قانونية، والذي يتحكم بالقضاء ويملي عليه قراراته بل ويتعدى على قضاة بطريقة مخالفة للقانون هو الحاكم مدى الحياة.. من هنا قلنا وأكدنا في برنامجنا الانتخابي أنه لا بد من تغيير النظام برمته وإعادة تأسيسه وفق الشروط والمقومات الديمقراطية.. أعطني بالله عليك مقراً أو مكتباً أو مالاً يعتبر ملكاً خاصاً للحزب الحاكم.. أليست كلها من الممتلكات العامة؟!.. وإذا كان يجوزُ للأحزاب أن تتملكَ الممتلكات العامة فلماذا لا تكونُ قاعدةً عامةً؟!.. هل هذا يحدُثُ في بلد ديمقراطي؟!، ومن هذا الذي يقولُ لنا أن في اليمن ديمقراطيةً والحال هذه. > السلطةُ تقولُ: إننا لا نعيشُ حالةً ديمقراطيةً كاملةً.. ولكننا في أول سُلّم للديمقراطية؟. >> سمعتُ ذات مرة من فخامة الرئيس يقول لي: إن هنالك كثيراً من الأصوات تنبهه وتحذره بالقول: إلى أين أنت ذاهب يا فخامة الرئيس لقد تجاوزت ديمقراطيتنا ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.. وكان هنالك في هذه الجلسة أربعةُ شهود لا زالوا أحياءً، ولا داعي لذكر أسمائهم إلا إذا اضطررت.. فقلت له: يا فخامة الرئيس إن هؤلاء يكذبون عليك، فلا تصدقهم، نحن لم نخطُ الخطوةَ الأولى بعد نحو الديمقراطية الحقيقية.. وعوقبت على هذا القول بإيقافي في الصومال سنين عدداً، وكان عمل سنة في السفارة بالصومال كسنين مما يعد الناس. > إذاً نقولُ: إن القضيةَ تكمُنُ في البطانة التي لا تقول الحقيقة للأخ الرئيس؟. >> بالتأكيد هي البطانة، ولكن البطانة هذه لم تأت من فراغ، بل اختيرت بطانةً اختياراً دقيقاً ووفق شروط معينة تضمن أن الكل يجب أن يقولَ: »كله تمام يا فندم« و»رويدك يا فندم«، و»إمش الهوينا يا فندم حتى لا نثير حسد أمريكا وبريطانيا«!!، الحاكم لا يريد إلا من يقول له هذا، وأشهد أن النظام تحرى كثيراً وكان دقيقاً في اختيار بطانته من هذه الشاكلة، وهذه هي بذورُ فناء هذا النظام. > مما سبق يتضحُ أنْ لا أمل لك في الفوز.. إذاً لماذا الترشح؟. >> أدرك ذلك، وأعلم أنه حتى عند مرحلة التزكية حسب المعلومات التي وصلتني أن هناك تهديدات لأعضاء مجلسي النواب والشورى بأنْ لا يزكوا إلا من يريدون أن يزكوه وإلا تعرضوا للويل والثبور وعظائم الأمور.. ولكنني مع ذلك أراهنُ على صحوة ضمير عند هؤلاء المئات من هؤلاء الأعضاء وأن يقفوا في لحظة تأريخية وجهاً لوجه أمام مسؤوليتهم أمام الله وشعبهم ليقولوا كلمة حق، ولهذا طالبنا بأن يكونَ هناك إشرافٌ دولي كاملٌ على مراحل العملية الانتخابية كلها، وأضفنا إلى ذلك كما قال الدكتور/ عبدالرحمن البيضاني وهو من الذين أعلنوا رغبتهم في الترشح بأن أية عمليات للتصفية الجسدية أو الترهيب للمرشحين أو مناصريهم فإن رأسَ النظام يتحملُ المسؤولية شخصياً، ونحن في مجتمع دولي جديد سوف يلاحقُ كُلَّ مَن يرتكبُ جريمةً ضد الإنسانية في سماء أو أرض ولن يجد له ملجأً.. ذلك من محاسن النظام الجديد إن صدق. > أنتم تراهنون على المجتمع الدولي.. بينما هو يتحرك ضمن مصالحه أولاً وأخيراً، والنظام الذي يوفر له هذه المصالحَ فإنه سيتم غض الطرف عن أية تجاوزات في مجال الحريات وحقوق الإنسان. >> نعم نحنُ نراهنُ على المجتمع الدولي بمطالبته فقط بأن يضمن الحد الأدنى لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة في حين أن النظامَ قد باع البلادَ والعبادَ لهذا المجتمع الدولي وقواه ويراهن عليه في قوت الشعب.. وأنا أعلم يقيناً أن المراهنة على المجتمع الدولي لا يجبُ أن تكونَ كاملةً، هذا ما تؤكده لنا التجارب السابقة.. هل علمت أن الفرَقَ الدوليةَ التي قدمت في الانتخابات البرلمانية لعام ٧٩٩١م جاءت وفي جعبتها بيانات جاهزة الصياغة مسبقاً تشهد بأن الانتخابات قد جرت على أحسن ما يرام؟!!، ذلك أن القوى الدولية النافذة تكيل بأكثر من مكيال، وتقيس بأكثر من معيار وفقاً لمصالحها وحساباتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.. وأنا شخصياً لا أعلق كبيرَ تعويل على المنظمات الدولية.. كل ما أطمح إليه من وراء ترشح يبدو في مهب الريح هو أن نمارسَ قدراً متزايداً من إنهاك واستنزاف الفساد، وأنْ لا نترك الساحةَ له وحدَه يعيثُ ويلوثُ فيها كيف يشاءُ، على الأقل محاولاتنا هذه وأن بدت يائسة لكنها عسى ذات يوم أن توقظ النيامَ، وتوقظ الضمائرَ الميتة، فيهب كما قال المؤرخون قديماً: »إن لليمنيين هبات كهبات السباع« وإنا لمنتظرون لهؤلاء السباع. > ماذا عن أحزاب المعارضة ودورها في هذه الانتخابات وفي إرساء قواعد العملية الديمقراطية؟. >> أحزابُ اللقاء المشترَك وهي المعارضة الحقيقية تقف أمام مفترق طرُق حاسمة بالذات في هذه المرحلة، حيث بلغت الأحوال في البلاد مستوىً مخيفاً من الانهيار، فإما أن تبادرَ إلى أخذ زمام دورها بالكامل أو أن يجعلها الرأي العام خلف ظهره، وهي مطالبةٌ أول شيء بأن تتفقَ على مرشح جاد واحد يمثلها لانتخابات تنافسية يتوفر فيها الحد الأدنى من الجدية والتنافس.. وفي اعتقادي أن الشعب بات أكثرَ من أي وقت مضى يؤمنُ بضرورة التغيير، وأنا على يقين بأن الشعب سيغير.. والكرةُ الآن واقفة عند مرمى أحزاب اللقاء المشترك، وفي كل الأحوال إذا لا سمح اللهُ تخاذل اللقاء المشترك عن القيام بدوره أو دخل في مساومات غير ذات جدوى فإن الشعبَ سيتجاوزُه وسيوجد هناك مرشحون يرى فيهم الشعبُ محلاً لثقته، وبالتأكيد سيمنحُهم أصواته.. وفي قواعد العمل السياسي فإن المهم قبل أي شيء آخر هو كيفية التقاط الموقف المناسب في اللحظة المناسبة.. وما لم يتم ذلك يكون العمل السياسي قد تخلف كثيراً عن طموح الجماهير وأمانيه، وبالتالي يخسر العمل السياسي المعارض كثيراً من رصيده لـدى الجماهير بل ويفتقد حتى دوره وهو ما لا نريدُه للقاء المشترك الذي يمثل بصيص أمل وسط الظلام الدامس الذي تعيشُه البلادُ. > ماذا عن المقولة: »جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه«؟، هل ستكونُ شعارَ اللقاء المشترك؟.. >> المقولةُ صحيحةٌ.. ولكن غير الصحيح هو تفسيرُها.. بمعنى أن (الجني) إذا عرفته يسهل عليك مقاومته ومصارعته، وليس الإستكانة له كما يتم تأويلها خطأً.. > ماذا عن أحزاب “المجلس الوطني للمعارضة”؟. >> “المجلسُ الوطني للمعارضة” أمرُه غريبٌ وعجيبٌ، فحينما ألقيت كلمتـُه في المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم ظن الضيوفُ الكرامُ الوافدون من الكثير من الدول بعقولهم سوءاً إذ لم يستطيعوا أن يميزوا إن كان هذا المجلسُ معارضاً أم موالياً للحكم، فقد كانت كلمته أكثر إشادة وتمجيداً للحكم من كلمة قادة الحزب الحاكم نفسه.. ولهذا لست أدري هو معارضة لمن؟!. > نأتي الآن إلى البرنامج.. ذكرت في برنامجك أنك ستقوم بإلغاء لجنة شؤون الأحزاب ليكونَ القضاء هو جهة الفصل في حال نشوب نزاعات أو تجاوزات. في حال التجاوزات مَن هي الجهة التي ستتقدم إلى القضاء هل هي وزارة الداخلية؟، إذاً ستكون نقلت الأحزاب من لجنة خاصة إلى وزارة الداخلية!!. >> مسألةُ تشكيل الأحزاب يجب أن يكون مفتوحاً دون قيد مهما بلغ عددُها.. فالعملية الديمقراطية تملك دينامكية فعالة لفرز تلك الأحزاب، وتحديدَ الأحزاب الجادة من غير الجادة.. وطالما أنه لا يلحق الدولة ولا المجتمع أي ضرر مادي أو معنوي من تشكيل الأحزاب فلماذا نفرض قيوداً على تأسيسها.. وطالما صناديق الإقتراع هي وحدَها التي تحدد الحزبَ أو الأحزابَ التي يمنحون ثقتها من خلال الناخبين فلماذا القيود إذاً؟.. وفي اعتقادي أنه لو تركت عملية تأسيس الأحزاب وتشكيلها دون قيود فإن طبيعة العملية الديمقراطية ستفضي في المحصلة النهائية إلى بلورة وإفراز الأحزاب الكبيرة وغيرها، وستتبلور التعددية الحزبية بحزبين كبيرين أو ثلاثة دون أن يكون هناك أي قسر أو قهر لعملية التبلور تلك.. وكل من هو متضرر من نشاط هذا الحزب أو ذاك، سواء كانت الحكومة أو الهيئات أو المنظمات أو الأفراد فمآلُه الوحيدُ القضاءُ مدعياً ومدعَى عليه، والقضاءُ وحدَه هو الذي يفصل في هذه المنازعات، مثلما يفصُلُ في مسألة تنازُع سلطات الدولة نفسها وتضارب اختصاصاتها.. ولهذا ليس فقط سأقوم بإلغاء لجنة شؤون الأحزاب بل وإلغاء قانون الأحزاب ذاته.. فالدستور أباح تشكيلَ الأحزاب فلماذا يقيده القانون إذاً؟!.. > في هذه الحالة مَن سيديرُ العمليةَ الانتخابية؟. >> المفترَضُ حينما تكونُ مؤسساتُ الدولة مَبنيةً على أسُس صحيحة من الديمقراطية وسيادة القانون فإن القضاءَ هو المؤهلُ لإدارة العملية الانتخابية، باعتباره مستقلاً ومحايداً ولا أجد جهة أخرى مؤهلة لإدارة العملية الإنتخابية من القضاء في حالة صلاحه. > فإذا لم يكن صالحاً.. أليس هناك من منزلة بين المنزلتين؟. >> بلى هناك منزلةٌ بين المنزلتين، أو ما يمكن أن نسميَه مرحلةً انتقاليةً.. وفي هذا فأنا أميل إلى الأخذ بالرأي الذي طرحه الأستاذ/ محمد قحطان -رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح الذي انطلق فيه من مادة في الدستور تقول بإجراء انتخابات نزيهة، ودعا من خلال هذا النص جميعَ أطراف العملية السياسية حُكاماً ومعارضين إلى الحوار والتفاهم والإتفاق على لجنة انتخابية يتوفر لها الاستقلالُ والحياديةُ والنزاهةُ بحق وحقيق.. حينها يمكن الاطمئنان إلى أن الانتخابات يمكن أن يتوفرَ لها أقصى قدر ممكن من الحيادية والنزاهة إلى أن يتم تصحيحُ وإصلاحُ وضع القضاء في بلادنا. > ما يجري اليومَ من تفاهم بين أحزاب المعارضة واللجنة العليا للانتخابات ألا يمثل هذا التفاهم الذي ذكرت؟. >> لا، أبداً لا يمثلـُه قيدَ أنملة.. فلقد أفزعت حقاً حينما أقرت اللجنةُ العليا للانتخابات مبدأَ تقسيم اللجان الانتخابية أثلاثاً.. ثلثٌ للحزب الحاكم ومَن إليه، وثلثٌ للقاء المشترك، وثلثٌ للجنة العليا للانتخابات.. ما أفزعني حقاً، بأية مشروعية تجيزُ اللجنة العليا لنفسها أن تكون طرفاً في الصراع الانتخابي.. إن هذا المقترح يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن اللجنة العليا ليست طرفاً محايداً بل هي طرف في الصراع، وهي بذلك تخالف الدستور والقانون، والأدهى من ذلك أن اللجنة راحت تسقط حجمَ الثلث أصواتاً فجعلت لنفسها عدداً من الأصوات يكافئ ثلثَ اللجان.. المشكلةُ أن اللجنةَ العليا إذا استثنينا ممثلاً واحداً للإصلاح، وآخر للإشتراكي، فإن باقيَ أعضائها يمثلون الحزبَ الحاكم، أو الأمن لا فرق. فالذي انتخبهم هم أصحابُ الأغلبية داخل البرلمان.. وفي هذا إفتئاتٌ ونقضٌ لمبدأ الحيادية والاستقلال، ولهذا كان مقترحُ محمد قحطان وجيهاً ومعقولاً ينسجمُ مع الدستور والقانون. > الدستورُ أو القانونُ يقول بأن من حق اللجنة العليا وحدَها أن تختارَ أعضاءَ ورؤساءَ اللجان.. ومن حق الأحزاب وضع مندوبين في كل الدوائر الانتخابية.. وبالتالي فإن ما تعطيه اللجنة للأحزاب هو تنازُلٌ عن حق من حقوقها. >> ذلك يكونُ صحيحاً حينما تتوفر في اللجنة العليا معاييرُ الاستقلالية والحيادية المنصوصُ عليها في الدستور والقانون، أما إذا لم تتوفر تلك المعايير -وهي بالتأكيد غير متوفرة- يصبحُ الأمرُ تحكماً بالعملية الانتخابية من قبل الحزب الحاكم، أو قل الدولة بكاملها، ولعل تنازل اللجنة -إذا صح وصفُه بالتنازل- هو ما يؤكد عدمَ توافر معايير الاستقلالية والحيادية وإلا لما كان هناك داعٍ للتنازل عن حق من حقوقها. > ذكرت في برنامجك أن هنالك مجلساً أحدهما مجلسُ النواب والآخر مجلسُ الأعيان، وكلاهما بالانتخاب.. ما الفرق بينهما؟.. وهل سيكونُ أحدُهما برلماناً بمعنى الكلمة، والآخر مجلساً للترضية كما هو حاصلٌ اليوم؟، بمعنى أن الشروطَ ستكون مشددةً على أحدهما والآخر يكون صورياً؟. >> هذا نظامٌ معمولٌ به في الدول الديمقراطية عادةً، وهو يسمى بنظام المجلسين كنوع من أنواع خلق التوازن بين الوحدات الإدارية المكونة للدولة، فأحدُهما يقومُ على الأغلبية العددية للسكان، والآخر يقوم على التمثيل المتساوي للوحدات الإدارية المكونة للدولة. هو نوعٌ من التحاشي لهضم الكيانات الصغيرة، من حيث العدد السكاني، وهو نظام إيجابي في اعتقادي، ولكل مجلس من المجلسين اختصاصاتٌ وسلطاتٌ يحددُها الدستورُ، ويضمن ذلك التوازنَ المنشودَ، ويجبُ أن يكون المجلسان معاً منتخبين، وليس كما هو الحالُ اليوم في بلادنا، حيث يتشكلُ مجلس الشورى كله وفقاً لأمزجة التعيين التي يقومُ بها الحاكمُ، فهذا تناقـُضٌ صارخٌ للمبدأ الديمقراطي. > هنالك فصلٌ بين دور الرئيس وأية تغييرات دستورية تعتمد على الأغلبية في مجلس النواب ثم على الاستفتاء الشعبي.. فكيف بالحال إذا فزت في الانتخابات الرئاسية؟.. كيف ستغير الدستور لتطبق برنامجَك؟!، مع العلم أن الأغلبية هي مع المؤتمر الشعبي العام الذي لا شك أنه لن يوافقَ على هذه التغييرات؟. >> إذا ما فزت في الانتخابات وهو ما أرجحه فإن ذلك الفوز لن يكون فوزاً لشخصي، وإنما فوزاً لبرنامجي الانتخابي، بعبارة أخرى إنه يمثل استفتاء شعبياً بالموافقة على ما ورد في البرنامج، ومن هنا يكسب البرنامج مشروعيته وشعبيته، ويصبح هو ما يريده الشعب، ولهذا فإن خطواتي في تنفيذ ما يتضمنه البرنامج ستتخذ الخطوات الرئيسية التالية: أولاً: وضع البرنامج موضع التطبيق فوراً بجميع مجالاته، وليس للتعديلات الدستورية فقط. ثانياً: سأشكل حكومةً وسأمنحُها كل صلاحيات وسلطات الرئيس لوضع البرنامج موضع التطبيق. ثالثاً: من ضمن تطبيقات البرنامج سأشكل هيئةً وطنيةً من المتخصصين والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب لصياغة دستور جديد يستلهم مضامين البرنامج، وسيطرَحُ هذا الدستورُ الجديدُ على مجلس النواب لمناقشته، فإما أن يقرَّه أو يرفضَه.. وفي حالة رفضه سأنزله لاستفتاء شعبي، فإن وافق عليه الشعبُ بالأغلبية يعتبر مجلسُ النواب منحلاً، وإن لم يوافق عليه الشعبُ قدمت استقالتي. > إذا فزتَ في الانتخابات قد يكون معظمُ المصوِّتين لك صوّتوا ليس من أجل البرنامج وإنما حُبُّ في تغيير الوضع، وبالتالي فوزُك هو ليس بحجة في أنه استفتاءٌ على البرنامج، وإنما استفتاءٌ على التغيير، وبالتالي فإن الشعب إذا لم يوافق على التغييرات الدستورية فإن تقديمَك للاستقالة يعتبَرُ خـُذلاناً للشعب الذي أراد تغييرَ السلطة. >>  أتفقُ معك في هذه الرؤية تماماً، والدليلُ هو ما ذكرته لك آنفاً من حصول مرشح الرئاسة السابق/ نجيب قحطان الشعبي على مليوني صوت، فإن ذلك لم يكن لشخصيته، ولكن رغبةٌ في التغيير.. لكن المرشحَ عادةً قد اشترط عليه القانونُ أن يكونَ له برنامجٌ انتخابيٌّ، والتصويتُ له هنا يتم بالتظافر بين رغبة في التغيير، وتأييد للبرنامج.. والبرنامج هو في كل الأحوال عبارةٌ عن ميثاق أو عهد بين المرشح والناخبين، ففي حالة عدم موافقة الناخبين على التعديلات الدستورية التي وردت أصلاً في البرنامج الانتخابي فإنني حينما استقيلُ ليس خذلاناً للشعب لكن الشعب يكونُ هو من خذلني وليس عليَّ حجة.. فإذا كان قد أعطاني صوتـَه ونجحت في الانتخابات من أجل التغيير فإن هذه التعديلات هي التغيير.. فلماذا لا يوافق عليها؟.. > قد يكونُ مرادُ الناخب تغييرَ شخص الرئيس، ولهذا ففوزُك يعد بالنسبة للناخب جزءً من التغيير المطلوب، وقد يوافق الناخبُ على كثير من برنامجك ولكن ليس بشكل كامل؟. >> الرئيسُ ليس مكروهاً لشخصه، وإنما مكروهٌ لسياساته، وليس الحكمةُ الجوهريةُ من التداوُل السلمي للسلطة تغييرَ الوجوه، وإنما تغييرُ السياسات والمناهج وإلا أصبحت العمليةُ أقربَ إلى مسابقات ملكات جمال العالم.. واعتقد أن الشعبَ يريدُ التغييرَ لتحسين أحواله، ومستوى معيشته، وانتزاع حقوقه، وصون كرامته، ولو كان الرئيس/ علي عبدالله صالح مستعداً وجاداً لتغيير جذري وشامل للأوضاع وهو ما نستبعدُه؛ لأن »٨٢« عاماً من الحكم كافيةٌ للتجربة فإن الشعب لن يتردد في منحه ثقتـَه.. ولكنه بعد هذه الفترة الطويلة لن يفعلَ فيما تشير إليه استطلاعات الرأي. > جاء في برنامجك: إن برلمانات الأقاليم يتم انتخابُها من “مجالس الشعب” المنتخبة في المديريات والمحافظات.. هل هذا يعني أن “مجالس الشعب” هو ما يسمى الآن المجالس المحلية؟.. وهل انتخابُ مجلس النواب سيكون من بين أعضاء مجالس الشعب؟.. أم هي التي ستقومُ بانتخاب المتقدمين للتنافس؟.. ألا ترى أن في هذا إقصاءً للتنوع؛ لأنك جعلت الانتخابات الحقيقية هي في مجالس الأقاليم، بينما البقية فقد أصبحت بيد مجالس الأقاليم ولا وجودَ للتنافس؟. >> لما كان النظامُ الذي نريد إقامتَه هو نظام ديمقراطي برلماني اتحادي فإن ذلك يستلزم أولَ ما يستلزم أن تكون هناك برلمانات وحكومات محلية لكل إقليم من الأقاليم كما هو معمول به في الدول التي تأخذ بهذه الصيغة، وخاصة منها الهند وباكستان وبنجلاديش، ناهيك عن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بل وحتى في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالمقابل هناك حكومةٌ وبرلمانٌ إتحادي.. ولكلٍّ من هذه السلطات اختصاصتـُها وسُلطاتـُها في إطار الدولة الاتحادية الواحدة، وهذه هي أفضلُ صيغة حتى الآن تضمَنُ القضاءَ نهائياً على مركزية الدولة المفرطة، كما أنها تحقق مبدأَ المشاركة الشعبية الفعلية للسلطة واتخاذ القرار، بمعنى آخر إعادةُ توزيع السلطات المتركزة كلها في المركز إلى الوحدات الإدارية الأدنى »الأقاليم والمحافظات« وهو ما يجعلُ التباري في تحقيق مستويات أعلى للتنمية والخدمات بين الأقاليم والمحافظات أفضلَ وأكثرَ فاعليةً، وهو ما يعودُ بالنفع في الأخير على الوطن ككل. كما أنه ينهي الأمراضَ والتناقضات الإجتماعية والسياسية والطائفية والمناطقية…الخ، والفرق بينها والمجالس المحلية فرقٌ جوهري.. المجالسُ المحليةُ تكونُ عادةً ذات سلطات وصلاحيات محدودة، ومرتبطة بالمركز، أما الصيغةُ الإتحاديةُ فإن سلطاتها واختصاصاتها أوسع بكثير من المجالس المحلية خاصة وأن تجربتنا المحدودة مع المجالس المحلية كانت باهتةً وسلبيةً؛ لأن السلطات المركزية أفرغتها من مضامينها الحقيقية، ولفتها معها في دوامة الفساد والإفساد بما في ذلك تزوير الانتخابات، والتلاعب بها. كما أن تأريخنا وتراثنا الوطني القديم والوسيط يؤكد على أن النظام السياسي كان نظاماً إتحادياً فدرالياً بالتعبير المعاصر على الدوام.. بل إن المحاولات التي كانت تجري لإلغائه لصالح السلطة المركزية الفردية الأحادية -وذلك نادراً ما كان يحدث- كانت تفضي إلى حروب أهلية ومنازعات وفتن داخلية تفتح الباب واسعاً أمام الغزو الخارجي.. فما طرحته في برنامجي إنما يستمد جذورَه من هويتنا وشخصيتنا الوطنية المتكونة عبر التأريخ، ولم آت بجديد إلا تعبيرات معاصرة فقط. أما بالنسبة لانتخاب أعضاء البرلمان ومجلس الأعيان الإتحادي والإقليمي الحقيقة أن تجاربَنا مع الانتخابات الشعبية العامة وما يحدث فيها من تزوير وتلاعب قد أفقدني الثقة بجدوى هذه الانتخابات، بالإضافة إلى حقيقة شكليتها؛ لأن المرشح أو المرشحين عادة لا يكونون معروفين على مستوى الساحة كلها أو معظمها، ولهذا رأيت أن أتجه إلى صيغة أراها أكثرَ فاعلية وأكثرَ تعبيراً عن إرادة شعبية حقيقية.. وهي أن يكونَ انتخابُ مجلس النواب ومجلس الأعيان الإتحادي مثلاً عبر انتخاب يجري في برلمانات الأقاليم بحسب العدد المطلوب لكل إقليم، وهكذا يكونُ انتخابُ رئيس الجمهورية طالما أن النظامَ سيصبحُ برلمانياً. كما أن أعضاءَ مجلس البرلمان في الإقليم يكونون منتخبين من قبل المواطنين في الإقليم، أما البرلمانُ المركزي فهو نظام مجلسين هما النواب والأعيان.. مجلس النواب ينتخَبُ بحسب عدد السكان، حيث يقومُ برلمانُ كل إقليم بانتخاب العدد المطلوب له سواء كانوا من أعضائه أو من خارجه.. وهكذا بالنسبة لمجلس الأعيان المتساوي في عدد أعضائه بين الأقاليم، ذلك أنه في النظم البرلمانية عادة ينتخب رئيس الجمهورية مثلما هو الحال بالنسبة لرئيس الحكومة وأعضائها من خلال مجلس السلطة التشريعي الاتحادي، وليس بانتخاب شعبي، وذلك يجري في النظم الرئاسية.. وهدفي من هذا هو جعل السلطات العليا في الدولة منتخبةً نوعياً من السلطة التحتية التي هي سلطة البرلمانات الإقليمية لتكون المشاركةُ جادةً وواسعةً.. وفي كل إقليم بالإضافة إلى البرلمان الإقليمي هناك حكومةٌ محليةٌ للإقليم تديرُ الشؤونُ التنفيذية في الإقليم تحت إشراف برلمان الإقليم ذاته، ولعل أهم ما ورد في البرنامج في هذا الشأن هو أنني جعلت تمثيلَ المديريات في المحافظات، وتمثيل المحافظات في برلمان الإقليم متساويين، وليس بحسب عدد السكان حتى لا تبرز حساسيات الأكثرية والأقلية السكانية. > هل من حق برلمانات الأقاليم أن تسن قوانينَ خاصةً بالأقاليم؟. >> لا شك أنه في النظام الإتحادي يحق لبرلمانات الإقليم أن تسن تشريعات خاصة بها، وفرض ضرائب تحقق مصالحها على أنْ لا يتناقض ذلك التشريع مع التشريعات الإتحادية، وعلى وجه العموم فإننا سنكون بحاجة ماسة وضرورية لإعادة النظر في كثير من التشريعات القائمة حالياً لتتوافقَ مع النظام السياسي الجديد الذي نزمعُ إنشاءَه.. وقد رأيت أن انتخاب البرلمانات المركزية من قبل برلمانات الأقاليم وليس من أبناء الأقاليم مباشرةً أن ذلك يلغي كثيراً من التعقيد ومن الأعباء التي لا لزوم لها، وتمكن معالجة هذه المسألة من خلال إضافة العدد المطلوب لتمثيل الإقليم في مجلسي السلطة التشريعية الاتحادية إلى عدد قوام أعضاء برلمان الإقليم، ويكون الجميعُ ضمن انتخاب واحد.. مثلاً إذا كان المطلوبُ في مجلسي السلطة التشريعية الاتحادية »٠٥« عضواً مثلاً فإن العددَ المطلوبَ انتخابُه هو »150« عضواً بحيث يذهب الخمسون إلى البرلمان الإتحادي ويبقى البقية في البرلمان الإقليمي.. هذه طريقة أسلسُ وأسهلُ وأكثرُ عملية. بمعنى أخر أن الهدفَ هو جعلُ السلطة من الأدنى إلى الأعلى، وليس من الأعلى إلى الأدنى. > ذكرتََ مقترحاً بأن تكون هنالك فترة انتقالية لمدة أربع فترات بعدد الأقاليم يكون في كل فترة انتخاب الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان من قبل أبناء إقليم محدد لينتقل في الفترة التي تليها إلى إقليم آخر.. ولكن لماذا لا يكون المقترحُ أن يعطى الحق لإقليم في كل فترة لكن انتخابهم يكونُ من قبل أبناء الأقاليم كلها.. ثم ألا تظن أن هذا المقترحَ يؤدي إلى تجمع مراكز السلطة بيد إقليم، فما الذي يضمن أنْ لا يُستغل هذا لاستغلال مسؤوليات الدولة والاستحواذ على مناصبها؟، ولماذا لا يكونُ الرئيسُ من إقليم، ورئيسُ الوزراء من إقليم آخر، ورئيسُ النواب من ثالث، وفي الفترة التي تليها يتم تغييرُ الأقاليم؟. >> الحقيقة أن المشكلةََ تتركزُ في ماهية الآلية الحقيقية التي تحققُ لنا تداولاً سلمياً حقيقياً للسلطة.. فالهدفُ هنا ينحصرُ في تحقيق ذلك التداول في فترة استثنائية محددة، أو ما نطلق عليه فترة انتقالية إلى أن تستكمل بنية النظام السياسي على أسس صحيحة كما ورد في البرنامج، حينها تصبحُ هذه السلطات تخضع لانتخابات مباشرة من خلال مجلسَي السلطة التشريعية الاتحادية.. ولما كان الناس يعتبرون مسألة التداول السلمي للسلطة أقرب إلى الخيال، فقد كان لزاماً أن ينص البرنامج على التداول السلمي للسلطات الاتحادية كلها إقليماً بعد إقليم، وذلك حتى نضمن عدمَ خروج الشموليين الديكتاتوريين من الباب ليعودوا إلينا من النافذة، ونريد في حقيقة الأمر أن يطعمَ أبناءُ كل إقليم السلطة الفعلية ولو مرة واحدة لنكسر الحاجزَ التأريخي المنيع الذي لا زال قائماً.. تخيل عندما يكون رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيسَي مجلسَي السلطة التشريعية الاتحادية من حضرموت أو عدن أو تعز أو تهامة حينها سيقتنعُ الناسُ بأهمية التداول السلمي للسلطة حقيقةً وليس شكلاً.. وعموماً فإن الهدفَ من الفترة الانتقالية هو إعطاءُ الوقت الكافي اللازم لإعادة بناء النظام السياسي الجديد بكل ما يتعلق به من مؤسسات ومنظومة تشريعية ودستورية…الخ، وهو وقتٌ لا أعتقدُ بأنه طويلٌ بالقياس إلى ضخامة المهمة التأريخية في تأسيس نظام سياسي جديد.. وأخشى عندما يتم الأمرُ على ما ذكرت (أن يتم انتخابُ الرئيس ورئيس الحكومة ورئيسي مجلسي السلطة التشريعية في الفترة الانتقالية من أبناء الوطن كاملاً، وليس من أبناء إقليم واحد) أن يخضعَ الأمرُ لاعتبارات أكثرية التمثيل السكاني وأقليته في استبعاد الأقاليم ذات الكثافة السكانية القليلة وبالتالي نحرمهم حقهم الدستوري. > عفواً أنا أقصد لماذا لا يتم انتخاب الرئيس ورئيس الحكومة ورئيسي مجلسي السلطة التشريعية من قبل كل أبناء الشعب على أن يتم اختيارُهم في كل فترة من أبناء الإقليم المحدد في هذه الفترة؟. >> هذا حَلٌّ جميلٌ ورائعٌ إذا كان يفضي إلى الغرض، فهذه الصيغة التي طرحتها تظل أفضلَ من الصيغة التي طرحتها في برنامجي وأسلم من الناحية الدستورية والقانونية فأنا معك فيها.. > ماذا تقصُدُ بالحاجز التأريخي؟. >> عندما اكتشف البرتغاليون طريقَ رأس الرجاء الصالح، وسيطروا على الطرق التجارية بين أوروبا وآسيا، وتحولت هذه الطرق التي كان يسيطر عليها اليمنيون إلى خليج السويس، والمصريون إلى البحر الأحمر وأوروبا حين كانت الدولة في اليمن بالذات هي دولة الساحل وكانت سيطرتها على الطرق التجارية تحقق لها تراكماً رأسمالياً يبرر موضوعياً الإبقاء عليها دولة سواحل، وعندما سقطت الدولة في اليمن وفي مصر أيضاً بعد سيطرة البرتغاليين على الطرق التجارية الجديدة جاءت في اليمن دولة الجبل.. ودولة الجبل هذه لم يكن أساسُها أو مبررُها الموضوعي اقتصادَ التجارة، وإنما قامت على اقتصاد الحرب.. والمجتمع القبلي بحكم طبيعته وتضاريس بيئته يقوم على اقتصاد الحرب والغنيمة.. من هنا سيطرت دولة الجبل على الدولة على أنقاض دولة الساحل لاعتبارات جيوبولوتيكية أي جغرافية سياسية فلم يحدث في تأريخ اليمن على الإطلاق أن نشبت على أراضيه حروبٌ ذات طابع طائفي أو مذهبي، لا نجد في كتب التأريخ شيئاً من هذا القبيل على الإطلاق، بل كان الصراعُ تمليه وتحدد مسارَه الاعتباراتُ الجيوبولوتيكية لا غير، وهكذا ظل الحكم محصوراً في المنطقة المحيطة بالعاصمة وما حولها إلى الآن، وحتى بعد قيام دولة الوحدة عام ٠٩٩١م ظلت التركيبة القديمة تبسط سلطانها أو تستميت في بسط سلطانها رغم أن تناقضاً صارخاً واضحاً وجلياً للعيان بين حقائق جديدة أملتها وقائع جغرافية سياسية اقتصادية، وبين تركيبة الحكم عائدة إلى مئات من السنين مضت. هذا التناقض الصارخ هو الذي يفسر دورات الصراعات التي تشهدها بلادنا، ومنها حرب ٤٩٩١م، وحرب صعدة، والانقلابات والهزات السياسية التي تحصل بين حين وآخر، فهي وغيرها تجليات لذلك التناقض بين الصيغة الفوقية للتركيبة السياسية القائمة والتركيبة التحتية لها.. هذا هو ما قصدته بالحاجز التأريخي النفسي الذي أردت إزالته لصالح الوطن ومستقبله ونهضته المنشودة، ولا يتحقق ذلك إلا بالصيغة الديمقراطية البرلمانية الاتحادية بشكل الحكم وطبيعته. > ماذا عن عدم الجمع بين السلطات لإقليم واحد في فترة واحدة على أن يتم التنوعُ في كل فترة ويأخـُذُ كلُّ إقليم ما هو مخصص له في فترته.. >> ولكن قد يأتي الانتخاب وإن كان من أبناء إقليم واحد بشخصيات متباينة حزبية وسياسية وهذا يكفل الإبقاءَ على التعدد.. ولن يكون الأمر مفضياً إلى لون واحد هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإنه ما دام النظام اتحادياً أو فدرالياً فلا يستطيع أصحابُ المواقع المركزية أو الاتحادية أن يهيمنوا على كل شيء؛ لأن طبيعة النظام ستحولُ دون ذلك، فالسلطة موزعة وليست مركزة؟. > في عملية اصلاح القضاء أشرت إلى أن ذلك سيتم تحويله إلى لجنة من القضاة تتم الموافقة علىهم من مجلسي التشريع.. يقال في المثل: “إذا أردت أن تميت أي شيء فشكّلْ له لجنة”!!. >> ليس في كل الأحوال، فأعمالُ الدول كلها إنما تنجَزُ من خلال اللجان، ولكن المشكلةَ تبرز حينما لا يكون صاحبُ القرار بتشكيل اللجنة جاداً ولا صادقاً في الغرض الذي من أجله أُنشئت اللجنة.. فيما يتعلق بالقضاء، فإن هذه المهمة ستكون في أول قائمة اهتماماتي على الإطلاق.. إذ بدون النجاح في بناء قضاء مستقل ونزيه ومحايد لن ننجح في أي شيء آخر فيما وعدنا به.. فالقضاء هو الضمانة الوحيدة لنجاح الديمقراطية لغرض سيادة القانون، للفصل بين السلطات، لحفظ الحقوق، وإقامة العدالة، وإذا غاب القضاء أو انحرف عن مساره صارت كل مجالات المجتمع والدولة خراباً في خراب.. لهذا فإن ما قصدته باللجنة أن يكون أعضاؤها من القضاة أنفسهم، ولكننا سنختارهم من بين القضاة الذين تعرضوا لعذاب ومعاناة من وضع القضاء نفسه، واُتهموا وسُجنوا وفـُصلوا وعُذبوا؛ لأن مثل هؤلاء سيكونون أكثرَ شعوراً بأهمية وجود قضاء مستقل ونزيه، وأكثر عزماً على بنائه بناءاً صحيحاً وسليماً حتى لا يذوقون ولا يذوق غيرُهم من القضاة أو من المواطنين ما سبق وإن عانوه.. ألا ترى معي أن بعضَ رؤساء الدول العربية الذين أُسقطوا بانقلابات عسكرية مثلاً أو زُجَّ بهم في السجون لسنوات خرجوا من السجون ديمقراطيين حقيقين ومُنادين بالحريات بحق وحقيق؟.. ولو لم تكنْ هناك استحالةٌ لأضفتُ في برنامجي شرطاً إلى الشروط الواجبِ توافرُها في مَن يرغبُ في أن يكونَ رئيساً أن يكونَ قد سُجنَ ما لا يقلُّ عن خمس سنوات حتى يخرُجَ منها “بني آدم ديمقراطي”.. ولعلك لاحظتَ أنني ذكرتُ في برنامجي أن كُلَّ مَن تثبتْ علاقتـُه وتعامُلُه مع أجهزة الاستخبارات من القـُضاة أو أعضاء هيئة التدريس الجامعية فيجب فصلُه فوراً أو إحالته إلى عمل آخر؛ ذلك لأن القاضي يقيمُ العدلَ بين الجميع، وهو مرجعُ الجميع فما حاجته إلى أن يكون مخبراً وما حاجة عضو هيئة التدريس الجامعي إلى أن يكون مخبراً أيضاً، فالأولُ حينها يضربُ العدالةَ في الصميم ويبيعُ ضميرُه للشيطان، والآخر يفسدُ الأجيالَ التي يقومُ بتربيتها إذ يتجرد من القيَم والمعايير الأخلاقية. > إعتبرت وزارةَ العدل أنها من مظاهر التأثير على القضاء ولهذا قلت في برنامجك أنك ستقوم بإلغائها.. بينما يعتبر البعضُ وجودَها بأنه إداري بحت في عمل خطط بناء المحاكم وتوزيعها مثلاً أو فتح محاكم في مديريات وشيء من هذا القبيل.. مَن هي الجهة التي ستتولى ذلك إذا ألغيت وزارة العدل؟. >> إذا كان هناك مبدأٌ لفصل السلطات وكان القضاء يجب أن يكون مستقلاً فإن وجود وزارة للعدل ضمن السلطة التنفيذية ينتقصُ بشكل أو بآخر من استقلال القضاء.. لهذا سألغي وزارة العدل بحيث يبقى القضاء سلطة مستقلة تدير شؤونها بنفسها، وليس فقط إلغاء وزارة العدل بل سأعمل أيضاً على أن تكون ميزانية وإيرادات ومصروفات السلطة القضائية مستقلة تماماً عن تحكّم السلطة التنفيذية من خلال وزارة المالية أو وزارة العدل أو حتى من أجهزة السلطة الرقابية الحكومية ذلك أن رقابةَ القضاء يجبُ أن تكونَ من داخله ومن خلاله فقط. كما ينبغي أن يحصل القاضي على دخل لائق وكريم لا يجعله بحاجة إلى محاولة الحصول علىه من مصادر أخرى، يجب أن يحددَ القضاءُ نفسُه المرتبات والامتيازات والمكافآت سواء أثناء الخدمة أو بعدها، سواء للقاضي أو لأفراد أسرته دون أن يشعرَ بأن شيئاً ينقصه حتى نضمنَ منه أن يقيمَ العدلَ دون عوَز أو حاجة.. وأقصد بالقضاء هنا كل الوظائف والهيئات المرتبطة بالقضاء كل العاملين في سلك القضاء بما في ذلك أُمناء السر والمكاتب الإدارية والمالية والنيابة العامة…الخ. > يقولُ البعضُ: إن جزءً من فساد القضاء هو الأجهزة التنفيذية أو تلك التي لا تنفذ الأحكامَ، بمعنى آخر أقسام الشرطة والداخلية.. فهل في برنامجك خطةٌ لانشاء أجهزة تنفيذية تتبع القضاء؟. >> ذلك كان ولا يزالُ أكثرَ ما يثيرُ دهشتي واستغرابي كيف يمكنُ أن تقيمَ العدالةََ بإصدار أحكام لا يتم تنفيذها!!.. إن القضاء هو حكمٌ وتنفيذٌ في آن واحد.. وأيةُ أحكام دون تنفيذ هو تحايُلٌ على العدالة، وتلاعُبٌ بمقتضياتها.. ولهذا فأنا لا أميلُ إلى خلق أجهزة تنفيذية موازية تابعة للقضاء ولكني سأصدرُ تشريعات واضحةً ودقيقةً وحاسمةً تجرِّمُ أيَّ مسؤول في السلطة التنفيذية يطلـُبُ منه القضاءُ تنفيذَ حكم ولا ينفذه، حيث يحالُ إلى المحاكمة فوراً وتكونُ له عقوبتان الأولى تجاهُلـُه لأحكام القضاء، والثانيةُ سوء استخدامه لسلطاته الموكلة إليه.. هذا هو الأسلوبُ الأفضلُ والأكثرُ فاعليةً بدلاً عن إنشاء أجهزة وسلطات تنفيذية موازية تتبع السلطة القضائية، إذ لو تم ذلك فماذا تعملُ أجهزة الدولة إذاً وهي التي يُطلـَقُ عليها في القانون أجهزةُ الضبط؟. > تكلمتَ عن إعطاء القضاة حقوقَهم الماديةَ كاملةً السؤال الذي يطرح نفسه.. إذا ما أردنا أن نعطيَ كلَّ موظفي الدولة حقوقَهم كاملةً التي تفي بمتطلبات الحياة فإن ميزانيةَ الدولة لن تكفيَ لتكون مرتبات فقط.. بالإضافة إلى أن لديك جيشاً جراراً من الإداريين الذين لا ينتجون فهل هنالك خطةٌ للإصلاح الإداري؟، أم سيكونُ الاستغناءُ عن هؤلاء هو الطريق الأمثل؟. >> أولاً لو أخذنا في الاعتبار المليارات الكثيرة من الدولارات التي تتكدَّسُ في بنوك أوروبا وأمريكا لحسابات خاصة بكبار مسؤولي الدولة مدنيين وعسكريين، وهي منهوبةٌ من المال العام، وهي من الفساد والإفساد، فإننا سنتبينُ بأن بلادَنا ليست فقيرةً في مواردها، وإنما المشكلة هي أن “دراكولا الفساد” يلتهمُ تلك المواردَ ويبددُها بطرق غير مشروعة فلو تم بشكل فعال القضاءُ على هذا الفساد وضبطُ موارد الدولة لاستطعنا أن نمنحَ مرتبات الموظفين أفضلَ بكثير مما هو سائدٌ في كثير من بلدان العالم الثالث هذا جانب.. الجانبُ الثاني فإن معالجةَ الإختلال الوظيفي المريعَ سيتم وفقاً للخطوات الرئيسية التالية: ١- عملُ مسح وظيفي شامل لكل الموظفين مع بيانات لمؤهلاتهم وخبراتهم وأعمارهم، ثم بيان بالتكدس الوظيفي القائم بحيث يصار إلى إعادة توزيعه بشكل كفؤ ومحقق للجدوى الوظيفية. ٢- إعادةُ النظر في كل الدرجات الوظيفية القيادية التي منحت خلال »29« عاماً لمعرفة درجة مشروعية الاستحقاق الممنوحة لهم من الناحية القانونية بحيث يتم إلغاءُ كل ما كان مخالفاً للقانون. ٣- لقد فتحت الأبواب في برنامجي على مصراعيه للاستثمارات المحلية والأجنبية، ودعوت إلى إزالة كل العوائق والعراقيل التي تنفر الاستثمارَ في بلادنا، ليس هذا فحسب.. بل وأشرت إلى حواجز تشريعية واسعة للمشاريع الاستثمارية الجادة. ٤- ركزت في البرنامج على الحد من التوسع في التعليم الجامعي النظري، والتوسع الكبير في المعاهد والكليات الفنية والحرفية.. العالية والمتوسطة والأولية، بحيث تكون نسبة مخرجات التعليم الجامعي إلى التعليم الفني المهني بنسبة ١- ٩، بمعنى في مقابل خريج جامعي نظري لا بد أن يكونَ هناك تسعة من خريجي التعليم الفني والمهني الوسيط.. هذه هي القاعدةُ التربويةُ المثلى في العالم كله، أما عندنا فإن الوضعَ معكوسٌ، ولهذا ترى الآلافَ المؤلفةَ من خريجي الجامعات لا يجدون عملاً بعد تخرجهم، وهذه مشكلة لها عواقب سياسية واقتصادية واجتماعية. ٥- ثم جاءت مؤسسة ضمان التكافل الإجتماعي لتحل جذرياً مشاكل الفقر والبطالة في المجتمع.. > ذكرت في إجابتك الأموالَ الطائلةَ من الدولارات لمسؤولي الدولة والموجودة في بنوك الخارج.. هل هذا يعني أن لديك برنامجاً لاستعادتها؟. >> نعم بالتأكيد.. فقد أشرت إلى ذلك في البرنامج، والحقيقة أن هذه الأموال الطائلة التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لم تعد قضية خافية بل هي أصبحت موضوعاً لتناول أجهزة الإعلام في العالم، ولهذا قلت في البرنامج: إننا سنعمل على استعادة هذه الأموال بإحدى طريقتين: الأولى: وديةٌ بعيداً عن الفضائح من حيث يُعيدُ هؤلاء الذين كدسوا هذه الأموالَ غيرَ المشروعة بنهبها من الأموال العامة إلى مؤسسة الضمان الإجتماعي، كما نص عليها البرنامج. الثانية: اللجوءُ إلى القضاء، وأقصُدُ بالقضاء هنا القضاءَ المحلي والدولي.. لن نظلم أحداً.. لن نقهرَ أحداً بغير وجه حق.. فهذه العمليةُ كلها ستكون منوطة بالقضاء وحدَه إذا ما فشلت الطريقة الودية الأولى. والحقيقة أن هؤلاء المسؤولين ينبغي أن يدركوا بأن هذه الأموال أموالٌ حرامٌ، إنما يأكلون في بطونهم ناراً، وأنها تعود إلى الشعب حققها بعرقه ودمه، وأنه من الأفضل لهؤلاء المسؤولين أن يطهروا أنفسهم في الدنيا عسى الله أن يخفف عنهم في الآخرة. وكلُّ ما نهب من الداخل بطريقة غير مشروعة من عقارات وأراضٍ وممتلكات نقدية وعينية بالقهر السلطوي لأصحابها ستتم معالجتها من خلال الإجراءات القضائية وحدَها، فإن الحقوقَ لا تسقط بالتقادم لا دُنيا ولا آخرة.. حتى إذا قضى الإنسانُ شهيداً فلا يعفيه ذلك عن العقاب الأخروي لو كانوا يعقلون. > ذكرتَ أنه سيكونُ العملُ جاداً وصادقاً للقضاء على الإرهابيين والمتطرفين والتوقف عن تقديم أي دعم أو تسهيلات أو مساعدات.. بالمقابل لم تتكلم عن التسهيلات المقدمة لأمريكا في مكافحة الإرهاب هل سيتم وقفُ هذه التسهيلات؟، أم أن هذه التسهيلات ستكونُ بشكل أكبر في سبل القضاء على الإرهابيين؟، ثم من هم الإرهابيون؟ ومن هم المتطرفون؟. >> نعم فإن بلادَنا قد أصبحت للأسف الشديد من وجهة نظر العالم قاعدةً ومنطلقاً ومأوىً للإرهاب والإرهابيين وإعادة تصديرهم إلى هنا وهناك من بلدان العالم، وهذه قضيةٌ تلحقُ ببلادنا أفدحَ الأضرار ونحن في غنى عنها.. ولهذا شددت في البرنامج على قضيتين متقابلتين.. القضية الأولى أننا لن نسمحَ بأي شكل من الأشكال بأن تكونَ بلادنا حاضنةً للإرهاب والإرهابيين، ولا داعمةً لهم، كما أننا سنكون ُعلى استعداد تام للتعاون الكامل مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب والإرهابيين.. القضية الثانية أن البرنامج شدد على ضرورة أن تكون اليمنَ ملجأً آمناً لكل المنادين بالحرية وبالحقوق العادلة الذين يناضلون في سبيل حرية شعوبهم ومجتمعاتهم، وأن اليمنَ يجبُ أنْ لا تغلق أبوابها أمام هؤلاء، بل يجب أن توفرَ لهم الملجأَ الآمنَ، وأنْ لا تسلمهم لأية جهة كانت، بل وتدعمهم أيضاً؛ لأنهم أصحابُ قضايا عادلة، يطالبون بحقوقهم المشروعة، ويناضلون من أجل الحرية.. وذلك عملاً بقول الله تعالى وامتثالاً لتعاليمه: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالمِ أهلها)، إن اللهَ يأمُرُنا ليس فقط أن ندعَمَ هؤلاء المستضعفين والمقهورين في العالم بغض النظر عن ديانتهم العرقية بل أن نقاتلَ معهم.. > ألا ترى أن هذا سيثيرُ معظمَ الدول العربية عليك إذا ما فزت؟. >> لا بالعكس فالدول العربية لها قضايا عادلة ولها حقوق مصادَرة، ومن مصلحتها إعمالُ هذا المبدأ المقدس، ألم يأمرْنا اللهُ بالهجرة؟، (قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)، ما أعظم هذا المبدأ. إن المقهورين والمظلومين حين يهاجرون من بلدانهم يجدون متنفساً لهم خارجَ أوطانهم وهم بذلك يخففون من الإحتقان داخل مجتمعاتهم كما أنهم يرفدون المجتمعات التي يهاجرون إليها بدماء جديدة وأفكار وقيَم جديدة، وهكذا تمضي الحياةُ في تفاعل وتجدد دائم يحقق الغاية من الحياة كما أرادها اللهُ للبشر، (ولولا دفعُ الله الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، إن بعضَ الأنظمة تتحكم بها نظرةٌ ضيقةُ الأفق إزاء هذه القضية فهم لو أتاحوا متنفسات للقوى الحية في مجتمعاتهم سواء داخل هذه المجتمعات أو خارجها بالهجرة يكونون قد خدموا أنفسَهم بالدرجة الأولى لو كانوا يعقلون.. ولهذا أعتقدُ بأن هذه القضية قضيةٌ جوهريةٌ ومبدئيةٌ يجبُ أنْ لا نتنازل عنها مهما كانت العواقب على الأقل بدلاً عن أن يهاجر الناسُ أو المضطهدون إلى مجتمعات في أوروبا وغيرها يهاجرون إلى بلدان عربية، وهذا أفضلُ وآمن لجميع الأطرف. > ذكرتَ أنك ستتعاونُ مع المجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب ألا يؤدي ذلك إلى انتقاص السيادة في الداخل كما حدث عند اغتيال الحارثي في مأرب بطائرة أمريكية؟. >> يقيناً سوف أتعاون مع المجتمع الدولي دون قيد أو شرط وبلا حدود في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والجرائم ضد الإنسانية والفساد بكل ما في ذلك من غسيل الأموال والإتجار بالبشر والتعذيب والقتل وغيره، ولا أعتقد أن في ذلك أيَّ انتقاص من أي نوع لمقتضيات السيادة الوطنية بل هو يعززُها ويقويها والذين ينتقصون من السيادة الوطنية هم الذين أباحوا البلادَ لقوى دولية نافذة تعيثُ فيها وتلوثُ كيف تشاء، وتقتلُ مَن تشاء، وتستجلبُ من تشاء، وتحقق مع من تشاء، وتشرف على أجهزة الأمن المختلفة وتقيم القواعدَ والتسهيلات العسكرية في أرجاء الوطن.. أما نحن فلا، سنتعاون في مكافحة الإرهاب نعم وبدون حدود.. لكننا سنحارب الإرهابَ والإرهابيين الحقيقيين وليس الذين يدافعون عن قضاياهم العادلة، وسنكونُ مع المجتمع الدولي يداً بيد ضد هؤلاء الذين ينشرون الفزعَ بين معظم الناس في العالم وسواهم من الفاسدين والمفسدين، فلا تستقيمُ مجتمعاتـُنا بسيادتها الوطنية الحقيقية إلا من خلال هذا التعاون وبه. > ألا تظنُّ أن ما ذكرتَ من تقديم تسهيلات لمخابرات الدول العظمى هو نوعٌ من التعاون في مكافحة الإرهاب؟. >> لا.. ليس هذا تعاوُناً مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، ولكنه تفريطٌ في السيادة الوطنية التي يتباكَون عليها.. التعاوُنُ هنا المفترضُ فيه أن يكون تعاوناً متكافئاً بين طرفين متكافئين وليس طرفاً يطلُبُ وآخر يلبي.. ثم ليست هناك علاقة للقواعد والتسهيلات العسكرية بالتعاون في مكافحة الإرهاب. إن هذه القواعدَ والتسهيلات هي خدمة لمصالح القوى الدولية الكبرى وليس لنا فيها عير ولا نفير، بل إنها تهدد استقلالنا وسيادتنا، فالتعاون الكامل والشامل شيء ورهن البلد لدى الأجنبي شيء آخر. > هذا يعني أنه ستطلُبُ إغلاقَ مكاتب C .I . A ومكتب التحقيقات الفيدرالي الموجودة لدى السفارة الأمريكية في اليمن ومثيلاتها الفرنسية؟. >> لا، ما دامت هذه المكاتبُ ملحقةً بالسفارات فليس من حقنا إغلاقها لكن حينما تمتد سلطاتها من داخل السفارات إلى شؤون الدولة وسلطاتها حينئذ سنمنعُها، والحقيقة أن هذه كانت موجودةً منذ أمد بعيد، ربما في الفترة الأخيرة توسعت كثيراً وأصبحت أكثرَ إفصاحاً عن نفسها، لكن بحسب علمي فإن كلَّ سفارات الدول المحترمة يوجدُ فيها ملحقيون مخابراتيون بمختلف تشكيلاتها في البلد المعني، وإن لم يتم الإفصاحُ عن ذلك إلا في بعض الحالات التي تتطلبُ تنسيقاً مباشراً بين أجهزة المخابرات في البلدين.. والمسألةُ هنا سلطاتٌ ونطاقُ ممارسة سلطات تلك المكاتب وليست المشكلة في وجودها أو عدم وجودها.. إذا كانت هذه المكاتبُ تريدَ أن تنسق أو تتعاون مع أجهزة مخابراتنا فما المانع إذا كانت السفارة تقوم بنفس المهمة؟! فإنه من باب أولى “ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء” المهمُّ أن يكونَ ذلك التعاوُنُ قائماً على أسس متفق عليها وليس تدخلاً فجاً. > فيما يخـُصُّ الإعلامَ قلتَ في البرنامج إنك ستقومُ بحل وزارة الإعلام وإلغاء كل العقوبات المتعلقة بالنشر، إلا ما كان متعلقاً منها بحق شخصي، هذا يعني أنك ستـُبقي على القانون الخاص بالصحافة مع العلم أن الصحفيين يُطالبون بإلغاء القانون ليكونَ قانون العقوبات هو الذي يحكم جميع القضايا سواء ما كان منها إعلامياً أوغير إعلامي؟. >> أما إلغاءُ وزارة الإعلام فهو من قبيل تحصيل الحاصل، فطالما أننا سنلغي ملكيةََ الدولة لوسائل الإعلام، فماذا يبقى لوزارة الإعلام من وظيفة؟.. وزارةُ الإعلام هذه هي من سمات النظام الشمولي الدكتاتوري وليس النظام الديمقراطي.. وحتى قانون الصحافة سيتم إلغاؤه؛ لأنه لن تكونَ هناك عقوبات مفروضة على حريات التعبير والنشر إلا ما كان يدخـُلُ في نطاق الحقوق الشخصية، وهذا أمر منوطٌ بالقضاء، ويحكُمُه قانون العقوبات الجنائية، ولا داعي لقانون خاص بالصحافة. > في البرنامج إلغاءُ “عقوبة الإعدام” فيما يتعلق بالجرائم السياسية.. ما هي الجرائم السياسية؟.. وهل هناك أساساً عقوبةٌ على السياسة؟. >> أقصُُدُ بالجرائم السياسية تحديداً كالعقوبة التي أوقعها النظامُ القضائي الحالي بالعلامة الديلمي مثلاً حُـكم عليه بالإعدام في قضايا لا تخرُجُ عن نطاق حرية التعبير، وحق ممارسة الحريات الشخصية والعامة.. هذا جانبٌ والجانبُ الثاني حريةُ التظاهر وحرية التنظيم والعصيان المدني مثلاً، وغيرها من الجرائم التي لا تدخـُلُ مباشرةً فيما يسمى بالقصاص الشرعي »النفس بالنفس«، كلُّ ما عدا ذلك سنلغي أيةَ عقوبة بالإعدام عليه، واسمح لي أن أذكرَك أنه كان هناك قانون رقم (٧٢) لسنة 1963م يحرم فيه إيقاعُ عقوبة الإعدام بالجرائم السياسية، ولهذا فإن إعدامَ قادة الناصريين في ٥ نوفمبر عام 1978م بسبب محاولتهم القيام بانقلاب أبيض لم ترق فيه قطرة دم واحدة بل ودفنهم في أخدود حُفرَ لهذا الغرض إنما تم بالمخالفة لأحكام هذا القانون الذي لم يبطل بقانون آخر.. ولهذا نحن نطالبُ بمحاكمة الذين خالفوا القانونَ، ودفنوا الناسَ أحياءً!!.. هذا ما قصدته بإلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية التي تشمل كل ما سوى القصاص الشرعي.. ومع ذلك فأنت محقٌّ بأن العبارةَ التي وردت في البرنامج تحمل قدراً من الغموض واللبس على أن ما قصدته هو إلغاءُ عقوبة الإعدام على كافة الجرائم، فيما عدا القصاص الشرعي فقط هو هذا ما قصدته، وهو ما سأوضحُه إن شاء الله.. أما ما يتعلقُ بالسياسة فالمفترضُ أن ليس في ممارستها ما يجرَّمُ.. > فيما يتعلقُ بما أسميته محاولة الناصريين القيام بانقلاب أبيض.. ألم يكن هنالك تحرُّكٌ للجيش في هذه المحاولة؟.. فكيف تسميه انقلاباً أبيض؟. >>  بلى كان هناك تحرك عسكري لكن ما قصدته بأن هذا التحركَ العسكري لم تنتج عنه إراقةُ قطرة دم واحدة، ولهذا سميته بالانقلاب الأبيض هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لما كان النظامُ آنذاك شمولياً وديكتاتورياً وغير ديمقراطي فلقد كانت مشروعيةُ القيام بانقلاب عسكري قائمةً ولا غبار عليها؛ لأنه لم يستهدف الإنقضاضَ على نظام ديمقراطي، بل الانقضاض على نظام قام هو نفسُه بانقلاب عسكري أو في أحسن الأحوال في ظل نظام يحكُمُه الحزب الواحد وهو نظامُ غير ديمقراطي بالتأكيد.. ولهذا لا نحاكمُ الانقلابَ من منظور اليوم، وإنما من منظور مكانه وزمانه آنذاك.. > الآن نقفزُ على البرنامج الانتخابي ونعودُ إلى الساحة اليوم وما شهدت من تغيير حكومي وتغيير بعض المحافظين كيف تنظـُرُ إلى هذا التغيير؟. >> بالنسبة إلى التغيير الوزاري فهو ليس أكثرَ من مجرد دعاية انتخابية مبكرة لإيجاد انطباع لدى الرأي العام بأن النظامَ لديه رغبةٌ في التغيير، ولكن المسألة لا تكمُنُ في تغيير هذه الوزير أو ذاك، بل تكمُنُ في التركيبة الكلية للنظام، بمعنى آخر لو أن هذا النظام بهذه التركيبة جاء بوزراء لهم صفة عصمة الأنبياء فإنهم لن يستطيعوا عمل شيء؛ لأن آلةَ التركيب الحاكمة الرهيبة تلفهم معها حيث ذهبت، ولهذا فلستُ أنظرُ بأدنى أهمية للتغييرات الوزارية على الإطلاق على أن أهمَّ ما في تلك التغييرات هو ما يتعلق بتعيين محافظين جديدين لصعدة وعدن.. فأما الأول فإن تعيينَ شخصية مثل العميد/ يحيى الشامي بما عُرف عنه من كفاءة ونظافة يد وحنكة إدارية يعني أحد أمرين، إما التعجيلُ بحسم الصراع عسكرياً مع جماعة الحوثي في صعدة، أو تهدئة المشكلة مؤقتاً إلى ما بعد الانتخابات ولا شك أن الشامي قادرٌ في كلا الحالتين، أما التغييرُ الثاني وهو الأهم فهو تعيين أحمد الكحلاني محافظاً لمحافظة عدن، ومعروف عن الكحلاني من خلال أدائه وإنجازاته المشهودة في أمانة العاصمة أنه رجلٌ على درجة عالية من الكفاءة والخبرة والإبداع، إضافة إلى ما عُرف عنه من نظافة اليد.. فهل كان تعيينـُه مُحافظاً لعدن تجسيداً لرغبة في النظام لتطوير مدينة عدن ولماذا؟!. بحسب المعلومات المتوفرة لديّ المستقاة من مصادر مقربة من النظام فإن هذا التعيينَ المهم يجيءُ خطوةً أولى لتنفيذ مشروع تأريخي يقضي بنقل العاصمة إلى عدن، ذلك أن النظامَ في إطار سعيه المحموم لخلق الظروف والأجواء الملائمة لتوريث الحكم بات يشعُرُ بأن صنعاءَ كعاصمة معرضة لمخاطر حقيقية وجادة بحكم كونها مُحاطة بقوى قبَلية مؤثرة وقادرة على الفعل الحاسم وهي لن تقبَلَ بتوريث الحكم؛ لأن طبيعةَ المجتمع القبَلي العشائري في أي مكان يرفـُضُ بحكم طبيعته وتركيبته أن تسيطرَ قبيلةٌ على بقية القبائل من خلال السيطرة على نظام الحكم أو الدولة، وأن وضعَ مبدأ توريث الحكم موضعُ التنفيذ من شأنه أن يفضي إلى حرب أهلية طاحنة يكون عمودُها القوى القبَلية المحيطة بصنعاء وهي قوى اجتماعية قادرة على التأثير والحسم ولهذا بحسب معلوماتي فإن النظامَ قد اتخذَ قرارَه بشكل متكتم لنقل العاصمة إلى عدن، واختار الأستاذ/ أحمد الكحلاني مُحافظاً لعدن كخطوة أولى على طريق تنفيذ هذا المشروع، ذلك إن الكحلاني بالإضافة إلى شخصيته التي ذكرناها آنفاً يعتبَرُ من أهل الثقة المقربين، وتشير المعلوماتُ إلى أنه قد تم رصدُ اعتمادات مالية ضخمة ومنح الكحلاني صلاحيات واسعة لإعداد عدن لتكون مقراً للحكم أي عاصمة بما في ذلك استكمالُ بُنيتها التحتية.. وتوسيعُ نطاقها الجغرافي وتحسينُ مظهرها.. كما أن تلك المعلومات تشيرُ إلى المشروع التدريجي في نقل وإعادة توزيع جانب كبير من الجهاز الإداري العامل في عدن للعمل في محافظات مجاورة لإعادة بناء الجهاز الإداري المطلوب لعاصمة مقبلة.. وفكرةُ نقل العاصمة ليست جديدة في حقيقة الأمر فلقد سبق نقلـُها إلى »المقرانة« و»جبلة« و»تعز«، لكن ذلك النقلُ كان إجراءً متأخراً حينما يصل النظامُ القائمُ إلى حالة من التأزم والإحتقان.. من وجهة نظر النظام فإن مدينةَ عدن كمدينة ذات طابع مدني عبر تأريخها، بالإضافة إلى كونها بعيدةً عن قوى التأثير القبَلي هي المكانُ الملائمُ لعاصمة الدولة التي سيتم توريثُ الحكم فيها بعيداً عن المشاكل وفي ظل قدر من الاستقرار والأمان.. وعلى كل حال فإن مسألةَ نقل العاصمة من صنعاء إلى مدينة ساحلية كانت مطلباً لمنظمات دولية عديدة وجدت أن صنعاءَ والهضبةَ الشماليةَ عموماً مهددةٌ بالجفاف بحلول عام 2025م. وقد أوصت هذه المنظماتُ بنقل العاصمة إلى مدينة ساحلية وإعادة توطين حوالى عشرة ملايين نسمة في مناطق الشريط الساحلي ليسهل توفير المياه لهم عبر تحلية مياه البحر بكلفة معقولة.. ربما تظافر هذا العامل مع عامل التوريث.. وبدأ النظامُ بشكل حثيث وسري للغاية للعمل على نقل العاصمة إلى عدن. > ألا ترى أن نقلَ العاصمة إلى عدن المدينة الساحلية قد يؤدي مستقبلاً من حيث لا يشعُرُ النظامُ إلى تحويل الحكم من النظام الذي ذكرته أنت سابقاً من الحكم الجبلي القائم على الحروب إلى نظام حكم الساحل القائم على التجارة الساحلية خاصة وأن عدن هي المنطقةُ الحرة لاستعادة هذا النظام الساحلي القائم على التجارة.. >> قد يكونُ الأمرُ كذلك على نحو أو آخر، ولكن الأهمَّ من نقل المكان هو إحداثُ تغيير في العقلية، بمعنى تغيير نظرة الحاكم إلى طبيعة وفلسفة ووظيفة الحكم أساساً، فإن مجرد انتقال المكان مع بقاء العقلية ذاتها لا يغيّرُ من الأمر شيئاً بل يزيد الأمرَ تفاقماً على أنني أعتقد من جهة أخرى أن هذا النظامَ بعد أن تكوّن لرموزه وأعمدته قدرٌ هائلٌ من الثروات والإمكانات المادية سواء كانت بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، وكلـُّها تقريباً غيرُ مشروعة، فإنه بدأ يفكرُ بالمستقبل ويرى بأن الضرورةَ قد باتت ملحةً للقيام بخلق الشروط والضمانات التي تكفلُ لهم ولأسرهم وأقاربهم ضمانات استثمار هذه الثروات بشكل آمن وطبيعي، وذلك لا يتحققُ إلا من خلال إقتناعهم وشعورهم بأنه آن الأوانُ لمصلحتهم قبل مصلحة الوطن بناء دولة النظام والقانون الحقيقية التي هي وحدَها ستوفرُ لهم الأمانَ والحمايةَ لأشخاصهم وثرواتهم؛ لأن تراكُمَ المصالح المادية يستلزمُ أول ما يستلزم وجودَ أداة حماية قانونية لاستثمار وتنمية هذه الثروات وحمايتها على أن ذلك حقيقةٌ لا يمكن أن يتوفرَ في ظل غياب الدولة التي تتسمُ بالديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وعدالة القانون للجميع وهو ما لم يستشعره النظامُ القائمُ حتى الآن على ما يبدو.. فالنظامُ الآن أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يقودَ البلدَ وهو معها إلى كارثة مدمرة، وإما أن يسلكَ الخيارَ الأصعبَ وهو بناءُ مثل تلك الدولة التي أشرنا إلى صفاتها وسماتها.. أو على الأقل أن يفسحَ المجالُ لمن يستطيع إقامةَ مثل هذه الدولة؛ لأنه بطبيعته عاجزٌ عن إقامة هذه الدولة كما دلت تجربةُ الــ»٨٢« سنةً الماضيةُ.. > أخيراً سؤالٌ يفرضُ نفسَه لماذا المعارضةُ من الخارج؟، ولماذا لا تكونُ في الداخل؟، ومتى ستعود؟. >> قضيةُ المعارضة من الخارج هي في الحقيقة بالنسبة لي شخصياً لا ينطبقُ عليها وصفُ المعارضة من الخارج؛ لأن إقامتي في الخارج ليست دائمة، وإنما جاءت مؤقتةً؛ لكي تتاح لي فرصة لترتيب أوراقي وتقييمي للأوضاع عامة في جو أهدأ وأصفى، ولعلك سمعتَ ما تطلقه أجهزة الإعلام الرسمية وتركيزها على قضية وجودي في الخارج، وهذه حقيقةً عقدةٌ متأصلةٌ في ذهنية وعقلية النظام الحاكم ومن لف لفه، وهي عقدةُ إجبار الآخرين على ما يمكنُ أن يطلقَ عليه “العودة إلى بيت الطاعة”.. حتى في التشريعات الأسرية إفتروا فيها على دين الله، وشرعوا في حالة الخلافات الزوجية  وجوب إعادة الزوجة إلى بيت الطاعة أي بيت زوجها قسراً أي بالقوة وهو ما لم تقل به الشرائعُ الإلهية كلها، وهم يسحبون هذه الرؤية على كل مناحي الحياة، فبالله عليك عندما أعلنُ عن رغبتي في ترشيح نفسي للانتخابات الرئاسية فهل سيكونُ ذلك الترشيحُ عبرَ الفاكس أو التخاطـُب عن بُعد »التلباثي« إذ يجبُ عليَّ في كل الأحوال أن أعودَ شخصياً للترشح، وهذا ما سيتم بكل تأكيد وفقاً للإجراءات الدستورية المنصوص عليها.. ثم إنني لستُ معزولاً عن الداخل فهناك فرق عمل نشطة بين الجماهير في مختلف المحافظات وتعملُ في اتجاه الترشح أي أن الأمرَ ليس متوقفاً حتى عودتي بل هو قائمٌ على قدم وساق، وقريباً سأزورُكم في مكتبكم إن شاء الله لأشكركم على هذه المقابلة الفريدة والمتميزة والتي كانت صعبةَ المراس لكنها حيوية.. > ما دمتَ ناوياً بالعودة هل ينتابُك بعضَ القلق الأمني؟. >> القلقُ الأمني قائمٌ ليس من اليوم وإنما من سنوات طويلة مضت، فالنظامُ والجماعاتُ التي تعملُ لحسابه جاهزٌ للتصفيات، وهذا أعلمُه علمَ اليقين لكنني رغم ذلك ليسَ أمامي سوى أن أُقـْدم أو أُحْجم.. أما أن أَغـُضَ النظرَ عن المخاطر الأمنية القائمة وهي جادةٌ وحقيقيةٌ، أو أُحجم وأَقعد في بيتي إلا أن ما وصلت إليه البلادُ من تدهور أوجب عليَّ أن أُقـْدم وأن أتحمَّـلَ كلَّ التبعات والنتائج المتوقعة مهما كانت، ودع النظامُ يُسرفُ في القتل إنه كان مهزوماً..           مرشح الرئاسة عبدالله سلام الحكيمي في حواره الثاني مع »البلاغ«:                                                                                                                                              Monday, 24 April 2006 أنا لم أسحب ترشيحي، ولست مناطقياً لكنني حرب مدمرة على الدكتاتورية والشموليين ومراكز الفساد يظل الحوار مع الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي  له خصوصيته وله مذاقه الخاص نظراً لما يحمله من أفكار وتأريخ لا يستطيع أحد إنكاره، وعندما يكون عبدالله سلام الحكيمي مرشحاً نفسه للرئاسة فإن الحوار يكتسب أهمية أكبر.. ومن خلال هذا الحوار حاولت جاهداً أن أعتصر فكر عبدالله سلام لأعطي القارئ الكريم والمواطن خلاصة لـبرنامجه الرئاسي.. إذ أن  معرفة هذا البرنامج ومعرفة ما يحمله عبدالله سلام الحكيمي من رؤية للمستقبل  جعلتنا نحاول أن نعطي القارئ خلاصة لهذه الرؤى والأفكار خاصة بعد أن اكتسب اللقاء السابق الذي تم نشره بأعداد سابقة أهمية خاصة لدى المهتمين والقراء على حد سواء. ونظراً  لأن الحوار في جزئه الثاني الذي بين أيديكم قد أخذ مساحة طويلة فقد أضطررنا إلى أن ننشر ه على حلقتين ، في هذا العدد الجزء الأول وسيتم نشر الجزء الثاني في العدد القادم إن شاء الله . حـــاوره/ رئيــــــس التحـــــرير > بدايةً نرحبُ بالأستاذ/ عبدالله سلاّم الحكيمي ونحن معاً نستكملُ الحوارَ السابقَ الذي نـُشر على صفحات صحيفة »البلاغ« كجزء أول، حيث وعدنا القراء بالجزء الثاني من الحوار المتعلق ببرنامجه الانتخابي قبل الدخول في تفاصيل البرنامج نريدُ أن نعرفَ وجهة نظره حول ما يدور الآن في الساحة فيما يتعلق باللجنة العليا للانتخابات، ووجهة نظر الأحزاب في عدم حياديتها وعدم شرعيتها.. فما هي وجهة نظرك عن هذا الموضوع؟. >> أهلاً وسهلاً.. شكراً جزيلاً.. الواقعُ بالنسبة للجنة العليا كما صرحتُ في المرة السابقة بأن اللجنة خالفت القانون، وخالفت الدستور، وبرهنت على عدم حياديتها وعلى انحيازها إلى الحزب الحاكم وقبلت لنفسها أن تكونَ مطيةَ الأحزاب لا أن تقومَ بالدور الذي حدده لها الدستور والقانون.. فالآن المدد القانونية والزمنية المحددة بالقانون تجاوزتها اللجنة العليا.. لا تتحجج بموقف المعارضة أو شيء من هذا القبيل؛ لأنه لا أحداً يستطيع أن يجبر اللجنة العليا بأن تقيدَ إلا إذا قبلت بذلك، وهي قبلت لنفسها أن تتجاوزَ القانونَ والدستورَ، وبالتالي سقطت أو خالفت القانون والدستور، وبالتالي فهي غير نزيهة، غير محايدة، ويجب التفكيرُ بأداة انتخابية في اعتقادي؛ لأنه لا يمكنُ بأي حال من الأحوال أن تجرى انتخاباتٌ ديمقراطية شفافة نزيهة إلا من خلال آلية جديدة، وهناك مقترحان، الأول: أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية، وهذا مقترَحٌ طرحه الرئيس/ علي ناصر محمد قبل فترة وهو المقترحُ الأنسبُ، حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها إعداد البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة. المقترح الثاني: هو أن يكونَ هناك إشرافٌ وإدارةٌ مباشرةٌ دولية وإقليمية تشرف على إجراء انتخابات؛ لأنه بصراحة اللجنة العليا أثبتت فشلَها وعجزَها من خلال مخالفتها للقانون والدستور مخالفةً صريحةً، وهي الآن تريدُ أن تقتصر المدد الزمنية المحددة بالقانون إلى النصف، تريد أن تسلق الانتخابات سلقاً وهو ما لا نقبله، وأية انتخابات تجرى بوضع كهذا نحن نرفضها، وسوف نطلب من الناس أن يقاوموا هذه الانتخابات؛ لأنها بكل وضوح ستزوَّرُ عمداً ومن الآن وجهاراً نهاراً. > المقترح الذي طرحته وتقول إنه سبق وأن طرحه الرئيس/ علي ناصر محمد حول تكوين حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها الأساسية إعداداً للانتخابات القادمة هذا يعني تأجيلَ الانتخابات الرئاسية وربما ينظر إليه البعضُ بأن هذا ربما ناتجٌ من عجز الأحزاب في اليمن عن خوض المنافسة بقوة وهي تسعى من خلال اتهامها للجنة العليا للانتخابات إلى تأجيل الانتخابات؛ لأنها غير قادرة على المنافسة؟. >> لا أعتقدُ يا سيدي؛ لأن الانتخابات الآن تعتبَرُ بحكم المؤجلة؛ لأنه إذا أخذتم بالحسبان المدد الزمنية لكل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية فإن الأمر يحتاج إلى تأجيل الانتخابات لما لا يقل عن ثلاثة أشهر، لكن إذا أرادت اللجنة العليا أن تخالف القانون وتختصر المدد الزمنية فهذا يؤدي إلى الإخلال بنزاهة العملية الانتخابية، وإلى سلق الانتخابات من خلال إدارة الانتخابات عن طريق الأجهزة الأمنية، فالانتخابات حتماً ستؤجل، وهي الآن تعتبرُ مؤجلةً إذا التزمنا بالمدد الزمنية، فإن كنا سنضمنُ انتخابات نزيهة من خلال مقترح الرئيس علي ناصر محمد بحكومة وحدة وطنية أو سمِّها حكومةً انتقاليةً أو أي شيء، تكون مهمتها فقط إعدادَ البلد للانتخابات فلا بأس أن تتأجل الانتخابات؛ لكي نضمن نتيجة سليمة؛ لأنه ليس المهم أن يقال بأنه أجرينا انتخابات ولكن المهم كيف أجرينا الانتخابات. > قلتَ: إذا ما أصرت اللجنةُ على إجراء الانتخابات في الموعد المحدد رغم اختصارها المدد الزمنية فإنه ستكون هناك دعوةٌ للناس لمقاومة هذه الانتخابات.. ماذا تعني بمقاومة الانتخابات؟. >> هذه مسألة طبعاً كبيرة تحتاج إلى تنسيق جهود بين أحزاب المعارضة وبين المرشحين المستقلين كحالتي مثلاً وآخرين من المرشحين الذين أعلنوا أنفسَهم حتى الآن، بحيث نتفق على صيغة كيفية مواجهة ما تريد اللجنة العليا للانتخابات أن تجريَه الآن من خلال إجراء انتخابات »مسلوقة« غير نزيهة، غير ديمقراطية لا تتوفر لها الشفافية، ولا الحرية، هناك أساليب عديدة، هناك العصيان المدني ممكن أن يتدرج العصيان المدني من مظاهرات في الشارع، واحتجاجات، إلى رفع نداءات للمجتمع الدولي؛ لكي نوضح التجاوزات القانونية والدستورية التي حصلت، وأن هناك نية مبيتة ومتعمدة لتزوير الانتخابات سلفاً، فنحن بدون حكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية، وإذا هم غير قابلين بهذا الإجراء والبديل فليكن هناك إشراف دولي كامل متكامل مثلما جرى في بلدان أخرى في البوسنة والهرسك، في بولونيا، في البانيا، في مناطق كثيرة، في أفغانستان، في العراق أيضاً جرت تحت إشراف دولي، والحقيقة كانت انتخابات نزيهة بغض النظر عن المناخ السياسي الذي دارت فيه، فبدون هذا لا يمكن، فنحن ندعو كهدف نهائي إلى عصيان مدني يتدرج وفقاً للخطوات المعروفة بالعصيان المدني. > مسألة تبيين الوضع للخارج كما قلت تبيين المخالفات تعتبرها الدولة أو المؤتمر الشعبي كما يُطرَحُ دائماً بأن الأحزاب الأخرى تستقوي بالخارج، ويُتهم مَن يطرح مثل هذا الحديث بأنه يعملُ ضد مصلحة البلد، وفي نفس الوقت ذكرتَ أمثلةً منها العراق فسمعنا أكثرَ من مرة من بعض المسؤولين يقولون: تريدون ديمقراطية مثل العراق التي هي ديمقراطية سفك الدماء. الآن للأسف الشديد فهم يستغلونها على عكس ما تريدُ أن تقولـَه فكيف تجمع بين هذه الأشياء؟. >> في الحقيقة مسألة الاستقواء بالخارج نحن نستقوي بالخارج نظرياً لكن النظام يستقوي بالخارج عملياً، ومن خلال وسائل التعذيب التي يزودون بها القوى الدولية المتقدمة من خلال التعاون الإستخباراتي، من خلال التعاون العسكري، من خلال الامتيازات والتسهيلات غير المعقولة التي يقدمها النظام لهذه القوى الذي يتهمنا بأننا نستعديها عليه، من الذي يستعدي؟، النظام أعطى كل شيء للأمريكان ولغير الأمريكان، أعطاهم كل ما طلبوه وأكثر مما طلبوه من التنازلات لهذه القوى الدولية النافذة، كلما تصاعدت نبرته في معاداة الخارج وهو نوع من التعمية، نوع من ذر الرماد على العيون لكي يغطي انبطاحه أمام هذه القوى، أما نحن حتى الآن ليست لنا أية صلة مع الخارج، لكن نحن سنخاطب الخارج بأن هذه قيم الديمقراطية والحرية تجب معاً حمايتها من أجل الدفاع عنها من أجل صيانتها. قضيةُ انتخابات العراق وأفغانستان وغيرهما طبعاً أنا أفرق بالنسبة للعراق إذا أخذنا العراق نموذجاً أفرق بين الانتخابات كجانب إجرائي كآلية بحتة.. أقول: إنها كانت ممتازة ونزيهة. لكن المناخ السياسي الإحتلال القائم هذا شيء آخر، أنا أتحدث عن آلية انتخابية فنية مجردة من هذه فقط، أرى بأنها نزيهة ولهذا أي إشراف دولي؛ لأنه جرت الانتخابات في العراق تحت إشراف الأمم المتحدة عموماً فهي من حيث كونها عملية فنية لا غبار عليها، وكما أيضاً في أفغانستان. > عندما يتم طرح عملية الاستقواء بالخارج النظام لدينا يركز على أن الأحزاب تريد لليمن مثلما وقع في العراق من فوضى من احتلال إلى آخره، ولهذا يتم سحب البساط على الأحزاب في عملية المناداة للمجتمع الدولي بأن يكون له دور في الانتخابات اليمنية فكيف تنظر إلى مثل هذا؟، هل المطلوب بعملية الاستقواء ومناداة المجتمع الدولي هو الضغط الذي قد يصل إلى حد الإحتلال؟. >> لا.. أولاً نحن لم نعطِ للقوى الدولية قواعدَ عسكريةً أو تسهيلات عسكرية، أو إشرافاً على أجهزة مخابراتنا.. النظام هو الذي أعطاها هذا كله ونحن لم نطلب حتى الآن من الخارج أن يأتيَ ليحارب بالنيابة عنا، نحن قادرون وليس هو المطلوب، وليس هناك ما يتطلب أن ندعو الخارج إلى أن يحارب باليمن.. الأمر لا يتطلب قتالاً؛ لأن النظام أضعفُ وأهزلُ من أن نطلبَ مساعدةً عسكريةً خارجيةً نحن كفيلون به ديمقراطياً؛ لأننا لا نمتلك القوة، القوة بيد النظام، والثروة مع النظام والسلطة.. فقط نريد المجتمع الدولي أن يساندنا ولكن نحن نقدر أن نواجه هذا النظام بكفاءة وقدرة سلمياً ومن خلال حركة الشعب وحركة الشارع، من خلال الجماهير التي هي باتت الآن قاب قوسين أو أدنى من انفجار بركانها الهائل؛ لأن مستويات المعيشة وصلت إلى درجة لا تطاق، وصلت معاناتها إلى أقصى درجة، نحن معولون على هذه المعاناة الشعبية المتراكمة التي أصبحت على وشك الانفجار؛ لأن الناس لم يعودوا قادرين على التحمل أكثر، ونحن الحقيقة لسنا مع أي عدوان عسكري خارجي إطلاقاً، ولن نطلبه ولا نحبذه، وإذا ما حدث فالنظام يبقى مسؤولاً عنه وليس نحن. > إذاً أنتم تراهنون على التحرك الشعبي، هناك من يطرح بأن الشعب مشغولٌ بلقمة العيش قبل أن يكون مشغولاً بالديمقراطية والحرية والتعددية السياسية، وهناك من يطرح بأن الأحزاب السياسية هي أحزاب صالونات ليس لديها ارتباطٌ جماهيري قوي ما عدا البعض، ربما نقول البعض، وفي إطار ضيق فكيف تراهنون على الشعب؟. >>  الشعب مهتم بلقمة عيشه وهذا صحيح، وعندما يشعر بأن لقمة عيشه هذه أصبحت بعيدة المنال عنه فسوف يهب هبة السباع ضد هذا النظام الذي حرمه من لقمة عيش كريم؛ الآن مستوى الفقر وصل إلى أكثر من »60٪« أو »70٪« نسبة الفقر في المجتمع هذه النسب فيها درجات متفاوتة لا شك أننا معولون على هذه النسبة الضخمة بما فيها العاطلون عن العمل لا يجدون عملاً، إناس بمئات الآلاف تراهم في الشوارع والبيوت، فنحن معولون على هؤلاء الناس عندما ينشغلون بلقمة عيشهم ولا يجدونها، عندئذ تكون الثورة السلمية الشعبية. > الحديث عن الشعب، كما هو معروفٌ أن العوام لا يتحركون إلا في ظل وجود قيادات تحركها فهل لدينا في اليمن من وجهة نظرك من القيادات التي تستطيع أن تحرك هذه الجماهير؟، أم أن هذه القيادات لديها حسابات خاصة مع السلطة؟. >> بالتأكيد يا سيدي القيادات الشعبية المراجع الشعبية أو قل المرجعية السياسية هي تتكوَّنُ ولا تـُخلَقُ متكاملةً في البداية.. إنما تتكوَّنُ مع حركة الأحداث الجارية في المجتمع، ومثل هذا تتبلور القيادات والرموز ولا تخلَقُ هكذا. > هل ترى تلك القيادات الحزبية الموجودة الآن وأخص بالذكر الإصلاح والإشتراكي أن لديهما القدرةَ لتكون هي القيادة الشعبية المؤملة في تحريك الجماهير بعض النظر عن الانتماء الحزبي؟. >> حتى الآن لا أرى ولا يبدو أن كلاً من الإصلاح أو الإشتراكي والإصلاح بدرجة رئيسية أنهم يمكن أن يقودوا حركة شعبية؛ لأنهم لا يزالون حبيسي حسابات سياسية ضيقة لم تتبلور لديهم نظرة أو رؤية استراتيجية لما يريدونه بالضبط.. الآن هم مهيئون لقيادة حركات الجماهير التي أصبحت مهيأةً لأن تحدث تغييراً شاملاً بالساحة السياسية لكنهم لا يريدون.. الحزب الإشتراكي مشغول بمقراته وبفلوسه التي نهبوها، وبحجم العاطلين عن العمل الذين فـُصلوا من أعمالهم سواء عسكريين أو مدنيين. الإصلاحُ طبعاً لا يريد أن يغامر؛ لأن الفكر السني الذي يلتزمون به عادة لا يخاطرُ كثيراً.. إذا استثنينا الجماعات المسلحة والإصلاح بعيد عنها؛ لأن هنا فرقاً ما بين الإخوان المسلمين كتربية كأسلوب تربوي أنهم عادة ما يكونون غالباً مع الحاكم، لا تعصي ولي الأمر، أنهم يبقون قريبين من السلطة إلى أن يتمكنوا من لطمها حتى الآن يبدو أنهم لم يصلوا إلى شعور أنهم يقدورن أن يلطموها بأمان، لكن حتى اللطمة إذا أرادوا أن يلطموا لا بد أن يشعروا أنها مؤمّنة »100٪«.. طبعاً شذت عنهم الجماعات المسلحة هذه لكنها ليست على وثاق معهم، أما الإشتراكي فمشغول بهمومه أكثر مما هو مشغول بتغيير. > يقال بأن ربما التجمع اليمني للإصلاح قد يطرح أمينه العام ليكون مرشح اللقاء المشترك هل تظن أن الأستاذ/ محمد اليدومي قادر على المنافسة الفعلية إذا ما صحت هذه الأقول؟. >> أهم شيء في نظري الآن أن اللقاء المشترك يطرح مرشحاً؛ لأنه حتى الآن لم يطرح مرشحاً، وهذه في حد ذاتها تعمل على تبئيس الرأي العام، على نوع من إصابة قطاع واسع من الرأي العام بنوع من الإحباط بنوع من اليأس؛ لأنه الرأي العام يريد أن يعرفَ مَن هو مرشح المعارضة.. حتى الآن لا يوجد، ولا الحكم حتى طرح مرشحه.. الحكم يريد أن يعرف من هو مرشح المعارضة والمعارضة تريد أن تعرف من هو مرشح الحكم وكلٌّ ينتظر الآخر وهذا أبعد عن العمل السياسي الصحيح.. لا بد أن تدفع بمرشحك مبكراً حتى يتبلور في أوساط الرأي العام، أما بالنسبة للأستاذ/ محمد اليدومي لا غبار عليه في الواقع، وإن كان بعض الناس يأخذون عليه بعض المآخذ بعد الوحدة لكن الناس تغيروا كثيراً، وتبدلوا. وأعتقد أنه قادر، أطروحاته الأخيرة جيدة. > المؤتمر الشعبي لم يطرح مرشحه حتى الآن.. أحزاب اللقاء المشترك لم تطرح مرشحها حتى الآن.. أيضاً المجلس الوطني للمعارضة موقفه تقريباً هو تابع للمؤتمر الشعبي من هذا المنطلق هل تستطيع أن نقول بأن المستقلين أكثر إدراكاً بهموم المرحلة حيث ظهر أكثر من مرشح أعلن عن نفسه للترشيح، وأن الأحزاب تظل داخل دائرة المصالح والحسابات الضيقة؟. >> أعتقد أن المرشحَ المستقلَّ عادةً ما يكون أكثر تحرراً من الحسابات والخطط والبرامج وردود الأفعال وغيره، والمرشح المستقل يتخذ قرارَه ويذهبُ لكن الأحزاب عادةً ما تأخذ وقتاً كثيراً في الحسابات حتى يكونَ القطارُ قد فات، ولهذا قالوا إن السياسة الناجحة هي قرار مناسب في لحظة مناسبة، فأعتقد أن المستقلين أكثر قدرة على مسك زمام المبادرة من الأحزاب في مثل واقعنا الراهن. > بصفتك أحد المرشحين أو على قائمة المرشحين للرئاسة هل حصل خلال هذه الفترة أية محاولة للمؤتمر الشعبي العام للتواصل معك؟. >> لا، لم يحصل إتصالٌ لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، وهذا من حسن حظي؛ لأني من النوع الذي يحرَجُ كثيراً أو يستحي كما يقولون، ولهذا الله قد صرف أنظارهم عني ولم يتصلوا وهذا ما أريده لأنه الآن طبعاً ما الذي سيقولونه إذا ما  اتصلوا.. هل سيقولون: انسحب. لا يمكن أن أنسحب إطلاقاً حتى هم حاولوا في وسائل إعلامهم أن يشيعوا بأني انسحبت من الترشيح عندما سحبت طلب تزكيتي من اللقاء المشترك، والحقيقة كانت رسالتي واضحة لم أنسحبْ من الترشيح، وإنما انسحبت لكي أخفف من العبء على اللقاء المشترك وسحبت طلبي بأنهم يزكوني فقط؛ لأن طلابَ التزكية قد كثروا وأنا رجل حساس تجاه مشاعر الآخرين عموماً، فلهذا سحبتُ طلبي فقط لكن قلت في رسالتي بأني سأستمر مرشحاً مستقلاً وأنا في الحقيقة مرشح مستقل، فما الذي سيقولـُه المؤتمر الشعبي العام أو النظام إذا أراد أن يتصل بي لا يوجد شيء يوجب الاتصال أو الحوار، نحن بيننا تنافس ديمقراطي، بيننا صناديق الإقتراع، وأهم شيء أن يقتنعوا أن عليهم أن يجروا انتخابات نزيهة وحرة، وإلا فإنه ستعود نتائج وخيمة عليهم. > عندما يكثر المرشحون المستقلون ربما هذا يعد نوعاً من التشتيت للأصوات فهل هناك في هذه المرحلة أو مستقبلاً نوع من التواصل سيتم فيما بين المرشحين المستقلين؟. >> لا أبداً يا سيدي أنا زعلان أن عدد المرشحين عند هذا العدد أنا أريدهم أكثر من هكذا؛ لأن في الحقيقة كلما زاد المرشحون كلما أوجدوا عند الرأي العام شعوراً بالجدية بأن هناك مسألة جادة وليست هزلاً وبالتالي كان المفترض أن يكون هناك 20-30 مرشحاً، أما وقد وقف حتى الآن عند هذا الحد فلا بأس ولكن في الأخير حتى وإن كثر المرشحون لكن عندك مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأساسية الأولى هي تزايد نسبة التزكية قد يعمل الحزب الحاكم على تزكية هذا وذاك من أجل تمييع مسألة الانتخابات ويحجب عن هذا ويعطي لذاك، نوع من التلاعب في جدية العملية الانتخابية، بحيث أنه يوظف كل طاقته وجهده لكي يبعد المرشحين الجادين عن الترشيح من خلال امتلاكه لـ»ثلاثة أرباع« أعضاء مجلس النواب وقد يعطي لبعض الناس الذين لا يوجد لهم نصيب في النجاح ولكن لنخوض التجربة ونرى بعد ذلك لكن أنا مرتاح لكثرة عدد المرشحين أن يكونوا مستقلين كما قلت لك لأنهم أكثر جرأة من الأحزاب. > بالنسبة لقضية التزكيات بمجلس النواب هل تظن أنه إذا ما قررت أحزاب اللقاء المشترك أن يكون لها مرشحٌ للرئاسة فهل تتوقع من ممثليها أن يزكوا بعضَ المستقلين إلى جانب مرشحهم؟، أم أنهم سيكونوا مقتصرين في تزكيتهم لمرشحهم فقط؟. >> ذات يوم كان هناك بعض الصحفيين في مقابلة مع الرئيس الغشمي الله يرحمه، فكان حينها نائب رئيس مجلس القيادة قبل أن يتولى الرئاسة كانوا يناقشون معه قالوا له: أنت قلت إنك تريد أن تنوع مصادر السلاح كيف ستنوعه وأنتم علاقتكم تكاد تكون مقصورة بالإتحاد السوفيتي في مسألة التسليح. فكان جواب الرئيس الغشمي رحمه الله: »كم حدك يا خزقي« أنا في الحقيقة متفائل من شأن التزكية كثيراً، وبالنسبة لي شخصياً أستطيع أن أقول لك: إنني لا أريد أن أعطيك تفاصيل كبيرة ليس لأني لا أثق بك وإنما لا أريد الناس يخضعوا في مجلسي النواب والشورى إلى متاعب، لكني أستطيع أن أقول لك: إن النسبة عندي باليد وهذا ما ستستبينه إن شاء الله عندما تجري الزكية. > الموضوع الآخر: هناك طرحٌ الآن ما زال في بداياته حول أن يكون المؤتمر الشعبي العام حزباً بمعنى الكلمة من خلال أن يكون الرئيس/ علي عبدالله صالح هو رئيسٌ للحزب فقط، وأن يتم الدفع بمرشح للمؤتمر بشخص آخر قد يكون عبدربه منصور أو عبدالعزيز عبدالغني أو غيرهما، وأن يتم تصعيد نجل الرئيس ليكون نائباً للرئيس فهل ترى في هذه الصورة مرحلة انتقالية لوضع ما وهي مناسبة للعملية الحزبية بشكل أكبر أو كيف تنظر إلى هذا الموضوع؟. >> الواقعُ من الناحية السياسية هذا السيناريو الذي طرحته أنا كنت أتصورُه قبل فترة إنه شيء طبيعي أن تجري سيناريوهات أو صيغ بديلة بهذا الشكل لكن للأسف الجماعة الذين يحكمون اليوم ليس لديهم ثقة بأحد لا يثقون إلا بأنفسهم يرون بأنهم هم الوحيدون الذين يقدرون أن يسيروا بالأمور، ولا يثقون حتى بواحد مثل عبدالعزيز عبدالغني مثلاً الذي أثبت خلال العمر كاملاً بأنه مطيع وموظف جيد في الحقيقة حتى هذا لا يثقون فيه، هؤلاء عبارة عن ناس، الثقة والولاء عندهم هو في الأسرة في الأقارب في المقربين أو الذي يشترونه أعنى أنهم لا يمكن أن يثقوا لا بعبدالعزيز ولا بعبدربه؛ لأنهم يخافون من هبة نسيم إذا هبت من هذا الإتجاه أو ذاك. > لكن في مثل هذا السيناريو ألا ترى أن تفعيل المؤتمر الشعبي ليتحول إلى حزب فعلي وليس حزب الحاكم في هذا السيناريو ما دام رئيسُه لن يكونَ رئيسَ الدولة؟. >> يستحيل أن يكون ذلك؛ لأن هذا السيناريو جيدٌ إذا تم تنفيذ أن يكون الرئيس/ علي عبدالله صالح -رئيس الحزب الحاكم، وبالتالي يسير كل شيء، وأن يكون إبنه قائداً عاماً للقوات المسلحة وزير دفاع أو حتى رئيس وزراء لا يوجد ما يمنع، وعبدالعزيز عبدالغني يكون مثلاً محللاً لا بأس أعني سيقوم بدور جيد لكن هم غير مستعدين أن يفهموا هذا؛ لأنهم خائفون، لأنهم يقولون مثلاً أنا أتكلم عن سيناريوهات يقولون إذا ما جاء عبدالعزيز عبدالغني رغم أنه لم يحصل في لحظة من اللحظة أن أثبت غير ولائه المطلق، لكن يظنوا أنه ربما تأتي قوة دولية أو شيء من هذا القبيل وتقنع عبدالعزيز عبدالغني من خلال إمتلاكه لسلطة القرار كرئيس وبعد ذلك يذهبُ لهم باللعبة كلها فهم يا سيدي لا يثقون بأحد لا يثقون إلا بالأب أو الابن أو الروح القدس. > كما هو معروفٌ أن التداول السلمي للسلطة من الصعب أن تقفز إليه دول العالم الثالث مرة واحدة ولا بد أن يكون هناك مرحلة انتقالية تكون ما بين الشمولية وما بين التداول السلمي للسلطة فهل لديك سيناريو معين ترى يمكن أن يكون الوسط بين هاتين المرحلتين؟. >> بالتأكيد أنا برنامجي الانتخابي الذي طرحته هو يحكي عن ترتيبات مرحلة انتقالية ما بين مرحلة حكم شمولي مهما ادعى بأنه ديمقراطي وما بين واقع جديد أريد أن أبنيه، أريد أن أغير الواقع الموجود لكي أبني واقعاً جديداً حقيقياً.. دولة مؤسسات لا مركزية، استقلال قضاء.. حتى في إطار فيدرالي، هذا هو برنامجي حقيقة يحكي عن مرحلة انتقالية، لا يستهوني الحكم من زمان ولا تستهويني الوظائف لكن فقط عندي فكرة أريد أنفذها عندي برنامج أريد تطبيقه هذا ما دفعني إلى الترشيح أن أطبق برنامجاً وعند أول ما يطبق برنامجي سألتقط رديفي وأذهب. > من خلال اللقاء السابق الذي نشر أُتهم الأستاذ/ عبدالله سلام الحكيمي بأنه مناطقي ويسعى لتفتيت البلد من خلال برنامجه الداعي للفدرالية فكيف تنظر إلى تلك الاتهامات؟. >> في الحقيقة أنا لا أريد أن أفتت الوطن، وإنما أريد أفتت مواقع الفساد، ومواقع الدكتاتورية والشمولية والمركزية إذا كانوا يقصدون أنني سوف أفتت الفساد والمفسدين الدكتاتوريين الشموليين المركزيين هذا صحيح أنا أريد أن أدمرهم تدميراً لكي أبني وطناً موحداً وقوياً لا يمكن أن يستقيم إلا بالفدرالية ذلك هي عبرة التأريخ القديم لنا كيمنيين من أيام السبئيين وذلك هو منطلق صحيفة »المدينة« أول وثيقة دستورية يعملها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع المدينة وتعدد الأعراق وتعدد الأديان، وهذا أيضاً ما أقترحه الأتراك في وثيقة لهم وجدتها كانوا يريدون أن يقسموا اليمن إلى ثلاث ولايات في سنة 1911م، ستجد هذه الوثيقة موجودة في مجلة »المنار« الجزء التاسع المجلد »14« يقول عنوان الوثيقة تلك: »الأصول التي قررتها اللجنة التي ألفت في الباب العالي لأجل وضع لنظام الإصلاح في اليمن«. ١- تقسيم اليمن إلى ثلاث ولايات. ٢- أن يعين مشايخ القبائل حكاماً إداريين أي متصرفين في الألوية وقائم مقامين في الأقضية ومديرين في النواحي. ٣- إقامة محاكم شرعية. ٤- تنشأ الطرق والمعابر والمدارس الابتدائية. ٥- أن يمنح الإمام يحيى رئاسة اليمن الروحية. ٦- أن تبتاع لساقات لحفظ الحدود. ٧- أن يعفى اليمانيون من الخدمة العسكرية ويوفر الجنود من سوريا وطرابلس. ٨- أن يسمح للعربان بحمل السلاح »البدو«. ٩- أن تلغى الضرائب. 10- أن يعين الولاة من أصحاب الفطنة والحنكة والدراية ويمنحوا السلطة الواسعة. هذه هي كانت وثيقة كان الأتراك يفكرون فيها، وهذه هي الفدرالية التي أنا أدعو لها أنا فهل كانت الدولة العثمانية عميلة للإمبريالية والرجعية والإمبريالية الأمريكية وإسرائيل!! أي شخص يدعو لإصلاح الأوضاع يتهمونه باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، فأنا أنا أنا حرب مدمرة ضد الدكتاتوريين ضد الشموليين ضد المركزيين ضد الفسدة، أما الوطن فأنا الذي سأبنيه على أرسخ المداميك. > برنامجك الذي طرحته هل طرحته بما فيه من نقاط بالتشاور مع بعض المتخصصين بعد دراسة متأنية للوضع الموجود إقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وسياسياً؟، أم أنه استلهام مباشر من الأستاذ عبدالله؟. >> أنا أصدقك القول بأنه لم أتشاور مع أي من كان يجب عليَّ أن أستشيرهم في وضع البرنامج ولكن وضعت البرنامج هذا بهدف أن يكون الإطار العام أو قل ما هي الفلسفة التي أريد أن أحدث بها التغيير المطلوب فهذا البرنامج عبارة عن إطار عام قضايا عامة أشبه ما يكون بعناوين.. لكن أنا طرحت البرنامج هذا على بعض من الأصدقاء المثقفين الأكاديميين والذين يتفقون معي في الرؤية العامة طرحت لهم البرنامج لكي يقوم كل منهم بتأصيله بوضع خطط برامجية لكيفية ما ورد في البرنامج.. مثلاً عندما نأتي لنناقش قضية مجلس السلطة التشريعية التي إقترحناهم في البرنامج.. المؤسف أننا في واقعنا الراهن عضو مجلس النواب مثلاً أو حتى عضو مجلس الشورى خلاص لمجرد أن يكون عضواً خلاص عضو فقط كل إسهاماته ما عدا قليل منهم أن يرفع يده بالسلب أو بالإيجاب، يرفعها أو لا يرفعها، لا ليس المطلوب من عضو مجلس السلطة التشريعية أن يكون بهذا الأسلوب الباهت.. الكثير من أعضاء مجلس النواب لا يفهمون حتى القضايا التي تناقش بمجلس النواب.. أنا أريد من ضمن الخطط البرنامجية التنفيذية والتطبيقية لما ورد في البرنامج أنه مثلاً كل عضو من أعضاء مجلسي السلطة التشريعية الذين ذكرتهما في البرنامج أن يكون لكل واحد مكتباً وهذا المكتب له اعتماد.. الإعتماد هذا ليس كل عضو يأخذه إلى جيبه لا يكون له مكتب فيه متخصصون ومستشارون وله سكرتارية يتصل بناخبيه أيضاً يدرسون له القضايا التي تناقش في المجلس أو المجلسين، ماذا الذي يقول فيها بحيث أن العضو يكون معتمداً على استشارات والميزانية التي تعطى له تكون مصروفة لتمويل هؤلاء المستشارين الموظفين التابعين لمكتبه، أما أن يكون العضو قد نجح وانتهى الموضوع.. لا هذا حقيقة جهد عبثي يمكن قلة من الناس أن يسيروا المجلس وفقاً لأمزجتهم ومصالحهم أو ضغوطاتهم.. نحن نريد من عضو مجلس النواب أو الشورى أن يكون فاعلاً، أن يكون فاهماً، وأن يكون معتمداً على استشارات ودراسات هذا ما أريده، وهذا مجرد مثال أعطيتك على كيفية إرادتي في التنفيذ لبرنامجي. > بالنسبة للبرنامج هل قمت بعد نشرك للبرنامج بعمل دراسة ميدانية أو كلفت أحداً من الموجودين بعمل دراسة ميدانية لمعرفة مدى تقبل الشرائح الإجتماعية لهذا البرنامج وللسياسيين والمثقفين والمواطنين العاديين والتجار وغيرهم؟، أم أن هذا سيكون في المرحلة المقبلة؟. >> في الحقيقة هناك فرق عمل أكاديمية أو شبه أكاديمية تتولى وضع الخطط التفصيلية التطبيقية لأهداف البرنامج ومضامينه، وهناك فرق عمل أخرى تتولى التحرك في أوساط الرأي العام.. عندنا تقريباً حتى الآن أكثر من نصف المحافظات أو قل مراكز المحافظات.. في عندنا فرق عمل تشتغل بهدوء وبدون ضجيج؛ لأنه لا نريد ندخل في محظور القانون؛ لأن الدعاية الانتخابية لم تبدأ بعد، لكننا نأخذها في إطار علاقة عامة، في إطار مقايل في مجالس في إطار عام، هذه الأشياء في الحقيقة قطعنا فيها شوطاً جيداً.. عندي فريق قانوني يتولى الإدارة القانونية للحملة بالنسبة للشرائح الإجتماعية.. في الحقيقة عندي إتصالات في معظمها ما عدا التجار لأن التجار عندنا أنا أعرفهم جيداً خاضعون مساكين للقهر السلطوي؛ لأنه إذا ما أحسوا بأن أحد رجال الأعمال يدعم مرشحاً من غير السلطة يدخلوه في حيص بيص، ويفتحوا له أبوابَ جهنم من المشاكل ابتداءً من الضرائب وانتهاءً بالإفلاس والضرب وتسليط ناس لفتح مشاكل لا وجود لها، فلهذا أنا أقدر ظروف التجار ورجال الأعمال، ولهذا لم أتحدث معهم لكني عبرت عن مصالحهم بالبرنامج ولعلهم يفهمون والله أعلم.. > أنت ذكرت أن لديك أكثر من فريق عمل هذا جعلنا نلتفت إلى عملية التمويل فهل الأستاذ/ عبدالله لديه التمويل لهذه الفرق أم أنها تطوعية؟. >> والله العظيم أن أكون صادقاً معك أنا في الواقع لا أملك شيئاً ولكن كلما أراهنُ عليه في مسألة التمويل حتى هذه اللحظة إنه عندي منزل سوف يأتيني بثلاثين مليون ريال سأبيعه لأمول حملتي الانتخابية عندما تبدأ لكني بالنسبة لفرق العمل وبنسبة »80٪« من الإخوان الأعزاء الذين يعملون معي.. البعض منهم لا يطلبون مقابلاً.. بل إنهم يساعدونني، وفي نسبة كبيرة من الإخوان الذين يعملون معي إتفقت معهم على أساس أن المكافأة مؤجلة إلى بعد الانتخاب، وبأن يكون لهم حظوة ومكانة إن شاء الله. > خليني أمسكك من الناحية هذه أنت قلت المكافأة ستكون فيما بعد ستكون لهم حظوة إذن لم تختلف عن الرئيس علي عبدالله صالح؟. >> أنا لست بدعاً من الديمقراطية في العالم.. أنا لست بدعاً من الديمقراطية في العالم، الفريق الانتخابي للرئيس »جورج بوش« عندما ينجح الرئيس بوش يوليهم في مناصب من حقه؛ لأنه عندما تكون الدولة دولة مؤسسات أنا لن آتي بأشخاص يفسدون أعني سيحظون بحظوة في المكان الإداري، وليست حظوة مالية لأن هؤلاء المرشحين يجعلون مديري حملاتهم الانتخابية يتولون مراكز، ولن يصرف لهم مكافأة من المال العام؛ لأنهم أرادوا الصيت وليس المال والمكسب ما بغوا المكسب مثلما يقول أصحاب حضرموت. > طيب نعود إلى البرنامج أنت تكلمت عن فرض هيبة الدولة والمؤسسات والقانون كما نعرف الوضع في اليمن أن هناك مراكز.. هناك شخصيات.. هناك مشائخ.. هناك سمهم ما شئت مجموعات كبيرة ترفض الخضوع للسلطة وللقانون أو للمؤسسة؛ لأن لديها مصالح كيف ستستطيع أن تجعل هؤلاء يرضخون للقانون ولعملية مأسسة الأجهزة الحكومية والإلتزام بالقانون؛ لأنها ستنقطع مصالحهم وهؤلاء لديهم قدرة على تحريك من يتبعهم سواء كانوا قبائل أو غيرهم؟. >> هؤلاء سوف نحقق عملية دمجهم في مؤسسات الدولة من خلال الإحتكام في التعامل معهم مع أعرافهم أولاً. ثانياً: أن نشركهم في السلطة.. نشركهم في إدارة شؤونهم ونجعلهم مسؤولين. > تعني أن سببَ رفضهم الآن للخضوع هو أنهم مبعدون وبعيدون والحكمُ غيرُ عادل؟. >> طبعاً يا سيدي الآن القبائل أنا أكاد بل أجزم أن القبائل ليست هذه طبائعهم لكن النظام أدخل بينهم الفتن والثأرات وشجع إشعال نيران الحروب فيما بينهم على أساس إنه يضعف جميع المراكز القبلية القوية لصالح ما يعتقد بأنه لصالحه إنه »فرق تسد« وأنا عندي وثائق وعندي وقائع بالفعل حصلت أعني سيأتي يوم سوف نناقشها.. كان النظامُ يدعم الطرفين أو الثلاثة الأطراف المتحاربة في نفس الوقت يدعمُهم بالسلاح والمال ويذكي بينهم الحروبَ والثأرات وأدخل القبائل في دوامة لا تنتهي من النزاعات، ومن الثأرات، ومن القتل، وسفك الدماء.. القبائل ليسوا هكذا، لكن عندما تستغل سلطتك في الدولة، وتوظف الدولة بكل ثقلها من أجل أن تحدث هذه الفتن بين مواطنين هذا شيء أنا لم أسمعه طوال التأريخ الإنساني إلا عندنا. > يعني تريد أن تقول إن القبائل سيكونون على كامل الاستعداد للرضوخ لعملية القانون، ولعملية المؤسسات إذا ما وجدوا أن العدالة موجودة، وأن التنمية تصل إلى قراهم، وتم القضاء على مراكز معينة هي التي تستغل المال العام، فيما هم بعيدون عنه إذا ما وجدوا العدالة سيكونون أول الراضخين لهذه الدولة؟. >> أنا أراهن مراهنة قطعية بأن القبائل بالذات سوف يكونون من أكثر فئات المجتمع تجاوباً مع الإصلاح، ومع التغيير.. القبائل ينشدون الإصلاح.. أنا عشت مع القبائل عقوداً من  الزمن، والقبيلي كل ما يطمح إليه أن يجد أمناً وأماناً، وأن يجد عملاً، وأن يكون له دخل، أن يدرس أبناءَه، أن يجد خدمات صحية.. خدمات تعليمية.. هذا كلما يريد القبائل.. أنا عشت معهم عقوداً كثيرة.. يقول لك: بالله عليك هل إنسان عاقل يريد لأبنائه أن يُقتلوا؟، يريد لنفسه أن يقتل؟!! يريد أن يعيش دائماً في المشاكل؟!! أبداً.. لكن قالوا: إن الدولة هذه أدخلتنا في جحيم في المشاكل.. القبائل أنا سأراهنك بأنهم سوف يكونون أول الملتزمين، وأؤكد لك ذلك أنه في أيام الأئمة هل كان القبائل يعملون هذا الذي يعملونه الآن؟!! أبداً؛ لأن مشائخ الضمان موجودون ومسؤولون أمام الدولة.. كانوا يشتركون أيام الأئمة في إدارة شؤونهم.. كان شيخ الضمان مسؤولاً عن قبيلته، وفروع القبيلة مسؤولون أمام شيخ الضمان وهكذا وكان لهم نسبة من الزكوات والموارد الزكوية، وكانت الأمور ماشية من أحسن ما يكون، لا توجد مشكلة تحصل في قبيلة فما الذي حصل في عهد الثورة والجمهورية المباركتين أعني أن المسألة صارت تدميراً في تدمير، تخريباً في تخريب.. وإدخالاً في فتن ومنازعات على أساس أن تحمي وجودك في السلطة تخرب الشعب كله هذا جنون. > بالنسبة للمصالح التي يحصلون عليها الآن هناك إعتمادات معروفة لهم هناك وسائل ملتوية للحصول على المال العام هل تظن إيقاف هذه المصالح سيكون بالأمر الهين بالنسبة لهم؟. >> المصالح التي تعطى الآن تعطى لعدد محدود جداً من كبار المشائخ، لكن السواد الأعظم من رجال القبائل فقراء يعانون معاناة شديدة، لا يستفيدون من هذه الاعتمادات والمصالح أعني هذه الدولة تعطي لشراء الذمم وإفساد الأخلاق والضمائر.. تعطي لبعض الناس وبشروط أن يدمروا قبائلهم.. هذا عدد لا يتجاوز نسبة نصف الواحد في المائة التي تعطيهم الدولة لشراء ولائهم، لكن الغالبية العظمى من رجال القبائل يعيشون في حال أسوأ من حال بقية الفئات في المجتمع، فلهذا نحن نريد من خلال البرنامج لو لاحظت أننا نريد أن يكون القبائل جزء من إدارة الدولة من خلال الفيدراليات والصيغة الفيدرالية، ومن خلال إدارة شؤونهم بأنفسهم إندماجاً مع المحليات، البداية التي تصورتها في البرنامج.. أيضاً من خلال وجود مؤسسات الضمان والتكافل الإجتماعي سوف تمتد معالجة مشكلة الفقر والبطالة إلى القبائل أيضاً.. أنا أريد فقط الآن نسمع أن مليارات الدولارات يقولون نحو التنمية والمشاريع.. يا أخي كلما كثرت علينا المشاريع كلما زاد المواطنين فقراً.. يا أخي أريد الإنسان.. أريد من الإنسان أن يعيش في حياة كريمة لائقة الإنسان الفرد وبعد ذلك أعمل تنمية، لكن الآن وأين ذهبت دور التنمية كله شحت من الخارج كله ديون تتراكم على الأجيال القادمة، وقالوا: عملنا منجزات.. أنا أشكك أن هناك إنجازات؛ لأنه هذه الإنجازات إما نصفها أو أكثر يذهب فساداً وسرقات ونهباً أو قروضاً من الخارج وتهدر بشكل غير لائق.. ولو جمعنا مشاريع التنمية هذه من عندما قامت الثورة حتى الآن لكانت كفيلة بأن تغير وضع العالم كله ليس فقط اليمن.. لكن ماذا تجد في الواقع العملي تجد فقراً متفاقماً.. بطالة متسعة.. تجد معاناة للناس.. أين هذه التنمية التي يتحدثون عنها.. أنا همي في البرنامج ينحصر حول الإنسان الفرد وبعد ذلك سوف نتفاهم على التنمية .. > أنت ذكرتني بموضوع عندما ذكرت صندوق الضمان هذا يعيدنا إلى الموضوع الاقتصادي في البرنامج الخاص بك، أنت ذكرت عملية توزيع الثروة بما فيها النفط، وذكرت قضية تحسين مستوى الدخل وقضية رفع مرتبات وقضايا أخرى مشابهة، دائماً مثل هذا الطرح ما ترد عليه أي سلطة بأنه مثلما يقول الإخوان المصريين »أجيب منين« يعني سوف توفر هذه المبالغ من أين إذا كان الدخل معروفاً حده فكيف سيتم توفير كل هذه الأشياء؟. >> أنا خصصت »٥٥٪« من دخل البترول والغاز والثروات المعدنية لصالح مؤسسات الضمان والتكافل الإجتماعي.. إضافة إلى الواجبات الزكوية وما إلى ذلك، ومن الدخل التي تحصل عليه أيضاً من عوائد استثمارها وإدارتها الاستثمارية لأموالها بالتالي سوف تكون هناك مصالح ومشاريع زراعية وصناعية استثمارية تجارية.. سيكون هناك بنوك للفقراء.. بنك الفقراء لو سمعت عنه في تجربة في باكستان كيف نرفع من معيشة الإنسان الفرد.. أنا أريد للإنسان هذا أن يكون عنده قدرة شرائية.. بالله عليك الإنسان لا يستطيع أن يسد رمقه من لقمة عيش.. أعني أنا عندما أعطي للمواطن مستوى كريماً من العيش، دخلاً في متوسط حياة المجتمع.. أنا أخدم الرأسمالية الوطنية التي تشتغل في الداخل؛ لأنه أوجد عند الإنسان الفرد قدرة شرائية، وعندما يكون للإنسان قدرة شرائية تتحرك الآلة الإنتاجية وهذا عبارة عن دورة كاملة، لكن عندما أريد أن أعمل مصانع ومشاريع استثمارية صناعية وزراعية وتجارية وغيرها من الذي سوف يشتري إذا كان لا يوجد لديهم قدرة شرائية، لو نظرت إلى سلم المرتبات لا يكاد يفي ولو بجزء من احتياجات الإنسان الأساسية فقط.. أنا أريد فعلاً.. الموارد موجودة ومن ضمن الخطط التطبيقية التي يقوم بها زملاء أكاديميون الآن أنه كيف نتصور تطبيق هذا البرنامج في مجاله الاقتصادي ويؤدي إلى أن يكون الإنسان الفرد، وبالتالي الأسرة.. الآن حتى الأخلاق فسدت؛ لأنه كاد الفقر أن يكون كفراً.. أخلاقُ الناس فسدت، قيَمُهم فسدت، ضمائرهم إنحلت، كل هذا بسبب الفقر.. أنا أريد أن أعيدَ القيَمَ إلى الناس.. أريد أن يكون عند الإنسان الفرد ليس فقط حد الكفاف وإنما كما يقول إخواننا في المذهب الزيدي »أن الفقيرَ هو من لا يملك إلا بيتاً ودابة للمواصلات وخادماً إذا كانت زوجته عاجزة عن العمل« هذا يعتبر من الذين يجب أن يُصرَفَ عليهم من بيت المال، وليس فقط الفقير المدقع الذي لا يمتلكُ شيئاً.. هذا الذي يجبُ أن تصرف عليهم من أموال الزكاة.. أنا أريدُ أن أحقق للإنسان الفرد متوسط حياة المجتمع ليس حدَّ الكفاف فقط، ولكن المتوسط، والإنسان عندما يكون في حالة من مستوى معيشي كريم الحياةُ كلها تستقيمُ أخلاقاً، قيماً سياسية، أمناً، استقراراً.. لكن هؤلاء أفقروا المجتمع.. > إذا قلنا بفكرتك هذه الدخلُ معروفٌ كم هو إذا ما خـُصِّصَ »٥٥٪« لـ”صندوق الضمان” من أجل عمل المشاريع التي تقوم بتحسين مستوى الدخل على أساس أن هذه المشاريع تستقطبُ الأيديَ العاملةَ، وبالتالي يتحسن دخلهم، عملية التنمية الأخرى بناء المدارس، المستشفيات، الطرق، المرتبات الأجور لن يفي ما بقي من دخل الدولة من النفط والغاز والضرائب للصرف على هذه المجالات.. كيف تستطيع أن توفق بين هذه الأشياء؟. >> أنا قلتُ في برنامجي بأننا سنتركُ الإقتصادَ الحر يعملُ، فقط نحن نعالجُ الخللَ الذي وقع فيه الاقتصادُ الحرُ واقتصاديات السوق، وهو غيابُ العدالة الإجتماعية.. نحن بحاجة إلى مؤسسات ضمان إجتماعي وتكافل الضمان الإجتماعي.. حَلـُّنا مشكلة غياب العدالة الإجتماعية باقتصاديات السوق أو بالاقتصاد الرأسمالي الحر، أما ما عدا ذلك سنتركُ البابَ مفتوحاً للإقتصاد الحر يعمل، وبالتالي ستكون الاستثمارات خاصَّةً كلها؛ لأن الدولة كما قلت في برنامجي لا يجب أن تكون تاجراً. > هل ستفي نسبة »٥٤٪« الباقية بعملية التنمية في المجالات الأخري؟. >> الدولة لن تقوم بمشاريع تنموية وحدها، وستفي بالتأكيد، فالدولة لن تقوم وحدها ببناء المدارس والمستشفيات ستكون مؤسسات الضمان عبارة عن مؤسسة ضخمة جداً في البلد يكون لها قطاع صحي وآخر تعليمي وتنموي واستثماري وزراعي وصناعي، هذه لن تكون فقط مؤسسة مجرد أنها تصرف فلوساً وسوف تدير أموالها إذا كان »٥٥٪« عبارة عن دخل مركزي لها طبعاً بقية الزكوات تعد إضافة وستكون عندها قدرة على أن تكون مؤسسة تعمل البنوك تعمل من المشاريع وتشغل جزء كبيراً من البطالة.. إذاً هنا الجهاز الحكومي المتضخم هذا سوف نعيدُ توزيعُه، وسوف تعيدُ مؤسسات الضمان هذه توظيفَ جزء كبير من الجهاز الإداري للدولة الذي ليس له أيُّ داعٍ وهو متكدس ومتضخم، أيضاً سوف تأخذ جزء كبيراً من البطالة »تخفف«، إضافة إلى ما سوف يخففه فتح المجال الواسع عند الإستثمارات الحرة والاقتصاد الحر سواء كان داخلياً أو خارجياً، عربياً أو إسلامياً أو أجنبياً.. نحن أساساً لا نريدُ الدولة أن تكونَ تاجراً، نريدُ الدولةَ أن تكونَ فقط حارسةً لإدارة المجتمع. > أستشفُّ من حديثك أنك تعني أن مواردَ الدولة غنيةٌ وكافيةٌ، وأنها الآن تذهبُ إن لم تكن »٠٧٪-٠٨٪« في الفساد، وأنه بالقضاء على الفساد وبحسن الإدارة الدولة غنية وليست فقيرة؟. >> لا، أنا أعتقد أن الذي يذهب في الفساد ليس »٠٨٪« وإنما أكثر من »٠٨٪«؛ لأنه لو كانوا إكتفوا بـ»٠٨٪« لكان هناك خيرٌ للشعب بنسبة »٠٢٪« المتبقية، لكن هؤلاء لم يبقوا على شيء!!.. كنا نقول لهؤلاء الفاسدين وعتاولة الفساد.. كنا نشبِّهُ لهم الأمرَ بمَثـَـل لو كان عندك بقرة أنت معني أنك تعتني بصحة البقرة هذه وتؤكـِّـلها تمام لأجل تحصُلُ منها على الحليب والعجول، لكن أما إنك فقط تحلبها ولا تعطيها شيئاً سوف تموتُ ولن تستفيدَ منها، لكن هم لم يفهموا.. ناس عاشوا في حالة فقر مدقع وبعد ذلك أصبحوا أثرياءً ومليارديرات لكنهم لم يقتنعوا أنهم أغنياء، خايفين أن يعودوا إلى الفقر، فهذا هم “هل من مزيد” ولن يشبعوا أبداً إلا عندما ينزلوا القبور. > الواقعُ القضايا متشعبةٌ وكثيرةٌ.. وأنا إلى الآن لم أدخلْ في البرنامج المعَدِّ، الأوراق التي بين يدي، كنت أريد مناقشتك في عملية التنمية الزراعية.. البلد يمُرُّ بمأساة من خلال القضاء على الزراعة، والقضاء على المنتجات، إستنزاف المياه، عدم وجود الشركات المسوقة للمنتجات كما نعرفُ.. عندما يتجهُ الناسُ لزراعة الطماط يأتي موسمٌ  يضطرون لرمي الطماط إلى الأرض بسبب أنه يفسُدُ لعدم وجود شركات تعلّبُ الطماط كـ”الصلصة” مثلاً، هذا وغيره من المنتجات الأخرى أيضاً، التخفيف من زراعة القات، قضايا متشعبة إن أردت التحدث عنها. >> سأعطيك عنها بصورة سريعة.. في الحقيقة بالنسبة للمشاريع الزراعية وبالنسبة لأهم جانب سنوليه الأهمية هو الحفاظ على البيئة؛ لأن البيئة تتدمر، وحياتنا تتدمر بالمبيدات بالكيماويات بدفن النفايات السامة داخل بلادنا مقابل حفنة من الدولارات، هذه الجريمة الرهيبة ضد الإنسانية سوف نحقق فيها ذات يوم إن شاء الله، أعني أن هذه الأشياء كلها متروكة للجان متخصصة في مجال الاقتصاد مثلاً.. عندنا ثلاثة فروع: تنمية زراعية، تنمية صناعية، تنمية تجارية واستثمارية…الخ، وعندنا أيضاً قسمٌ للجوانب المالية للإصلاح المالي النقدي والإداري.. هي كلها في المجال الاقتصادي.. عندنا ثلاثة فرق تعمل برامجَ تطبيقيةَ للأهداف العامة التي وردت في البرنامج الانتخابي؛ لأن البرنامج لم يورد أشياءً تفصيليةً؛ ولهذا سيكون لدينا خططٌ وبرامجُ تطبيقية لكن هذه عادة لا تنزل للناخبين؛ لأن الناخبين لا يوجد منهم ولا »١٪« ممن يهتمون بمناقشة هذه الأشياء، لكنا إكتفينا بالبرنامج كرؤوس أقلام كعناوين بأهداف عامة لأجل تدخل في ذهن الرأي العام الذي تريد أن تصنعه الأهداف، وبعد ذلك البرامج تأتي هذا التي أريد أن أقول: تنمية صناعية. أهم شيء ألا تؤدي هذه التنمية إلى تدمير البيئة أو الإخلال بتوازن البيئة.. ألا تؤدي إلى الإضرار بصحة الإنسان وصحة الأرض. > نأتي الآن إلى المجال العسكري.. أنت قلتَ إنك ستدعو إلى إلغاء المؤسسة العسكرية ما هي الأسباب أولاً؟. >> لا، في الحقيقة أنا لم أدْعُ في البرنامج الانتخابي إلى إلغاء المؤسسة العسكرية إطلاقاً، وإنما قلت: إن هذه المؤسسة العسكرية يجب أن تتحول إلى مؤسسة إنتاجية استثمارية كما هو حاصل بشكل أو بآخر في مصر مثلاً الآن المؤسسة العسكرية عندهم تقوم بمشاريع وتدخل في مناقصات في بناء “كباري” وشق طرق، وكذا في مشاريع زراعية وصناعية، أعني أصبحت المؤسسة العسكرية في مصر حسب علمي المحدود أنها مكتفية بذاتها تصرف على نفسها من داخلها بدون أن تكلف خزينة الدولة أي شيء هذا واحد.. الشيء الثاني: إن هذه صفقات الأسلحة المجنونة التي نقوم بشرائها دبابات، طائرات، صواريخ، قوى بحرية هذه أثبتت التجارب بما يتعلق بيوغزلافيا.. تجربة يوغزلافيا وكذا أفغانستان والعراق.. الجيش العراقي كان مثلاً خامس جيش في العالم تقريباً.. وكان عددُ دباباته بالآلاف، وعدد طائراته بالمئات، أعني أين ذهب هذا الجيش إنتهى، ذاب، غاب!!.. إذاً لماذا أصرف مليارات الدولارات في تكديس أسلحة تصبح خردةً؟!.. عندنا أعطني مرة واحدة إذا قد قامت المؤسسة العسكرية بصد عدوان خارجي.. عندما قفزت ارتيريا وهي لم تتأسس بعدُ كدولة »نِبْعَتْ« على الجزر اليمنية، قالوا: يا لطيف هذه مؤامرة هم يريدون أن يستدرجونا لحرب [أولاد الكلب]، لا لن نـُستدرَجَ.. وراحوا التحكيم الدولي ولم يستطيعوا صد تلك التي لم تتكون دولة حتى.. إذاً هذه المؤسسة العسكرية وهذه الأسلحة لماذا؟!، يا أخي هذه المليارات التي تصرفها في شراء الأسلحة سوف تأتي في لحظة وتكون لا شيء.. أين دبابات العراق أين؟! كل تلك انتهت، فأنا بدل ما أصرف أولاً من الناحية الإسلامية الدفاع عن الوطن أولاً نحن إسلامياً دينياً.. نحن من الناحية الدينية محرم علينا أن نعتدي نحن فقط إذا حاربنا نحاربُ دفاعاً عن النفس إذا أتانا عدوانٌ وما عدا ذلك محرِّمٌ علينا أن نعتديَ أو نقاتلَ، أما مسؤولية الدفاع عن النفس فهي فرضُ عين على كل قادر.. أنا لا أريد أن أحصرَ الدفاعَ عن الوطن على فئة معينة من الناس تدفع ثمناً بأرواح ودماء والبقية لا.. كل شخص مسؤول عن الدفاع عن الوطن، إذا أريد أنا أدعو تقريباً إلى النموذج السويسري بمعنى أن الشعب كله يتدرب مثلاً أنا أدرب من كل أسرة واحداً أو اثنين على استخدام السلاح أي سلاح أدربهم علىه ليس على دبابات ولا على طائرات ولا غيرها.. أنا أدربهم على الأسلحة الخفيفة الشخصية على الدشكة على الـ»B 10« على »R.B.G« على صواريخ تاو المضادة للدبابات على الأشياء كرد فعل التي تصلح لحرب مقاومة شعبية، هذه التي أنا أحتاج لها.. عندما انتهى الجيش العراقي وهو كخامس جيش في العالم ولم يواجه إطلاقاً الغزو الأمريكي، لم تنجح إلا المقاومة الشعبية بماذا نجحت؟، بالأسلحة المذكورة سلفاً.. إذاً لماذا أحرم الشعب من مليارات الدولارات في شراء السلاح؟!.. هذه يجب أن أوظفها في التنمية وفي تحسين مستويات الناس المعيشية في تحقيق انتعاش اقتصادي، ولما يأتينا عدوان أنا أعرف كيف أقاومه.. الرجال الذين أدربهم من كل أسرة أقول لهم: أنتم دربوا نساءَكم.؛ لأنه دفاع.. فالنسوةُ أولاء إذا دُرِّبْنَ يستطعَنَ أن يقاتلن ويحمين أنفسَهن، وعلى هذا الأساس سيكون كل فرد مطالباً بتقديم تقرير يحكي إلى أي مدى استطاع تدريب نسائه فيكون المجتمع كله مدرباً. > يعني أستطيعُ أن أقولَ: إنك ترى أنه بالنسبة للمؤسسة العسكرية لا داعيَ لصرف هذه المليارات عليها؛ لأن الوضعَ الآن يقول بالنسبة للحدود البرية ليست هناك أية مشاكل أو اعتداءات يمكن أن تحصل بين اليمن والسعودية أو اليمن وعُمان كإخوة عرب، وأنه إذا كان هناك اعتداء ربما يكون اعتداء خارجياً، وأنه في مثل هذه الحالة فإن المقاومة الشعبية هي الأنجح، وهي الأفضل لصد أي عدوان؛ لأن الأسلحة أثبتت عدمَ قدرتها لصد أي هجوم من قبل هذه الدول؟. >> نعم بدون شك سيدي؛ لأن الآن واقع الحال أن هذا التجنيد الواسع النطاق عندنا، هذه الصفقات من الأسلحة لماذا؟، هذا كله عبارة عن مجموعة بسيطة من القادة العسكريين، قلة معدودة بأصابع اليد هم الذين يستفيدون من عرق ودماء هؤلاء الجنود المساكين.. أنا لا أعتقد بأن حال الجندي أحسن من حال المواطن.. حال الجندي أكثر بؤساً؛ لأنه يعاني ويتشتت من مكان إلى آخر.. ويعسكر في مناطق نائية تحت ظروف جوية مختلفة صعبة قاسية مقابل أن حفنة من القادة يستغلون دماء هذا الجندي ويمتصمون دمه ويثرون.. الآن قادة عسكريون أصبحوا مليارديرات!!.. عندهم حسابات في الخارج على حساب هذا الجندي البائس.. أنا أريد أن أعمل أن هذا الجندي والضابط الصغير لا بد أن يكون له مسكن يوفر له حياة كريمة لماذا أنا طلبت من المؤسسة العسكرية أن تتحولَ إلى مؤسسة إنتاجية من أجل أن تعملَ مساكنَ لرجالها في المحافظات والمدن.. إذا تحولت هذه المؤسسة إلى إنتاجية يكون الجندي في وضع جيد وأنا أتمنى أن يكون الجندي دخله لا يقل عن »٠٠٤« دولار شهرياً حتى تقدر تقول: إن عنده حياة كريمة، وأبناؤه يدرسون ويكون هناك مؤسسات استثمارية تبني مدارس لأبناء الجنود ومستشفيات.. لكن عندنا باقين يجندون مئات الآلاف لماذا؟، أنت تحارب مَن يا أخ؟ أنا لن أحارب أحداً.. لن أحارب لا السعودية ولا اريتريا ولا عُمان ولا أحد.. ولا أعتقد أن إحدى هذه الدول سوف تغزونا؛ لأن اليمن سُميت “مقبرة الأناضول” أيام الإمبراطورية العثمانية سميت بهذا الإسم ولم يوجد عندنا آنذاك لا جيش ولا دبابات ولا صواريخ والشعب هو الذي جعلها مقبرة للأناضول.. الآن أنا أريد الشعب المسلح الذي يكون في حالة العدوان يجنـَّدُ عن بكرة أبيه ويقاوم بحيث لا يستطيع أي عدوان أن يخيفنا، وهناك شعب يقاوم والعسكر أنا لا ألغيهم، ولكن أريد أن يكون العدد محدوداً من الجيش؛ لأنني لن أغزوَ العالم.. أنا فقط أدافع عن نفسي، وليس عندي نوايا عدوانية على الإطلاق.. ولا يجب أن تكون، وبالتالي قوة رمزية تكون ذات مستوى علمي رفيع وذات مستوى معيشي كريم.. أنا لا أريد أن أنظر إلى الجندي وهو بهذا الوضع البائس الذي يعيشُه وقادته يثرون ثراءً فاحشاً. > ما هو موجودٌ الآن من ترسانة مسلحة إذا ما فزتَ بالرئاسة.. هل ستقوم بعمل مناقصات بيعها؟، أم كيف؟. >> لا، هذه سوف أطلب مشاريع استثمارية، وإذا في مشاريع صناعية سوف أبيعها لهم كخردة لكي يعيدوا تصنيعها في أشياء مدنية.. أشياء تفيد الناس؛ لأنها في الحقيقة هي سوف تكون خردة؛ لأن هذه ترسانة الأسلحة التي نكومها منذ سنين عديدة لم أسمع أنها قد حاربت عدواً خارجياً إطلاقاً حتى اليوم ولن تحاربَ. > لكنها حافظت على الوحدة.. الإجابة على هذا السؤال وبقية الحوار ستكون بإذن الله في العدد القادم.       عبدالله سلام الحكيمي مرشح الرئاسة يستكمل الحوار الذي أجري معه:                                                                                                                                            Wednesday, 03 May 2006 القبائل هي القوة الوحيدة القادرة على إحداث تغيير بعد القوات المسلحة نشرنا في العدد الماضي الجزء الأول من الحوار الثاني مع الأستاذ/ عبدالله سلام الحكيمي الذي أعلن عن نيته لترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسية القادمة.. وفي هذا الجزء الثاني نستكمل معه الحوار حول المؤسسة العسكرية .. القبلية التي يرى أنه سيكون لها دور فاعل في التغيير، وكذلك رؤيته للأمن السياسي الذي أكد على أنه سيحيل للتحقيق فيما لو نجح كل من ثبت تورطه في جرائم تعذيب. كما تطرق أيضاً إلى ثورة 26 سبتمبر الخالدة التي يرى  أن للمخابرات المصرية الدور الكبير في قيامها ، كما نود هنا أن نعتذر  للقارئ الكريم وللأستاذ عبدالله سلام الحكيمي عن سوء طباعة الصور التي تم نشرها في العدد الماضي.. حوار رئيس التحرير > لكن المؤسسة العسكرية حافظت على الوحدة.. >> نعم حافظت على الوحدة.. الشعب هو الذي حافظ عليها، ولولاه ما حافظت ولن تستطيع.. فالوحدة لا يُحافظ عليها بالقوة العسكرية.. الشعبُ هو الذي حافظ على الوحدة؛ لأنه كان يرى بأن الوحدة لا تزال مطلباً ولم يكن يتصور أنه سيلاقي بعد الوحدة هذا الشيءَ الذي لاقاه وبعدَ هذا أعتقد لولا استغلالُ الجيش لما قامت الحربُ في عام ٤٩٩١م، ولكانت المشاكل التي طرأت بعد الوحدة أمكن حلها عن طريق التفاوض والتفاهم لكن ما دام طرفٌ استطاع أن يستغل الجيشَ ويزُجَّ به في حرب سواء كان ذا رؤية صائبة أو غير صائبة، ولا شك أن هناك حسابات سياسية، فلو كان الجيش محايداً لترك الصراع السياسي لحله سلمياً بدون تدخل عسكري، ولكانت الأمور أفضل بكثير، وكنا جنبنا البلد الخسائر الفادحة في الأرواح والأموال والتي لا نزال نعاني منها حتى الآن نتيجة لمغامرات شخصية ونتيجة لحرص البعض على حماية مصالحه ومواقعه في السلطة ونفوذه وكانت الأمور يمكن أن تحل عن طريق مؤسسات الدولة، واستخدام الجيش خطأ في حسم خلافات داخلية كانت نتائجها الوخيمة أكثر من منافعها، لكن لو كان الجيش حيادياً باعتباره يحمي البلد ككل من أي عدوان خارجي لصارت الأمور السياسية تـُحَلُّ عن طريق مؤسسات الدولة.   > ذكرتَ أنك ستحوِّلَ المؤسسةَ العسكريةَ إلى اقتصادية إنتاجية وفرز وانتقاء، قوة نوعية ممتازة من حيث الكفاءة واللياقة وترشيد سياسة التسلح المبالغ فيها، وقلت في أهداف برنامجك: يجب أن يكون وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة وهو المسؤول عن كافة الأمور المتعلقة بالجيش فيما يقتصرُ دورُ الرئيس على أن يكون القائد الأعلى الذي بيده إعلانُ قرار الحرب أو مثلُ هذه الأشياء لماذا اتجهت نحو هذا الاختيار؟.   >> إتجهت نحو هذا الاختيار نتيجة لما لاحظته في تجربة باكستان، مثلاً كان ضياء الحق رئيس هيئة الأركان العامة للجيش كان قائد جيش، وكان وزير الدفاع مدنياً وحده، فكان قائد الجيش يتصرف لحاله كأنه قائد مجموعة وقاموا بانقلاب .. ضياء الحق قام بانقلاب، ومشرف قام بانقلاب أخيراً.. فكنت أريد أن أنهي هذه الإشكالية، بحيث أن يكون وزير الدفاع هو القائد العام.. هذا هو كان الهدف؛ لأنه في باكستان حتى اليوم قائد الجيش غير وزير الدفاع، وستظل المشكلة، لكن في الهند يختلف الأمر، فأنا أريد أن يكون القائد العام للقوات المسلحة هو الذي يدير.. أريد أن أبعد سلطة الرئيس الذي يتحكم في تعيين الوحدات والكتائب والسرايا والفصائل بشكل مطلق وهذا لا يجوز له من الناحية الدستورية، فأريد أن أبعد رئيس الجمهورية عن التأثير على الجيش باعتبار أن الجيش لا بد أن يكون محايداً.. وأريد ألا أجعل فصلاً بين وزير الدفاع وبين القائد العام للقوات المسلحة حتى لا تحصل انقلابات أو شيء من هذا.   > هذه الفكرةُ هي من ناحية رائعة وجميلة، لكن هناك مثالاً قد يشوه ما تطمحُ إليه وهو المثال التركي نعرف أن في تركيا ديمقراطية وأحزاب سياسية إلى آخره، وبين ما نتابع هناك ضغوط من الجيش على الأحزاب؛ بحجة الدفاع عن علمانيتهم في تركيا، وإذا ما استمر أي حزب في اتجاه معين فإن الجيشَ سيتدخل، وبالفعل استطاعوا أكثر من مرة أن يجعلوا رئيسَ الحكومة يستقيلُ، وأن يلغوا بعض الأحزاب، فسيظل الجيشُ له تأثيرُه الخاص؟!.   >> المشكلة أن التجربة التركية تجربة فريدة من نوعها؛ لأن الدستور نص على ما أذكر أن المؤسسة العسكرية أو الجيش التركي تقع عليه مسؤولية الحفاظ على طبيعة النظام العلماني التركي، هذا النص في الدستور جعل هناك قوتين متوازيتين قوة الديمقراطية التي تفرز عن طريق الانتخابات والإقتراع وقوة الجيش من ناحية أخرى، فأصبح يوجد أشبه بحق الفيتو لقيادة المؤسسة العسكرية بحجة النص الدستوري وأنهم المكلفون بحماية النظام العلماني التركي.. طيب كل الأحزاب بما فيها الإسلامية قالت إنها علمانية وتقر بالعلمانية، وأنا أعتقد أنه بالنسبة للإسلام هو كان علمانياً من أساسه؛ لأنه لا يوجد شيء اسمه رجال دين، كان الإسلام مسؤولية فردية، وبالتالي للمسلمين دينهم ولليهود دينهم.   خصوصية التجربة التركية الآن هي في طريقها إلى الإضمحلال؛ لأنها تتناقض مع المفهوم الديمقراطي، أو أبجدية العملية الديمقراطية وهذا ما يشترطه الإتحاد الأوروبي على تركيا أن تعدل تجربتها؛ لأنه رأى أن المؤسسة العسكرية فوق الديمقراطية، وفوق القانون والدستور بحجة أن الدستور أوكل لها مهمة بهذا الشكل وكان خطأ، الآن هم في طريقهم للديمقراطية ألا ترى أن المؤسسة العسكرية والقيادة العسكرية توارت بعض الشيء في الفترة الأخيرة.. الآن في صراع إيرادات ما بين الإفراز الديمقراطي للانتخابات، وما بين المؤسسة العسكرية.. الآن من الشروط الموضوعة على تركيا بالنسبة للدخول في الاتحاد الأوروبي أن ينهوا دور المؤسسة العسكرية في الوصاية على الديمقراطية، إضافة إلى حقوق الأقليات… الخ.   > بمعنى أنه لن تكون هناك وصايةٌ للجيش عندنا على المؤسسة الديمقراطية بحجة مثلاً حماية الثورة والدفاع عن الثورة والجمهورية؟.   >> قضية حماية الثورة والجمهورية أنا منذ طفولتي وأنا أسمع أن الثورة والجمهورية تتعرض لمخاطر ومؤامرات لم يحصل أن سمعت يوماً من الأيام أن الثورة والجمهورية أصبحتا في مأمن، لا تزالُ الثورة والجمهورية في مخاطر من وجهة ما يشحن بها عقولنا الإعلام الرسمي بكافة وسائله دائماً، والحقيقة أن هذا الإعلام الرسمي المكثف الذي يعيشه الأجيال جيلاً بعد جيل يقول إن الثورة والجمهورية معرضة لمخاطر ولمؤامرات ولتحديات الأعداء من الداخل والخارج.. خلق لنا أجيالاً مشوهة نفسياً؛ لأنه أعاشها في حالة رعب، ولهذا كثير من الشباب بحاجة إلى تحليل نفسي للعُقَد التي تولدت عندهم من الإعلام الرسمي، حيث ظلوا يعيشون على وهم الخطر مثلما هي إسرائيل قائمة على تجسيم الوهم بأن هناك عداءً خارجياً؛ لأجل التماسك في الداخل وهؤلاء كانوا »يخبطون« الشعب تحت وهم أن الثورة والجمهورية معرضة لمخاطر، ولم نكن نرى أن هناك خطراً على الثورة والجمهورية على الإطلاق، نلتفت يميناً وشمالاً أين الخطر؟ أين المخاطر؟ أين الأعداء؟ لا نجد شيئاً إلا في عقول الإعلام الرسمي.   > ألا تتوقع أنه في مثل برنامجك أن يتقمص وزير الدفاع نفسَ الدور الذي يحدث الآن بمعنى أن يتم تعيين القادة العسكريين من أقربائه ومن يثق فيهم لحماية هذه المؤسسة باسم حماية السلطة التنفيذية والتوجه العام؟.   >> لا، المشكلة أن الأمور في بلادنا تسير على نحو مغلوط وعلى نحو غير صحيح؛ لأن في المؤسسة العسكرية في كل بلدان العالم أمرَ التعيينات والترقيات خاضع للأقدمية أساساً في قانون عسكري بهذا الشكل، لكن عندنا تتغلب الاعتبارات الشخصية والقروية والأسرية وما إلى ذلك، واعتبارات أحياناً سياسية لكن إذا أعدنا بناء المؤسسة العسكرية وفقاً لانضباط القانون، هناك قانون عسكري متعارف عليه في العالم، لا يوجد عقيدٌ يتم تعيينه على واحد عميد إلا عندنا في اليمن، يحصُلُ هذا، هناك أناسٌ رتبهم العسكرية متدنية إما أنهم حصلوا على ترقيات استثنائية بشكل غير قانوني، أو أنهم فـُـرضوا فرضاً على منهم أعلى منهم وهذا لا يقع في العالم كله.   > ربما مسألة الثقة التي عملت على تعيين بعض الأشخاص؟.   >> لكن الثقة إذا وثقت بأحد فسوف لن تحصل على ثقة مئات وآلاف.. أنت قد ترضي شخصاً من أسرة مثلاً.. في الصومال كان أيام الرئيس زياد بري رحمه الله كان يتجه إلى تعيين أقاربه قادات وحدات وكانت حجته بأن: هؤلاء لن ينقضوا عليَّ. فسيحدث نوعٌ من الإستقرار عن طريق ولاء أهله هؤلاء.. لكن الذي حصل إنه استفز قطاعات واسعة من الجيش بهذه التعيينات فصارت عملية فرز بين من صنفوا أهل ثقة وبين من يشعرون أنهم مشكوكٌ في ولائهم، وأنهم غير ذوي ثقة، هنا حصلت النكبة في الصومال؛ لأن المسألة حساسة هنا.. أنت عندما تعين قريبك لأنه ثقة، إذاً أنت لا تثق بي!! هنا لا بد أن ألتمس لي طريقةً ثانية، وهذا ربما يحدث في أي بلد تسير على نفس منوال الصومال.   > أفضلُ طريقة للحماية ولوجود الثقة هو الإحتكامُ إلى الدستور وإلى ما ذكرته حول الطرق العسكرية في التعيين والأخذ بمبدأ الأقدمية هنا يتحول الشعب كاملاً إلى حامي للجميع، تتوسع الثقة من إطار شخصي إلى إطار دولة كاملة هي التي تحمي نفسها وإلى شعب يحمي نفسه؟.   >> أولاً عندما تكون الأمور مستقيمة في جهاز الدولة وفي مؤسساتها، عندما تكون المؤسسة العسكرية يحصل الجنود والضباط الصغار على حقوقهم فيها، ويشعرون بحياة كريمة.. عندما يكون الشعب يشعر بحقوقه الديمقراطية.. عندما تكون هناك دولة مؤسسات؛ لأنه “بيني وبينك” من الذي يقوم بالانقلابات هم قليلٌ من القادة العسكريين الطامحين أساساً عددٌ لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أما بقية المؤسسة العسكرية هم طيبون يسيرون بالأمر العسكري، وهم أقربُ ما يكونون إلى الشعب.. الآن ما هو مخيف أن تجد تحريضاً على الكراهية بين الجيش والشعب، تقوم به رؤوس النظام يشحنون ويعبئون داخل المؤسسة العسكرية كأنهم في حالة عداء مع الشعب، وهذه قضية خطيرة جداً.. لكن عندما تكون الأمور مستقرة في البلد لا يستطيع أي قائد عسكري طامح أن يسيِّرَ الجنودَ، سيرفضون الأوامر؛ لأن الجيش عارف مهمته أنه يحمي البلد من عدوان خارجي.. لكن لو جاء أحد القادة في بلد ديمقراطي مثلاً في بريطانيا أو أمريكا وقام واحدٌ “مشعِّب” وقال لهم: هيا باسم الله سوف نذهب نستولي على البيت الأبيض.. لن يذهبوا معه طبعاً.. لكن عندنا الأمور “مخلبطة”، لو حدث هذا قوموا بالله وشدوا الزامل وذهبوا للاستيلاء على بيت الرئاسة أو الإذاعة وسيطروا عليها؛ لأنه أصلاً لا يوجد بناء مؤسسي، لا توجد ديمقراطية حقيقية.   > بالنسبة لـ”الأمن السياسي” و”الأمن القومي” قلت إنك سوف تخضعهما لمسؤولية وزير الداخلية، بينما هما عملياً يخضعان الآن مباشرةً لرئيس الجمهورية، وسوف تخضعهما لمسؤولية الرقابة من قبل مجلسَي السلطة التشريعية والقضاء.. ما هي فلسفتك لهذا الموضوع؟.   >> الوضع الحالي لأجهزة الأمن وضعٌ غير سوي، ووضع غلط؛ لأنهم يتبعون رئيس الجمهورية، يعني لا أحد يستطيع أن يحاسبهم، وأن يقيم أداءهم وأعمالهم لا مالياً ولا إدارياً، وبالتالي إخضاع هذه الأجهزة لمسؤولية وزير الداخلية يعني إخضاعها للسلطة التنفيذية للحكومة، ولما كانت الحكومة تخضع لرقابة مجلس السلطة التشريعية فقط أصبحت أجهزة الأمن في هذه الحالة خاضعة لرقابة مجلس السلطة التشريعية، وبالتالي خاضعة لتقييم ولمحاسبة أجهزة الرقابة والمحاسبة، يعني لا توجد عندنا أسرار، أعني لابد على أجهزة الأمن أن تغير من فلسفة وجودها ومن طبيعة وظيفتها، ما هو الدور الذي تقوم به؟، أنا في الحقيقة أفهم من الناحية الإسلامية بأن الله عز وجل يقول لنا: (ولا تجسَّسوا ولا يغتبْ بعضُكم بعضاً)، ويقول في آية أخرى: (ولا تدخلوا بيوتاً غيرَ بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها… وإذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا)، حتى في البيوت غير المأهولة ولكم متاع هناك شروط معينة (وأتوا البيوت من أبوابها)، لكن أجهزة الأمن تأتينا من السقف مرة، وأخرى من الحوش، وأحياناً يأتون في نصف الليل.. إسلامُنا لا يجيز توظيف أجهزة الاستخبارات والأمن للتجسس على الداخل.. الآن بالله عليك مجندون مئات الآلاف من الناس مخبرين.. أنا على يقين أن »٥٩٪« على أقل تقدير يوجه للداخل من نشاط هذه الأجهزة الاستخباراتية، تجسُّسٌ على المواطنين وإقلاق راحتهم، لكن تلك الأجهزة لا تقوم بأية مواجهة للتجسس الخارجي، ولم يحصل أنهم قد كشفوا أي شيء عن التجسس الخارجي ضد بلادنا فقط كله »خبط« على المواطن، على الداخل، أحزاب، منظمات، شراء ذمم، “فركشة”، استنساخ، تفريخ… الخ.. نحن نريد أن نغير من دور أجهزة الأمن في الفلسفة التي تقوم عليها.. الأمن بمعنى أمن الوطن، وأمن المواطن مسؤولية الكل؛ لأنه يدخل ضمن نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف هو كل ما يتعلق بأجهزة الأمن، لكن عندنا تتجسس على الناس، تتنصت عليهم حتى داخل غرف نومهم، هذه من الجرائم الرئيسية في الدين.. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: »لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من ترويع مسلم«، أجهزة الأمن اليوم تروع المواطنين، تقلقهم، تعيشهم في نوع من الرعب.. في ناس فقدوا توازنهم العقلي بسبب الرعب من أجهزة الأمن، هذا لا يجوز.. أنا سوف أقوم بتغيير جذري لمهمة وفلسفة وطبيعة دور وأداء أجهزة الأمن من خلال إخضاعها للرقابة الشاملة.   > كما نعلمُ وعلى ما أظن نأخذ الـ»C.I.A« جهاز المخابرات الأمريكية أظن هناك أنه يخضع مباشرة للرئيس الأمريكي لكنه يخضع أيضاً للرقابة والمحاسبة بمعنى الإلتزام بنمط معين في أداء المهام والإلتزام بالقوانين الموجودة في البلد.. حتى الآن عندما يريدون التجسس على المواطنين الأمريكيين لا بد أن يخضع هذا القانون، ولا يمكن أن يتخذ شيئاً بدون أن يكون له مدخل قانوني، فماذا لو وجدنا صيغة معينة تجمع بين بقاء هذا الجهاز لرئيس الدولة وفي نفس الوقت إلتزامه بما ينص عليه القانون حول مهامه؟.   >> أصلاً في أمريكا وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية المسماة بالـ»C.I.A« بطبيعة الحال تتبع للرئيس؛ لأن طبيعة النظام هناك رئاسي لا يوجد رئيس حكومة، توجد إدارة الرئيس، وبالتالي طبيعي أن تكون خاضعة للرئيس لكنها تخضع لرقابة الكونجرس وإلى مساءلة في القضاء محكمة العليا وغيره، أما في النظام البرلماني لا بد أن تخضع لرئيس الحكومة وحتى في النظام الرئاسي الصحيح تخضع لرئيس الجمهورية نعم لكن رئيس الحكومة إدارته تخضع لموافقة بالتعيينات للمناصب الرئيسية بما فيها مناصب المخابرات لموافقة الكونجرس أو البرلمان، تخضع لمحاسبتهم، تخضع لعزلهم، ممكن أن يعزلوا أيضاً، عندنا لا يوجد هذا الكلام، خاضعة لرئيس الجمهورية، ولا أحد يستطيع أن يحاسبها أو يراقبها، ترتكب جرائم تعذيب، جرائم خطف، جرائم اغتيال، جرائم…، الآن بدأت عندنا صيغة جديدة وهي استخدام أسلحة كيماوية في القضاء على الخصوم.   > في برنامجك ذكرتَ بعضَ النقاط حول جهاز الأمن السياسي وأنه يتحكم في الوزارات والمؤسسات ومرافق الدولة قد يكون هذا ادعاءً غيرَ صحيح.   >> لا، أنا أستطيع أن أؤكد هذا الكلام سأعطيك بعض الأشياء المؤكدة لما قلتُ، كان في النظام قبل الوحدة في الشمال  شهادات حسن السيرة والسلوك السيئات الصيت تجعل جهاز الأمن الوطني آنذاك يتحكم بمصائر الناس صغيراً وكبيراً وكانوا يعملون ملفاً لكل واحد في جهاز الأمن من خلال فرض قضية حسن السيرة والسلوك، وقبل الوحدة كان الأمن الوطني له مندوبون في كل فرع وزارة أوإدارة عامة في المحافظات، في كل مرفق له مندوب، ونحن نعرف هذا الكلام كان مندوب الأمن في الوزارة أو المؤسسة أو فروعها هو الذي يتحكم في كل شيء ولا يستطيعُ المسؤول سواء كان وزيراً أو مديراً عاماً أو غيره أن يعصي لهم أمراً، هذا كان قبل الوحدة.. بعد الوحدة بحكم توازن القوى الذي حصل خفت هذه المسألة، بعد حرب ٤٩م رجعت الأمور بشكل أشد من ذي قبل.. الآن مقر الحزب الحاكم مثلاً هو مقر لقيادات المؤتمر في الدائرة ولقيادات أمن .. أيضاً المؤسسات، الوزارات سأضرب لك مثلاً بنفسي أنا طبعاً يقال أعمل في الخارجية وزيراً مفوضاً يقال والله أعلم.. أنا لم أشتغل ولا هم رضوا لي أن اشتغل كان من حقي أن أخرج لأعمل فحوصات طبية ذات مرة بعد حرب ٤٩م و أنا وزير مفوضاً منصباً قيادياً يعتبر كنت أريد أن أستلم جوازَ سفري الدبلوماسي، رفض الموظف في المراسم في الخارجية وهو مندوبٌ من الأمن رفضاً قاطعاً، جبت له أمراً من الوزير لا فائدة.. أيضاً ما زال رافضاً وأنا خارج مستاء واجهت أحد الأصدقاء ضابط في الأمن السياسي قال لي: ما بالك. قلت: هؤلاء سفهاء أصحابكم الذين في الأمن يتحكمون. يعني حتى أمر الوزير رفضوه.. تصور دخل وأخرج لي الجواز في أسرع لحظة بدون إجراءات.. الآن لا شيء يسير، لا تعيين يتم، لا ترقية تتم، لا تحركات وتقلبات تتم إلا بموافقة مندوبي الأمن سواء في الحزب الحاكم أو في مؤسسات الدولة الأخرى.. هذا وضع يجعل من الدولة دولة بوليسية قمعية لا سابق له.   > من خلال إجابتك دعني أحدث نفسي بأن أقول بأنك مخترقٌ للأمن ما دمت استطعت أن تخرجَ جوازك بدون موافقتهم!!.   >> في الحقيقة ليس اختراقاً، وإنما علاقتي واسعة جداً.. علاقات شخصية وأنا أحترم العلاقات بالناس كائناً من كان.. هذا الإنسان سواء حزبياً معارضاً لتوجهاتي صاحب فكر معارض لي بجهاز أمن أو غيره.. فأنا أتعامل معه كإنسان.. وبالتالي تجد علاقاتي حميمية بالناس كلهم على أساس أنني أقدس العلاقة الشخصية كثيراً، ولهذا هذه العلاقات الشخصية تفيد بعض الأحيان خاصة عندما تكون الأمور بالمؤسسات بما فيها حتى مؤسسة الأمن لا تسير وفق القوانين، ولا وفقاً لأسس قانونية متعارف عليها، وتصبح العلاقات الشخصية هنا تلعبُ دوراً كبيراً، فإذا لك علاقة شخصية بأحد الضباط تستطيع أن تحقق ما لا تستطيع أن تحققه، لا بالقضاء، ولا بالقانون، ولا بحقك الوظيفي، ولا بمسؤولياتك القيادية، ولا بموقعك القيادي.. هنا العملية ليست اختراقاً وإنما هو تعامل مع ما هو قائم وفقاً للأسس التي تحرك الأمور في بلادنا العلاقات الشخصية والمجاملات وما إلى ذلك.   > أستشف من كلامك أن للعلاقات دوراً في تجاوز بعض التجاوزات من قبل أجهزة الأمن وهذا يعني أن هناك تصرفات من قبل موظفي الأجهزة الأمنية تكون منطلقة من مزاج موظف الأمن بمعنى إذا كان مختلفاً مع شخص معين فيوظف سلطته الموجودة في الأمن لمحاربة من يختلف معه حتى لو لم يكن هناك مبرر قانوني؟.   >> بالتأكيد يا سيدي في الحقيقة أولاً أريد أن أؤكد على أن الكثير من العاملين في أجهزة الأمن ليسوا سيئين.. لي علاقات مع الكثير منهم، وهناك الكثير من الضباط في الأجهزة الأمنية نموذج في علاقاتهم الإنسانية والأخلاقية وتعجب فيهم حقيقة وبالمثل أيضاً منهم سيئون يوظفون أعمالهم في أجهزة الأمن لتصفية حسابات شخصية لقمع الناس، وهذا في كل تجمع إنساني فيه الصالح وفيه الطالح، وأنا الحقيقة أعتز بعلاقاتي بكثيرين من ضباط الأمن وأعتبرهم من أعز أصدقائي.   > في البند الرابع فيما يخص أجهزة الأمن قلت بأنك سوف تقوم بتحريم كل الأساليب التي تقوم بها حالياً الأجهزة الأمنية من اختراق الأحزاب، وشراء الذمم، وإفساد الضمائر، وإثارة الانشقاقات والفتن، وتخريب الحياة السياسية الطبيعية للأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع اليمني.. هنا سؤال يطرح نفسه إذا كانت هذه الأحزاب والمنظمات وغيرها قابلة للإفساد ما ذنب الأجهزة الأمنية؟.   >> صحيحٌ، هي ذات علاقة جدلية، لكن المشكلة أن البلد ينعدم فيها القانون، ويغيب فيها القضاء المستقل النزيه الذي يمارس دوره في حفظ الحقوق، وفي فرض سيادة القانون، تصبح سلطة الدولة هنا قادرة على التحكم في أمور كثيرة من ضمنها شق الأحزاب، الذي لا يأتي ترغيباً تفرض عليه هذه الأجهزة بحكم جبروتها وقوة تسلطها على القرار في الدولة أن يأتي بالترهيب.. الإنسان هنا عندما يجد نفسَه غيرَ قادر على اللجوء إلى قضاء يحميه، وإلى قانون يحتكم إليه يضطر، بهذا الطغيان الإنسان مجبر إلا قليل من الناس مستعدون أن يدفعوا حياتهم، لكن الأغلبية العظمى وهم يُعذَرون؛ لأنهم لا يستطيعون مواجهة جبروت الدولة التي يغيب فيها النظام والقانون والقضاء ودولة المؤسسات والمحاسبة للمسؤولين وغيره.   > إذا قلنا: إن الدولة لم تستخدم الترهيب وفي الوقت ذاته لم تستخدم المال العام وإنما الحزب الحاكم بصفته حزباً كبيراً ولديه أموال استخدم وسائله السلمية في الحياة السياسية لعمل انشقاقات داخل الأحزاب الأخرى، فهل هذا يعد قانونياً؟. أم أنه من وجهة نظرك غير قانوني؟.   >> أولاً بالنسبة للأجهزة بحكم أنها تسيطر على مواقع حساسة في بنية الدولة، وفي كيانها، ولها سلطات واسعة وغير محدودة فبالتالي تسهم هنا في تخريب الحياة السياسية بطريقة غير مشروعة تشكل جريمة من الجرائم الكبرى؛ لأنها خانت أمانتها العامة، أمانة المسؤولية، ثم إنها مارست أشياءً غير أخلاقية، والحزب الحاكم وأيُّ حزب آخر حتى ولو لم يكن حاكماً.. ألا تذكر قضية »وترجيت« مثلاً كانت القضية أن حزباً يتنصت، حزب الرئيس الذي كان ماسك السلطة يتنصت على حزب آخر والرئيسُ تستر، لم يبلغ أن حزبه يتنصت على الحزب المعارض الآخر وكانت فيها جريمة.. هناك قوانينُ أصلاً، فكل ما يشكل خرقاً للقانون سواء جاء ممن يمسك بالسلطة، أو ممن هم خارج الحكم، المخالفة للقانون واحدة سواء تمت من مسؤول، أو من غير مسؤول.. أنا أتفق معك لو لم يكن للأحزاب قابلية أن تخترقَ وأن تـُـشترَى ما كان بمقدور أحد أن يخترقَها هذا صحيح، لكن عندما يكون هناك قانون وقضاء صحيح هنا أنت توفر ضمانات للجميع يكون الإنسان متحرراً من الضغط والقهر إنما عند أن يكون في حالة قهر بهذه الدرجة من الطغيان طبعاً فوق القدرة الإنسانية على التحمل والمقاومة.   > في البند الخامس ذكرتَ أنه سيكونُ هناك إخضاع الميزانية المالية للأجهزة الأمنية للرقابة والمحاسبة كما نعلم أنه أجهزة الاستخبارات بشكل عام ربما هناك بعض الإجراءات التي تكون مبهمةً ويكون هذا ضمن مشروعيتها لكنها إذا ما ظهرت قد تؤدي إلى بعض الاستقالات أو المحاسبات كما العمل في بعض أجهزة المخابرات العالمية كيف ستتعامل مع هذا الموضوع هل ستـُـخضعُ الكل للرقابة؟، أم سيكون هناك هامشٌ، إذا ما فُضح في يوم ما حوسب القائمون عليها؟.   >> الأمورُ المحاسبيةُ والرقابية يمكن أن تتم دون أن تتعرض للأسرار الخاصة كالمخبرين وأسمائهم.. هم يستخدمون قضية السرية بحيث يبعدون أية رقابة على الفساد المالي والإداري داخل هذه الأجهزة، بينما لو أخذنا على سبيل المثال ونحن نضرب مثلاً بالأعداء لو أخذت »الموساد« الإسرائيلي ، وبالمناسبة الموساد الإسرائيلي أقوى جهاز استخبارات في اليمن!!.. الموساد الإسرائيلي عندما يقدم ميزانيته إلى الكنيست يقدم من ضمنها ميزانية الحكومة مقسمة كبنود وأبواب عادية، وهذا لا يخل، صحيح أنه منذ أكثر من عشرين سنة مثلاً يقدمون ميزانية إجمالية لأهم ساحات الموساد منها ساحات عربية وغير عربية وأوروبية وأمريكية فيعملون مبلغاً إجمالياً لساحة أمريكا “مبلغ كذا”، بالنسبة لليمن فهي الدولة الوحيدة تقريباً التي ممنوع مناقشتها بالكنيست يعني وجود الموساد باليمن ممنوع ذكره حتى في رقم إجمالي لميزانيته، ممنوع ذكر اليمن إطلاقاً، تسألني: ما السبب. أقول لك: لا أدري.   > في البند الأخير فيما يخص المؤسسة الأمنية ذكرت أنه ستتم تصفيةُ الأجهزة الأمنية من كل مَن تورط من منتسبيها في أعمال اغتيالات أو تعذيب أو فساد، وهذه عملية التصفية بمعنى الفصل أمر مقبول لكنك ذكرت أىضاً أنه ستتم إحالتـُهم إلى المحاكمة دون إعمال لمبدأ التقادم الزمني ربما هذا سيثيرُ الكثيرَ من المشاكل؛ لأنه ربما يقولُ البعضُ نفتحُ صفحةً جديدةً ونتركُ الماضيَ.   >> لا يا سيدي، يمكنُ أن أتجاوزَ عن أي شيء آخر ويمكن أن أتنازلَ عن أي شيء آخر إلا قضايا القتل والتعذيب وانتهاك المحرمات للناس الآمنين، هذه لن أتنازل عنها أبداً.. اللهُ سبحانه وتعالى يغفرُ للإنسان فيما يتعلق بحقوق الله، لكن في حقوق البشر حتى الذي يذهب شهيداً لا يغفرُ له فيما يتعلقُ بحقوق الآخرين.. هذه حقوقُ آخرين انتهكت، هناك قتل.. هل تعلم يا سيدي أنه حتى الآن للأسف الشديد كلنا نتمنى أن النظام يعمل نوعاً من المصارحة والمكاشفة سبيلاً للمصالحة.. تصور قادتنا العسكريين الذين قاموا بـ»حركة ٥١ اكتوبر ٨٧٩١م«، القادة العسكريون الدفعة الأولى الذين حاكموهم محاكمة صورية أو لم يُحاكموهم بالأساس قـُـذف بهم داخل بئر قديمة بجانب السور الغربي لمبنى القيادة وهم أحياء، والمدنيون -كما قلت في المقابلة السابقة- حُفر لهم أخدودٌ ودُفنوا أحياءً!!.. بالله عليك جريمةٌ مثل هذه يهتز لها عرشُ الرحمن لا أحد يتكلم عنها لو كان النظام هذا يملك ذرة من عقل لَفتح تحقيقاً في الموضوع ونحن لسنا طلاب ثأر، لكن نريد مصارحة، وقلنا هذا أكثر من مرة.. أما أن يظلوا صامتين وكأن الجريمة الإنسانية هذه المروعة تذهب أدراج الرياح لا.. أنا عندي معلومات كثيرة جداً كيف صفوا أناساً، وكيف كذا، ولا داعي لذكر أسماء لكن منذ سنة ٩٧م صفوا ناساً كثيرين، وناساً بحوادث مرور وأنا عارف كيف قـُـتلوا ومَن قَتلهم بالاسم.. لن أتغاضى أو أغض النظر عن قضايا فيها تعذيب وفيها قتل وفيها تصفيات دموية وفيها انتهاك أعراض ومحرمات على الإطلاق ولو ذهب رأسي عن بدني.   > المحور الرابع تحدثت فيه عما تعيشه القبائل من محاولات تدمير وإثارة فتن وقضايا ثأرات وتخريب وفساد، ثم ذكرت أنك ستلجأ إلى عقد مؤتمر وطني للقبائل اليمنية يكون هدفُه إبرام صلح عام وشامل بين جميع القبائل دون استثناء وإعادة العمل بنظام مشايخ الضمان.. ماذا تريد من خلال الحديث في محور خاص عن القبائل؟.   >> أريد في الحقيقة أن أعود إلى خصوصيات الواقع اليمني عبر التأريخ، هذه أفكارٌ وصيَغٌ لها جذورٌ عميقةٌ من قبل الإسلام وبعد الإسلام وما إلى ذلك.. أريد أن أعود إلى “نظام التهجير”، لو تلاحظ في البرنامج هي عملية إشراك القبائل في تحمل المسؤولية الوطنية، في تحمل مسؤولية إدارة شؤونهم بأنفسهم، في الدفع لدمجهم في الحياة السياسية العامة للبلد.. هذه الأشياء لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال ذلك.. أولاً هذه الدوامة من الفتن والحروب والدماء والأرواح التي أزهقت كانت جريمة ارتكبها النظامُ ولا زال يرتكبُها في تدمير القبائل ونحن نقول لإخواننا القبائل أكثر من مرة: يا جماعة إعقلوا، هؤلاء الحكام يريدون أن ينهونكم يدمرونكم، إصحوا.. أريد مؤتمراً وطنياً، بحيث نعمل صلحاً لمدة عشر سنوات لجميع أنواع الثأرات وبعد ذلك نتولى تصفية الثأرات هذه بوسائل أنا حددت بعضها في خمس أو عشر سنين، مؤتمراً وطنياً نعيدُ إلتزام القبائل بالإحتكام إلى عُرفهم في مناطق مهجرة، في الطرق، الممتلكات العامة، الى جانب المرافق العامة للدولة، الأسواق العامة، دور العبادة، أصحاب الحرف، وكله مهجر.. صنعاء العاصمة مثلاً والمدن كانت مهجرة ولم يخترق هذا النظام إلا في عهد هؤلاء الذين يحكمون الآن.. بدأت الاغتيالات داخل صنعاء من مقبل وأصبح في باب القيادة إلى حمود الصبري -أحد مشايخ الحيمة-، الذين قتلوه هم الذين خرقوا النظام وإلا كانت إذا أنت في قبيلتك تلجأ إلى صنعاء لا أحد يمسُّك حتى ولو قابلك وجهاً لوجه؛ لأن العاصمة مهجرة ولها احترام، مثلما يقولون مناطق محايدة للقانون الدولي، مناطق محرمة، مناطق تجد فيها ملاذات آمنة.. سأقول لك ماذا أريد تحديداً وهذه أول مرة أصرح فيها: هؤلاء القوم الذين ظهروا في المجتمعات ناسٌ كثيرٌ يُضطهَدون في آرائهم وأفكارهم وفي مواقفهم، وبالتالي يضطرون إلى الهروب إلى أوروبا أو أمريكا طالبين النجاة بأرواحهم.. أريد أن أؤسِّسَ لمناطق آمنة داخل البلد، بحيث تصبح العاصمة »مناطق مهجرة بالتعريف القبلي« مناطق آمنة، ملاذات آمنة لكل خائف، لكل مقهور، يجد الأمن داخل مجتمعه.. ولهذا أنا أنظر إلى الأعراف القبَلية أنها كانت وجيهة جداً بهذه الصيغة عبر مئات السنين كانوا مدركين جداً أنهم يوفرون ملاذات آمنة.. جعلوا في أعرافهم كيف يتيحون متنفسات للناس حتى لا ينفجروا.. جاء هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً كتموا كل الأنفاس والعيون والسمع والبصر ولهذا لم يتركوا للناس أي متنفس يتحدثون عنه.   > أستطيعُ أن أستشفَّ من حديثك أنه من خلال عملية التهجير أو المناطق الآمنة هي عملياً لا يمكن تطبيقُها إلا من خلال جعل القبائل أو المشايخ هم المسؤولين في مناطقهم، وهو نوعٌ من المشاركة الفعلية في السلطة بحيث يصبحون هم المسؤولين عن أي خرق لهذه الأعراف؛ لأنه كما هو معروف عندما تكون “منطقة مهجرة” ويحدث شيء فيها فيكون المسؤولُ أو الشيخُ أو القبيلةُ هي مسؤولة، وتتحمل كل التبعات.. هل هذا ما تعنيه؟.   >> نعم.. أعني بأنهم القوة الإجتماعية الوحيدة في المجتمع اليمني التي لا تزال قادرة على إحداث تغيير، بالفعل هم القبائل بعد القوات المسلحة؛ لأنهم هم الذين يعدون الفئة الثانية للتغيير، وأحياناً دَورُ القبائل يفوق دورَ الجيش من خلال الاشتباكات التي قد تحدث أحياناً بينهم والجيش فيهرب الجيش!!، فمن هنا ألا ترى بأن القبائل عندما بدأ المعهد الديمقراطي الأمريكي مثلاً يهتم بشؤون القبائل من أجل إيجاد حلول لمسألة الثأرات وبدأ باللغة الإنجليزية يمدرن القبائل »يعني يحدث القبائل« نوع من التطوير لإشراكهم في الحياة السياسية؛ لأنها مشكلة الثأرات لدمج القبائل في المجتمع المدني »جن جنون النظام«؛ لأنه لا يريد، هو يعرف بأن القبائل خطيرة؛ ولهذا قامت الدنيا لدى النظام على المعهد الديمقراطي الأمريكي وعلى »روبن مدريد« رئيسة المعهد ولم يقعدها حتى اضطرت إلى أن تتخلى عن مشروع القبائل، كان ذلك مشروعاً هادفاً وبناء، وكان الأمريكان يدعمونه، لكن النظام يريد أن يبقي الفتن في هذه القبائل حتى تتدمر ولهذا لم يهدأ إلا عندما تخلى المعهد الديمقراطي عن مشروع القبائل، لماذا القبائل؟؛ لأن القبائل قوة حاسمة في المجتمع ومهمٌّ جداً إشراكها في عملية التغيير التأريخي وفي مسيرة التطور الطبيعي في المجتمعات يعطي دفعة لمسيرة التغيير قوية غير عادية، لكن لا بد أن تكون ضمن سياق المسيرة الوطنية ضمن مسيرة إدماج القبائل في المجتمع المدني.. الأحزاب، المنظمات، وغيرها.   أما شأن الملاذات الآمنة يجب أن تكون؛ لأننا نريد أن نعود إلى الأعراف القديمة ليس شرطاً أن تكون القبائل هي الحاكمة، القبائل شأنها شأن أي فئة إجتماعية لكن هذا كان نظام عمله الأئمة وكان من قبل آلاف السنين والأئمة جاءوا أكدوه عن طريق الهجرة والتهجير والملاذات الآمنة والمدينة العاصمة المدن الطرق مرافق الدولة وممتلكاتها، وكانت الأمور تسير في أحسن صورها.   > ذكرتَ في البرنامج أن على القبائل أن توقع على قاعدة قبَلية يكون من خلالها إعلانُ إنتهاء وتصفية كل أعمال الثأرات، الاتفاق على الإحتكام إلى القوانين والشريعة الإسلامية، إلزام كل قبيلة بملاحقة كل من يخل بهذه القاعدة، والتبرؤ منه، وإعلان وتدعيم نظام التهجير، ثم ذكرت أن يكون لمشايخ الضمان دخل شهري أو سنوي سواء من الواجبات والعائدات الزكوية أو من السلطات الإقليمية والمحلية هذا يعد نفس ما تقوم به السلطة الحالية من ناحية دفع المبالغ الشهرية كاعتمادات لهؤلاء المشايخ؟.   >> أبداً، الدولة تدفع الأموال إذا وجدت شيخاً مستعصياً على الخضوع تدفع الأموال لمشايخ آخرين لينافسوه، هي لا بد أن تحدث.. هذا هو النظام الحالي وأنا أقولها دون تجنٍّ : إن النظام يزعجه دائماً أن يرى مسؤولاً ونائبه متفقـَين هذه تعد خارقة لقوانين الحياة، من عُرف النظام دائماً أن يتسلى بأن يتفرج على المسؤول ونائبه أو المرؤوس ورئيسه دائماً يتصارعون وإذا انسجم اثنان سرعان ما يغير أحدَهما أو كليهما من أجل أن تستمر اللعبة لعبة التفرج على فلم، يتلذذ للأسف الشديد.. فمشايخ الضمان شيخ الضمان مسؤول عن قبيلته أمام السلطات المحلية والسلطات الإتحادية، ومشايخ القبيلة مسؤولون أمام مشايخ الضمان هؤلاء، كل واحد وفقاً لمسؤوليته يعد كأنه موظف عام مسؤول عن كل ما يحدث في قبيلته سواء المشايخ الذين هم أدنى من شيخ الضمان أو شيخ الضمان الذي مسؤوليته عامة على القبيلة ككل ومشايخ القبيلة الآخرين بمسؤولياتهم مسؤولون أمامه، وبالتالي تستقيمُ الأحوال.. ذات مرة في أيام الإمام أحمد رحمه الله حصل أن أحد الأشخاص أوى إلى لوكندة كان لديه بعض الفلوس، وقام اثنان ونهبا عليه الفلوس وقتلاه بعدها ذهبا كانت صنعاء تقفل بعد المغرب خرجا من مجرى السيل الذي كان فيه أسياخ حديدية كسرا الأسياخ الحديدية وشردا من هذه الفتحة.. طبعاً بلغ الإمام أحمد وهو في تعز كان عنده جهاز استخبارات يحترم نفسه بلغ الإمام قبل أن تعلم سلطات صنعاء بالخبر فراح الإمام وأصدر أمر بأن المسؤولين ومدراء الأمن والعامل والحاكم في صنعاء يوقفون عن العمل ويدخلون السجن إلى أن يأتوا بالفارَّين المسؤولَين عن قتل فلان، فوجئوا أن الإمام يتصل بهم من تعز عن وقوع القتل فتجمعوا وناشدوا الإمام أن يمنحهم فرصة لإحضار القتلة إلى الليل.. إكتشفوا الموضوع أن القتلة من بني الحارث فبلغوا الإمام بذلك فقال الإمام: جيش الإمام يطرحُ بنادق الإمام، ويأخذون المعاول و”المفارس” معهم، والفرقة الموسيقية العسكرية تتقدمهم ويذهبون إلى قرية القتلة ويدمرونها عن بكرة أبيها بالمعاول و”المفارس”؛ لأن القبيلة مسؤولية تضامنية أصبحت الفرقة الموسيقية العسكرية تعزف الموسيقى وهؤلاء أصحاب بني الحارث رأوا المعاول و”المفارس” وسألوا أين سيذهبون؟. قالوا: ذاهبين بني الحارث لندمرها؛ لأن منها أناساً قتلة. واضطروا »بني الحارث« أنهم يلاقون الجماعة في منتصف الطريق: ماذا تريدون؟. قالوا: نريد تخريب بيوت بني الحارث؛ لأن فيها مفسدين في الأرض. قالوا: لا نحن سوف نسلم القتلة الآن وسلموهم فوراً.. ألا ترى كيف كانت المسؤولية التضامنية؟.. هنا كانت المسؤولية تضامنية لقضية الغرامة في القبيلة ونظامها القبلي فضبطت وكان الاستقرار والأمن، تمشي من طرف البلاد إلى الطرف الآخر لا أحد يتعرضك.. الآن ألف نقطة عسكرية إذا أردت أن تمشي من صعدة إلى حضرموت ولا يوجد لها وظيفة إلا تأخذ من السيارات هذه زائد ناقص وسلطوا  العسكر والشرطة على المواطنين، والأمن مفقود.. نحن نريد أن نعيد هذه الأعراف بحيث نضبط الأمن وتستقيم الأحوال.   > الثورة جاءت ببناء المدنية وبناء الجهاز الإداري للدولة والقضاء على شوكة القبيلة وأنت من خلال ما ذكرت تريد أن تفتت الدولة لتعود إلى القبيلة.. هل هذا تراجع بمعنى أن المجتمع المدني يتحطم أمام القبائل والقبلية؟.   >> لا أبداً، الثورة عمل إيجابي ومتقدم، بمعنى أن الثورة تكون بديلاً أفضل لما قبلها، ولا تستحق أن تسمى الثورة إلا بعد أن تتحور من شرعية الثورة إلى شرعية الدولة، وكلما طالت فترة الانتقال لأكثر من اللازم صارت الثورة عبارة عن عصابة وليست ثورة ولا يمكن أن تحكم على الثورة على أنها ثورة إلا بقدر الإنجازات المحققة على أرض الواقع.. ما هو جارٍ الآن الثوار الذين قاموا بالثورة لم يكونوا يمتلكون رؤية لشكل المجتمع الجديد الذي يريدون أن يبنوه، كانوا يحاكون ما هو جارٍ في المجتمع المصري بحذافيره ولم تكن لديهم أبعادٌ في حقيقة الأمر.. وأنا سأكشف لك سراً.. الثورة »٦٢« سبتمبر« مع احترامنا للناس الذين قاموا بها لكن هي كانت من أولها إلى آخرها من صنع المخابرات المصرية.. السفارة المصرية كان كل جماعة كل واحد مرتبط بجماعة من كبار الناس الذين قاموا بالثورة هذا الرجل مرتبط بالسفارة المصرية أحمد عبدالواحد وهذا عدة مجموعات حتى كان أحمد عبدالواحد يوحي لكل واحد أنه هو قائد الثورة.. بعدها في موعد معين أبلغهم أحمد عبدالواحد أن أسماءهم عند الإمام محمد البدر إذا ما قمتم بالثورة اليوم سوف يعتقلـُكم غداً، وقاموا بالثورة وكان كلُّ واحد يعتقدُ أنه قائد الثورة، ولهذا تجدُ في كتابات قادات الثورة كلَّ واحد يدعي أنه قائد ثورة وهو على حق” لأن أحمد عبدالواحد كان يوهمه أنه هو قائد الثورة، وهكذا كان يتعامل مع أكثر من واحد، لكن هذه الثورة كانت أغرب ثورة في التأريخ لا يوجد لها تأريخ، وأنا حتى الثورة الفرنسية والبلشفية كل الثورات التي حدثت في العالم معروفٌ تأريخُها إلا ثورتنا كل يَدَّعي وَصْلاً بها!! وهي لم تكن يمنية المنشأ هذا إذا أردنا تأريخاً وابتعدنا قليلاً عن الغوغائية وكتابة التأريخ عن طريق الدعاية.. إذا كان الذين قاموا بالثورة المخلصين جداً منهم قُتلوا من اليوم الأول أو الثاني للثورة، والبقية لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط، ولهذا إتجهوا في اليوم الأول إلى أي واحد “سيد” ليقتلوه، وإلى أي واحد معهم ليقتلوه؛ لأنهم اعتبروا كلَّ “سيد” رجعياً ومرتبطاً بالنظام الإمامي رغم أن معظمَ الثوار “سادة”.. إذا جئنا إلى هذا التصنيف كان عبارة عن تصفية حسابات شخصية فئوية متخلفة، فاعذرني أنت عارف أنني كنت ناصرياً وثورياً لكن بصراحة أقول لك: لا أستطيع إلا أن أكون متجاوزاً جداً أن أقول أن »٦٢ سبتمبر« كانت ثورة.. طبعاً سوف يقومون عليَّ بحملة بالتأكيد لكن في سبيل الحق نتحمل، ولا يوجدُ تراجُعٌ من المدنية إلى القبلية؛ لأنه أصلاً إذا قامت ثورة ٢٦م الآن في ٦٠٠٢م حوالى »٦٤« سنة في الصين ماستونج قامت ٨٤ بيننا وبينهم قليل لكن أين نحن وأين هم؟، أين الصين، ما يحدث الآن تراجع عما كان أيام الإمام، أيام أمن واستقرار، الآن لا يوجد أمن واستقرار، أيام الإمام لا يوجد نهب للأموال العامة، كان الإمام يحيى رحمه الله يقتر حتى على مصروفات منزله من أجل أن يحفظ المال العام، ولا كان يوجد فساد، الآن الفساد “يمدد أبو حنيفة ولا يبالي”، الآن مسؤول عسكري أو مدني صغير عنده مئات الملايين إن لم تكن مليارات من الأرصدة خارج البلد، يا سيدي لما قامت الثورة كان هناك خمسة ملايين في إيطاليا بعدها أعادتها إيطاليا لحكومة محسن العيني كانت مسجلة باسم الإمام ولم يتصرف فيها قبل الثورة وعلى أساس أنها أموال عامة.. دعونا نتكلم بصراحة، إتركونا نقيِّم التأريخ تقييماً موضوعياً.. أنا أريد أناساً يكتبون التأريخ كما كتب التأريخ القاضي/ عبدالله الشماحي رحمه الله كان مختلفاً مع الإمام قام الإمام بسجنه لكنه عندما كان يكتب التأريخ كتبه بصورة محايدة، لكن هؤلاء “شويه غوغائيين” كتبوا التأريخَ مثلما قال الأستاذُ المرحومُ/ عبدالله البردوني: تأريخ دعائي غوغائي.   > تعني أنه لا يوجدُ تراجع عن النظام الذي طرحته في البرنامج حول مشايخ الضمان وإعطاء مرتبات لهم بحيث يصبحون مسؤولين أمام المجالس الإتحادية إلى غير ذلك.. ولا تعتبره تراجعاً عن المدنية والمجتمع المدني الذي ننشده جميعاً؟.   >> لا، ليس هناك تراجع، فكل ما أعمله أن أعطى الفئة المهمة في المجتمع حقها ودورها بمعنى أن تقوم تلك الفئة بإدارة شؤونها بنفسها، هذه هي الديمقراطية واللامركزية.. ماذا يريدون منا حتى يقال إننا غير متخلفين؟، نستهدف القبائل بالعداء أم نجعلها جزءً من المجتمع فاعلاً، ما أريده هو أن أجعل من هذه القبائل جزءاً فاعلاً من حركة المجتمع المدني ككل.. وبالتالي أنا لا أستهدف فئة أو طائفة من الشعب فقط، وبالتالي كل الفئات وكل الطوائف وكل الشرائح لا بد أن تأخذ دورها على قدر من المساواة.. والقبائل أنا على يقين أنهم سوف يكونون أنشط فئة في المجتمع وأكثر الفئات التزاماً وانضباطاً للقانون؛ لأن أعرافها تلزمها بذلك، فالأعراف القبلية تضبط القانون ولا يضبط القانون الأعراف القبلية.   > أخيراً.. ماذا يتوقع الأستاذ/ عبدالله سلام الحكيمي في الانتخابات القادمة من خلال برنامجه ومن خلال ما يرى في الساحة حيث وجود مرشحين ومن خلال غموض المرحلة بالنسبة للمؤتمر الشعبي وأحزاب اللقاء المشترك؟.   >> توقعي أنه في حالة إجراء انتخابات تتوفر لها الحدود الدنيا من النزاهة والشفافية أستطيع أن أقول بأن الانتخابات سوف تأتي بتغيير غير متوقع، وسوف تنتصر الجماهير لبرامج التغيير، وسيكون الاختيارُ لمن تراه أقدر على إحداث التغيير المنشود، المهم هو أن يتوفر ولو الحد الأدنى من النزاهة والشفافية للانتخابات، وأؤكد لك أن هناك ستكون مفاجأة تأريخية مذهلة.   > شكراً جزيلاً للأستاذ/ عبدالله.   وكما وعدنا القراء الأعزاء في اللقاء السابق بأن نستكملَ هذا الحديثَ وقد استكملناه بالفعل لكننا أيضاً نعدُهم مرة أخرى بلقاء آخر مع الأستاذ/ عبدالله سلام الحكيمي عقب فتح باب التزكية في البرلمان.