1
من المفيد والإيجابي دون شك أن تهتم وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية و تتناول بالنقاش والبحث والدراسة مختلف الشئون والقضايا التي تشغل بال الرأي العام ليس على المستوى المحلي فحسب بل وعلى امتداد العالم ، وعلى رأسها وفي المقدمة منها مشكلة الإرهاب العالمي الذي سيطر ولا يزال يسيطر على اهتمام وشواغل الدنيا بأسرها ، دولاً وشعوباً ، ومنظمات ، وخاصة منذ أحداث 11 سبتمبر عام 2001م الإرهابية المأساوية وقد تلقيت عصر يوم الجمعة بتاريخ 3 يناير الجاري اتصالاً هاتفياً من السيدة الفاضلة هنادي العاملة في قناة ((إم . بي . سي )) العربية الفضائية طالبة مشاركتي في وقائع برنامجها المتميز (( الأسبوع السياسي ) الذي سيبث مساء نفس اليوم ، وقبلت بالمشاركة شاكراً ، حيث طلب إلي المرابطة بجانب جهاز التليفون ومتابعة البرنامج منذ بدايته استعداداً للمشاركة هاتفياً ، وصادف أن حل علي عصر نفس اليوم الجمعة ضيوف كرام يزيد عددهم عن ((18)) من الشخصيات السياسية والثقافية والحزبية جليلي القدر والمكانة ، استأذنتهم معتذراً باضطراري إلى الانصراف عنهم لمدة تزيد عن ساعة إلى مكتبي حيث جهازي التلفزيون والتلفون وانتهى البرنامج الذي دعيت لمشاركة فيه دون الاتصال بي .. والحقيقة أنني لست آسفاً لعدم تحدثي إلى قناة (( إم . بي . سي )) . بل ازعجني كثيراً الإرباك والإنشغال والإنصراف عن ضيوفي الكرام بسب استهتار القناة وعدم إحترامها لكلمتها الذي وصل حداً لم تكلف نفسها فيه إجراء اتصال تليفوني سريع لإبلاغي بقرار إلغاء مشاركتي وهذا من حقهم وهم أحرار في اختيار من يشارك ومن لا يشارك ، وعلى أية حال لا يسعني إلا أن أقول فليسامح الله قناة الـ( إم . بي . سي ) وكل آسفي واعتذاري لكل ضيوفي الكرام على ما أضطررت إليه من الإخلال بواجب الضيافة لسبب خارج عن إدراتي كما أوضحته في حينه … نظراً للأهمية الكبرى والحاسسية البالغة لموضوع النقاش الذي أثير في برنامج ( الأسبوع السياسي) وهو موضوع الإرهاب والإرهابيين في اليمن وعملياتهم ومن هم ، ومدى إمكانية التصدي لهم ومواجهتهم إلى أخر هذه القضايا ، على خليفة العمليتين الإرهابيين المروعتين مؤخراً ، الأولى : اغتيال الشهيد جار الله عمر الأمين العام المساعدة للحزب الاشتراكي اليمني وأبرز الشخصيات والقيادات الوطنية في بلادنا صباح يوم السبت 28/ 1/ 3002م خلال الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر العام للتجمع اليمني للإصلاح ، وعلى مرأى ومسمع ما يزيد عن أربعة آلاف من الحضور . والثانية : باغتيال ثلاثة من الأطباء والطبيبات المتطوعين في مستشفى مدينة ( جبلة ) ، الخيري سقطوا شهداء الواجب والقيم الإنسانية النبيلة ، وجرح الرابع وجميعهم من المواطنين الأمريكيين صباح يوم الإثنين 30/12/2002م ، ولأن مثل هذه الأعمال الإجرامية الوحشية البعشة زلزلت مشاعر ووجدان وضمير شعبنا اليمني من أقصاه إلى أقصاه ، وفجرت فيه براكين الغضب والحزن والاستيلاء ، وبما أن القضايا التي أثارها برنامج ( الأسبوع السياسي ) المشار إليه تكتسب أهمية خاصة وتلامس هموم واهتمامات فئات شعبنا وقطاعاته السياسية والثقافية والاجتماعية ، فإني أشعر بدافع قوي يدفعني ، بكل إلحاح ، إلى عدم إهمال أو إسقاط الآراء والتصورات والملاحظات التي كنت أعتزم طرحها في مناقشات برنامج ( الأسبوع السياسي ) ، وإن على العمل من أجل تسجيلها ونشرها للتاريخ ، بأي شكل من الأشكال ، وتحت ضغط هذا الدافع قبلت بالمشاركة في نقاشات برنامج ( الأسبوع السياسي ) مشاركة بأثر رجعي ، وعبر أسلوب الكتابة الصحفية بدلاً عن أسلوب الحوار الشفاهي ، ذلك أن موضوع أو مشكلة التطرف والإرهاب المسلح شائك ومعقد وذو حضور قوي وواسع ، والحديث عنه وحوله حديث ذو شئون وشجون كثيرة للغاية سيظل مثاراً ومتواصلاً لسنوات عديدة قادمة . إن ما أريد قوله من آراء واجتهادات شخصية هناء ، وفي سياق الحديث الذي يزداد قوة وتصاعداً واتساعاً يوماً بعد يوم حول التطرف والإرهاب المسلح والذي ينحصر اليوم ويقتصر على الجماعات والحركات الحزبية السرية المسلحة التي تتخذ من الدين الإسلامي شعاراً وعنواناً لها ، يمكن إجماله ، على نحو مركز ومختصر ، بجوانب وقضايا رئيسة أهمها : ربط جماعات الأعمال الإرهابية في اليمن بتنظيم ( القاعدة ) وقائدها أسامة بن لادن أمر تنقصه الدقة والموضوعية ويستند إلى الظنون والاستنتاجات أكثر من استناده إلى المعلومات والحقائق ، ذلك أن نشوء وبروز وتنامي الجماعات والحركات والمنظمات الحزبية الإسلامية السرية المسلحة بدأ تقريباً منذ مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي في اليمن ، حيث توفرت أمامها ظروف موضوعية وتهيأت أجواء ومناخات سياسية ملائمة ساعدتها على النشوء والبروز والتنامي والانتشار ، إذ كانت الدولتان الشطريتان اللتان كانتا قائمتين في شمال وجنوب اليمن ، تعيشان حالة من الصراع التناقضي السياسي الحاد والمرير ، بسب تنافرهما وتناقضهما الأيديولوجي والسياسي ، فالنظام الذي كان قائماً في الشطر الجنوبي منذ أواخر الستينات كان نظاماً يسارياً متطرفاً ومتحالفاً مع الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية آنذاك في حين كان النظام في الشمال نظاماً غير محدد الهوية وإن كان أميل إلى التوجه شبه الرأسمالي شبه اليميني شبه الإسلامي ، وفي إطار مسلسل الصراعات المريرة والحروب الدامية بين النظامين ، كان النظام في الجنوب يمتلك من الأوراق ووسائل الضغط السياسي والعسكري والإعلامي ما جعله متفوقاً بكثير على النظام في الشمال ، فالنظام في الجنوب كانت له قوة سياسية حزبية سرية ذات ثقل وتأثير تعمل في الشمال ، في حين أنها كانت تمثل إمتداداً حزبياً للحزب الحاكم في الجنوب ، كما كانت كثير من القوى الحزبية السياسية السرية ذات التوجهات القومية الثورية العاملة في الشمال تتعاطف سياسياً مع النظام في الجنوب ناهيكم عن نجاح النظام في الجنوب في بناء دولة مسيطرة وقوية تبسط سلطتها وقبضتها الحديدية على كل شبر من أرض الجنوب ، وجيش حديث مدرب ومزود بأحدث الأسلحة ، واقتصاد بسيط لكنه مستقر ، وأجهزة أمنية كفؤة وقادرة على تحقيق أمن واستقرار النظام والمجتمع ، كل هذه العوامل والوسائل والأوراق الضاغطة لم تكن متوفرة بالمثل لدى النظام في الشمال ، الذي كاد في مرحلة من مراحل صراعه مع النظام في الجنوب أن يتهاوى ويسقط ويستسلم للنظام في الجنوب. وإزاء هذا التحدي المصيري الذي واجهه النظام في الشمال لم يجد أمامه في الساحة من قوى سياسية مستعدة للتحالف معه سوى التنظيمات والحركات الإسلامية ، وكان تنظيم ( الإخوان المسلمين ) وأكبرها وأقواها وأوسعها ، في مواجهة النظام في الجنوب وامتداداته في الشمال ، هنا تلاقت ، في الواقع مصلحتان وهدفان ، فالنظام بحاجة تكتيكية ماسة للحركة الإسلامية لتواجه معه المخاطر الداهمة التي يشكلها النظام في الجنوب وباعتبارها النقيض الأيديولوجي السياسي الكامل للنظام في الجنوب اليساري الاشتراكي والحركة الإسلامية وبدت فرصة تاريخية نادرة للتواجد والنمو والتوسع وامتلاك القوة وهكذا استطعت الحياة الإسلامية –آنذاك – تحت ضرورات متطلبات المواجهة المسلحة ، أن تحصل من النظام في الشمال على الأسلحة والذخائر والعون المادي وتمكنت من تأسيس وبناء جناحها العسكري القوي لأول مرة ، هذا بالإضافة إلى توسعها وانتشارها الشعبي التنظيمي وسيطرتها على مختلف المنظمات والمؤسسات الجماهيرية والنقابية والكثير من مواقع جهاز الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية ، حيث كانت الحركة الإسلامية الوحيدة المتاح لها التحرك والعمل بحرية في وقت ظلت كافة القوى السياسية الأخرى مطاردة وغير مسموح لها بالحركة والتواجد من قبل أجهزة النظام وفي المقابل استطاع النظام ، عبر ذلك التحالف التكتيكي الوثيق ، أن يحقق بعض المكاسب والنجاحات في تقليص وزحزحة الخطر الداهم الذي شكله النظام في الجنوب وامتداداته في الشمال ضده . ولعل الأكثر أهمية – في هذا السياق – أن بعض الجماعات والحركات الإسلامية السرية وشبه المسلحة ، مثل الجهاد والتفكير والهجرة والجماعة السلفية وغيرها ، نجحت في تحقيق أول أو بداية اختراق للنظام في الجنوب ذي القبضة الحديدية والسيطرة الأمنية المطلقة ولأول مرة منذ قيام ذلك النظام أواخر الستينيات ، وذلك بخلق وتشكيل بعض الخلايا التنظيمية الحزبية بسرية مطلقة ، وبأسلوب تنظيمي مبتكر بالغ الدقة والكفاءة سواءً في الحركة أو الاحتياطات الأمنية ، مركزين على مؤسسات تعليمية رفيعة كالجامعة والمعاهد التقنية وغيرها ، بدأ هذا الاختراق عند مطلع الثمانينات تحديداً ، والواقع أن جو الخلافات والصراعات التي برزت بين الأطراف المتنافسة داخل الدولة ومؤسساتها وحزبها الحاكم في الجنوب والتي تصاعدت إلى حد الانفجار الدامي الرهيب في 13 يناير 1986م وما ترتب عليه ونتج عنه من تصدعات عميقة وانقسامات حادة واسعة شطرت الدولة هناك ومؤسستها العسكرية والأمنية وحزبها الحاكم شطرين ، أعطى لتلك الأنوية الحزبية السرية المحددة ذات التوجه الإسلامي فرصاً وظروفاً وأجواء مناسبة للغاية أمامها للتوسع والانتشار أكثر من ذي قبل بكثير ولكن مع بقاء الحذر والحيطة ، ليس هذا فحسب بل إن ذلك الصراع قلب موازين القوى التي كانت قائمة بين النظامين الحاكمين شمالاً وجنوباً رأساً على عقب ، وبدأت كفة الصراع تميل على الفور وبشكل كلي تقريباً لصالح النظام في الشمال ولأول مرة ووسط هذه الأجواء والظروف والصراعات والتحالفات وقبلها وأثنائها وبعدها ، وتحديداً منذ أوائل 1984م ، كانت قضية ( الجهاد في سبيل الله ) في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي قد تبلورت وتكاملت فصولها وسيناريوهاتها وهي فكرة أمريكية ابتكراً وهندس وإخراجاً من خلال ( زبيجنيو بريجنسكي ) مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي ـ آنذاك ـ نوهي خطة أمريكية كانت هدفها الوحيد اسنزاف الاتحاد السوفيتي وخلخلة أوضاعه وإضعافه في إطار الصراع الدائر بين المعسكرين العامليين الأعظمين ـ أنذاك ـ أو ما عرف بالحرب الباردة بينهما ، حيث رأت أمريكا استغلال الإسلام وتوظيفه لخدمة أهدافها الاستراتيجية باعتباره أقوى سلاح لمواجهة ما سموه بالشيوعية والإلحاد وفي هذه الحرب ( الجهاد في سبيل الله ) ـ في افغانستان التي بات معروفاً الآن أن ليس للمسلمين فيها لا ناقة ولا جمل ـ سبق عشرات الآلاف من الشباب العربي والمسلم إلى ميدان تلك الحرب التي اخترعتها وصاغتها وبلورتها ورعتها وخططت لها ومولتها أمريكا ودربت وسلحت أفرادها بواسطة أطراف إقليمية مجاورة لأفغانستان ، وهنا أيضاً حدثت مفارقة أخرى فالأنظمة الإسلامية ومنها العربية رأت في إرسال الآلاف من شبابها ذوي الإنتماء الإسلامي للقتال في أفغانستان أسلوباً مناسباً لإبعادهم عن ساحاتها وتجنب خطورتهم وتأثيرهم عليها ، وفي حين وجدت الحركات والمنظمات الإسلامية السرية المنظمة فرصة تاريخية لا تعوض لتدريب الآلاف من أعضائها وإكسابهم خبرات عسكرية قتالية وأمنية وتنظيمية بالإضافة إلى كسب واستقطاب المزيد من الشباب غير الحزبي الذي قدم للقتال بدوافع دينية حسب اعتقاده ، هذا بالإضافة إلى التراكم المالي الهائل الذي حققته قيادات تلك الجماعات والحركات والمنظمات من عوائد الحرب ومكاسبها ، وكان هناك آلاف من الشباب اليمنيين من ذهب إلى أفغانستان وقاتل وتدرب واكتسب خبرات قتالية غير عادية ، وخاصة فيما يتعلق بأعمال الاغتيالات والتفجيرات المفخخة وحرب المدن والشوارع … إلخ . وبانتهاء الحرب أو ما يسمى بالجهاد في سبيل الله في أفغانستان بانسحاب الجيش السوفيتي منها عام 1989م ، وبداية حروب طاحنة ومريرة وطويلة بين فصائل المجاهدين الأفغان ضد بعضهم البعض ، بدأ يتكشف أمامنا في الأفق المرئي واقع جديد ومختلف عن كل ما سبقه تتحدد أهم معالمة ، على الصعيد العام بالآتي : 1- نجاح الجماعات والحركات الإسلامية السرية في بلورة وبناء صيغة عمل تنظيمي بالغ الرقي والتطور والمقدرة تميز بأساليب عمل جديدة مبتكرة تضمن مطلق السرية والأمن في حركتها وأداء أعضائها ، والمرونة الكبيرة والكفاءة العالية في مواجهة المخاطر والتحديات المفاجئة ، ومخزون هائل من التجارب والخبرات العملية والنظرية ، وموارد مالية هائلة متراكمة ومستثمرة على نحو كفؤ وإيجابي ، وفوق هذا وذاك نطاق حركة وتحرك أوسع وأشمل على النطاق العالمي . 2- التأثير وكسب واستقطاب آلاف من الشباب العربي المسلم ، وإدماجه في الشكل أو الأشكال الحزبية الجماعية السرية المنظمة بعد أن كانوا مجرد أفراد يعبر كل واحد منهم عن آرائه وقناعته بأسلوب فردي ، وهو ما أدى إلى توسع وتنامي حجم وقوة وانتشار تلك الحركات السرية المنظمة وقدرتها وفاعليتها الفائقة على الحركة والفعل والتأثير ، كل ذلك تم بفضل تجربة مشاركتهم الفاعلة والواسعة في القتال أو ( الجهاد ) في أفغانستان . 3- وجود الآلاف من الأعضاء والكوادر المتمرسين على مختلف أشكال القتال وفنونه ومجالاته وخبراته المتعددة والمتطورة بحكم خوضهم لغمارها وأساليبها عملياً وميدانياً في افغانستان ، وما أسهم به هؤلاء من نقل خبراتهم وتجاربهم القتالية إلى سائر الأعضاء الجدد أو أولئك الذين لم يمارسوا القتال بتدريبهم عليها ، وتوافر القدرة المالية الكافية لديهم لشراء وتكديس مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات ووسائل استخداماتها الحديثة هذا إضافة إلى نجاحهم في امتلاك مقدرة فائقة للغاية في استغلال واستخدام وتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة لخدمة أهداف حركتهم ونشاطاتهم على المستوى العالمي ( أجهزة الاتصال ووسائل المعلومات … إلخ ) . هذا الواقع الجديد بأهم ملامحه التي أشرنا إليها آنفاًَ على الصعيد العام ، انعكست أثاره وتطبيقاته على المستوى المحلي في بلادنا اليمن ، شأنها في ذلك شأن عدد من البلدان العربية وغيرها ، حيث عملت المجاميع التي كانت تعود من ساحة القتال في أفغانستان إلى اليمن ، وغالبتيهم من اليمنيين وقليل من مواطني بلدان عربية أخرى ، بين فترة وأخرى ونشطت في مجالات البناء التنظيمي وتطويره وتفعيله وتزويرده على نحو مستمر ومكثف بدماء جديدة بفعل حركة الكسب والاستقطاب الديني ، وكان هذا يتم في ظل بقاء واستمرار حالة التحالف الذي ظل قائماً منذ مطلع السبعينات مع النظام القائم في الشطر الشمالي من الوطن ، مكرسة الجزء الأكبر من حركتها ونشاطاتها في الشطر الجنوبي من اليمن مع القيام ببعض الأعمال الإرهابية فيه بين الحين والآخر ، مستفيدة من حالة الضعف والتراخي والتخلخل الذي أصاب النظام عقب أحداث 13 يناير 1986م . .