· وبناء على ما سبق فإن الدين الإسلامي جاء في رسالته الخاتمة لرسالات وكتب دين الله الواحد, ليؤكد ويرسي ويثبت مبدأين استراتيجيين هما: المبدأ الأول: إشاعة السلام والأمن في المجتمع الإنساني كله: نستدل على هذا المبدأ من آيات كثيرة وردت في القرآن الكريم منها قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}, {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}, {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}, و {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}, {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}, و {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}, {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}, {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}, {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}. المبدأ الثاني: منع الحروب والنهي عن القتال والعنف:- بادئ ذي بدء تجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى, من خلال آيات وأحكام وتعاليم الإسلام, خص حياة الإنسان بصرف النظر عن اعتقاده وإيمانه أو كفره, بمكانة رفيعة جداً من التكريم, وأوجب العمل والحرص الشديدين على حفظ الحياة وحمايتها, قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. ويعتبر الإسلام أن قتل النفس محرماً تحريماً قاطعاً وحاسماً إلا في حالتين اثنتين فقط حددهما الله سبحانه وتعالى وسنأتي إلى ذكرهما لاحقاً, وفيما عداهما فإن الإسلام ينظر إلى قتل النفس لأي سبب أو مبرر من أكبر الجرائم وأشنعها والتي توعد الله سبحانه مرتكبها مستحقاً لأقسى أنواع العقوبات الدنيوية والعذاب الأخروى بالغ الشدة, ويدخل ضمن نطاق هذا التحريم القاطع والحاسم لقتل النفس أو مبررات أو أسباب مثل الكفر أو الشرك أو الاختلاف العقيدي الديني وغيره… يتضح هذا جلياً, وبما لا يدع أي مجال للغموض أو الالتباس أو الشك, حين نستعرض آيات القرآن الكريم المتعلقة بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وقصة رسالته وبعثته من قبل ربه إلى فرعون وقومه, فتعالوا نقتبس منها بعض الآيات المتصلة مباشرة بموضوعنا. قال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ},”القصص: 17-15″. {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}. ويخاطب الله سبحانه وتعالى موسى بالقول: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى}, “طه:40”. نستخلص من مضامين وعبر وأحكام الآيات سابقة الذكر نقاطاً أهمها على النحو التالي:- 1- إن موسى عليه الصلاة والسلام بعثه الله سبحانه وتعالى رسولاً ونبياً إلى فرعون وقومه الذين استعبدوا بني إسرائيل وأذاقوهم سوء العذاب {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}, لتخليص بني إسرائيل مما هم فيه من العذاب والكرب العظيم عن طريق إقناع فرعون وملأه بالحوار والإقناع السلمي اللطيف واللين علهم يقتنعون بوقف عدوانهم واضطهادهم واستعبادهم لبني إسرائيل ويعودون إلى الطريق المستقيم. 2- إن من قام موسى ـ عليه السلام ـ بقتله كان من قوم فرعون أي واحد من أعدائه وأعداء بني إسرائيل المضطهدين, استجابة لاستغاثة واحد من قومه وشيعته, ورغم ذلك اعتبر موسى ـ عليه السلام ـ فعلته, على ضوء تعاليم وقيم دين الله سبحانه وتعالى الذي حمله الله مهمة إبلاغه للناس هداية ورحمة, ذنباً أو جريمة يحرمها الدين, ووصفها فوراً بأنها من عمل الشيطان, وإنه ظلم نفسه داعياً ربه أن يغفر له فاستجاب لدعائه وغفر له, قائلاً له: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}, وذكره عدو آخر من أعدائه عندما أراد موسى ـ عليه السلام ـ أن يبطش به استجابة لنداء ذالك الشخص الذي من قومه وشيعته بسؤاله: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ }, وإنه إن فعل ذلك فيكون {إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}, وهو ما جعل موسى ـ عليه السلام ـ يحكم على فعل الذي من قومه وشيعته ووصفه بالقول {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ}. 3- وهكذا يتضح أنه وعلى الرغم من أن موسى ـ عليه السلام ـ رسول الله ونبيه, ومع أن الشخص الذي قتله كان من عدوه, أي أنه كافر, ورغم أن موسى ساند وناصر وساعد الشخص الذي هو من قومه وشيعته أي أنه مؤمن, والمواجهة بين الفريقين كانت فصولها قد بدأت, إلا أن كل ذلك لا يجيز, ولا يعطي الحق لموسى, وهو النبي والرسول, أن يقتل نفساً أو إنساناً لمجرد عقيدته وموقفه ورأيه مهما كان كفره وإنكاره لله سبحانه وتعالى, ودينه القويم ما دام ذلك الإنسان غير مقاتل أو محارب في ميدان معركة محتدمة, فإذا كان هذا الموقف الديني القاطع والحاسم تجاه رسول ونبي من أنبياء الله عز وجل الكرام ارتكب ذنباً عند ربه بقتل شخص واحد من أعدائه لم يكن محارباً, فما بالكم لسائر خلق الله من البشر الذين يجيزون لأنفسهم قتل الناس باسم الله ودينه القويم زوراً وبهتاً, لمجرد اختلافهم معهم في العقيدة أو الرأي؟ إن العبرة والعظة العظمى التي نستخلصها من قصة موسى ـ عليه السلام ـ فيما يتعلق بقتل عدو له استجابة لاستغاثة شخص آخر من قومه وشيعته, تبين لنا بكل جلاء ووضوح بأن دين الله القويم يعطي مخلوقاته من البشر كامل الحرية لاختيار ما يشاءون إيماناً أو كفراً, وبدون قيود أو اشتراطات, ويمنحهم الحق في حرية القول والتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم دون إكراه أو ترويع, ويحث المؤمنين بالتعامل معهم وفقاً للقاعدة العظيمة {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}, و {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}, و {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}, وهكذا. وبناء على هذا المبدأ الأساسي الذي أكد عليه القرآن الكريم, باعتباره خاتماً للرسالات السابقة كلها على طريق دين الله الواحد فإن الإسلام, وخاصة رسالته الخاتمة التي حملها سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام هدى للعالمين وللناس كافة, جاء لتحقيق هدف استراتيجي محوري كبير وهو وقف الحرب والاقتتال والعنف في حياة الناس وعلاقتهم ولترسيخ السلام والأمن والاستقرار والتعاون على الخير والبر والتقوى في المجتمع الإنساني كله بصرف النظر عن تعدد معتقداته وتوجهاته ومنطلقاتة, داعياً المؤمنين به إلى العفو والصفح والصبر من منطلق الرؤية إليهم باعتبارهم النموذج والقدوة الأفضل وهو ما يوجب عليهم مسئوليات مضاعفة من الحرص والشعور بالمسئولية وكظم الغيظ والعفو عن الناس والصبر والتحمل والتضحية, إذ أنه ما لم يكونوا كذلك لاختل الميزان واضطرب التوازن والتناغم بين كافة فئات ومكونات المجتمع الإنساني كله. ورغم تحريم الإسلام للاقتتال ونهيه عن الحروب والنزاعات العنيفة, إلا أنه أجاز بل وأوجب على المؤمنين القتال في حالات محددة, ومحدودة للغاية وبضوابط وشروط دقيقة صارمة تضمن كلها تحقيق الغاية أو الهدف من القتال وهو منع الحرب, ووقف الاقتتال, وحفظ السلام والأمن والاستقرار للمجتمع الإنساني كله, ويمكن الإشارة إلى تلك الحالات الاستثنائية التي تمليها الضرورة على النحو التالي: أ) حالة الدفاع المشروع عن النفس: قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ* َاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ* فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}. وقال تعالى عن بني إسرائيل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا}. ثم يضع الله سبحانه وتعالى استثناءات يجب مراعاتها فيقول: {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً* سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا}. وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.وقال جل وعلا: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}. وأضاف سبحانه: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُون *أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ}. وفيما عدا الأحوال المذكورة في الآيات آنفاً حول جواز الحرب والقتال دفاعاً عن النفس ورد العدوان ووقفه, ووجوب وقف الحرب والقتال في حالة وقف المعتدين لعدوانهم قال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}, وعدم مقاتلة الذين يرتبطون بعهود وميثاق مع المؤمنين, فإن الله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين بالقول: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ب) القتل قصاصاً: منح الإسلام حياة الإنسان قدسية عظيمة ومكانة عالية حماية لها وحفاظاً عليها حيث حرم قتل النفس تحريماً قاطعاً إلا بالحق مؤكداً على ذلك بقول الله تبارك وتعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. ومن هذا الحرص الشديد على حفظ حياة الإنسان وحمايتها أوجب حد القصاص بإعدام من يقدم على القتل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}, أي النفس بالنفس, مع إمكانية وقف هذه العقوبة بالتصالح والعفو من قبل أولياء دم المقتول إن رغبوا في ذلك, مؤكداً على أن هذه العقوبة الصارمة هي من أجل حفظ الحياة وحمايتها من العدوان والقتل, قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}. ج) القتال لنصرة المضطهدين والمظلومين والمستضعفين في الأرض: وفي هذه الحال أجاز الإسلام بل وحث المؤمنين على الوقوف إلى جانب أية مجموعة إنسانية, بصرف النظر عن معتقداتها وانتماءاتها, تتعرض للعدوان والظلم والاضطهاد, ومصادر الحرية فيها, ومساندتها ودعمها بما في ذلك القتال إلى جانبها, إذا طلبت النصرة والمساندة, شريطة أن تكون تلك المجموعة الإنسانية ذات مطالب وأهداف عادلة ومشروعة مثل استعادة حريتها وإزالة الظلم والاستبداد والاضطهاد الذي تتعرض له, إلى أن تتحقق مطالبها الحقة العادلة, وفي هذا يقول تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75) سورة النساء. وهذه الحالة, من حيث أهدافها وغاياتها, تندرج في الإطار العام للأهداف والغايات النبيلة المتحضرة للإنسانية الراقية, الساعية إلى ترسيخ قيم ومبادئ الحق والعدل والحرية والمساواة والأمن والسلام والاستقرار لكل بني الإنسان, وبدون هذه القيم والمبادئ أو في ظل الاعتداء عليها ومصادرتها تتحول تعاملات وعلاقات البشر بعضهم بعض إلى سيادة شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف ويلتهم الأكبر الأصغر وتنتشر الحروب والفتن والصراعات على نحو عشوائي واسع النطاق…. يتبـــع