الإسلام.. الاختلاف والتعدد،الحرية والسلامالحلقـــــــــة الأولـــــــــى: (( صحيفة الامة ))

تنويه: هذه الدراسة كانت موضوعاً لمداخله إلى أعمال ندوة خاصة يقيمها “مركز التنوير الثقافي” بصنعاء, ورأيت من المناسب أن يكون موضوعاً للجزء الثالث هذا.   أولاً: مقدمة عامة حول دوافع البحث في الموضوع وأهدافه: لعله من الضروري  بداية أن أشير إلى الدافع والحافز الرئيسي الذي دفعني وحفزني إلى تناول هذا الموضوع حول طبيعة الدين الإسلامي وحقيقة أهدافه ومقاصده, هو ما يتعرض له الإسلام من حملات عدائية ظالمة تستهدف الإساءة إلى تعاليمه وتشويه صورته ومقاصده من قبل جهات ومؤسسات إعلامية دعائية فكرية ثقافية عالمية تابعة لمنتسبين إلى ديانات إلهية ومعتقدات دينية أخرى ولغايات وأهداف متعددة ومتباينة دينية وسياسية واقتصادية واستراتيجيه وعنصرية وتتسم بقدر كبير من الغلو والتعصب الرافض للتعايش مع الإسلام والقبول به كمعتقد ديني إلهي له مئات الملايين من المؤمنين به على امتداد العالم بأسره, ورغم أن هذه الحملات العدائية الظالمة قد شهدت كثافة واتساعاً وحدة وعمقاً وتأثيراً على نحو غير مسبوق عقب أحداث الـ (11) من سبتمبر 2001م الإرهابية المأساوية البشعة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية وألقيت مسئولية تدبيرها وتنفيذها على مجموعة من المسلمين, إلا أن حملات العداء المستهدفة تشويه صورة الإسلام وجوهر تعاليمه وقيمه والإساءة إلى دوره الإنساني. لم تبدأ عقب تلك الأحداث الإرهابية وبسببها, كما أنها لم تكن حديثة عهد قريب زمنياً, بل أنها تعود إلى أقدم العصور التاريخية وتحديداً بعد ظهور الإسلام كدين إلهي قبل ما يقارب الـ (15) قرن من الزمان, ومنذ ذلك الوقت ظلت تتواصل وتتلاحق متخذة أشكالاً وصوراً وأساليب متعددة ومختلفة الأهداف والمغازي والأبعاد.. ومستندة إلى جملة من الذرائع والمبررات والأحكام المسبقة والمفتعلة وغير الموضوعية غالباً. ومع ذلك, وحتى لا نكون من أولئك الذين عادة ودائماً ما يعلقون أسباب وعوامل ما يعانون من أوضاع وأحوال وكوارث ومصائب على شماعة الغير المعادي, وتوخياً للحقيقة والموضوعية, نقول بأنه ورغم حقيقة الموقف العدائي المستهدف الإسلام من قبل أتباع ومعتنقي الديانات الأخرى, والمنطلق بالأساس من طبيعة رؤيتهم وسياساتهم المرتكزة على فلسفة إنكار ونفي وعدم الاعتراف بالإسلام كدين إلهي, وهي الفلسفة التي تحكمت وصاغت مضامين واتجاهات الجهات وأهداف خطاباتهم الإعلامية والدعائية والفكرية المعادية, إلا أنه من الواجب علينا أن نعترف بمسؤولية ومساهمة ودور بعض المسلمين, أفراداً وجماعات ومدارس ومذاهب وحركات سياسية وفلسفية في إنتاج كم هائل من الموروث الفكري السياسي الثقافي الفقهي المتراكم عبر قرون طويلة من الزمن في تشويه صورة الإسلام وتحريف مقاصده وقيمه وتعاليمه الحقة الصحيحة, وأدخلت عليه الكثير من الأفكار والممارسات والمواقف التي تتعارض مع حقيقته وجوهره, وأصبحت بفعل إضفاء هالة من القداسة الكثيفة والعميقة عليها, وكأنها جزء من العقيدة الدينية لا يجوز, بل يحرم الاقتراب منها أو المساس بها بالدرس والتمحيص والتقويم, وهو ما وفر أجواء وأرضية ملائمة ومناسبة لحملات العداء من قبل الغير بتصويب سهام إلصاق التهم والافتراءات غير الصحيحة ضد الإسلام وهو براء منها تماماً. فلقد أسهم أولئك المسلمون, عبر مراحل طويلة من الزمن, وبقصد أو بدون قصد, ومن حيث علموا أو جهلوا بإنتاج كم هائل من الاجتهادات أو الاستنتاجات أو الآراء التي تصور في مجملها الإسلام وكأنه دين يقوم على فلسفة ومبادئ وقيم تدعوا إلى العنف والقتال والإرهاب, ولا تؤمن بحرية الإنسان في التفكير والاعتقاد, ولا تحث على العمل من أجل الأمن والأمان والسلام للإنسانية كافة على الأرض, وتنمي مشاعر العنصرية المتعالية ورفض الآخر وإلغائه وعدم القبول به أو التعايش معه, وذلك كله ساعد على تقديم زاد فكري ثقافي كبير استندت عليه الحملات العدائية الظالمة من قبل الغير ضد الإسلام, واتخذته برهاناً وتأكيداً على صدق وموضوعية اتهام الإسلام وتشويه تعاليمه ومقاصده وقيمه السامية, وكم من أرواح المسلمين أزهقت, وكم من دمائهم أريقت, وكم هو حجم المعاناة والعذاب الذي عاشه المسلمون عبر قرون طويلة من الصراع والقتال الداخلي بين بعضهم بعضاً, بسبب اجتهادات وفتاوى تفسيق وتكفير بعضهم البعض والتي استندت عليها كأساس شرعي ديني يدفعهم إلى قتل بعضهم للبعض الآخر بحجة كفرهم وخروجهم عن الدين والملة؟! هذا فيما يخص علاقات وتعامل المسلمين بعضهم بعضاً, وبالمثل تجاه علاقاتهم وتعاملهم مع الآخرين من غير المسلمين. إن هذا الواقع المرير والمأساوي الذي بات يعيشه المسلمون اليوم, والصورة المشوهة والمحرفة للإسلام وتعاليمه وقيمه ومقاصده والتي صنعها الآخرون تحت دوافع العداء والبغض  المسبق, وأسسه وصوغه بعض المسلمين بأفكار وآراء تتناقض تناقضاً كلياً صارخاً مع تعاليم الإسلام وقيمه ومقاصده الأصيلة, هو وحده الذي دفعنا وحفزنا كواجب ديني وأخلاقي وإنساني إلى معالجة موضوعنا محل البحث في محاولة أولية متواضعة وقاصرة بدون شك لرسم معالم حقيقية لصورة الدين الإسلامي من خلال إبراز أهم تعاليمه وقيمه ومبادئه وأهدافه ومقاصده الصحيحة كما نراها استناداً إلى كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, القرآن الكريم الذي سنعتمد عليه وحده نوراً هادياً وموجهاً وضياءً ينير لنا طريقنا ويحدد خطواتنا في محاولتنا المتواضعة هذه امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).   ثانياً: ماهية دين الله وغايته ومقاصده: عندما خلق الخالق سبحانه وتعالى مخلوقاته جميعها من الأكوان والبشر والحيوانات والمزروعات والجماد, وكل ما في الكون مما عرفناه ومما لم نعرفه بعد, أودع فيها سنناً وقوانين وأنزل إليها قواعد أو مناهج ترشدها وتهديها طريقها إلى الغايات التي خلقت من أجلها وفي سبيلها, وبالنسبة للبشر بين لهم سبل الرشد وكيفية الوصول أو السير في اتجاهها, وسبل الضلال والغي وكيفية اجتنابها والتخلص منها, وبعد ذلك منحهم الخالق الحرية الكاملة لاختيار أي من الطريقين أو السبيلين, وجعل تلك الحرية مناطاً للتكليف والمسئولية الفردية ومعياراً عادلاً للجزاء ثواباً أو عقاباً يوم الحساب الأعظم. والدين كما أفهمه عبارة عن منظومات متسلسلة ومنتظمة من القيم والتعاليم والإرشادات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى لخلقه من البشر بلسان رسله وأنبيائه على فترات ومراحل زمنية مختلفة, تأمر الناس بأفعال وتصرفات وسلوكيات تقودهم إلى مكارم الأخلاق, وتنظم شئونهم وعلاقتهم على قيم فاضلة ومعايير سامية وتبني حياة إنسانية مثلى لا يستعبد فيها إنساناً إنساناً آخر, ولا يسودها ظلم أو قهر أو حروب, وتنهاهم بالمقابل عن عمل كل ما من شأنه إفساد الحياة والانحراف بها إلى الاختلال والحروب والعدوان والأحقاد والضغائن وغيرها مما لا يحبه الله سبحانه وتعالى ولا يرضيه, وهي حياة إيجابية مثلى لا يمكن أن تتحقق في حياة البشر بشكلها الصحيح إلا على أساس إيمان البشر الراسخ بالله الخالق سبحانه وإخلاص العبودية له وحده وتقواه والخوف من عقابه ورجاء جزائه وثوابه. والدين بهذا المفهوم العام لا يمكن أن يكون عقلياً ومنطقياً إلا ديناً واحداً وليس أديان متعددة, لأنه صادر عن خالق واحد أحد فرد صمد لا شريك له, وإنما تعددت رسالاته ورسله على فترات زمنية متعددة وفقاً لمقتضات الحال وتوافقاً مع مستويات التطور والنمو العقلي والعلمي والحضاري للبشرية وتنامي وتعقد وتوسع وتشعب شئون حياتها ومجتمعها. ويمكننا أن نعيد بداية دين الله الواحد إلى بداية الخلق الآدمي عندما قضت المشيئة الإلهية السامية بأن تجعل في الأرض خليفة, وخلق الله جل وعلا آدم وسواه ونفخ فيه من روحه, وعلمه الأسماء كلها مستحقاً سجود الملائكة له بأمر الله تعالى ومؤهلاً للاستخلاف في الأرض, ثم بعد أن أزله الشيطان وزوجه حواء وخالفا أمر ربهما وأخرجهما من الجنة, تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه, ثم على شكل إيحاءات أو إشارات عندما أرسل الله تعالى غراباً ليري قابيل كيف يواري أو يدفن سوءة أخيه هابيل الذي قتله أخوه وكان أول قتيل في التاريخ الإنساني كما يقال, ومنذ بدء الخليقة وحتى نزول رسالة “القرآن” ظلت رسالات الله الخالق تتابع وتترى إلى البشرية عامة أو إلى أقوام بعينهم على يد رسل الله تعالى وأنبيائه الذين بلغوا رسالات ربهم على طريق دين الله الواحد الذي ارتضاه لهم ولغاية واحدة لخصتها الآية التالية من سورة الحديد: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (25) سورة الحديد , ويقول في آية أخرى من سورة آل عمران: {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران “الآية: 84-85” . وقال تعالى في آية أخرى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} الشورى:13. وفي موضع آخر يقول: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} ـ البقرة 213ـ . وجاءت رسالة “القرآن” التي أنزلها الله سبحانه وتعالى للناس على رسوله ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتكون خاتمة ومكملة للرسالات الإلهية السابقة ويكون الرسول خاتم الأنبياء, وبها يكون الدين الذي هو عند الله الإسلام قد اكتمل وتكامل يقول الله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}, المائدة 3. ولهذا لا يعتبر المسلم مسلماً إلا إذا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعاً لا يفرق بين أحد منهم… وكل ما أنزل الله سبحانه للناس على يد أنبائه ورسله من وصايا وكتب مثل نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى في التوراة وداود في الزبور وعيسى في الإنجيل ومحمد في القرآن وغيرهم ممن ذكر وممن لم يذكر عليهم الصلاة والسلام جميعاً كل ذلك يشكل مضمون الدين الواحد وغاياته ومقاصده..   ثالثاً: ما هو الإسلام… وما هي طبيعته: تعارف الناس خطأً على حصر مفهومي (الإسلامي والمسلمين) تحديداً في رسالة القرآن الكريم الخاتمة التي بها تكامل الدين واكتمل والتي أنزلها الله سبحانه وتعالى  على رسوله ونبيه الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام لينذر بها ويبلغها للناس كافة لإتباعها والإيمان بها, وفي اعتقادي استناداً إلى ما ورد في القرآن الكريم, أن كافة الرسالات التي أنزلها الله سبحانه والوصايا والكتب على رسله وأنبيائه أجمعين منذ بدء الخليقة وحتى اكتمال نزول القرآن الكريم وكل المؤمنين بها جميعاً يجب أن نطلق عليها “دين الإسلام” ونطلق على كل أتباعها والمؤمنين بها جميعاً.. قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} “البقرة: 136”  {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } “النساء:163-165 “. هؤلاء الرسل الكرام وغيرهم من رسل الله وأنبيائه مثل هود وصالح وشعيب وزكريا ويحيى وإلياس ولوط واليسع وإدريس وذو القرنين وذو الكفل وآخرين ممن لم يقصصهم الله سبحانه وتعالى علينا, أرسل كل واحد منهم إلى قومه ومجتمعه لقضية معينة ولهدف محدد ولعبادة الخالق الواحد الأحد فهذا نوح أرسل إلى قومه فعتوا عن أمر ربهم فأخذهم الطوفان, وهذا هود وصالح أرسلهما الله إلى قومهما عاد وثمود الذين قال الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ* وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي*وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ* الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} “الفجر:6-13″ {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}”هود: 84-85″ . {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}”الأعراف:80-81”. أي أن قوم لوط كانوا يمارسون الإنحراف والشذوذ الجنسي, ولم يستجيبوا لرسول الله لوط عليه السلام بالإقلاع عن هذه الفاحشة القبيحة فأهلكهم الله جميعاً.. وأرسل الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام وأنزل معه التوراة لإنقاذ بني إسرائيل من استعباد فرعون لهم واضطهاده لهم بقتل أبنائهم واستحياء بناتهم وما هو فيه من بلاء عظيم, فأنجاهم الله من فرعون وملأه وجنوده وفضلهم على العالمين, لكنهم عتوا على أمر ربهم ونقضوا عهودهم وبغى بعضهم على بعض وحرفوا التوراة من بعد موسى ففرض الله عليهم عقوبات مشددة وأحكاماً صارمة قاسية… ثم بعث إليهم عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام رسولاً قال تعالى: {إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ* وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ*إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} “آل عمران:45- 51″….يتبع