هل صقلت الأحداث قادة المشترك.. أم ماذا وراء الأكمة؟؟ صحيفة الوسط

أورد الموقع الإخباري “المصدر أونلاين” يوم الاثنين الموافق 26 مارس 2012م خبرا نشرته صحيفة “البيان” الإماراتية في عددها الصادر في نفس اليوم، معززا بتصريح للناطق الرسمي باسم أحزاب اللقاء المشترك الدكتور عبده غالب العديني، ومفاد الخبر يقول: إن قيادة المشترك ممثلة بالأمينين العامين للحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح، أبلغت الأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصورهادي بحضور كل من رئيس الحكومة الأستاذ/ محمد سالم باسندوة ونائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الدكتورعبدالكريم الإرياني بمجموعة من النقاط – حددت صحيفة البيان عددها باثني عشر- لضمان نجاح عملية التغيير وصولا إلى مؤتمر الحوار الوطني، أو كما ورد في تصريح الناطق الرسمي لأحزاب المشترك المؤكد “على أنه لا يمكن الدخول في مؤتمر الحوار الوطني ما لم يتم تحقيق ثلاث نقاط رئيسية (يبدو أنها أجملت النقاط الـ12) : أولها: إبعاد علي عبدالله صالح من قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام، وإن رفض القبول بذلك يعتبر انقلابا على قانون الحصانة ونكوصا على الآلية التنفيذية، وتهديدا للأمن والاستقرار في البلاد. ثانيتها: تتمثل بإزالة أسباب التوتر الأمني والعمل على إنهاء حالة الانقسام في صفوف الجيش وإقالة بعض القيادات العسكرية والأمنية وتوحيد الجيش تحت قيادة الدفاع والداخلية. ثالثتها: تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المحافظات وخاصة المحافظات الملتهبة أمنيا. وكان سياق الخبر قد ذكر بعضاً من النقاط الـ12 وأبرزها: ” تعيين قيادات موثوق بها وجادة على رأس قوات مكافحة الإرهاب، والبدء بتطبيق قانون تدوير المناصب للقيادات الإدارية على صعيد الأجهزة المدنية والاقتصادية واستكمال بناء قيادات هذه الأجهزة ” بالتوافق”، وإصلاح الوضع الإداري والأمني في المحافظات وعلى وجه السرعة في بعض المحافظات الأساسية وأيضا إصلاح الوضع الدبلوماسي”. إذاً وعلى ضوء هذه الاقتباسات، النصية، السابقة، نتبين بوضوح تام أننا لسنا أمام “نقاط” ولا حتى “مطالب” كما وردت في سياق تصريح الناطق الرسمي للمشترك، بل نحن أمام جملة من “الشروط” أو “الاشتراطات” المسبقة، تمخض عنها اجتماع رسمي لقادة أحزاب المشترك، حيث أشار الناطق الرسمي بالحرف: “إن المشترك بحث -فعلاً- في اجتماع له مجموعة من النقاط..الخ”، وجرى إبلاغها رسميا لرئيس الجمهورية بحضور رئيس الحكومة ونائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، وكل هذه الخطوات، في مجملها ومغازيها وأبعادها، تشير بجلاء إلى أننا أمام “موقف” سياسي جديد لقيادة أحزاب اللقاء المشترك. ويجب أن أعترف بأن قراءتي للخبر ولَّدت في ذهني حالة امتزجت فيها الفرحة بالدهشة.. أما الفرحة فلأني أحسست بأن القيادات العليا لأحزاب اللقاء المشترك أصبحت مؤخرا في وضع يمكنها من وضع الشروط وتحديد المواقف القوية، وذلك ما كانت تفتقده أثناء تعاملاتها وتفاهماتها واتفاقياتها مع سلطة الرئيس المخلوع العائلية الفاسدة، التي لطالما استدرجت تلك القيادات للتوقيع على اتفاقيات عديدة ثم تأخذ منها ما كانت محتاجة إليه منها ومن ثم تدير ظهرها لها وكأنها لم تكن، ولم تستفد تلك القيادات من تجاربها المريرة والمحبطة والطويلة مع تلك السلطة، وذلك ما كان محوراختلافنا وانتقادنا الموضوعي مع تلك القيادات التي كانت ولا تزال محل احترامنا. وأما الدهشة التي عصفت بنا، فلأن تلك “النقاط” أو “المطالب” أو “الشروط” جاءت على نحو مفاجئ وغير متوقع بالنظر إلى حقيقة كون كل السلطات “الانتقالية” التي قامت قبل وبعد إزاحة وخلع الرئيس السابق، واستنادا إلى “المبادرة الخليجية” و”الآلية التنفيذية المزمنة” التي رعاها وأخرجها السيد جمال بن عمر المبعوث الأممي، وكلها تمت بتوافق وتوقيع الرئيس المخلوع وقادة حزبه المؤتمر الشعبي العام من جهة، وقيادات أحزاب اللقاء المشترك التي جوبهت بسيل عارم من الانتقادات المريرة من قبل شباب الثورة الشعبية السلمية وقوى وجماعات سياسية واجتماعية أخرى ومناشدات متكررة لقادة المشترك بضرورة تمسكهم بمطالب وأهداف الثورة والشعب وخاصة لجهة اشتراط تنحي القيادات العسكرية والأمنية ومسئولي المؤسسات الاقتصادية والسفارات، المنتمين إلى عائلة وأقارب الرئيس السابق، دون أن تحرك ساكناً كل تلك الانتقادات والمناشدات قيادات المشترك، وكم تمنينا من كل قلوبنا على قيادات المشترك، وقد كانت تمثل المعارضة السياسية، أن تكون لها مواقف سياسية حاسمة ومطالب وشروطاً قوية، لا نقول في مواجهتها وصراعها السياسي مع السلطة العائلية الفاسدة الحاكمة المنحلة، وإنما في تفاهماتها وحواراتها واتفاقاتها معها فحسب، تماما كما فعلته، لأول مرة تقريبا، ومؤخرا مع السلطة والشرعية الجديدة التي يمثلها اليوم الرئيس عبدربه منصور هادي، بالرغم من الاستهجان الواسع لموقفها من حيث موضوعه وأسلوبه وتوقيته، وهو الموقف المستغرب الذي يفرض علينا بذل الجهد في محاولة لتحليله ومعرفة خلفياته ودوافعه وأهدافه الحقيقية، بعيدا عن الاستهداف أو التجني أو التعسف. ونبدأ بالخطأ الفادح، سياسيا وثوريا، الذي اتخذته القيادات العليا لأحزاب اللقاء المشترك، منفردة ومتكتمة، بالدخول في حوار سياسي مع السلطة الحاكمة المنحلة، وعبر وساطات إقليمية ودولية، في أوج وذروة الثورة الشعبية السلمية العارمة المطالبة بإسقاط تلك السلطة العائلية، وذلك خطأ لم يحدث مثيلا له في كل ثورات الربيع العربي مما أضفى على السلطة العائلية الفاسدة الحاكمة المشروعية باعتبارها طرفا محاوراً رئيسياً إلى جانب قيادات أحزاب المشترك المعارضة، مما مكنها من فرض وتأكيد شروطها ومطالبها كلها تقريبا.. ثم أقدمت تلك القيادات على التوقيع على “المبادرة الخليجية” رغم مظاهر الرفض والانتقاد والاحتجاج واسع النطاق، لأنها لم تنص على تنحية أفراد عائلة وأقارب الرئيس المخلوع من مواقعهم الخطيرة والمسيطرة عسكريا وأمنيا وماليا ودبلوماسيا، ومع ذلك رفض الرئيس المخلوع وقادة حزبه وسلطته التوقيع على تلك المبادرة، وفرض على القوى الدولية والإقليمية التي قامت بدور الوسيط القبول بمطالبه وشروطه التي تضمنتها “الآلية التنفيذية المزمنة” وتحت ضغوط تلك القوى قَبِل، أخيراً، الرئيس المخلوع وقادة حزبه، أو أجبروا على التوقيع على كل من المبادرة الخليجية وما عرف بآليتها التنفيذية المزمنة، وكذلك فعل قادة أحزاب المشترك، الذين وقعوا في الأول باسم (اللجنة التحضيرية للحوار الوطني) التي رفضها الرئيس المخلوع وأركان سلطته واستعيض عنها باسم “اللقاء المشترك وشركائه”، ثم وقعوا في الثانية باسم “المجلس الوطني لقوى الثورة الشعبية” وهو كيان وهمي أبرم بليل وتم سلقه بطريقة هزلية مثيرة للرثاء، وهو ما تم رفضه من قبل الرئيس المخلوع وأركان حكمه، وأجبر المشترك على التوقيع كما الأول، باسم “اللقاء المشترك وشركائه”، ولعل أكثر الأشياء غرابة وفسادا حقيقة أن كلا من الكيانين الشكليين، “اللجنة التحضيرية” و”المجلس الوطني لقوى الثورة الشعبية السلمية” لم يعقدا ولو اجتماعا جادا ومكتملا واحدا تناقش خلاله الأمور ويتخذ فيه قرارات، واقتصر الأمر على إعلان “المُسمى” وتعليق “اللافتة” فقط وقادة المشترك هم من يقررون ويديرون كل شيء وإلى جانبهم عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الشخصيات، باستغلال مسميات الكيانين غير الموجودين في واقع الفعل والعمل!. وأيا ما يكون الأمر، فالشاهد أن قادة أحزاب المشترك، وهنا يلاحظ بأني دائما ما أفرق بين القيادات العليا لأحزاب اللقاء المشترك، وأحزاب اللقاء المشترك بقواعدها وكوادرها وقياداتها المناضلة الصادقة، أقول بأن تلك القيادات أقرت وساهمت في صياغة مضامين وبنود المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية ووقعت عليها، وصارتا موضع التنفيذ العملي برعاية وإشراف وضغط دولي وإقليمي، واعتبرتا أساسا ًودليلا نظريا لترتيبات وبناء مؤسسات “المرحلة الانتقالية” الممتدة لعامين كاملين وأصبحت مُلزمة للطرفين الموقعين عليهما ولكامل العملية السياسية خلال مرحلة “الانتقال”، وتحول المجتمع الدولي والإقليمي إلى مراقب ومشرف وضامن للتنفيذ تحت طائلة فرض عقوبات على أي أطراف أو قوى أو جماعات تحاول التأثير فيها وعرقلة خطوات التنفيذ المحددة. وبالعودة إلى قائمة “النقاط” أو “المطالب” أو “الشروط” التي قدمها قادة المشترك لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، فإننا نجد أن بنود وأحكام ونصوص المبادرة والآلية التي وقع عليهما قادة المشترك وتعهدوا بالتقيد بها وإنفاذها قد أشارت وأكدت بنصوص قاطعة الدلالة والثبوت على بعض تلك المطالب والشروط مما تم تنفيذه فعلا وما هو جارٍ تنفيذه، مثل تنحي الرئيس السابق وقيام حكومة “وفاق وطني” بالتناصف بين الطرفين المتعاقدين! وانتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي شعبيا، وتشكيل “اللجنة العسكرية والأمنية العليا”، وتحديد سلطات وصلاحيات وعلاقات مؤسسات السلطة الانتقالية السياسية والتشريعية والتنفيذية والعسكرية..الخ، وأغفلت ذكر أو وجوب تنفيذ البعض الآخر من تلك المطالب أو الشروط، وخاصة منها إزاحة الرئيس المخلوع عن قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام وحرمانه من مزاولة أي أنشطة سياسية أو عامة مثلا، أو إزاحة قادة الوحدات العسكرية والأمنية من أفراد أسرته وأقاربه وكذا من مؤسسات الدولة الاقتصادية والمدنية والدبلوماسية..ألخ. واكتفت النصوص بالإشارة إلى أن مهمة “إعادة هيكلة الجيش والأمن” مناطة باللجنة العسكرية والأمنية العليا للقيام بها خلال مرحلتي الانتقال الأولى والثانية أي خلال عامين، إضافة إلى سائر المهام الأخرى المتعلقة بإعادة الأمن والاستقرار في البلاد وإزالة مظاهر التوترات المسلحة في العاصمة وباقي المدن..الخ. ولقد كان من الأولى والأوجب على قادة أحزاب المشترك وهم يجرون الحوارات والتفاهمات والمفاوضات مع الرئيس المخلوع وأركان حكمه وحزبه، ومع الوسطاء الدوليين والإقليميين، أن يتمسكوا ويصروا بثبات على تضمين تلك “النقاط” أو بالأصح “الشروط” نصوص وأحكام المبادرة الخليجية وبعدها الآلية التنفيذية، قبل أن يقبلوا بهما ويضعوا توقيعاتهم عليهما بالتزامهم بهما والتقيد بالأحكام والمضامين الواردة فيهما، ولو من قبيل سماعهم واستجابتهم للمناشدات والصيحات والمطالب التي كانت تعم ساحات الثورة الشعبية على امتداد البلاد كلها وخضوعهم للإرادة الشعبية الهادرة، لكنهم للأسف لم يفعلوا وصموا آذانهم واستكبروا استكبارا.. ثم نفاجأ اليوم بتقديمها قائمة مطالب وشروط لا يمكنهم الدخول في مؤتمر الحوار الوطني ما لم يتم تحقيقها أولا وقبل مؤتمرالحوار!!. ولعل أكثر ما يثير الريبة والشك، حقا، أن يأتي التقدم بتلك الشروط في وقت يخوض فيه الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي مواجهات خطيرة بل بالغة الخطورة على أكثر من جبهة وصعيد، فهو من ناحية اتخذ قرارا سياسيا راسخا ومبدئيا في خوض مواجهات حاسمة وشاملة مع قوى وجماعات الإرهاب والتطرف المسلح التي انطلقت، فجأة، بعد انتخابه لتعيث في البلاد فساداً وإجراماً وتدميراً بدعم ومساندة وحماية مراكز القوى العسكرية والأمنية والمالية المحسوبة على سلطة الرئيس المخلوع، وهو مصمم تماما لحسم هذه المعركة الضارية والمريرة وتصفية مواقع وجذور وقوى الإرهاب المسلح، ومن جهة أخرى، أصدر سلسلة من القرارات الجريئة والشجاعة لقصقصة أجنحة وتقليم أظافر ونزع أنياب مراكز القوى العسكرية والأمنية من أفراد الأسرة وأقارب الرئيس المخلوع، على طريق إنهاء انقسام الجيش وإعادة توحيده وهيكلته كمؤسسة وطنية موحدة القيادة واحدة الكيان واحدية الهدف في حماية الوطن وسلامة أراضيه وسيادته.. مستندا ومنطلقا في قراراته التاريخية من شرعية وطنية شعبية دستورية مستمدة من كونه رئيساً حاز على ثقة الشعب بأصوات شبه إجماعية، ومن دعم دولي وإقليمي ندر أن يحصل أي زعيم في العالم بمثيله من حيث الإجماع الدولي والإقليمي ومن حيث القوة والتصميم الذي لا يلين في دعمه خطواته وقراراته في الإصلاح والتغيير وبناء اليمن الجديد وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، ومدركا لحقيقة أنه وإن كانت المبادرة والآلية لم تنص على وجوب بعض خطواته وقراراته إلا أنها، بالمقابل، لم تنص على منعها وعدم القيام بها ، وإن كان قادة المشترك لم يصروا على تأكيدها والنص على وجوب تنفيذ باقي نصوص المبادرة والآلية اللتين تفاوضوا ووقعوا عليهما! وهنا تأتي الأهمية البالغة وراء النص على وجوب انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية انتخابا شعبيا مباشرا، ولقد أدركنا الآن مدى أهمية هذه الخطوة وأبعادها ومترتباتها، معترفين بقصورنا، سابقا، في إدراكها إدراكا صحيحا، إذ لولاها لكانت شرعية الرئيس عبدربه الوطنية والدستورية مجالا للطعن والتشكيك وربما الابتزاز أيضا. ولكن ما هي حقيقة الدوافع والأهداف الكامنة وراء إقدام قادة أحزاب المشترك على تقديم قائمة الشروط للرئيس ومضامينها وأسلوبها، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟! وفي هذا الصدد فقد سبق لي أن كتبت مقالا مطولا قبل عدة أسابيع مضت ونُشر على صفحات صحيفة “الوسط”، تناولتُ فيه بالتحليل خارطة القوى السياسية والعسكرية والقبلية الفاعلة في الساحة الوطنية، مستعرضا رؤاها وأجنداتها وحسابات مصالحها والأهداف التي تسعى نحو تحقيقها والانتصار لها في تعاملها وعلاقاتها مع الرئيس الشرعي الجديد، وماذا تريد منه وله؟، مركزاً على أحزاب اللقاء المشترك، منفردة أو مجتمعة، والقوى القبلية والعسكرية التي تقف معها وإلى جانبها، سراً أو علانية لهدف تكتيكي أو استراتيجي، والجهات الإقليمية الداعمة والممولة لها وأهدافها ومصالحها السياسية من وراء ذلك..الخ، وخرجت من ذلك المقال برؤية جاء الموقف السياسي الجديد والمُستهجن لقادة أحزاب اللقاء المشترك مؤخرا، ليؤكد مصداقيتها وصوابها، حيث ذهبتُ في تلك الرؤية إلى أن قادة المشترك يريدون من خلال استثمار وتوظيف حضورهم التنظيمي الشعبي الكبير ووقوف بعض القوى القبلية النافذة والعسكرية وضخامة الموارد المالية التي يمتلكها أحد تلك الأحزاب، إلى خلق وترسيخ انطباع أو قناعة لدى الرئيس عبدربه منصور هادي، إن هو أراد أن يكون رئيساً للبلاد سواء خلال المرحلة الانتقالية أو بعدها إذا رغب، بأنه من غير الممكن أن يتحقق له ذلك إلا من خلال الاعتماد عليها والارتباط بها والتنسيق الكامل معها في كافة شئون وإدارة الدولة بمختلف مؤسساتها المدنية والعسكرية، وقد عملت في سبيل خلق وتعزيز وترسيخ مثل هذا الانطباع أو القناعة بشتى السبل والوسائل وعبر إرسال رسائل من مصادر واتجاهات عدة، وخاصة استدعاء تجربة تبنيهم للمرشح الرئاسي فيصل بن شملان رحمه الله، وكيف حققوا له النجاح لولا تزوير الرئيس المخلوع لنتائج الانتخابات وتحويلها لصالحه على نحو ما شهد به بعض الشهود والمقربين أثناء اندلاع الثورة الشعبية السلمية وإبان ذروة مدها وتصاعدها. والواقع أن الرئيس عبدربه منصور هادي قد فاجأ الجميع وأدهشهم بجرأة وحنكة ودقة القرارات التي اتخذها وخاصة في المجال العسكري، وهو الأهم والأكثر حساسية وخطورة، وتصميمه وعدم مهادنته أو خضوعه للضغوط والتهديد والابتزاز، وعدم التراجع، قيد أنملة، عن قراراته وإجراءاته، واتضاح معالم الصورة، بوضوح ويقين، بأن الرجل يسير وفقاً وعلى هدى رؤية متكاملة وبرنامج شامل محدد خاص به ومعبر عن قناعاته وآرائه الذاتية، وكل ذلك في ظل مساندة ودعم دولي وإقليمي مطلق ولا محدود قل أن نجد نظيراً له، والأهم من كل ذلك أن سياسة وخطوات وقرارات الرئيس الجديد الشرعي ومدى ما اتسمت به من شجاعة وحكمة وحنكة وفاعلية، بعيدا عن التهور والشطحات والعنتريات الفارغة، قد أسهمت إسهاما رئيسا في تعزيز واتساع نطاق وعمق التأييد والالتفاف الجماهيري الشعبي الداعم للرئيس ومشروعه الوطني في إعادة بناء اليمن الجديد على أسس جديدة وسليمة لدولة مدنية حديثة ديمقراطية لا مركزية تحقق للإنسان اليمني العزة والكرامة والحرية والعيش الآمن والرخاء والازدهار، دولة المواطنة المتساوية والنظام والقانون والعدل، وبدا من الجلي والواضح للجميع أن الرئيس الجديد يعتمد في مشروعه أساسا، إضافة إلى الدعم والمساندة الدولية الإقليمية اللامحدودة، على قوة الشعب والطاقات الجبارة التي فجرتها ثورته السلمية الهادرة وإرادة الجماهير التي لا تقهر، بما فيها قوى وإمكانيات الجيش الوطني المعاد بناؤه وتشكيله على أسس وطنية ومعايير علمية حديثة ومتطورة، دون أن يحشر نفسه ومشروعه التغييري الوطني في الدوائر الضيقة للأحزاب السياسية والاجتماعية المتنافسة والمتصارعة والمنقسمة دوماً، وهذا كله أثار قلق ومخاوف قادة أحزاب المشترك، خاصة، من التوجه الحثيث والممنهج للرئيس عبدربه منصور هادي نحو تجاوز التجاذبات الحزبية والاجتماعية والالتحام مباشرة وعضويا بجماهيرالشعب والجيش الوطني في تنفيذ وإنجاز مشروعه الوطني الشامل الذي بدت مؤشراته قوية ومبشرة إلى حد بعيد، مما قد يفقدها مصالحها وامتيازاتها الحزبية الضيقة، ويؤثر سلباً على حظوظها الشعبية في الوصول إلى الحُكم عبر أي انتخابات نزيهة قادمة، فرأت البدء بلعبة شد الحبال أو محاولة لي الأذرع مع الرئيس عبدربه منصور هادي وهو الشخص الوحيد في تركيبة مؤسسات المرحلة الانتقالية الحائز على شرعية شعبية ديمقراطية دستورية عبر انتخابه مباشرة من قبل الشعب، وجربت أسلوب وضع العصا في دولابه السياسي بقائمة المطالب والشروط الغريبة بالترويج بتعطيل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني المزمع، لكن القوى الدولية وخاصة تلك المعنية بملف الحوار الوطني وما يتعلق به كان ردها سريعا وقويا للغاية وحاسما، إذ أصدرت بياناً يطالب الأطراف اليمنية بسرعة الاتفاق على صيغة وآليات ومواضيع مؤتمر الحوار الوطني المطلوب انعقاده دون إبطاء أو عرقلة وبأسرع وقت ممكن وإلا فإن لدى تلك القوى تصوراً متكاملا وجاهزاً لصيغة وآليات وقضايا وإدارة ذلك المؤتمر وستعمل على فرضه، ملزمة به كافة الأطراف الوطنية اليمنية، مُلوحة بفرض عقوبات دولية على كل من يعمل على عرقلة أو تعويق انعقاده أو التمرد على قرارات رئيس الجمهورية، مؤكدة أن كل القرارات التي يتخذها الرئيس منطلقة من سلطاته ومسئولياته الدستورية المشروعة، وأنها تخص الرئيس وحده وليست خاضعة للتشاور أو التوافق المسبق بأي حال من الأحوال، بمعنى أن ما تسعى إليه قيادة أحزاب المشترك من فرض المحاصصة والتقاسم والمناصفة والتوافق على حسب ما ورد في تصريح الناطق الرسمي للمشترك والمشار إليه آنفا حول التعيينات الإدارية في أجهزة الدولة ومؤسساتها المدنية والاقتصادية والسلك الدبلوماسي لا يشمل سوى حكومة “الوفاق الوطني” فقط وليس له مجال فيما سوى ذلك على الإطلاق، وغالب الظن أن قادة أحزاب اللقاء المشترك قد أدركوا الرسالة واستوعبوا مضامينها وقواعدها، وعليهم اتباع سياسة جديدة مختلفة تقوم على ضرورة أن يكونوا قوى داعمة للشرعية الدستورية ومساندة للمنهج التغييري الذي يقوده رئيس الجمهورية، ويسهموا مع كافة المكونات السياسية والاجتماعية للشعب اليمني في وضع تصور متكامل وعلمي وشامل لليمن الجديد الذي ننشده ونتطلع جميعا إلى تأسيسه على ضوء دستور جديد يتم صياغته عبر فعاليات مؤتمر الحوار الوطني المنتظر، ومن بعد ذلك الانخراط الكامل في العملية السياسية وأخذ المكانة والدور الذي تحدده الانتخابات القادمة لكافة القوى والفعاليات الوطنية وفقا لنسب تمثيل كل واحدة منها في البرلمان والمحليات والرئاسية أيضا. وبخلاف هذه الوسيلة الديمقراطية فإنهم سيخسرون المزيد والمزيد من شعبيتهم وجماهيرهم وهو ما لا نريده لهم أبدا لحرصنا على جميع القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية الوطنية وما تختزنه من طاقات وإمكانيات هائلة يستفيد منها الوطن دون شك. شيفلد – بريطانيا 6/5/2012م                   

موضوعات ذات صلة