استقبلت شعوب عالمنا الإسلامي والشعوب العربية منها على الخصوص ، وكذا شعوب العالم المحبة للحق والعدل والسلام بمشاعر فياضة من الامتنان والتقدير والفرحة المواقف والإجراءات السياسية والدبلوماسية التركية القوية والرائعة الأخيرة المعبرة تعبيراً حاسماً عن استياء تركيا ورفضها واستنكارها لما يتعرض له الشعب الفلسطيني الظلوم من ابشع وأقسى أعمال البطش والقهر والاضطهاد والحصار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس قتل المدنيين الأبرياء بدون رادع وبكل أنواع الأسلحة المتطورة الفتاكة وتدمر مساكنهم وتجرف مزارعهم وتضم أرضهم وتغتال ناشطيهم على مرأى ومسمع دول العالم وشعوبه ومنظماته وفي ظل صمت دولي مريب ومخيف . إن ما يضفي أهمية خاصة لتلك المواقف التركية إنها لم تقف عند مستوى إصدار بيانات الشجب والتنديد الإعلامي كما تفعل الدول العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي بكل أسف وألم ، بل تعدته إلى اتخاذ سلسلة من المواقف والتدابير والإجراءات العملية القادرة على التأثير والضغط المتزايد والفعال على إسرائيل لإجبارها على إعادة النظر في سياستها العدوانية الهمجية البشعة ضد الشعب الفلسطيني ، وخاصة لارتباط تركيا وإسرائيل بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية وأمنية منذ عقود طويلة من الزمن ومن بينها استدعاء السفير التركي في إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب وإرهاب الدولة وجرائم ضد الإنسانية وتجميد بعض مجالات العلاقات بين البلدين وغيرها من وسائل الضغط السياسي المباشر وقبل هذا الموقف التركي المتفرد في ايجابيته وفعاليته على الصعيدين الإسلامي والعربي كان لتركيا موقف متميز ورائع في رفضها القاطع جيشاً وبرلماناً وحكومة وشعباً للمشاركة في العدوان على العراق واستخدام أراضيها منطلقاً للعدوان ورفضها لاحتلال أراضي العراق ووقوفها إلى جانب الشعب العراقي سياسياً وإنسانياً في سعيه لإنهاء الاحتلال العسكري والحفاظ على وحدة وسلامة تراب وطنه . ولعل السبب الكامن وراء هذا الاحتفاء والترحيب والإكبار للمواقف التركية من قبل شعوب العالمين الإسلامي والعربي يعود أساسا إلى حالة الشعور بالإحباط واليأس وفقدان الأمل الذي تعيشه أمتانا العربية والإسلامية في مرحلة هي الأسوأ والأعمق والأفدح من مراحل الانكسار والهزيمة على امتداد تاريخها بفعل القهر والطغيان والهيمنة العالمية الغربية المفروضة عليها تحت أنظمة تسلطت عليها وتجبرت وتعاملت مع المخاطر والتحديات القادمة إلى بلدانها وشعوبها بخنوع واستسلام يكاد أن يكون كلياً ، حيث جاء الموقف التركي الرائع والمتميز والقوي في ظل ذلك الواقع المتردي والمنهار لينعش الشعور بالأمل والتفاؤل لدى شعوب الأمة الإسلامية والعربية ولتعيد به قدرا مهما من المعنويات والقدرات الكامنة على الصمود والمقاومة واستحضرت من مخزون ذاكرتها مشاهد صورة الماضي ، غير البعيد مسترجعة ذلك الدور التاريخي العظيم والبارز الذي صاغه الشعب التركي ونهض بأعبائه وتحمل تبعاته واستطاع من خلاله أن يوحد العالم الإسلامي والعربي أرضاً وشعوباً وطاقات وإمكانيات واردة ورسالة ، ويبني واحدة من أعظم واكبر الإمبراطوريات الكونية في التاريخ الإنساني امتد واتسع نطاقها ليشمل قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وشكلت السد المنيع والسياج الشامخ الذي استطاع إن يدافع عن الأمة الإسلامية وأوطانها ويحقق لها السيادة والعزة والمنعة في مواجهة كافة التحديات والمخاطر التي أحاطت بها وسعت إلى احتلالها والسيطرة على اوطانها منذ المؤشرات الأولى المبكرة لحركة الأستعمار الغربي الأوربي المسيحي وامتداده على النطاق الكوني ، أنه دور سياسي وعسكري وحضاري تاريخي بارز شكل احدى أعظم وأكبر الانعطافات الفارقة القليلة في مسار التاريخ الإنساني ولا تستطيع تركياً ولا شعبها أن تنكر أو تدير ظهرها او تنسلخ عن ماض ليس ببعيد وتاريخ شاهد بمجد شامخ وتليد صنعته وشادته بتضحيات جسيمة وأسهامات عظيمة من ارواح ودماء ومعاناة وعذاب ابنائها واجيالها المعطاءة ، أن محو كل ذلك التاريخ والمجد من الذاكرة غير ممكن بأي حال من الأحوال ، لأن صروحه ومآثره وانجازاته لا تزال حية ناطقة وماثلة للعيان ، ولأنه ليس مجرد حدث عادي من حوادث التاريخ مر عابراً وانقضى متوارياً . وانطلاقاً من كل ماسبق وبناء عليه فان تركيا الشعب والجغرافيا والتاريخ والمكون الحضاري والثقافي والدور والقدرات والامكانيات والخبرات لا يمكن ان يكون لها دور استراتيجي قيادي وناجح إلا في اطار العالمين الإسلامي والعربي وذلك لأنهما يمثلان أو يشكلان المجال الحيوي الحقيقي والطبيعي لدور استرتيجي بارز وقيادي تلعبه تركيا ، على اننا لا نعني بذلك ان ليس هناك أية ادوار اخرى يمكن لتركيا ان تلعبها بل على العكس فتركيا من حيث مكانتها وقدراتها بمقدورها لعب ادوار مهمة على صعيد دول حلف شمال الاطلسي ( الناتو) الذي تعتبر تركيا بالفعل عضوا فيه وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا منذ زمن إلى الانضمام إليه وغير ذلك من الأدوار ولكننا أردنا فقط التأكيد على احقية أن الدور الأستراتيجي الأهم والأبرز لتركيا لا يمكن إلا أن يكون ضمن نطاق العالم الإسلامي والعربي على وجه التحديد . ويبدو واضحاً اليوم أن الأتجاه الغالب للشعوب الإسلامية وفي مقدمتها الشعوب العربية باتت تتطلع وتتوق نحو تركيا لتتقدم وباسرع ما يمكن لأخذ مكانتها وموقعها والقيام بدورها القيادي في نطاق عالمها الإسلامي والعربي ـ في ظل الظروف والأوضاع الراهنة بالغة الحساسية والدقة والخطورة التي يعيشها عالمنا الإسلامي العربي لتعيد إليه تماسكه وتوازنه وحيويته وفعاليته وتأثيره .. صحيح أن هناك داخل هذا العالم الإسلامي الكبير ، قوى رئيسية وفعالة إلا أنها لا تزال غير قادرة على بناء أرضية مشتركة تجمعها في رؤية سياسية إستراتيجية واحدة تمثل الحد الأدنى من نقاط ومجالات الاتفاق واللقاء فيما بينها رغم المخاطر والتحديات الجسيمة والرهيبة التي تحيط بها ومن هنا تأتي أهمية وضرورة الدور التركي الاستراتيجي القيادي فتركيا بما يميزها من شبكة علاقات دولية واقليمية مهمة وعميقة اضافة إلى وزنها وثقلها وتأثيرها على الصعيد الدولي والأقليمي وقدراتها وامكانياتها الكبيرة فإنها هي وحدها صاحبة الدور القيادي الأبرز والملح ، وهي وحدها القادرة والمؤهلة لتأسيس وصياغة وبناء قوة سياسية ، أقتصادية ، ثقافية كبيرة وفاعلة ومؤثرة وتتوفر لها القدرة والامكانية الضرورية للتعبير والدفاع عن مصالحها وتطلعاتها وتحقيق الانطلاق الحضاري النهضوي الشامل لشعوبها وتضمن لها مكاناً لائقاً بها وسط عالم يموج بمتغيرات وتطورات متسارعة ومذهلة لا يمنح أية مكانة أو مكان إلا للقادرين الأكثر تقدماً والأكثر استجابة وتعاملاً مع تلك المتغيرات والتطورات التي لا تنتظر احداً ، وهو ما لا يمكن بلوغه وتحقيقه إلا عبر تلك القوة التكتيلية الواحدة للعالم الإسلامي الساعية إلى التقدم والازدهار لأوطانها والمساهمة بفاعلية القرار وحماية الأمن والسلام الدوليين وتعزيز قيم ومبادئ الحق والعدل والمساواة للبشرية جمعاء .