نحو عقد إجتماعي وطني جديد سبيلاً للإنقاذ الحلقة الثانية

توقفنا في الحلقة السابقة من هذه التناولة، عقب ثورة 26سبتمبر 1962م التي أنهت وأطاحت بالنظام الإمامي الملكي ودولته((المملكة المتوكلية اليمنية))، عند السؤال، هل أبطلت الثورة ونظامها الجمهوري الجديد والغت العقد الاجتماعي السياسي الذي قامت علي أساسه وبمقتضى أحكامه ومضامينه دولة النظام الإمامي الملكي البائد؟ وأعلنت عقداً اجتماعياً سياسياً وطنياً جديداً يحدد ويرسم معالم وملامح وطبيعة ومضامين نظامها الجمهوري ودولته الجديدة البديلة (( الجمهورية العربية اليمنية))؟  الواقع ان ثورة سبتمبر التي فجرها ((انقلاب عسكري)) خطط له وقاده ونفذه، طبقاً للبيانات الرسمية المعلنة حينها، قادة وضباط وجنود، عسكريون جميعهم ((تنظيم الضباط الأحرار)) في إطار تنظيمي عسكري واحد، أعلنت في اليوم الأول لإنفجارها، الأهداف الستة المشهورة باعتبارها اهدافاً لحركتها وتسعى لوضعها موضع التنفيذ، وهي أهداف تكاد ان تكون بمثابة نسخ مكرورللأهداف الستة لثورة 23يوليو 1952م المصرية وعلى نحو حرفي تماماً لها تقريبا، رغم حقيقة ان الثورة المصرية كانت قد طورت تلك الأهداف الستة وبلورتها واصّّّلتها في صيغة برنامجية نظرية سياسية في (( الميثاق الوطني)) الذي اعلنته برنامجاً سياسياً ودليلاً هادياً لتجربتها العملية السياسية في 28 سبتمبر عام 1961م، على ما أذكر.. والذي أُعتبر، حينها، بمثابة العقد الاجتماعي السياسي الوطني الجديد لها ولمرحلتها ونظامها السياسي الجديد، والذي قام على أساسه تنظيمها السياسي القائد لدولتها الجديدة(( الاتحاد الاشتراكي العربي )).. أما فيما يتعلق بثورة سبتمبراليمنية، فانها اكتفت باعلان تلك الأهداف الستة المنقولة حرفياً عن الأهداف الستة للثورة المصرية قبلها ،ووقفت عند ذلك الحد، إلا من محاولات تلفيقية، فرضتها عليها محاولاتها لمجاراة ومحاكاة الثورة المصرية كما حدث بالنسبة لاعلان قيام تنظيم سياسي مماثل باسم((الاتحاد الثوري اليمني)) أو نحو ذلك، مع صياغات انتقائية لمضامين برنامجه السياسي من هنا وهناك وبين فترة وأخرى. وحتى لو اعتبرنا الأهداف الستة-على سبيل الجدل- على كونها معالم وملامح للعقد الاجتماعي السياسي الوطني الجديد المعبرعنها وعن مرحلتها ودولتها البديلة الجديدة، فإننا نجد بأن تلك الأهداف الستة ظلت، منذ الاعلان عنها في بداية الثورة كأهداف لها ولنظامها الجديد، مجرد شعارات تغذي خطابها الاعلامي السياسي الدعائي والتحريضي للشعب وقواه الاجتماعية والسياسية، دون ان يكون لها تأثيراً ملموساً وجوهرياً علي نظامها ودولتها الجديدة على الصعيد العملي التطبيقي في بنية(( الدولة الجديدة )) وهيكليتها المؤسساتية، فالانقلاب العسكري الذي فجر الثورة واعلن قيام النظام الجمهوري ودولته الجديدة، قام به ونفذه مجموعة من قادة وضباط وجنود(( المؤسسة العسكرية )) او الجيش الذي انشأه وبناه النظام الإمامي الملكي المنهار ودولته البائدة على الأسس والمعايير والتكوينات والقوة البشرية المحددة في العقد الاجتماعي السياسي الذي استند عليه ذلك النظام القديم، اي بناءً وعلى أساس المعايير والاعتبارات الطائفية المذهبية المناطقية التي سبق ان استعرضناها في سياق الحلقة السابقة، والذي مثل(( تنظيم الضباط الأحرار)) نموذجاً مصغر لها، ولم يكن ذلك معيباً لهم او انحرافاً عن المالوف في الانقلابات العسكرية التي حدثت في الدول العربية وبعض دول العالم الثالث، والمماثلة لطبيعة ما حدث في اليمن من حيث كونها انقلابات عسكرية تغييرية للنظام والدولة القائمة والذي كان ((الانقلابيون)) في الاساس جزءاً منها وحماة لها! لكن المشكلة الجوهرية العميقة تمثلت في التجربة اليمنية بشكل خاص، حينها، وربما بسبب الانشغال الفوري المباشر في إدارة وقيادة معارك الحرب الاهلية لتثبيت وحماية النظام الجديد وهي الحرب التي تواصلت لأكثر من ثمان سنوات متواصلة واستشهاد عدد من ابرز رموز الانقلاب الثوري وقادته، أقول ان المشكلة الجوهرية المتأصلة في التجربة الانقلابية الثورية اليمنية تمثلت في عدم توفر قيادة تاريخية نوعية ومتميزة للثوريين الجدد، لديها القدرة والإمكانية على امتلاك وابتكار رؤية عميقة ومتكاملة لمشروع تغييري واضح المعالم والقسمات والأبعاد للنظام والدولة الجديدة البديلة المراد تأسيسها وبناؤها على أنقاض وحكام النظام والدولة القديمة المنهارة والبائدة، وهو ما أدخلهم في دوامة من الحيرة والضياع والتخبط وتشوش الرؤية واضطرابها، وافتقادهم لبوصلة تحديد الاتجاه والمسار نحو هدف استراتيجي محدد وواضح المعالم والمضامين، ولقد تضافرت وتفاعلت وتكاملت كل عوامل القصورتلك لتسلب من الثوار عامل القوة والاستمرار لهم ولمشروعهم وهو القدرة على تعبئة جماهير الشعب وقواه الفاعلة والمؤثرة واستنهاض هممها وحماسها وحشدها خلف مشروع الثورة ونظامها الجديد البديل.. ووجد الثوار أنفسهم أمام حقيقة مخيفة وهي شعورهم بالعجز وعدم القدرة على الصمود والاستمرار إلا بقدوم جيش عربي مصري كامل العدد والعُدة والعتاد لتثبيت وحماية الجمهورية ودولتها الجديدة، ليتحول الصراع في اليمن إثرها الى مسرح استقطاب لصراعات اقليمية ودولية متعددة ومعقدة افقدت الثورة والثوار روح المبادرة وقوة الدفع ووأدت فيهم ملكة الإبداع والإبتكار والخلق المتجدد والفعال ، وإندفاعة التغييروجرأة الفعل والِبناء الإيجابيين. ولسنا هنا بصدد إجراء تقييم تاريخي لفعل الثورة وأداء الثوار، فذاك له مجال آخر، وإنما قصدنا من وراء الاستعراض الآنف، ان نصل الى حقيقة واقعة ومريرة بأن الثورة ودولتها الجمهورية الجديدة ظلت محكومة واسيرة، من حيث علمت أم لم تعلم، ومن حيث ارادت أم لم ترد، لطبيعة ومضامين ومعايير وأسس النظام الإمامي الملكي ودولته التي قامت الثورة لإجتثاثها وإلغائها، فالعقد الاجتماعي السابق ظل حاكماً على نحو او آخر للنظام الجديد والدولة هي الدولة والتركيبة ذات التركيبة، وإن تغيرت الأسماء والأشخاص والشعارات، أي بعبارة أخرى تغيَرالشكل وبقي المضمون، تغيّرالعرض وبقي الجوهر! ولو قدرلنا ان نعود لقراءة المراسلات المشبعة بالرؤى والأفكار والمتسمة بالعمق والشمول التي دارت بين الأحراراليمنيين الذي زُج بهم في سجون حجة عقب فشل ثورة او انقلاب عام 1948م، لتبين لنا، بوضوح وجلاء ان رؤية اولئك الأحرار من الرعيل الأول تدل على امتلاكهم لرؤية تحليلية تشخيصية أدق وأعمق وأشمل لطبيعة المشكلة والأزمة الوطنية من ناحية، وتعبيرهم عن التغييروالثورة ومشاريعهما وتصورالمشروع الوطني المتكامل والبديل للوضع القائم على نحو مثير للدهشة والإعجاب، من بين ذلك تصورهم ـ مثلاـ لصلاحية البيئة الشعبية والاجتماعية وإمكانية إقامة الجمهورية في ما كان يعرف بـ(( اليمن الأسفل )) من حيث استعدادها وقابليتها للتمدن والتحديث والخضوع لسلطة وحكم القانون، فاقترحوا إقامة ثورتهم القادمة ونظامها الجمهوري في (( اليمن الأسفل)) اولاً، ومن هناك يمكن مواصلة المسيرة وانطلاقها لتشمل إلحاق وضم (( اليمن الأعلى)) الى تلك الجمهورية ودولتها الجديدة.. وتطرقوا بعمق ومسئولية الى مشكلة(( الإنتماء الوطني ))  و(( الهوية الوطنية )) و(( المواطنة العادلة المتساوية)) ورأوا فداحة الظلم الناتج عن إقصاء غالبية السكان من (( اليمن الأسفل )) وتهميشهم وجعلهم مجرد ((  رعية )) لا مواطنين، بحرمانهم من حقوقهم السياسية في المشاركة في إدارة وقيادة دولتهم الوطنية، وإحتكار واستئثار(( اليمن الأعلى )) للدولة وقيادتها ومكوناتها ومؤسساتها ووظائفها..الخ، وفقاً لحقائق الواقع السياسي آنذاك وظروفه الموضوعية والتاريخية. ووصلوا، ضمن ما وصلوا اليه، الى ضرورة إعتماد(( مبدأ المناصفة )) في وظائف الدولة وتكويناتها بين شطري اليمن الشمالي آنذاك، ((اليمن الأعلى)) و((اليمن الأسفل)) في مشروع التغييروالثورة الذي يخططون لتنفيذه وإقامته مستقبلا، ويمكن لمن يرغب في معرفة تفاصيل هذه القضايا الرجوع الى المذكرات والكتب التي أصدرها عدد من اولئك القادة الأحرار من الرعيل الأول، وخاصة كتاب(( الأعمال الكاملة )) للأستاذ الكبير الشهيد محمد أحمد نعمان ـ رحمةالله عليه ـ والاستاذ المناضل محمد عبدالله الفُسيل وغيرهما، ففيها من العبر والدروس والمواقف الثرية المهمة ما يوجب الإطلاع عليه، وخلاصة الأمر في هذا الصدد ان رؤية هؤلاء وافكارهم وإبداعاتهم كانت اكثرعمقاً وتقدماً من تلك التي كان عليها قادة ورموز ثورة سبتمبر اللاحقة.. على ان الغريب في الأمر ان بعضاً من القادة الأحرار من الرعيل الأول الذين ناقشوا مسائل الثورة والتغييروالهوية والمواطنة عقب ثورة 1948م في سجون حجة وطرحوا حلولاً ومعالجات صائبة لها، نراهم وقد حكموا في ظل الجمهورية بعد ثورة سبتمبر 1962م وشاركوا في قيادة دولتها قد انقلبوا على افكارهم ومقترحاتهم الإيجابية السابقة، وخاصة فكرة(( المناصفة )) في مناصب ووظائف الدولة الجديدة القادمة، وحاولوا إلتماس الأعذار والمبررات لتنصلهم عن قناعاتهم القديمة تلك بأنهم اكتشفوا مثلا ان تطبيق مبدأ(( المناصفة ))غير ممكن التطبيق لأنهم اكتشفوا ان أبناء (( اليمن الأسفل)) لم يتملكوا تراكم خبرات في الحُكم والادارة بحكم استبعادهم بخلاف اشقائهم من (( اليمن الأعلى )) وأن تطبيق مبدأ(( المناصفة )) يحتاج الى فترة زمنية طويلة لتدريب من سيتولون وظائف الدولة من (( اليمن الأسفل )) وإكتسابهم لتراكم خبرات كافية لأعمال وتنفيذ مبدأ(( المناصفة )) اي عملية إعدادهم وتأهيلهم وتزويدهم بالمهارات اللازمة للدور والمسئولية المحجوزة لهم عندما يصبحون مؤهلين لها!! ولكن الواقع السياسي، منذ ذلك الحين وحتى اليوم تقريباً، أي ما يقارب نصف قرن من الزمن يشير الى عدم تحقق لا مبدأ(( المناصفة)) الذي نوقش وأقرعقب فشل التغيير الثوري عام 1948م داخل جدران سجون (( حجة )) ولا مبدأ الإشراك والمشاركة الحقيقية الفاعلة والحقيقية في قيادة وادارة الدولة بشتى مؤسساتها وسلطاتها وعلى اختلاف مستوياتها ومراكزها، هذا اذا استثنينا (( الكادر الوظيفي الاداري )) العادي فيها والذي تكون في غاليبته ـ تقريبا ـ من مناطق ومحافظات (( اليمن الأسفل )) وذلك بحكم الإصراروالتضحية من قبل(( أسرهم )) وكّدها لإلحاقهم المبكر في سلك التعليم النظامي الحديث وخاصة في مدينة ((عدن)) تحت الاستعمار البريطاني، وحصول أعداد مهمة منهم على منح وبعثات دراسية الى الخارج وبالذات الى(( مصر)) و(( لبنان )) وبعض الدول الأوروبية وحملهم لشهادات ومؤهلات دراسية وجامعية كانت شحيحة ونادرة نوعاً ما في اليمن آنذاك.. إلا أن مسألة الكادرالوظيفي الاداري الفني شيء، ومسألة المشاركة السياسية في قيادة وادارة الدولة والحكم على نحو حقيقي وملموس وفعال شيء آخر تماماً ، وحتى اولئك الذين اُنيطت بهم مسئوليات قيادية كوزراء او حتى رئاسة الوزراء والسفراء وغير ذلك، كانت عملية(( اشراكهم)) في الغالب الأعم ثانوية اوعلى نطاق((الدرجة الثانية)) مضافاً اليهم، بعد قيام النظام الجمهوري في 26سبتمبر1962م القيادات والكفاءات والشخصيات البارزة والمؤثرة ذات الإنحدار او الإنتماء(( الهاشمي ))، وظلت(( السلطة الفعلية )) الحقيقية والمهيمنة سياسياً وعسكرياً على الدولة الجديدة تتشكل وفقاً لذات أسس ومعايير ومحددات العقد الاجتماعي السياسي القديم للنظام((الإمامي الملكي)) البائد، مع استبدال وتغيير ((الرمز القيادي الأول)) الإمام((الهاشمي)) برئيس((قحطاني)) منحدر من ذات المنطقة (( الجيوبوليتيكية )) التي استند عليها واعتمدها ذلك النظام كمصدر ومزود ((بشري)) للنظام الإمامي الملكي ودولته(( المملكة المتوكلية اليمنية)) بكافة مؤسساتها وبنيتها ((الهيكلية)) بعد إجراء عملية ((تقليص)) و ((تحجيم)) للقيادات والكوادر((الهاشمية)) فيها مع الحرص والتشديد، خصوصاً، على ضمان استمرار السيطرة المطلقة لتلك التركيبة على مؤسستي الجيش والأمن باعتبارهما الأداة الحاسمة والقوية القادرة على حماية وضمان استمرار السيطرة على الدولة والحكم وإحتكارهما.. وظلت تلك الأسس والمعايير والمحددات التي رسمها ذلك العقد الاجتماعي السياسي القديم مهيمنة ومسيطرة على الدولة والحُكم حتى بعد اعلان قيام((دولة الوحدة اليمنية)) في 22 مايو سنة 1990م بكل ما احدثته وافرزته من تغييرات هائلة وحقائق موضوعية كبرى من جميع النواحي الجغرافية والسكانية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية!حيث شهدت اليمن، الشطر الشمالي، ثم اليمن موحداً حدثين رئيسيين هامين، يكتسبان دلالات عميقة واهمية كبرى على صعيد الإصرار والاستماتة في ضمان بقاء وإستمرار أسس ومعايير ومحددات العقد الاجتماعي السياسي القديم للنظام الإمامي ودولته البائدتين، بعد تعديلات طفيفة عليه كما تشير الفقرة السابقة، في تركيبة الدولة والحُكم. وإحكام القبضة المناطقية الطائفية ((الجيوبوليتيكية))  الحدث الأول في الشمال تمثل بأحداث أغسطس 1968م التي هدفت وعملت على إنهاء ما بدا وكأنه رجحان الكفة في تركيبة الجيش بحكم معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية، لغير صالح التركيبة التقليدية القديمة فيه، ونجحت تلك الأحداث المؤلمة في تصفية وإزاحة القيادات والضباط القادمين من (( اليمن الأسفل)) والذين كانوا شبه مسيطرين ومهيمنين على الجيش ليعود الى سابق عهده تحت السيطرة القديمة الموضحة آنفا.. والحدث الثاني: وهو الأخطر والأهم جاء بعد إعلان ((الدولة الوحدة اليمنية)) في مايو1990م وتمثل بتفجير حرب 1994م المأساوية المروعة والتي استمرت لأكثر من ((شهرين)) بين ما تبقى (( متماسكاً )) من جيش الشطر الجنوبي وبقية الجيش، تلك الحرب الأهلية الطاحنة التي هدفت وعملت أساساً وفي الدرجة الأولى، على تطهير الجيش مما اُعتبر طغياناً واكتساحاً خطيراً للتركيبة التقليدية للجيش، وتم تسريح وتصفية الآلآف من القيادات العسكرية والضباط والجنود((الجنوبيين)) كنتيجة وحيدة تقريباً لتلك الحرب المروعة..  هذان الحدثان الرئيسيان المهمان يؤكدان، بوضوح لا يقبل الشك، على حقيقة سياسية مركزية وهي أن الجيش كان، في الماضي القديم، وظل حتى اليوم، وسيظل الى ما شاء الله، الأداة الرئيسية الوحيدة والحاسمة التي يعتمد ويُعوّل عليها في الدفاع عن السيطرة المناطقية((الجيوبوليتيكية)) الطائفية القبلية القديمة وحمايتها وضمان ديمومتها واستمرارها ولو باستخدام القوة المسلحة، اذا لزم الأمر، كما سبق وأن تم في أحداث اغسطس 1968م وحرب صيف عام 1994م، وهذا ما يفسر حرص السلطات المتعاقبة على الحكم في اليمن، باستثناء فترة حكم الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي القصيرة 1974ـ1977م، ونظام الحكم في دولة الجنوب سابقاً، على العمل من أجل ضمانة حماية واستمرارية وديمومة تركيبته ومكوناته الرئيسية الحاسمة وفقاً للمعايير والأسس والمحددات الطائفية المناطقية القبلية التقليدية القديمة والمُختزلة ايضاً بالنطاق الأسري، مهما كلفها ذلك من ثمن ونتائج، باعتباره ضامناً وحامياً ومدافعاً عن ذات الطبيعة والتركيبة لنظام الحكم والدولة في اليمن، وأي حديث او ضجيج إعلامي صاخب عن الديمقراطية وصناديق الإقتراع والتداول السلمي للسلطة لا يعدو كونه مجرد لغو وهراء وكلام فارغ لإلباس نظام الحكم والدولة أردية وملابس وديكورات مُجمِلة ومُحسِنة لهما، داخلياً وخارجياً، دون ان يكون له في أرض الواقع والتطبيق العملي الملموس أدنى أثر او نتائج! وسيظل الجيش وفق صيغته وتركيبته التقليدية القديمة تلك، الأداة والسلاح والقوة الوحيدة الضامنة والحامية والمدافعة ليس على مستوى تركيبة وطبيعة نظام الحكم والدولة القديمة فحسب، بل وضمان انتقال السلطة والحكم عبرالتوريث الأسري، ومع ذلك فان كافة الشواهد والمؤشرات والدلائل تشير كلها، بوضوح وجلاء، ان تلك الطبيعة والتركيبة التقليدية والمتخلفة لكل من نظام الحكم والدولة والجيش، قد شاخت وهرمت وتهلهلت واستنفدت، تقريبا، كل أسباب وعوامل القوة والبقاء،وأصبحت تشكل عقبة كأداء ومُعِوق رئيسي للتطور والتحديث والنهضة الوطنية، واصبحت آيلة للانهياروالسقوط، بحكم طبيعة الحياة وقوانينها وسُننها والمتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الهائلة والمتسارعة في الواقع الوطني، وان أمر سقوطها النهائي بات مسألة وقت ليس إلا.. فما هو ـ يا ترى ـ شكل ومضمون النظام السياسي الجديد والبديل المتوقع بروزه في اليمن بعد ذلك؟ وعلى أية صيغة عقد اجتماعي سياسي وطني سيُبنى ويتأسس؟! ذلك هو موضوع مناقشتنا في الحلقة القادمة بإذن الله القدير.                                                                              بريطانيا- شيفلد -21/11/2010 صحيفة القضية   السبت 5/2/2011    

موضوعات ذات صلة