نحو الحقيقة:عادوا ..فعدنا..والعود أحمد! (( صحيفة الامة))

في فترة النصف الاخير من عام1991م ، حين كان اليمنيون يعيشون ذروة أفراحهم الوطنية باعادة وحدة وطنهم ، أرضا وانسانا، بقيام دولة الوحدة التي لم تكن قد جاوزت عامها الأول سوى بأشهر قليلة، ظهرت علينا سلسلة من الكتابات والمقالات الصحفية على شكل حملة اعلامية على صفحات بعض الصحف ومن قبل كتاب محسوبين اجمالا على التيار الحزبي الاسلامي ، وتصاعدت حدة تلك الحملة واتسع نطاقها وشارك فيها عدد من الكتاب والصحفيين على شكل مقالات ومقالات مضادة، رأي ورأي أخر، وكانت الحملة عند بدايتها تتمحور أساسا حول توجيه سيل من الانتقادات والاتهامات والتحريض العدائي ضد (( المذهب الزيدي )) بتصوير أفكاره وعلمائه ومجتهديه وأتباعه ومناصريه تارة بالعنصرية وثا نية بالملكية وثا لثة بالامامية ورابعة بالتسلط والديكتاتورية وبث الفرقة والانقسام والفتنة بين أبناء الشعب! وغير ذلك من صنوف وأشكال البغض والكراهية . رغم هذا التحيز العدائي الذي ظهرت به الحملة الصحفية الاعلامية ، الا أنها تحولت مع توالي الردود والتعقيبات والتوضيحات الصحفية، الى ظاهرة صحية وايجابية بما أحدثته من حراك وتفاعل حواري خصب وبالغ الحيوية على مختلف الاصعدة الاسلامية والفكرية والسياسية والثقافية حققت نقلة نوعية لا بأس بها في تنوير وتطوير مستوى الوعي الوطني العام.. ومع ذلك وعلى نحو غريب فوجئنا بالسلطات المختصة العليا تصدر امرها بايقاف ذلك الحوار والنقاش الديمقراطي السلمي تحت مبررأنه حوار يهدد الوحدة الوطنية ويثير النعرات والفتن الطائفية والمذهبية!! ولم يكن المبررصحيحا على الاطلاق ذلك لان النقاش والحوار الموضوعي والسلمي والديمقراطي المفتوح يقوي ويرسخ ويعمق أسس ومقومات الوحدة الوطنية والعكس صحيح ، وبدا لكثيرين أن الدافع الحقيقي لوقف الحوار والنقاش من قبل السلطات العليا يكمن في شعور تلك السلطات بأن شرائح متزايدة من الرأي العام بدات تعي وتدرك حقيقة ضعف موقف مثيري الحملة الاعلامية وتهافت منطقهم وهزالة حججهم وزيف ادعاءاتهم حول الزيدية فقها وفكرا واجتهادا وعلماء أئمة وتجربة عملية تطبيقية… الخ وبدا الرأي العام يدرك الحقائق ويتفهم حقيقة الدوافع والأهداف الكامنة وراء كل ذلك، ومن هنا صدر الأمر الرسمي بايقاف الحوار والنقاش الصحفي السلمي والديمقراطي والهادف وتوقف بالفعل، وكان واضحا أن مثيري حملة العداء الاعلامي ضد الزيدية والربط بينها وبين النعرات العنصرية والسلالية والطائفية والامامية  والملكية كانوا أحد العوامل التي أدت الى توتير وتأزيم العلاقة بين طرفي دولة الوحدة الوليدة والدفع بهما الى حرب طاحنة دامت شهرين في صيف 1994م، حيث أصبح كل من يدعو الى بناء دولة حديثة ومؤسسات وسيادة النظام والقانون ومحاربة الفساد والانفلات ، في نظر هؤلاء، زيديا اماميا ملكيا عنصريا سواء أكان سلفيا أومتدينا أو ملحدا أو اشتراكيا أو راسماليا أو ليبراليا لا يهم المهم في نظر مثيري الفتنة أن يكون هاشميا!. وكنا نظن ، بعد ضرب الحزب الاشتراكي اليمني أحد شريكي الوحدة وازاحته عن الحكم، ان مثيري حملة العداء والكراهية ضد الزيدية واتهامها ظلما بالعنصرية والطائفية والملكية والامامية سيوقفون عند هذا الحد باعتبار أن مهمتهم انتهت.. الاأن ظننا خاب عندما فوجئنا بهم وفي النصف الاخير من عامنا الحالي 1998م مرة أخرى يطلون برؤوسهم في حملة صحفية جديدة مكررين ذات النغمة ومرددين نفس الاسطوانة القديمة، وحتى نكون منصفين لابد أن نشهد لهم بادخالهم اضافات جديدة مهمة على حملتهم الجديدة لم تكن موجودة في حملتهم الأولى حتى يواكبوا سنة التطور ويسايروا متغيرات العصر،ولعل أبرز اضافاتهم أو قل ابداعاتهم الجديدة المهمة قولهم بأن الزيدية لكونها عنصرية وطا ئفية ترتبط بتحالف استراتيجي وثيق مع اسرائيل والصهيونية بهدف تفتيت وتمزيق اليمن والأمة العربية!! ثم يقولون بأ ن الزيدية لم تكن موجودة وليس لها وجود في اليمن البتة!! ولا ندري من يستهدفون هذه المرة؟! في المرة الاولى كانوا يقرون بالزيدية ووجودها ويكتفون بنقدها والصاق التهم والادعاءات الباطلة ضدها ويحذرون الشعب من خطرها، أما في هذه المرة فلا وجود لها اطلاقا الا أن هذا الغيرموجود يقيم تحالفا مع اسرائيل والصهيونية لتمزيق وتشتيت المنطقة العربية والاسلامية برمتها! ويحذرون الشعب من المخاطر الجسيمة للتعليم المذهبي على الوحدة الوطنية على حد قولهم ويحرضون الدولة ويستعدونها لضربه وتصفيته ، وفرض فكر واحد ومذهب واحد جامع حتى تترسخ الوحدة الوطنية وتستمر ثابتة قوية!! أي أنهم يحثون الدولة على العودة الى النظام الأحادي الشمولي المطلق.. عجيب وغريب أمر هؤلاء.. ماذا يريدون بالتحديد؟ لماذا يتناقضون مع أنفسهم مثل هذا التناقض الصارخ ؟ هذه التساؤلات المحيرة هي التي دفعتنا للعودة الى حوار هؤلاء ومناقشتهم كما فعلنا ذلك في المرة السابقة، وليكن معلوما للجميع، منذ الان، أننا لن نتوقف هذه المرة عن الحوار والمناقشة الحرة المفتوحة امتثالا لأوامر عليا كما فعلنا المرة الأولى ، بل سنواصل الحوار والنقاش حتى أخر مداه ولو اضطررنا الى القعود على نواصي الطرقا ت لايصال رأينا الى الرأي العام يدا بيد، مستمدين المشروعية من الحق الطبيعي الثابت الذي يكفله لنا دستور البلاد وقوانينها والعهدان الدوليان الأول والثاني لحقوق الانسان والحقوق المدنية والسياسية، وقبل هذا وذاك فهو واجب شرعي يوجبه علينا ديننا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشهادة الحق ولو على أنفسنا والوالدين والأقربين.. ولعل أكثر ما يثير التقزز والغثيان حقا أن يصعد هؤلاء القوم حملتهم الاعلامية الضارية في عدائها وتحريضها الدولة لممارسة قمع حرية الرأي والفكر على اثر اقدام قوات أجهزة الحكومة باقتحام واغلاق ((مركز بدر التعليمي)) واعتقال رئيسه الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري باسلوب بوليسي ارهابي عنيف مخالف للدستور والقانون وطرد طلبة القسم الداخلي بالمركز وعائلة الدكتور المحطوري في منتصف الليل الى قارعة الطريق بسبب رأي سياسي عبر عنه المحطوري بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه، واعتراضنا ورفضنا ينصب أساسا على الطريقة والأسلوب القمعي غير القانوني لعملية الاقتحام والاغلاق والاعتقال الذي أثار قدرا واسعا من السخط والتعاطف الشعبي مع المركز ورئيسه، وأن يأتي هؤلاء ليصعدوا حملتهم الشعواء في أعقاب حادث سيء الذكر كهذا، ويجردوا كل أسلحتهم لينهشوا لحم رجل مظلوم ومقهور ومسلوب القدرة على الدفاع عن نفسه وهو في الحبس، يعتبر بكل المعايير عملا لا أخلاقيا تعوزه الشهامة والفروسية في صراع الفرسان.. والأكثر سوءا من هذا أنهم استغلوا هذا الحادث استغلالا انتهازيا لاستعداء السلطة وتحريضها ضد ما أسموه مخاطر التعليم المذهبي على الوحدة الوطنية، أجهدوا أنفسهم لاقناع السلطة بأن التعليم المذهبي الخطر يقتصر فقط على المذهب الزيدي وحده!! الذي سبق لهم انكار أي وجود له في اليمن !! وأوهموا السلطة أن تعليم هذا المذهب داخل مركز تعليمي واحد هو (( مركز بدر)) يشكل خطرا ما حقا لليمن والعالم العربي والاسلامي كله.. أما المعاهد العلمية التي تنتشر في طول البلاد وعرضها من المهرة الى حجه وتخصص لها الحكومة ميزانية مستقلة تفوق ميزانية وزارة التربية والتعليم وتقوم بتلقين وتدريس ونشر المذهب الحنبلي فانهم لا يرون منها أي خطورة لاعلى الوحدة الوطنية ولا على النظام السياسي ولا على السلام الاجتماعي بين فئات المجتمع ولا على أمن واستقرار البلاد مستقبلا!! وعلى ما سبق يبدو واضحا وجليا أن هؤلاء القوم الذين يوجهون الحملة الاعلامية المذهبية في المرة السابقة والحالية يسعون الى تحقيق أحد هدفين : الأول: احتكار واحدية التعليم الديني على مذهب بعينه وتعميمه على كامل أرجاء البلاد، مع محاربة ومنع أي تعليم ديني يقوم على مذهب أخر، وذلك ضمانا لبناء قاعدة شعبية واسعة واحدة وموحدة فكريا وفقهيا وسياسيا لصالح وتحت سيطرة حزب اسلامي بعينه تضمن له السيطرة المطلقة على حكم البلاد.. الثاني: ادخال البلاد في دوامة فتنة داخلية جديدة ، بعد نجاح الفتنة الأولى في جر البلاد الى حرب طاحنة مدمرة دامت أكثر من شهرين عام 1994م ، لا تزال البلاد تعاني من أثار الشروخ والتصدعات العميقة التي أحدثتها في بنيان التماسك الاجتماعي الوطني ومسيرة تطور البلاد وتقدمها، وذلك بهدف خلق وتهئية المناخ والظروف الملائمة لتسهيل الوصول الى مخططات خفية يسعون الى تحقيقها.. وقد يكون مسعاها يتجه نحو الهدفين معا.. وهذا ما سنحاول دراسته والتدليل عليه في سلسلة الحلقات القادمة باذن الله تعالى.. فالى اللقاء في العدد القادم مع حلقة بعنوان ((المذاهب بين التعليم والتعصب)).      

موضوعات ذات صلة