انتهينا في الحلقة السابقة إلى سؤال حول كيف يمكن لحوار وطني شامل وجاد أن يكون ناجحاً في تحقيق اهدافه الوطنيه المنشودة ؟ وفي محاولتنا لتصور مثل هذا الحوار الوطني الملح , نقول بأن المشاركين في لجنة الحوار الوطني المنعقده حالياً في صنعاء او أي صيغ للحوار الوطني ربما تأتي مستقبلاً، ينبغي ان تتحد مواضيع أجندتها أو جدول أعمالها بالترتيب التسلسلي من حيث الأهميه والاولويه على النقاط الرئيسة التالية: 1- ان الأولويه الأولي- والتي يجب ان تسبق كل ما عداها من مهام وقضايا أخرى – لأي حوار وطني جاد وصادق وايجابي ، تتمثل بمطالبة الرئيس/علي عبد الله صالح إقناعاً اوضغطاً بالتوجيه بخطاب سياسي مُعلن ومُذاع للشعب والرأي العام اليمني المحلي والخارجي يعلن فيه تعهده القاطع والتزامه الغير قابل للتراجع والنكوص بعدم ترشحه نهائياً – لمنصب الرئاسة مهما كانت الظروف والأوضاع في مقابل إعطائه او منحه تعهداً من قبل إجماع القوى المتحاورة بالحفاظ على سلامته وكرامته الشخصية دون مساس او إهانه، أي أن يذهب معززاً مكرماً وفي مقابل ذلك يعلن قادة الحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين نبذهم لكل أعمال العنف المسلح والتقيد والالتزام بمبداء الحوار السلمي في حل كافة أشكال المنازعات. 2- إصدار قرار ملزم من قبل مؤتمر الحوار الوطني يقضي بمنع وحضر أي من أقارب الرئيس وأسرته من القادة العسكريين او المدنيين من حق الترشح لانتخابات الرئاسة ولدورتين انتخابيتين رئاسيتين متتاليتين قادمتين . 3- الشروع الفوري بعقد ( طاولة الحوار المستديرة) المشار إليها في البند [ ثانياً ] من الحلقة السابقة لهذا المقال والمعنيه أساساً , بإعادة النظر بتجربة [ دولة الوحدة الاندماجية ] التي أعلن عنها في 22 مايو 1990م والتي أنهت حرب صيف 1994م شرعيتها ومشروعيتها وحكمت بسقوطها او فشلها السياسي , والاتفاق على صيغة سياسية بديلة وجديدة لدولة وحدة جديدة وبديلة على اسس ومقومات ومضامين واليات متفق عليها في الحوار الدائر داخلها بحيث تكون الصيغة الجديدة ناتجة عن توافق الآراء وطنيا فيها . 4- وعلى ضوء ما تتوصل اليه ( طاولة الحوار المستديره ) تلك الصيغة وشكل وطبيعة دولة الوحدة الجديدة والبديلة, تشرع لجنة الحوار( طاولة الحوار المستديرة ) المعنيه بالاتفاق على دولة الوحدة الجديدة على الفور , بتشكيل [ جمعية وطنيه تأسيسية ] من بين أعضائها ومن خارجها أيضاً من المتخصصين والأكادميين والسياسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب , لصياغتها ( مسودة دستور جديد ) للبلاد يتأسس ويقوم على صيغة النظام السياسي الجديد المتفق عليه في البند السابق لهذا البند , وفي ذات الوقت تشكيل لجنة علمية متخصصة كفؤه لإعادة وإرساء التقسيم الإداري الجديد للدولة المتفق عليها, ولجنة أخرى تختص بصياغة ( مسودة قانون انتخابات ) جديد وديمقراطي وحديث 5- وضع خطة متكاملة وحديثة وعلمية لإعادة بناء وتنظيم قوات الجيش بما يحقق ويضمن بناء الجيش على أسس وطنيه حديثة وإنهاء كل التركيبات والبُنى والتقنيات على كافة المستويات والمراتب التي تم فرضها على قوات الجيش على أسس لاوطنية وبما يجعل من الجيش قوة تدين بالولاء وتحمي فئة سياسية او اجتماعية او مناطقية او طائفية وبما يبعدها عن وظيفتها الوطنيه في الولاء للوطن والشعب وحماية حدود البلاد والتصدي لأي عدوان خارجي , والشروع الفوري والمعالج في وضع تلك الخطة المتكاملة موضع التطبيق والتنفيذ العملي الميداني. 6- تشكيل لجنة من أكفاء وأقدر القضاة ورجال القانون المتخصصين والمؤهلين والمشهود لهم تماماً بالاستقامة و النزاهة ونظافة اليد ونقاء الضمير والذمة , تتولى دراسة أوضاع القضاء في البلاد وتشخيص اختلالاته وأخطاءه وأوجه قصوره وعجزه , ووضع معالجات وحلول وإجراءات تضمن على نحو كامل ودقيق وصارم ،استقلال وحيادية ونزاهة القضاء والحيلولة دون تعرضه لأي مؤثرات وضغوط تنتقص من استقلاله وحياده ونزاهته وعلى نحو يجعل من القضاء والقضاة القوة المهابة والمقتدرة على إقامة العدالة وفرض سيادة القانون وحفظ حقوق المواطنين وازالة التعديات على كرامة الإنسان وحريته وإنسانيته من كل صنوف الظلم والقهر والعنف والاضطهاد , وبعبارة أخرى، ضمان أن تصبح السلطة القضائية في بلادنا (( سيدة نفسها )). 7- الاتفاق على تشكيل( حكومه وطنيه انتقالية ) من الكفاءات والتخصصات التقنيه وأكثرهم نظافة واستقامة ونزاهة ومقدرة، ويُستحسن ان لا يكون أعضاؤها –ما أمكن – من قيادات حزبية كبيرة او مسئولين سابقين ما لم يثبت نظافة أيديهم وذممهم وعدم ولوغهم في مستنقعات الفساد ونهب الأموال العامة, تتولى المهام الانتقالية المتعارف عليها وخاصة إنزال الدستور الجديد للنقاشات الشعبية والاستفتاء وإصدار القوانين المقترحة ( الانتخابات ) و( التقسيم الإداري ) ومحاربة الفساد ونهب الأموال العامة وتثبيت جهاز الخدمة المدنيه وحمايته من التقلبات الحزبية وخضوعه من درجة وكيل وزاره فما دون لقانون الخدمة المدنية فقط ومتابعة تنفيذ المقررات والبرامج المقرره من( مؤتمر أو لجنة الحوار الوطني الشامل وإلغاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ) باعتبارها استخفافا للعقول وضحك على الدقون والتغطية على الفساد والفاسدين الكبار, وفي مقابل ذلك تعزيز وتقوية أجهزة الرقابة والمحاسبة وحماية الأموال العامة واستكمال او إعادة بناء أجهزته القضائية كإشراف ومتابعه فقط دون تدخل وترك مهمة محاربة الفساد وإصدار العقوبات الرادعة على المحاكم والقضاء المتخصص مع الحث على تشديد ومضاعفة تلك العقوبات الرادعه ..على ان تمنح هذه الحكومه كافة السلطات والصلاحيات التنفيذية دون ضغوط أو تأثيرات مهما كان نوعها ومصدرها.. وممكن ان يتحول أعضاء مؤتمر أو لجنة الحوار الوطني الشامل خلال فترة الحكومة الانتقالية المشار إليها الى جمعية وطنية تتولى مهام السلطات التشريعية والرقابية لأعمال الحكومة الانتقاليه الى حين إجراء الانتخابات العامه البرلمانية والمحلية والرئاسية وبها تكتمل أو تستكمل عملية بناء الدوله اليمنيه الحديثه الجديدة دولة المؤسسات والفصل بين السلطات، دولة العدالة وسيادة القانون، دولة الإنسان اليمني الحر والكريم والسيد على ارض وطنه دولة المواطنه والحقوق المتساويه بين جميع المواطنين دون تمييز أو استئثار أو غلبة، دولة التقدم والرفاهية والازدهار والرقي بعيداً عن الخوف والفزع والعنف والإرهاب يسودها الأمن والأمان والاستقرار والتضامن والإخاء والحب والوئام . ولا شك ان هناك مهام ومسئوليات أخرى لمؤتمر او لجنة الحوار الوطني الشامل والجاد والايجابي المنشود يمكن ان يتفق عليه المتحاورون إضافة إلى ما سبق ذكره أنفاً . وتبقى في الأخير قضية جوهرية وأساسية تشكل ضماناً وعاملاً مساعداً لإنجاح أهداف وغايات الحوار الوطني الشامل ذاك وتتمثل بحيوية وأهمية وضرورة ان يتم ذالك الحوار ويجري بوجود راع خارجي دولي وإقليمي نزيه ومحايد بالنظر الى التنصل المستمر والنكوص المتكرر من قبل أطراف الحوارات الوطنيه السابقة عن تعهداتهم والتزاماتهم وإلقاء المسئولية على الآخرين دائما فالراعي الخارجي النزيه والمحايد والنافذ والمؤثر سيكون شاهداً ومراقباً وحكماً يُحدد مسئولية الأطراف المتحاوره ويُعلن من هو الطرف الباغي والمعرقل والمعوِق والمخطئ وذلك ضمان كبير لنجاح وفاعلية وايجابية الحوار والخروج بالنتائج والمعالجات والحلول المرجوه منه.. ولكل أولئك الذين يُعلنون عن غضبهم وسخطهم من كل من يدعو الى ضرورة وجود راع خارجي للحوار نقول لهم ان وجود وسطاء ورعاة خارجيين حقيقة قائمة وملموسة ابتداء من الوساطة القطريه وانتهاء بوساطة الاتحاد الأوربي والمعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي موخراً والتي ضَغط من اجل الاتفاق على الحوار الوطني الذي بداء اليوم في صنعاء ..فما هو الجديد إذاً في مطالبتنا بضرورة وجود وسيط او راع خارجي نزيه ومحايد ؟؟ مادام ذلك قائماً ومستمراً في الماضي والحاضر ؟! كانت هذه اذاً تفاصيل وأسس قناعتنا وروئيتنا التي استندنا عليها وعلى ضوئها في موقفنا المتشائم وشبه الرافض لدعوة الحوار الوطني الشامل وحكومة الوحدة الوطنيه واتفاق أحزاب اللقاء المشترك الممثلة نيابياً مع النظام الحاكم لعقد الحوار الوطني وحكومة الوحدة الوطنيه من ناحية، ورؤيتنا وتصورنا للشروط والضوابط والضمانات الكفيلة بانجاح أي حوار وطني شامل وجديته وفاعليته الرئيسية والياته وأجندته وقضاياه الجوهرية الرئيسية المُلحة وطنياً من ناحية أخرى، أردنا بها الرد على من يتهمنا بالهوى والمكايدات السياسية والاعتبارات الشخصية والرفض لمجرد الرفض ليس الا .. اردنا من وراء تسجيلها وتوثيقها هنا ان نضع أنفسنا والآخرين في موضع المسائلة والمسئولية امام الشعب والتاريخ مستقبلا، فأما ان يحكم علينا بالقصور والخطاء في الموقف والرؤية والتصور الذي اتخذناه وعبرنا عنه إزاء قضية قبول أحزاب اللقاء المشترك وتوقيعهم اتفاق لبدء الحوار مع النظام ، او يَحكم على الآخرين الذين انتقدونا واتهمونا بالقصور والخطاء فيما اتخذوه من موقف ورؤية .. فاذا استطعت أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤها ان تتحكم وتؤكد وتفرض بالاقناع والامتناع الشروط والضوابط والضمانات وأجندة القضايا والأولويات واليات ومسارات الحوار الوطني على النحو الجاد والايجابي والفعال والناجح فيما يتمخص عنه من معالجات وحلول ونتائج ايجابية ملموسة على طريق إحداث التغيير السياسي الجذري والشامل والملموس للأوضاع المنهارة المترديه القائمة على النحو الذي اشرنا آليه في سياق مقالتنا هذه-بجزئيها – فاننا على استعداد تام للإعتراف بخطاء رؤيتنا وتصورنا وموقفنا وتقديم التحية لهم، والاعلان عن دعمنا ومساندتنا ومباركتنا وتأييدنا اللامحدود واللامشروط لهم بكل تفان وإخلاص .. او ان تكون نتيجة ذلك الحوار الوطني مجرد تجريب للمُجَرب وتكراراً لتجارب الحوارت الوطنية العقيمة وغير المجدية سابقاً منذ إعلان قيام دولة الوحدة عام1990م وحتى اليوم، حينها تكون أحزاب اللقاء المشترك قد ارتكبت خطاءاً سياسياً فادحاً اضعف قوتها وكيانها وافقدها مصداقيتها وهز ثقة حلفائها وشركائها ومناصريها بها، وأضاعت جهداً ووقتاً ثميناً للغاية جرياً وراء سراب خادع على حساب وعِوضاً عن دورها الحقيقي والصائب الذي كانت الظروف الموضوعية سياسياً وشعبياً مهيأة وملائمة للنهوض به، والمتمثل بقيادة جماهير الشعب اليمني على امتداد ارض وطنه شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وتوسيع وتصعيد وتيرة انتفاضتها الشعبية العارمة ذات الطابع السلمي الديمقراطي ، وصولا بها إلى عصيان مدني شامل لإحداث التغيير الجذري والشامل للأوضاع المنهارة القائمة، وإعادة بناء الحياة والكيان السياسي الوطني على أسس حديثة وديمقراطية وشعبية على ارض وطننا كبديل أفضل وانصع وأكثر إشراقاً وبهاء وايجابية ..بديل يحقق للفرد والمجتمع حريته وكرامته ومواطنته وانسانيته ورفاهيته وازدهاره في ظل العدل والمساواة والأمن والأمان والاستقرار .. واذا ما حدث مثل هذا الاحتمال – لاسمح الله – فان المعارضه الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك ستحتاج إلى سنوات ليست قصيره لإعادة ترميم بناء ما فقدته وضيعته بخطاء القرار والحسابات الخاطئة وسيكون عليها بذل جهود مضاعفة ومضنية وشاقة لتعزيز وتقويه وتفعيل دورها السياسي والشعبي مجددا ..ودعونا ننتظر لنرى ونحكم . بريطانبا – شيفيلد-8 اغسطس 2010م