إن اهتمامنا الكبير بمتابعة الأحداث والتطورات الداخلية في مصر العربية مبني على الحقيقة التاريخية المحورية التي ما فتئت تؤكد بأن ما يحدث في مصر، ايجابا او سلبا، يعكس تأثيراته ومفاعيله مباشرة على مُجمل اوضاع وتطورات بلداننا العربية من المحيط الى الخليج تحديدا ويمتد ،على نحو او آخر ،الى بلدان محيطها الاقليمي المجاور، بحكم الترابط الوثيق والمستمر فيما بينها تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا، وبناء عليه نجد الانسان العربي ينشد، تلقائيا وباستمرار ،الى متابعة كل ما يحدث في مصر، ليستشف ويستشرف ما ستؤول اليه الاحداث والتطورات والاوضاع في بلدانه بفعل انعكاس وتأثير ما يحدث في مصر، باعتباره بوصلة مؤشرات لطبيعة القادم في مجتمعاتها.. وبعد هذه المقدمة التوضيحية ندخل الى صميم موضوعنا في هذا المقال الذي يتمحور حول الاستفتاء الشعبي على مسودة الدستور الجديد الذي اكتمل يوم المنتصف من شهر يناير الجاري، والاقبال الجماهيري الواسع والحماسي عليه وغيرالمسبوق في كافة عمليات الاستفتاءات التي جرت خلال ما يقارب الخمسة العقود الماضية من الزمن، بالقياس الى عدد المسجلين في جداول الناخبين ، وتجاوز نسبة من صوتوا بنعم لصالح الدستور ال 90% من المشاركين في الاستفتاء الذي تم بحضور واشراف ومراقبة حشود من المنظمات الدولية والاقليمية والمحلية التي شهدت بنزاهة وشفافية وسلامة اجراءات الاستفتاء على نحو يكاد ان يتطابق مع الشروط والمعايير الدولية.. وباقرارالدستور الجديد على النحو المشار اليه آنفا، فإن اهم واخطر خطوة من خطوات(( خارطة طريق المستقبل))، الوثيقة الوطنية التي اضفت الشرعية لكامل المرحل الانتقالية عقب ثورة 30 من يونيو الماضي ، تكون قد انجزت في موعدها، مضيفة شرعية دستورية الى المرحلة الانتقالية وهي الدستورالذي حظي بموافقة شعبية كاسحة..ولم يتبق من مهام((خارطة طريق المستقبل)) سوى خطوتين رئيسيتين هما، الانتخابات الشعبية الرئاسية والبرلمانية ، والمفترض انجازهما في غضون أشهر قادمة معدودة حسب مقتضيات المدد الزمنية المحددة في الدستور والقوانين السائدة لخطوات ومراحل كل منهما ، وبانجازهما تكتمل خارطة الطريق وتنتهي المرحلة الانتقالية التي تنظمها، وتنتقل البلاد بعدها الى ما يمكن تسميته بالشرعية الدستورية الكاملة.. غيرأنه، ومن اجل معرفة اكثر دقة وموضوعية، في محاولة لرسم صورة ومعالم وطبيعة المرحلة الجديدة التي تتهيأ مصر لولوجها، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الراهنة وخارطة طريق المستقبل المنظمة والضابطة لايقاعاتها وعلاقاتها ومهامها، لابد لنا من وقفة شبه تقويمية وسريعة لمرحلة الاحداث العاصفة والتحولات الكبيرة التي سبق ان شهدتها مصر، وبلدان عربية اخرى، بدءا من انفجار الثورة الشعبية العارمة في 25 يناير 2011م ومطالبها المحددة والواضحة بالتغيير الشامل واسقاط السلطة الحاكمة وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة المحققة لاهداف رئيسية مثل حرية ـ عيش ـ كرامة وعدالة اجتماعية ،ومارافقها واعقبها من احداث وتطورات ونتائج على مختلف الاصعدة ، حيث نجحت في اسقاط رموز السلطة الحاكمة وقمتها، وتولي (( المجلس الاعلى للقوات المسلحة )) للسلطة بتوافق القوى السياسية والثورية لمرحلة انتقالية بموجب (( اعلان دستوري)) مؤقت، ثم اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متسرعة قبل استقرار الاوضاع العامة واقرار الدستور الجديد ، وبروز اضطرابات وتباينات بين مختلف القوى السياسية والثورية وما تخللها من احداث ومصادمات دامية عديدة، ونجاح تنظيم (( الاخوان المسلمين)) باعتباره القوة الاكبر والاكثر تنظيما وامكانيات مادية والاقدر على ادارة لعبة الانتهازية السياسية الميكافيلية، في استغلال وتوظيف حالة ارتباك القوى السياسية والثورية الاخرى وانشغلها باحداث الثورة ومسارها وإشغالها في قضايا ثانوية كالتصادم مع المؤسسة العسكرية تحت شعار ((يسقط حكم العسكر)) والمطالبات باجتثاث وتصفية رجالات وكوادر الدولة في مختلف مؤسساتها واجهزتها تحت شعار(( تصفية الفلول)) وتركها تنصرف بكاملها نحو تلك القضايا والمطالب، في حين تفرغ تنظم الاخوان المسلمين وحلفائه من جماعات ((الاسلام الحزبي السياسي)) لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي احكموا سيطرتهم وقبضتهم عليها على خلاف اتفاقهم ووعودهم المعلنة بعدم الاستفراد واشراك الجميع على قاعدة(( التوافق الوطني)) والشراكة الوطنية لقوى الثورة، واتجهوا باندفاع مخيف نحو تصفية مؤسسات القضاء والإعلام وفرض سيطرتهم الحزبية عليها، وفرضوا على ((المجلس العسكري الاعلى)) التخلي مبكرا عن السلطة، وشكلوا، عبر اغلبيتهم الكبيرة في البرلمان، هيئة وطنية لصياغة الدستور الجديد اغلبيتهم الساحقة من ممثليهم الحزبيين، وصاغوا دستورا على مقاسهم واهدافهم، وسط انسحابات من ممثلي القوى السياسية والثورية على قلتهم من الهيئة، وفرضوا الاستفتاء عليه واقراره رغم وجود اختلافات كثيرة حول بعض مواده، واصدروا اعلانات دستورية متعددة ومتناقضة كان اخطرها المتعلق بتعيين(( نائب عام ) موالٍ لهم ، وايضا المتعلق بتحصين كل قرارات الرئيس والهيئة الوطنية للدستور ومجلس النواب السابقة واللاحقة من كافة اشكال الطعن القضائي، ومارست ميليشياتهم اعمال الخطف والتعذيب والقتل ضد المحتجين السلميين وكذا أعمال التحرش والاغتصاب للناشطات لترهيبهن واقصائهن عن النشاط والتظاهر وغير ذلك من الاساليب والممارسات التي استفزت والٌبت واستنفرت سائر القوى السياسية والثورية ضدهم، وتصاعد حالات الاحتقان والغضب الشعبي من خلال المظاهرات المتزايدة وحملات جمع التوقيعات الوطنية التي بلغت ما يزيد عن عشرين مليون توقيع للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة او على الاقل الاستفتاء الشعبي حول رئاسة الرئيس والتي اودعت كلها المحكمة الدستورية العليا، وقد حاولت قيادة الجيش اقناع الرئيس بالاصغاء الى المطالب الشعبية والشروع في عملية مصالحة وطنية عبر حوار وطني شامل دون جدوى الى ان انفجرت الثورة الشعبية السلمية الثانية في 30 يونيو 2013م والتي اعتبرت اعظم تجمع شعبي في التاريخ اذ تجاوز عدد المشاركين فيها 33 مليون خرجوا في جميع محافظات ومدن وقرى مصر للمطالبة بتنحية الرئيس وإحلال رئيس المحكمة الدستورية العليا محله، مؤقتا، وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وهنا تدخل الجيش واعطى مهلة اسبوع لاجراء حوار ومصالحة وطنية ثم مهلة اخوى لمدة 48ساعة لكن جماعة الاخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي صموا اذانهم واستخفوا بالارادة الشعبية وانهم اصحاب الشرعية الذين جاءوا عبر صناديق الانتخاب فكانت(( خارطة طريق المستقبل)) التي توافقت عليها القوى السياسية والمكونات الشبابية الثورية والازهر والكنيسة والجيش والامن، والتي قضت بعزل الرئيس وتعليق الدستور وحل مجلسي النواب والشورى …الخ ما سبق ان اشرنا اليه في مقدمة حديثنا هذا، والتي اعلن عنها يوم 3 يوليو 2013م، وهو اليوم الذي اسدل فيه الستار على المرحلة الاستثنائية التي عاشتها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011م وحتى يوم 3يوليو 2013م، وهي مرحلة شديدة الاضطراب والالتباس والفوضى العارمة التي شهدتها اوضاع مصر في كافة المجالات بفعل ظروف واشكاليات مرحلة انتقال سياسي عاصف ومثير.. كان هذا عبارة عن لقطات مُصِور يعدو مسرعاً ليصور أهم معالم ومحطات وملامح لتلك المرحلة الاستثنائية العاصفة التي بدأت في 25يناير 2011م وانتهت يوم 3 يوليو 2013م، لتدخل مصر وشعبها، بعدها، مرحلة جديدة مختلفة ، تحدد طبيعتها ومضامينها واهدافها ، خارطة طريق المستقبل(( الانتقالية)) ويوضحها ويبلورها الدستور الجديد المُقر شعبيا في 14 و15 يناير 2014م بمضامينه ومواده واحكامه الفلسفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تشير، في مجملها، الى انها مرحلة تهدف الى إحداث نقلة نوعية جوهرية في سياق مسيرة التطور الديمقراطي الوطني الشامل والجذري لمصر الحديثة والنهضوية حضاريا، لكن هذه المرحلة الجديدة بدأت مسيرتها في يوليو الماضي، وسط ضغط محموم واحاديث صاخبة وحملات دعائية مكثفة تدير ألتها الضخمة جماعة الاخوان المسلمين والجماعات الاسلامية المتطرفة الموالية لها اضافة الى بعض الجماعات والشخصيات الليبرالية المرتبطة بالغرب تقليديا ومعها والى جانبها قوى دولية نافذة واخرى اقليمية، عازفة على ايقاعات ونغمات الحان الديمقراطية والانقضاض عليها والشرعية الديمقراطية ، والانقلاب العسكري الى آخر هذه الشعارات.. ولسنا هنا بصدد تفنيد ودحض هذه الدعاوى والمزاعم الفارغة من المضمون ذلك ان من اولى مقتضيات ومتطلبات الديمقراطية الحقيقية إصغاء واستجابة الحكام لارادة ومطالب شعوبهم وهو مالم يتحقق في عهد حُكم الاخوان بعناد واصرارعجيب، كما أن دعاوى الانقلاب العسكري لا وجود لها في الواقع العملي كما هو معروف ومتعارف علبه عالميا، وفي نفس الوقت فأن دعوى الشرعية والانقلاب عليها تعوزه المصداقية، فالشرعية الشعبية لعشرات ملايين المصريين أبان ثورة 30 يونيو الهادرة هي التي فرضت نفسها بقوة الشعب وهي التي استجيب لها وتم تأكيدها والعمل بمقتضاها وتنفيذ مطلبها الشرعي بالتغيير واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة وهو مطلب وحق ديمقراطي لا جدال فيه ولا خلاف في كافة ديمقراطيات العالم.. لكن ما يجدر بنا الوقوف امامه، حقا، واجراء نقاش جاد حوله يتمثل بالتساؤل المحوري حول ما اذا كانت هناك في بلداننا العربية، وغيرها من البلدان المماثلة، بما فيها مصر العربية، تجربة او ممارسة ديمقراطية حقيقية متكاملة وناضجة وراسخة كما هي قائمة ومتعارف عليها في بلدان الديمقراطيات العريقة والمتجذرة تاريخيا ؟ وهل مرحلة التطور التاريخي التي تعيشها بلداننا وظروفها الموضوعية القائمة على اختلاف مجالاتها ملائمة ومؤهلة لتطبيق الديمقراطية الحقيقية والمتكاملة على اسس صحيحية ؟ تلك هي القضية المحورية التي يجب علينا الوقوف عندها ومناقشتها، وبعيدا عن الخوض في القضايا التنظيرية المتشعبة، نكتفي هنا بالاشارة الى الحقائق الاساسية التالية: 1) ان الديمقراطية كمنهج سياسي، بناء متكامل ومترابط يقوم على منظومات متعاضدة من القيم المبدئية القائمة على احترام وتقديس حرية الانسان الفردية والمجتمعية كحرية الرأي والاعتقاد والتعبير والحقوق المقدسة في الاجتماع والتنظيم السياسي والنقابي والحركة والتنقل والتعليم والعمل دون قمع او قهر، وكذا آليات تنفيذ كل تلك الحريات والحقوق دون اية قيود او عوائق، وعكس وترجمة كل ذلك من خلال المنظومات الدستورية والقانونية الضامنة والحامية لها، وانتهاء بالبنية الهيكلية والمؤسساتية للدولة بسلطاتها وهيئاتها المختلفة وقوانين تنظيم علاقاتها ووظائفها بما يكفل الفصل بينها والحيلولة دون طغيان وتغول احداها على الاخرى، وتأسيس ثقافة متكاملة حول الديمقراطية وقيمها ومبادئها وقواعد واصول ممارساتها وحقوق وواجبات الفرد والجماعة، وعدم التعدي على حقوق وحرية الاخر وقواعد السلوك والتعامل الفردي والمجتمعي، واعادة تشكيل وعي وفكر الفرد والمجتمع وفقا لكل قيم ومبادئ وحقوق وحريات وسلوكيات النظام والممارسة الديمقراطية في كافة مجالات ونواحي الحياة من الاسرة الى الشارع الى المدرسة الى العمل الى العلاقات الانسانية والاجتماعية الى النظرة الكلية للحياة ودورالانسان فيها، على نحو يفضي في المحصلة النهائية الى جعل ثقافة الديمقراطية وقيمها وممارساتها اسلوب حياة يومي تلقائي للانسان والمجتمع.. 2) أن الديمقراطية كنظام وقيم وممارسات وكاسلوب حياة وكثقافة للفرد والمجتمع، هو نظام نشأ في العصر الحديث في كنف البلدان التقدمية التي عاشت عصر النهضة والثورة الصناعية العظيمة وفي ظلها وبفعل انجازاتها الهائلة، تبلورت مجتمعاتها وتطورت وتبلورت ونضجت فيها الطبقات الاجتماعية المختلفة كالراسمالية والطبقة العاملة والطبقة البرجوازية الوسطى، واصبحت لتلك الطبقات ملامحها ومعالمها ومصالحها وثقافاتها وبرامجها السياسية والاقتصادية وهو ما أوجب على كل طبقة اجتماعية متكاملة ومتبلورة ومكتملة النمو أن تقيم لها حزبا سياسيا معبرا عنها وحاميا لمصالحها وحقوقها بحيث اصبح كل حزب بمثابة الممثل والمُعبر السياسي لطبقته الاجتماعية دون خلط او تداخل، ومن هنا شعرت تلك البلدان المتقدمة صناعيا وحضاريا بالحاجة الماسة والملحة لاقامة النظام الديمقراطي كوسيلة تتيح للطبقات الاجتماعية من خلال الاحزاب والنقابات ممارسة دورها في الحيا السياسية والقضايا العامة لمجتمعاتها وحماية حقوقها ومصالحها في ظل التطور الهائل للتعليم ومستويات الوعي والمعرفة لافراد مجتمعاتها على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومصالحهم وتطلعاتهم. 3) أن النظام الديمقراطي في مجمله هو وسيلة تدير من خلالها مختلف الطبقات الاجتماعية الواعية واحزابها السياسية المعبرة عنها وما يرتبط بها من نقابات ومنظمات مجتمع مدني، صراعاتها وتباينات مصالحها وتنافساتها وتطلعاتها، بوسائل سلمية وهادئة من خلال النظام الديمقراطي بعيدا عن العنف والسلاح والحرب، بما يكفله من فصل لمؤسسات وسلطات الدولة الدستورية واستقلال القضاء وحيادة وسيادة القانون على الجميع للفصل في المنازعات وتضارب المصالح وحماية الحقوق والحريات للجميع.. هذه الحقائق الاساسية، وغيرها، تشير بوضوح تام الى أن الديمقراطية نظام حديث نشأ وتبلور اصلا في المجتمعات المتطورة صناعيا وحضاريا ، مجتمعات مُفرزة ومُتبلورة ومتكاملة الطبقات الاجتماعية، مجتمعات يسود فيها مستويات عالية من التعليم والمعرفة والثقافة والوعي السياسي والاجتماعي… الخ ،وكلنا يعلم أن مجتمعاتنا العربية كلها لا تزال، على وجه العموم، غارقة في التخلف الحضاري والصناعي والتعليمي، وبالتالي فهي لا تزال مجتمعات غير ناضجة ولا متبلورة ولا ناضجة من الناحية الاجتماعية الطبقية، ولا تزال تعيش مراحل تاريخية اجتماعية سطحية ومتداخلة بين العبودي والاقطاعي والتجاري والعمالي والراسمالي والعشائري والقبلي والاسري… الخ، ويمكن القول أن الغالبية الساحقة من شعوبها يمكن تصنيفها باعتبارها جموع شعبية غفيرة تعاني الفقر والجهل والمرض، مما يجعل القول بامكانية قيام نظام وممارسة ديمقراطية حقيقية ومتكاملة فيها غير واقعي ولا يعدو كونه مجرد شعار للاستغلال واخفاء كافة اشكال الممارسات الديمقراطية تحت راية الديمقراطية المُحلقة بعيدا عن الواقع والتأثير العملي.. وينبغي أن لا يفهم من تشخيصنا،آنف الذكر، على اننا ندعو الى الغاء الديمقراطية، في مفاهيمها وقيمها العامة، أو أن مجتمعاتنا يجب ان تُحكم حُكما ديكتاتوريا تسلطيا، فما الى مثل هذا ندعو ولا يمكن، وانما نريد أن ننبه الى ان إسقاط النظام الديمقراطي _ كنظام حديث ومتطور هو بمثابة الافراز الطبيعي لمجتمعات متطورة جدا حضاريا وصناعيا وعلماً وثقافة_ على مجتمعاتنا المتخلفة الغارقة في الامية والجهل والمرض، يجب اخذه بأقصى درجات الحيطة والحذر والرؤية الموضوعية، إن مجتمعاتنا تحتاج اشد ما تحتاجه الى نظام حُكم رشيد يديره رئيس صالح ونظيف وقوي لايلتفت الى مصالحه الشخصية او عائلته او محازيبه وانما يكرس قوته وعقله وجهده لرفع مستوى حياة الشعب معيشيا واجتماعيا وتطوير وعيه، إن مجتمعاتنا تحتاج بل هي بأمس الحاجة الى تنمية اقتصادية واجتماعية واسعة ومستدامة والى ثورة تعليمية جذرية وشاملة لنشر التعليم والمعرفة والتخلص من الامية والجهل والى نهضة صناعية زراعية حقيقية، والى هذا فهي متعطشة للحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية والى ازالة الرعب والظلم والقهر والتسلط، ولتبقى الاحزاب السياسية والنقابات والمنظمات المدنية ولتمارس دورها وانشطتها في خدمة المجتمع على ان تطور برامجها واساليب عملها باستمرار، ولتكن هناك انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية نزيهة وشفافة لا تتعرض لاساليب التخريب والتزوير ولابد ان تكون هناك صحافة حرة وكفؤة وإعلام أمين وهادف وغير منحاز للحاكم وسياساته، وتتطور كل هذه الاليات والوسائل الديمقراطية وغيرها، فقط كل ما نريده ان تبقى الديمقراطية كنبراس ومنارات عامة في وسائلها العامة تهدى خُطانا ومسيرتنا الى الافضل دائما ، دون محاولات تعسفها لاسقاطها اسقاطا حرفيا على واقع مجتمعاتنا المتخلفة الجاهلة او جعلها معيارا وحُكما مطلقا على الاحداث والتطورات الحاصلة في مجتمعاتنا، وانما بتطبيقها بشكل خلاق ومبتكر بما يتوافق ويتلاءم مع خصائص واقعنا وظروفه الموضوعية، ولنضرب مثلا يوضح قصدنا اكثر، يسيئ البعض استخدام الديمقراطية ويوظفها لاستهداف وضرب واقصاء الجيوش الوطنية في مجتمعاتنا من خلال بث وترسيخ انطباع وصورة للجيش وكل ما يمت اليه بصلة في اذهان الرأي العام بأسم الديمقراطية تُصور الجيش وكأنه شر مستطير وقوة معادية للشعب او للديمقراطية فإن ذلك يُعد من أكثر معاول الهدم والتدمير خطورة للجيش والأمن بتحويله الى عدو للشعب في حين تُعد الجيوش في المجتمعات المتخلفة الفئة الاجتماعية الادق تنظيما وانضباط والاقوى تأثيرا وتسليحا والاكثراستيعابا وتعاملا مع الوسائل الحديثة والمتطورة تكنولوجيا والاقدر على الحركة السريعة والحسم ، وهي بهذا تشكل السياج القوي والحصن المتين الذي يحمي البلاد ويحافظ على سيادتها واستقلالها ويضمن سلامها وامنها واستقرارها بغض النظر عن بعض التجارب السلبية التي قام بها بعض قادة الجيوش الذين كانوا وبالا على بلدانهم وجيوشهم ،أما ان يأتي الى سلطة الحُكم قائد عسكري عبرانتخابات شعبية وبارادة الشعب،بعد تقاعده من الخدمة العسكرية، وبالتقيد بالشروط والمعايير والخطوات التي ينص عليها الدستور والقوانين، ويبقى خاضعا لرقابة الشعب وممثلا لارادته ، فلا مانع يحول او يمنع مثل ذلك الاحتمال.. إن الدستور المصري الجديد يضمن احكاما واليات وترتيبات جديدة ومتطورة لم يسبق ان وردت في أي دستور سابق، تحول دون قيام رئيس ديكتاتور ومتسلط عسكريا كان ام مدنيا ، وضمنت لأول مرة احكاما لمحاسبته ومساءلته ومحاكمته هو والحكومة وكبار المسئولين وحالات عزله واسقاطه دون اللجؤ بالضرورة الى ثورات شعبيه كما حدث في السابق، واعتقد ان هذا الدستور يؤسس لمرحلة جديدة تحقق قفزات ونقلات نوعية بالغة الاهمية لبناء دولة مصر الديمقراطية ونهضتها الحضارية المشرقة وصياغة الحريات العامة والخاصة وتحقيق الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية للمصريين وهو ما سوف ينعكس ايجابيا وتلقائيا على بلدان عالمنا العربي ويقودها الى مصاف الدول المتطورة القوية والحديثة في عالم اليوم وكيفما تكون مصر يكون العرب دائما والله تعالى الموفق والهادي الى سواء السبيل. عبدالله سلام الحكيمي بريطانيا ـ شيفلد ـ 18يناير 2014م