ماذا لو تعرض العراق للعدوان؟ الحلقةالثانية (صحيفة الامة)

في الحلقة السابقة ناقشنا احتمالات تعرض العراق لعدوان أمريكي مسلح في ضوء التحرك السياسي الدبلوماسي الواسع النظاق والنشاط الذي تقوده أمريكا ومعها بريطانيا ، مطلقة نذر الحرب ونفيرها وضاربة طبول الحرب ومُصعدة اعدادها واستنفارها واستعدادها للحرب ومهيأة اجوائه ومسرحه على مستوى المنطقة والعالم اجمع، وفندنا مختلف الحجج والذرائع والمبررات المتناقضة التي تسوقها أمريكا وحلفاؤها لاستمالة وجذب تأييد الرأي العام ودول العالم لمشروع الحرب الذي تتبناه أمريكا وتقوده ضد العراق ، وبيٌنا مدى ركاكة وتهافت تلك الذرائع والحجج وعدم صمودها أمام حقائق الواقع وقواعد المنطق السليم، وحاولنا استنتاج وتحديد ما نتصوره بهدف ضرب العراق لاسباب ودوافع واهداف ليست كافية، على تباينها، لإعطاء مبرر مشروع كاف للعدوان على العراق، ورسمنا معالم لسيناريومحتمل لطبيعة الحرب واهدافها وغاياتها الحقيقية التي تصورناها ، والتي تتمحور حول هدف استراتيجي نهائي يُحكم السيطرة الكاملة على منابع وحقول مصادرالطاقة الهائلة في المنطقة ورسم خارطة سياسية جديدة لما يسمى( بالشرق الاوسط الجديد) وفقاً للرؤية والمصالح الأمريكية والاسرائيلية بعد ضرب وكسر شوكة وإخضاع مراكز القوة والتاثيرالاستراتيجي المحوري عربياً واسلامياً مثل مصر وايران وسوريا والسعودية وليبيا ومعها كافة القوى الحية والفاعلة من حركات ومنظمات رافضة ومقاومة تصنفها أمريكا كلها في خانة الارهاب، وتوقفنا في نهائة الحلقة عند سؤال جوهري هام يتسائل عن مدى توفر الحد الادنى من عوامل ومقومات القوة والارادة التي تؤهل النظام العربي الراهن، المُنظم لعلاقات دوله العربية وإدارة حركتها وشئونها ومصالحها ، على مقاومة تلك المخاطر والتحديات المهددة جدياً للوجود القومي العربي والاسلامي من اساسه وجذوره العميقة، وهو ما سنناقشه في سياق هذه الحلقة المكملة للحلقة الاولى.. ونبدأ بالتاكيد على حقيقة مُرة ومؤلمة تشير، استناداً لحركة الواقع الملموس ، الى ان النظام العربي الراهن، الممثل بجامعة الدول العربية كصيغة مؤسسة انشأت منذ ما يزيد على نصف قرن مضى لتجميع العرب ولم شتاتهم ضمن اطار مؤسسي ينسق جهودهم وينظم علاقاتهم ويجمع قواهم وامكانياتهم ويرعى مصالحهم ويطور ويقوي عوامل ومقومات تلاحمهم وتضامنهم على طريق هدف بلورة العرب ككتلة سياسية واحدة تمتلك من وحدة المقومات والاسس المتجانسة، ما يسهل بروزها ككتلة سياسية قوية ومهمة وبالغة التاثير على مختلف المستويات الاقليمية والدولية، غير ان الصيغة الراهنة الممثلة بالجامعة العربية باتت صيغة عاجزة وفاشلة لافتقادها الى ادنى شروط ومقومات الفاعلية والاستمرارية واصبحت تمثل عبئا ثقيلا معوقاً لتطور ونمو وتفعيل مسيرة العمل العربي المشترك استجابة للتطورات والمتغيرات بالغة العمق والتسارع التي تعصف بالعالم من حولنا، وافتقدت اية قدرة اوامكانية على الفعل والعمل الملموس في اتجاه خدمة وتطويرقضايا العمل العربي المشترك ووسائله وألياته الفاعلة والناجعة بل انها باتت مشكلة مضافة الى مشكلات جمود وتخلف مسيرة التطلع القومي لعمل تكتلي تضامني موحد يقوم على قاعدة الاهداف والمصالح الاستراتيجية المشتركة في عالم لم يعد يعطي اعتباراً او اهتماماً الا لتكتلات سياسية كبرى وعملاقة، والواقع ان الصيغة القائمة حاليا للنظام العربي سبق ان وقعت على شهادة احتضارها منذ سقوط المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي سابقا وانتهاء واقع توازن القطبين او القوتين الدوليتين ونهاية فترة الحرب الباردة بينهما ونشوء حالة سيادة القطبية او القوة الاعظم والمتفردة بادارة العلاقات الدولية بما يخدم اهدافها ومصالحها الاستراتيجية، وكتب النظام العربي وثيقة اعلان وفاته السريرية عقب الواقعة المأساوية او بالاصح الخطيئة السياسية التاريخية القاتلة باجتياح العراق لجارته الصغيرة دولة الكويت وشطبها من الخارطة السياسية واعلان ضمها والحاقها جزءاً او محافظة من محافظات العراق الادارية، وما نتج عن ذلك واستغلاله بنشوب ما عُرف بحرب الخليج الثانية لإخراج القوات العراقية من الكويت وإعادة الشرعية اليها بقيادة أمريكا لتحالف عسكري اقليمي ودولي واسع، وما تخلل ذلك من قرارات دولية تفرض الحصار الشامل على العراق ونزع اسلحته ووضعه تحت ما يشبه الوصاية الدولية الكاملة والبالغة القسوة.. ثم ما تعرضت له الجماهيرية الليبية من عقوبات دولية من ابرزها فرض حظراو حصار جزئي عليها بحجة مسئوليتها عن حادثة تفجير طائرة أمريكية فوق منطقة لوكربي الاسكتلندية قبل عدة سنوات ومطالبتها بتسليم المشتبه بتنفيذهم لتلك الحادثة من المواطنين الليبيين لمحاكمتهم في أمريكا او بريطانيا، إضافة الى عقوبات جزئية على السودان حيث تَمثل موقف النظام العربي بالتسليم والانصياع الكامل والفوري في الالتزام والتنفيذ العملي لكل تلك القرارات، وخاصة تلك المتعلقة بالحالة الليبية رغم ما ابدته الغالبية الكبيرة من الدول العربية، ولو على إستحياء من عدم اقتناع بسلامة وعدالة تلك القرارات الدولية المتسمة بالظلم تجاه الجماهيرية الليبية، ولم تتجرأ دولة عربية واحدة على كسر الحصار الجوي المفروض على ليبيا إلا ان قرر زعماء دول افريقية تحديه وكسره بموقف عملي جماعي مشهود بعد اتخاذ منظمة الوحدة الافريقية لموقف رسمي تعلن فيه عدم استمرارها في الالتزام بقرارات الحصار الجوي على ليبيا! وهنا يبرز سؤال جوهري يطرح نفسه وهو انه اذا كان النظام العربي ممثلا بمؤسسة الجامعة العربية يَعتبر ان دوره ومسؤوليته يتحددان بالقبول والالتزام الكامل والفوري وبدون نقاش او شروط بما تصدره المنظمات الدولية الأمم المتحدة ومجلس أمنها من قرارات تتعلق بدولة عربية او أكثر فما هو اذن مبرر وجدوى وضرورة وأهمية بقاء استمرار الجامعة العربية رغم كونها تُعتبر منظمة اقليمية دولية وجزءاً من النظام الدولي المُمثل بالأمم المتحدة شأنها شأن سائر المنظمات التكتيكية السياسية الاقليمية على امتداد العالم؟ فما دامت جميع الدول العربية تتمتع بكامل العضوية في المنظمة الدولية، التي تعتبرها مؤسسة الجامعة العربية هي وحدها صاحبة الحل والعقد وقراراتها لا تُرد، فإن استمرار الجامعة العربية في مثل هذا الوضع عبثياً ومضيعة للوقت والجهد والمال، وسبباً لاثارة الخلافات والحساسيات والمشاكل بين الدول الاعضاء . وفي الغد ،غيرالبعيد سوف تصدر المنظمة الدولية قرارات اخرى اكثر خطورة وبشاعة ضد دول عربية، منها ما يمنح أمريكا وحلفاؤها الغربيين تفويضاً يُطلق يدها ويعطيها كامل الحرية في شن حرب عدوانية ضد العراق بالشكل والمدى والغايات التي تراها وتريدها أمريكا دون قيود او ضوابط تحت مبرراو ذريعة إجباره على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية او اصدار قرارات مماثلة ضد بعض الدول العربية تحت اقنعة وحجج وذرائع الارهاب ومحاربة الارهاب والتطرف! حينها لن يكون أمام االنظام العربي الراهن سوى القبول والانصياع الكاملين لمثل تلك القرارات وتنفيذها بدون قيد او شرط لان نظامنا سبق ان اسَسَ وارسى سوابق بيديه وارادته بمثل ذلك الانصياع والقبول بالتنفيذ الفوري غير المشروط لقرارات مماثلة سابقة! وفي ظل وضع كهذا اليس من حق قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الزعيم معمر القذافي ان يُعبر بين فترة واخرى عن استيائه وتذمره مهدداً بالانسحاب من مؤسسة النظام العربي ((الجامعة العربية)) التي بات ضررها اكثر من نفعها لحاضر ومستقبل المواطن العربي وتصبح تهديدات القذافي لها ما يبررها ويسوغها، اذا ما وضعنا في اعتبارنا سلسلة الاحباطات والمعوقات والوأد والاجهاض لكثير من المحاولات والاقتراحات والتصورات الفعالة والمبدعة الهادفة الى الارتقاء بدور الجامعة العربية وتطوير وتفعيل ادائها لمسؤولياتها ومهامها على نحو يجعلها اقدرعلى مواكبة التطورات والمتغيرات الهائلة والمتسارعة اقليمياً ودولياً والتفاعل الايجابي والبناء معها، والمقدمة من قبل الامين العام الحالي للجامعة العربية السيد عمرو موسى الذي يُعتبر بشهادة الجميع من ابرز وألمع وأكفاء من انجبتهم الدبلوماسية العربية واكثرهم حنكة وتجربة ونجاحاً على المستوى الدولي، والذي يحظى بقدر واسع من التقدير والاحترام على المستوى القومي العربي ، شعبيا ورسميا. ان جمود ورتابة وانغلاق النظام العربي الراهن مُجسداً بجامعة  الدول العربية وعجزه عن التعامل والتعاطي الايجابي مع اطروحات ومقترحات وتصورات تطويره وتفعيله وجعله اقدر واكفأ في تحقيق الاهداف والمهام والمسؤوليات المُناطة به من ميثاقه وسائراتفاقياته المبرمة انطلاقا من رؤية  استشرافية لحاضر ومستقبل ما يجب ان يكون عليه العمل العربي المشترك في فاعليته ونتائجه وانجازاته العملية الملموسة ،ان هذا الواقع السلبي والعاجز لم يَعُد مجدياً، من اجل تخطيه وتجاوزه مجرد اجراءات بادخال تعديلات نظرية على مضامين ميثاق الجامعة العربية بالغاء مبدأ الإجماع واستبداله بمبدأ الاغلبية في اتخاذ قراراته، او بتثبيت قاعدة انتظام مؤتمرات القمة العربية دورياً،بل يتطلب إجراء نقاشات وحوارات عربية مفتوحة وصريحة تقوم على قاعدة من الشفافية والصراحة الكاملتين، وعلى جميع المستويات الرسمية الشعبية ، للخروج برؤية تحليلية نقدية شاملة وعميقة وموضوعية لكامل تجربة ومسار العمل العربي المشترك من خلال مؤسسة جامعة الدول العربية منذ تأسيسها وحتى اللحظة تتحدد من خلال العوامل السلبية والايجابة ومواقع النجاح والإخفاق على ضوء تقويم الهيئات واليات العمل التي اعتمدتها الجامعة في اداء مهامها، وتخرج بتصورعملي ايجابي فعال لطبيعة العمل العربي المشترك المنشود في وثائقه واسسه والياته واستراتيجياته وخططه واهدافه بما ينسجم مع ما يشهده العالم من حولنا من متغيرات وتطورات بالغة التسارع والعمق والاتساع يعصف تيارهاالعاصف الرهيب بالعالم اجمع بدون استثناء .. وواضح ان مهمة استراتيجية تقويمية وتطويرية كهذه التي نراها تستلزم اولا واخيراً من اجل ضمان انجاحها توفرإدارة سياسية مسبقة من قبل الأنظمة العربية الحاكمة، تؤكد على توفر قناعة باهمية التغييروالتطوير الجذري لمؤسسة النظام العربي الذي يجب ان يكون من جهة، وتوفر القناعة الراسخة من جهة اخرى، بضرورة وحتمية خلق قوة عربية واحدة ذات قدرة وتاثيرمؤسسة على رؤية استراتيجية عربية عليا شاملة ودقيقة لتحقيق التقدم والازدهار للانسان العربي من جهة ، ولمواجهة كافة المخاطر والتحديات المخيفة التي تحيط بالوطن العربي وتهدد حاضره ومستقبله بل ووجوده القومي والحضاري برمته.. وبالعودة الى موضوع بحثنا الرئيس في هذه الحلقة، وهو العدوان الأمريكي المحتمل على العراق وكيف يمكن مواجهته عربياً والى حد ما اسلامياً ؟ وقبل الخوض في هذا الموضوع يجدر بنا تسجيل مؤشرعلى جانب كبير من الاهمية والدلالة حيث نقلت وسائل الإعلام المختلفة مساء يوم الاحد 24/3/2002م تصريحا للسيد ( ديك تشيني) نائب الرئيس الأمريكي اكد فيه بوضوح تام وصراحة جريئة بأن العراق سوف يكون هدفاً لضربة عسكرية أمريكية سواء قَبِل العراق بعودة المفتشين ام لم يقبل، وهذا التصريح يؤكد بما لا يدع مجالا للشك صحة ما ذهبنا اليه في مقالنا هذا من أن ضرب العراق وهو احتمال وارد بقوة وبصرف النظر عن المبررات المتسترة خلف قرارات الشرعية الدولية، يأتي مدخلا وتوطئة لضربات عسكرية اخرى محتملة لعدد من الدول العربية، تنفيذاً لهدف استراتيجي يسعى الى ضرب او كسر شوكة او إخضاع مراكزالقوة والثقل والتاثير الاستراتيجي المحوري في الوطن العربي والاسلامي وخاصة مصر وسوريا والسعودية وايران، كرهاً او طوعاً، باستخدام وسائل القوة او وسائل الضغط والارهاب السياسي تمهيداً للسيطرة الكاملة على منطقة الشرق الاوسط وإحكام القبضة الأمريكية الاسرائيلية عليها وخاصة مناطق ومنابع البترول والغاز، والشروع في اعادة ترتيب ورسم خارطة المنطقة السياسية وفقاً للرؤية الأمريكية الاسرائيلية وبما يضمن اهدافهما ومصالحهما، ويدخل السياق التنفيذي لهذا المخطط الاستراتيجي المتوقع، سواء بشكل متزامن معه او لاحق له، واعلان صيغة حل سياسي لقضية الصراع العربي الاسرائيلي اوما اصطلح على تسميتها بمشكلة الشرق الاوسط استناداً الى الرؤية الاسرائيلية وتتحدد معالم ذلك الحل باقامة دولة فلسطينية على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة دولة منقوصة السيادة منزوعة السلاح مقيدة الارادة مكبلة بالقيود والشروط التي تبقيها على الدوام كياناً خاضعاً للارادة والسيطرة الاسرائيلية، وهوما تبدومؤشراته واضحة منذ اللحظة من خلال تحركات وتصريحات السيدين الأمريكيين ( تشيني) و(زيني) في المنطقة ونستخلص من تصريحات كل من ( الشين) و(الزين) ما تناقلته وسائل الإعلام في وقت متاخرمن ليل الاحد 24/ 3/2002م حول الاجتماعات الأمنية بين الفلسطينيين والاسرائيليين برعاية ومشاركة أمريكية من خلال الجنرال زيني والاوراق المقدمة من الاطراف الثلاثة للنقاش والوصول الى تطبيق مشروع ( ميتشل) وخطة( تينيت) ووقف أعمال العنف، وتشير الورقتان الأمريكية والاسرائيلية الى خطوة جمع الاسلحة، وقد اعتقدنا للوهلة الاولى بان المقصود بها منطقياً جمع اسلحة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي باعتبارهما الطرفين المتحاربين، لكن اعتقادنا خاب كما هي العادة دائماً حين تاكد الأمربأن المقصود جمع الاسلحة من الفلسطينيين فقط!!وهو مؤشركاف في دلالته القاطعة بأن هدف الحل الأمريكي وهو اكثر تشددا من الرؤية الاسرائيلية ذاتها هو تجريد الفلسطينيين من اسلحتهم منذ الان، ومنعهم من التسلح نهائيا حتى ولو ببندقية (خردة) حيث ثبت ان بطلاً فلسطينياً عظيماً استطاع ان يصطاد بها ما يقارب العشرين عسكرياً اسرائيلياً بين قتيل وجريح وهو بمفرده وتمكن ايضا من الانسحاب بسلام! وفي ضوء هذا السيناريوالرهيب المتوقع ضد العرب وايران، ما هي الخطوات والاجراءات والمواقف التي يمكن تصورها للوقوف ومواجهة المخاطر والتحديات المحيطة والمحدقة بهم؟؟ في اعتقادي ان المواجهة ممكنة من حيث توفر شروطها وادواتها وايضا ضمان نتائج ايجابية لا يستهان بها من ورائها، ويمكننا ان نتصور بعضاً من صورها واساليبها ومجالاتها على النحو التالي: 1)      ان اول واهم خطوة على طريق تلك المواجهة الشاملة تقع على كاهل العراق، حيث سبق ان كتبنا مقالات صحفية منذ سنوات مضت تضمنت توجيه رجاء حار للقيادة العراقية بالتحرك الجاد والعملي ولو من جانب واحد في سبيل انهاء وحسم كافة المشاكل العالقة بينه وبين اشقائه في دولة الكويت، وقلنا انذاك ان فخامة الرئيس صدام حسين، بما يتميز به من قوة وشجاعة واقدام ونفاذ بصيرة قيادية، هو وحده القادرعلى اخذ زمام المبادرة للقيام بتلك المهمة القومية بالغة الاهمية، وهو شخصيا يدرك تماما، كما يدرك الكثيرون في الوطن العربي والعالم، ان الكويتيين يملكون الحق كل الحق بالشعور بالشك والقلق والمخاوف الحقيقية والعميقة إزاء نوايا واهداف جارتهم القوية الكبيرة العراق تجاه وجودهم وبقائهم دولة مستقلة ذات سيادة، استناداً الى سوابق عملية وواقعية مريرة ومخيفة تكررت مرات في الماضي ولهذا فان الواجب والمسؤولية القومية تفرض على القيادة العراقية باعتبار العراق الشقيق والجارالأكبر والأقوى المبادرة الشجاعة في اتخاذ كافة الاجراءات والخطوات والمواقف القانونية والسياسية والانسانية الكفيلة بازالة هواجس وشكوك ومخاوف اشقائه في الكويت واعطائهم كافة الضمانات والتطمينات العملية الملموسة الكافية لاقناعهم واطمئنانهم وثقتهم المطلقة بأن وجودهم وكيانهم واستقلالهم لم يعد مهدداً من قبل العراق باي شكل من الاشكال، ويدخل ضمن ذلك فتح ملف المفقودين والاسرى ومجهولي المصيرمن الكويتيين خاصة والعرب عامة بشكل كامل الشفافية والوضوح، وتصفية سائرالقضايا والمشكلات العالقة بفعل الاجتياح والحرب، إن مبادرة شجاعة ومسؤولة كهذه يقوم بها شخص بوزن القائد القومي البارز كالرئيس صدام حسين من شأنها ان تجعل العراق وقائده يبدوان كباراً وعظماء في نظرالأمة العربية والشعوب الاسلامية وشعوب العالم اجمع، إضافة الى كونها ضربة تكتيكية بارعة وموفقة تسحب البساط وتسقط الذرائع والمبررات الواهية التي يستند اليها اعداء العرب والمسلمين في مخططاتهم العدوانية، وستسهم في ازالة الكثيرمن اسباب وعوامل ضعف وتمزق التضامن ووحدة الصف العربي في مرحلة من ادق واخطرالمراحل التي يعيشها في كل تاريخه.. 2)      ان مؤتمر قمة الدول العربية المتوقع انعقاده خلال اليومين القادمين في بيروت يكتسب اهمية استراتيجية تاريخية بالغة الحساسية والخطورة.. فهو ينعقد عند مفترق طريقين لا ثالث لهما، طريق يعيد الأمل للامة العربية وينهض بحركتها التاريخية مُفجراً كوامن القوة والقدرة والفاعلية ، ومتجاوزاً واقع العجزوالخنوع والسلبية، ومنطلقاً انطلاقة راسخة نحو افاق الامال والتطلعات العربية في مستقبل عزيزمشرق وكريم، وطريق الاستسلام والخضوع والارتهان لقوى دولية واقليمية لا تريد، بل وتعمل بكل السبل والوسائل المشروعة وغيرالمشروعة ، حتى لا يكون للعرب حاضر ومستقبل يليق بمكانتهم ودورهم وثقلهم في عالمنا المعاصر، وتريد بقاءهم تابعين  ومسخرين لخدمة مصالح واأهداف غيرهم دائما. ومؤتمر القمة العربية القادم هو وحده الذي تقع عليه مسؤولية تاريخية كبرى في تقرير اي الطريقين التي سيقررون للمسيرة القومية العربية ان تسير فيها فإما ان تكون او لاتكون .. ولقد بات مُحتماً على مؤتمرالقمة هذا أن يخرج بمواقف وقرارات جادة وملموسة وعملية قادرة على انتشال الامة العربية من حالة اليأس والاحباط والسلبية والتململ، بخلاف ما جرت عليه عادة مؤتمرات القمة العربية العتيدة واهمها على سبيل المثال: أ‌)       مع عدم التعارض إزاء ما سيطرحه المؤتمرمن تصورات او مبادرات للرؤية العربية للسلام العادل والشامل في المنطقة فإن الضرورة القومية تُلح الحاحاً شديداً بأن يخرج المؤتمر بموقف واعلان عربي قوي وواضح يعلن فيه بدون لبس او غموض بأن الدول العربية سوف تقدم كل اشكال الدعم والمساندة المعنوية والمادية للسلطة والانتفاضة والشعب الفلسطيني في مقاومته المشروعة والعادلة للاحتلال والقمع والابادة الاسرائيلية الى ان يتمكن من نيل حقوقه الوطنية المشروعة كاملة غيرمنقوصة، ولا اعتقد أن اتخاذ مثل هذا الموقف سيؤثر سلباً على علاقات الدول العربية بأمريكا وعلاقات بعضها باسرائيل فأمريكا مثلا كانت تساند وتدعم النضال المسلح الارهابي للجيش الجمهوري الايرلندي السري، ومع ذلك ظلت علاقاتها ببريطانيا من ارقى اشكال العلاقات ، واسرائيل التي كانت تقيم علاقات حميمة وواسعة النطاق وبالغة الاهمية مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا وفي نفس الوقت تقيم علاقات واتصالات وتقدم انواعاً من الدعم والمساندة لنضال الافارقة المسلح ضد نظام الفصل العنصري دون ان تتاثرعلاقاتها الاستراتيجية بالنظام العنصري الحاكم. ب‌)     ان مؤتمر القمة العربي مطالب بالتعبيرعن اراء وتوجهات الرأي العام العربي بكل امانة ومسؤولية، وبتبني سياسة وموقف جديد يتسم بالوضوح والجدية والحزم في الرفض المطلق لاي عدوان يتعرض له العراق او اية دولة عربية اخرى تحت اي مبرراو ذريعة ، والاعلان بوضوح كامل ان اي عدوان على احداها سيعتبرعدواناً عليها جميعاً إعمالاً والتزاماً باتفاقية الدفاع العربي المشترك ، وأن الدول العربية ومع احترامها التزامها بقرارات الشرعية الدولية ووجوب تنفيذها إلا انها لن تعيرها اي اهتمام ولن تتقيد بها في ظل الانتقائية وازدواجية المعاييروفرض تنفيذها على البعض وتشجيع رفضها من قبل البعض الاخر، وان الدول العربية مستعدة للذهاب مع أمريكا لمحاربة العراق وإجباره على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية . وبدون إلزام جميع الدول بدون استثناء بتنفيذ تلك القرارات فان الدول العربية ترفض العدوان وتعتبره عدواناً عليها، وستتخذ كل الاجراءات والمواقف الكفيلة لمواجهته.. ج)     ومن جانب اخر وبمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، فان عليه ان يتخذ موقفاً موضوعياً دقيقاً وحازماً، إزاء السياسة والشعارالاستعماري الجديد المتمثل  ب ( الحرب ضد الارهاب) والتعامل المسؤول الجاد إزاءه، بالاعلان بأن الدول العربية لن تلتزم بتهديدات واوامرومواقف دولة او اكثر من دول العالم فيما يتعلق بشعار ( محاربة الارهاب) مالم يكن صادراً عن مرجعية مؤسسة دولية نزيهة ومحايدة متفق عليها ، وذلك حرصاً على تجنيب مثل هذا الشعارالصائب والعادل الاختلاط بأهواء ورغبات ومصالح بعض الدول التي قد توظفه توظيفاً سيئاً يخرجه من مقاصده الانسانية العالمية النبيلة. ولعله من المفيد ان يستفيد مؤتمر القمة ويتعلم من النموذج اللبناني المتميز والرائع حقا في اسلوب تعاطيه وتعامله المبدع مع تداعيات واوضاع ما بعد 11 سبتمبرالمتعلقة به،فهذا البلد الصغير حجماً والكبيرتجربة والغني خبرة وثقافة وحضارة، كان رئيس جمهوريته يُكرم المقاومة الوطنية اللبنانية بمنحه لوسام رفيع لشخص السيد حسن نصر الله الامين العام لحزب الله في احتفال خاص اقيم في القصرالجمهوري في وقت سابق، ثم وقف ليقول لأمريكا ان لبنان يعتبرحزب الله لبنانياً سياسياً مشروعاً في اطار شرعية النظام اللبناني ولا يوافق أمريكا باعتباره حزباً ارهابياً، وبالتالي فلن يستجيب لطلباتها بتجميد ارصدته المالية واتخاذ اجراءات واعتقال وحل في حق الحزب وقياداته وكوادره ووجوده، ولم يفعل لبنان ذلك من خلال اسلوب متعجرف وشعارات خطابية بل فعله باوراق قانونية وسياسية ووطنية مستندة الى حجج ومسوغات ومبررات منطقية وسليمة، ان ما فعله هذاالبلد العربي الصغير والعظيم لم يفعله الكثير ان لم يكن جميع انظمة الحكم العربي حسب علمي! واخيرا فلعله من المفيد والحيوي للغاية لو تمكن المؤتمرمن بلورة إرادة سياسية عربية موحدة بضرورة الخطوات والاجراءات التمهيدية اللازمة والكفيلة بتطويروتفعيل وتجديد الاطارالمرجعي المؤسسي للنظام العربي( الجامعة العربية) بما يجعلها مؤهلة وقادرة على النهوض باعباء ومسيؤليات ومهام بناء قوة عربية كبيرة مؤثرة لمرحلة جديدة تماماً يشهدها العالم من حولنا، وعلى نحو يوفر لها من الوسائل والاليات القادرة على بلورة وتجسيد الامال والتطلعات والمصالح القومية للامة العربية بدءاً من قاعدة التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي وانتهاء ببلورة وتجسيد استراتيجية سياسية عربية مشتركة للتعامل الموحد إزاء القضايا والشئون القومية المُجمع عليها كقاسم مشترك للجميع. بقى قبل اختتام هذا الموضوع ان نهمس في اذان اصدقائنا الأمريكان وحلفائهم بحرص واخلاص، بأن عليهم ان يدركوا بأن اي عدوان على العراق او أية دول عربية اخرى، وأي استهداف للمنظمات والحركات المحترمة والشريفة كحزب الله والمنظمات الفلسطينية سوف يكون بمثابة الشرارة التي تشعل براكين الغضب المكبوت على نحو تلقائي ومدمر وشامل لدى الشعوب العربية قاطبة، وحتى اذا ما وقفت الانظمة العربية موقفاً سلبياً عاجزاً، فانها ستجد نفسها وجهاً لوجه مع تياروغليان شعوبها الهادر، ومن الحكمة ان تدرك أمريكا مبكراً ان أي عدوان تقوم به لن يسير وفقا للخطط النظرية الطوباوية الحالمة كما تتصورها بل انه في ادنى التوقعات سيدخل المنطقة في بحرمن الفوضى والتوترات والدماء والحروب والدمار الذي يمكن التنبؤ ببداياته ولكن يستحيل التنبؤ بنهاياته، ونأمل ان لا تصبح أمريكا ـ بعكس توقعاتها ـ كذاك الذي اصرعلى طلب كل شيء فاضاع كل شيء! وفي كل الاحوال فان الأمر كله لله من قبل ومن بعد وله عاقبة الامور وحده..        

موضوعات ذات صلة