انتهى حديثنا في المقالة السابقة المنشورة على صفحات صحيفة(( الوسط)) الغراء الى التأكيد بأن التغييرالشامل والجذري المستجيب لمطالب وأهداف الثورة الشعبية السلمية الهادرة يستحيل تصور إمكانية البدء العملي بتنفيذه على ارض الواقع في ظل استمراربقاء افراد عائلة (الرئيس السابق ) واقاربه في سيطرتهم على قيادة وحدات الجيش والقوى والاجهزة الأمنية الضاربة في البلاد، وإبقاء كل القيادات المولغة في الفساد والإفساد والنهب في مواقعها القيادية لسلطات ومؤسسات واجهزة الدولة السياسية والاقتصادية والمالية، او بعبارة اخرى ، في ظل تكريس الواقع الذي ظل سائداً ومسيطراً ومهيمناً قبل انفجارالثورة الشعبية اوائل العام المنصرم 2011م، ولا يزال باقياً ومستمراً على سابق عهده حتى الآن و (( كأننا يابدرلا رحنا ولا جئنا)) ! مُخلفاً تصاعداً خطيراً في درجة غليان السخط والغضب الشعبي العام والواسع .. وتطرقنا في سياق الحديث الى رؤيتنا ووجهة نظرنا في تحديد وتشخيص طبيعة وأبعاد وجذور ((الأزمة الوطنية اليمنية)) وما ينتج عنها من تجليات وإفرازات متعددة ومتباينة المسميات والشعارات، عبر بروزوتنامي وتوسع الأزمات والمشاكل الداخلية مثل (( المشكلة الجنوبية)) و ((المشكلة الحوثية)) و (( المشكلة التهامية )) المندرجة ضمن مشكلة اوسع هي (( مشكلة المنطقة الجغرافية الوسطى)) وايضاً (( المشكلة المشرقية )) بخصوصيتها الاجتماعية الثقافية القبلية …الخ. وتوقفنا أمام اهم دعوات ومهام(( المرحلة الانتقالية )) والمتمثلة بالدعوة الى (( مؤتمر حوار وطني)) عام وشامل ، لما يمكن ان تمثله هذه الدعوة من أهمية كبرى، اذا ما اُحسن إخراجها من حيث واقعية وموضوعية تمثيل الاطياف والمكونات السياسية والاجتماعية للمجتمع اليمني، ودقة وسلامة تحديد محاوره والقضايا المطروحة للحوار، وحسن إختيار الممثلين… الخ ، لإمكانية ان يُمثل الأداة والاسلوب الأمثل لتجاوزوحل أزمتنا الوطنية المستفحلة، وتهيئة الأجواء والمناخات لإنطلاقة وطنية حضارية نهضوية شاملة لليمن الجديد وشعبه، ولانريد هنا أن نكرر طرح ما سبق ان طرحناه، إزاء الدعوة لمؤتمرالحوارالوطني ، لكننا من منطلق إحساسنا العميق بما قد يمثلة مثل ذلك المؤتمر من أهمية قصوى ، نرى ضرورة وفائدة لنعيد التاكيد على النقاط الرئيسية التالية: *) على من ستوكل اليهم مهمة تشكيل وتنظيم وادارة (( مؤتمر الحوار الوطني )) الشامل هذا أن يدركوا ، تمام الادراك، بأنهم يتحملون أمانة وطنية تاريخية بالغة الحساسية، تفرض عليهم، وطنياً واخلاقياً، التحلي بأقصى وأرفع مستويات المسئولية إرتقاء الى مستوى جسامة وخطورة واهمية المهمة التي اُنيطت بهم ، على نحو يُلزمهم بالترفع عن مصالحهم الشخصية وانتماءاتهم الحزبية وقناعاتهم ورؤاهم السياسية والفكرية والاجتماعية وتغليب مصلحة الوطن والشعب ومستقبلهما على كل ما دونها من مصالح ورغبات وأهواء. *) وحرصاً على نجاح وفاعلية المؤتمر وما سيتمخض عنه من نتائج ومترتبات ، عليهم إعتماد معاييرموضوعية نزيهة وصارمة، في تقريرحجم تمثيل ونوعية ممثلي كافة قوى واطياف ومكونات المجتمع اليمني من النواحي الجغرافية والسياسية والاجتماعية ، تحقيقاً لأقصى قدرمن العدالة والإنصاف والكفاءة والقدرة والنزاهة والشعبية، ودعونا نبتعد ، ولو لمرة واحدة عما درجنا على اعتماده من تغليب أهوائنا ورغباتنا ومصالحنا الشخصية والحزبية والفئوية والعصبوية في تجارب سابقة قريبة العهد، مماثلة او مقاربة الشبه للتجربة الوطنية التي نزمع وضعها موضع التنفيذ العملي. *) ومن الأهمية بمكان ان يتم مُسبقاً تحديداجندة او جدول أعمال هذا المؤتمربشكل دقيق وواضح وشامل ، اي تحديد المحاورالرئيسية والقضايا والأزمات المُلحة الموضوعة على طاولة النقاش والدراسة والحوارفي فعاليات المؤتمر، وعلى رأسها وفي المقدمة منها والسابقة لكل ماعداها، صياغة ميثاق وطني او عقد اجتماعي وطني جديد ليمن جديد، يمكن ان يطلق عليه (( الوثيقة الوطنية الجامعة )) اوأي تسمية اخرى، وبناء عليها وعلى ضوئها ننطلق في حوارنا ومناقشاتنا ودراساتنا لكل أزماتنا ومشكلاتنا دون إستثناء ودون((سقوف)) او(( خطوط حمراء)) او ((ثوابت محرمة)) *) وتوخياً للعمق والجدية والعلمية في تناول كل ما سبق ذكره، فاعتقادنا أنه سيكون من الضروري والحيوي والايجابي، وبعد ان يتفرع أعضاء المؤتمرالى لجان فرعية تختص كل منها في مناقشة ودراسة قضية من القضايا المطروحة على المؤتمر ، ان يستعان بالخبراء والمتخصصين والاكاديميين من خلال تشكيل(( هيئة استشارية)) منهم لكل لجنة من لجان المؤتمرتساعدها وتزودها بالاستشارات والخبرات العلمية التي تضمن لها تحقيق افضل وأسلم النتائج. *) واخيراً وبهدف تحقيق اوسع مشاركة وتفاعل من قبل كافة فئات وشرائح المجتمع، فسيكون من المُحقِق لأقصى قدرمن الفائدة والمردود والنتائج وتعميمها ، جعل كل فعاليات وانشطة وحوارات المؤتمر بلجانه وهئياته كلها، علنية يتم بثها اولاً بأول عبرمختلف الوسائل الاعلامية، مرئية ومسموعة ومقرؤة، يضاف اليها تفعيل دور(( الثقافة الجماهيرية )) عبر سلسلة المحاضرات والندوات والمهرجانات الحوارية التفاعلية في المجتمع كله، دون الاقتصار على العاصمة او المدن الرئيسية فقط، فمن شأن مثل هذا النهج ان يحقق تطويراً ونمواً لوعي وثقافة ومعرفة الرأي العام الشعبي الواسع ويجعله قوياً وفاعلا ومؤثراً وايجابياً وليس مُتفرجاً ولا مبالياً ومعزولاً . الى هنا ونعود، الآن، الى الموضوع الاساسي لحديثنا في هذه المقالة، فنقول ان الواقع السياسي الراهن، في بلادنا، يعيش حالة خطيرة جداً من الشعور العام بإنسداد الأفق وفقدان الأمل والاحباط المشوب بتصاعد وتائر الغضب والرفض والسخط إزاء ما يجري ، بالرغم من تنحي الرئيس السابق ومجي رئيس جديد للبلاد، وواضح بأن السبب الرئيسي الدافع والمنتج لتلك الحالة والشعور العام السلبي والمرير يتمثل ببقاء الأحوال كما كانت وسط محاولات مكثفة ومستميتة لضمان تثبيته واستمراره وحمايته والدفاع عنه في مواجهة اي تغييراو إصلاح حقيقي وجاد، يصدق عليه المثل الشعبي المأثور (( الجمعة الجمعة والخطبة الخطبة )) و (( بيت خَلفوا( غيروا) بابه )) ! ومعلوم ان استمرارمثل هذا الاحتقان الواسع والعميق، لا ينقطع عن إفرازتأثيراته وسلبياته وانعكاساته المفضية الى تصعيد درجة غليان وثوران البركان المتوثب دافعاً إياه نحو بلوغ نقطة التفجر المدمر والمريع.. إن إحساس وإدراك ووعي المعنيين بالأمر، خارجياً وداخلياً، بخطورة هكذا وضع، يوجب عليهم التوجه السريع والفوري، دون إبطاء او تسويف الى إتخاذ الخطوات الوقائية المُلِحة التالية: 1) الكف الفوري ونهائياً عن الاستخفاف المُهين بعقل الشعب اليمني ووعيه وإدراكه والاستفزازلمشاعره وكرامته الوطنية، عبرتكرار طرح المبررات الواهية والحجج السخيفة والاساليب الملتوية الهادفة إلى حماية اُسرة الرئيس السابق وأقاربه وضمان بقائهم واستمررهم في مراكزهم في قيادة وحدات الجيش والأمن الضاربة والحاسمة ، بكل ما يعنيه ذلك من امتلاكهم للقوة الحاسمة التي تمكنهم، بكل يُسر وسهولة، من السيطرة والتحكم الكلي بالوضع السياسي في البلد ومجريات تطوراتها القادمة، وبالتالي هيمنتهم، سواء بشكل مباشر او غيرمباشر، على الدولة ومؤسساتها وقراراتها.. والامتناع عن طريق عرقلة وإجهاض القرارات المُلحة والعاجلة بازاحتهم من مناصبهم العسكرية والامنية، باعتبار توليهم لها جاء لاعتبارات اُسرية عائلية غير وطنية وبالمخالفة الصارخة لكل القوانين والأحكام الدستورية السارية، ونحن نطالب كل الاطراف والقوى التي تمارس مثل هذه الاساليب والوسائل ، وخاصة الخارجية منها ، بتحكيم والإحتكام حتى لدستور وقوانين اكثر دول العالم تخلفاً إزاء هذا الوضع الاستثنائي غيرالطبيعي الذي ستجده بالتاكيد مخالفا ومناقضا لقوانين ودستورمثل تلك الدولة المتخلفة، ويجب عليها أن لا تقف موقفاً عدائياً ومُحبطاً لأمال وتطلعات ومطالب الشعب اليمني المحقة والعادلة ، في سبيل دفاعها واستماتتها الغريبة العجيبة في الانحياز لعدد محدود جدا من افراد عائلة واقارب الرئيس السابق وسلطته الفاسدة المتخلفة حتى وان كانت تخدم بعض مصالحها واجندتها الخفية! 2) الشروع الفوري ودون إبطاء في إزاحة رموزالفساد والتخلف والإنحراف من مناصبهم القيادية في مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والمالية والادارية، باعتبارهم جزءاً لايتجزأ من سلطة الفساد العائلية ويتحملون مسئولية اساسية ومباشرة في ايصال الاوضاع العامة في اليمن على مدى اكثر من 33 عاما، الى وضع الانهيار، واعتبار الدولة اليمنية في حُكم الدول الفاشلة، بحسب التقاريرالدولية المتعددة، والواقع أن المرحلة الجديدة، إن كان يراد لها بناء الدولة اليمنية الحديثة واجتثاث الفساد والفوضى وصياغة معالم الحياة والمجتمع من جديد في اليمن ، تفرض ضرورة وحتمية إزاحة كل الرموزوالشخصيات العتيقة التي ظلت ثابتة حتى الملل في الادارة البيروقراطية السلبية للدولة ومؤسساتها وأكل عليها الدهر وشرب، ووضعت نفسها ، على الدوام ، خادمة لكل المراحل والعصور اياً كانت ومهما كانت ، وتطاول عليها الزمن وهرمت وعقمت عن كل عطاء اوإحالتها الى التقاعد لقضاء ما تبقى لها من العمر بسلام وهدؤ محاطة بكرم الحصانات والحمايات اللامحدودة من اي مساءلات قانونية وجنائية، وإعادة بناء الدولة الحديثة الديمقراطية الجديدة بدماء وعقليات وقوى جديدة شابة ومبدعة ونظيفة اليد والذمة ونزيهة ومستقيمة وقادرة على العطاء والخلق والابداع والتجديد.. 3) يجب على الرئيس الجديد الاخ/ عبد ربه منصورهادي وقد اقسم اليمين الدستورية كرئيس انتقالي للجمهورية اليمنية ان يتحمل مسئوليته الدستورية الوطنية والاخلاقية الجسيمة ، ويبادر على الفور وبشكل حاسم وحازم ، لوضع حد نهائي للظاهرة السيئة المستفحلة والمتمثلة بقيام بعض سفراء القوى الدولية الخارجية في اليمن ، بالتدخلات السافرة وإقحام انفسهم، على نحو بالغ الفجاجة والخفة، في الشئون والقضايا والاحداث الوطنية الداخلية كبيرها وصغيرها ، وإصدار الأحكام والقرارات والمعالحات نيابة او تجاهلا للسلطات الوطنية الدستورية على نحو يستفز المشاعرالوطنية ويهين الكرامة والشرف الوطني دون مراعاه لقواعد اللياقة وحدود مهامهم الدبيلوماسية، فالسفيرالأمريكي على سبيل المثال، والذي يمثل النموذج الأبرز والأكمل لتلك التدخلات الفجة والصارخة، يعطي لنفسه الحق في تقريركيفية وطبيعة ومدى عملية(( إعادة هيكلة الجيش والأمن اليمني)) ويدافع عن بقاء واستمرار أبناء وأبناء اخ واقارب وافراد عائلة الرئيس السابق في مواقعهم المسيطرة على اغلبية وحدات الجيش والأمن لسنوات طويلة قادمة ! ولا يفتأ بين أونة واخرى عن توجيه الاستفزازات والاهانات للواء علي محسن الاحمر، مطالباً إياه بتنفيذ وعده بالتنحي وترك موقعه، متجاهلا، عن عمد وسابق اصرار بأن ذلك الوعد جاء بمبادرة شجاعة ومسئولية من اللواء علي محسن قبل فترة من الزمن ضمن صفقة تشمل رحيل الرئيس السابق وافراد اسرته من قادة الوحدات العسكرية والامنية ورحليه هو وزملاؤه من القادة العسكريين الذين اعلنوا وقوفهم الى جانب الثورة الشعبية السلمية العارمة وحمايتها من مجازر كان الرئيس السابق وافراد عائلة يُعدون للقيام بها ضد الثوارالسلميين.. وكأن السفيرالأمريكي يريد معاقبة اللواء علي محسن الاحمر على موقفه الوطني ذاك بمطالبته بالتنحي ليصبح المسرح السياسي في اليمن خالياً من اي قوة مناوئة او منافسة للقادة العسكريين والأمنيين من افراد اسرة الرئيس السابق، فيخلو لهم الجو تماماً للسيطرة المتفردة فيسرحوا ويمرحوا كيف شاءوا دون عائق ومُعوق.. ليس هذا فحسب بل امتدت تدخلات السفير لتشمل الاتصالات والتفاهمات مع القوى القبلية والمحلية لحل مشكلة القطع المتكرر لخطوط الكهرباء ومنع ناقلات النفط من المرور… الخ والأدهى من ذلك انه نصب نفسه حَكماَ وحاكماً يصدرالأحكام والاتهامات والادانات لمسيرات الاحتجاجات الشعبية السلمية والانتفاضات السلمية داخل بعض مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ومظاهرات افراد بعض الوحدات العسكرية السلمية المطالبة بتغيير قياداتهم الفاسدة ويلصق بها أحكام ب(( الفوضوية )) تارة وبعدم المشروعية تارة اخرى، وبـ ((العمالة)) لتلك الدولة او غيرها ، ويأمرها بالتوقف فوراً، وغير كل ذلك كثير مما ظهر بعضه وبطن اكثره!! والواقع أننا مع كامل احترامنا وتقديرنا للولايات المتحدة الامريكية وشعبها العظيم ، إلا ان اي انسان وطني لا يمكنه القبول بهكذا تدخلات وممارسات مخالفة لكل الاعراف والبرتوكولات والمعاهدات وقواعد التعامل بين الدول.. 4) وبالنظر الى مدى خطورة وتاثيرات ومترتبات مثل تلك التدخلات السافرة والفجة على واقع ومستقبل السيادة الوطنية بل والكرامة والشرف الوطني من أساسه، وبالرغم من معرفتنا بالوصاية الدولية المفروضة على بلادنا كأمرواقع، فان الرئيس عبدربه منصورهادي بات على محك دقيق يتوقف عليه نحاجه او عدم نجاحه في قيادة وادارة مهام ومتطلبات المرحلة الانتقالية الملقاة على عاتقة، وعليه دستورياً ووطنياً واخلاقياً ان يتخذ على الفور سلسلة من الخطوات والتدابير الفعالة ، لتحديد وتنظيم ورسم حدود العلاقة وقواعدها بين(( سلطات الدولة الوطنية )) وصلاحيات واسلوب تعامل القوى الدولية (( الوصية )) على اليمن وسفرائها واين تبدأ وتنتهي سلطة كل منهما، باعتبارها(( دول وصية)) او (( دول مانحة)) او (( أصدقاء اليمن)) اواي تسمية من المسميات لايهم ! ذلك ان احترام (( الذات )) الوطنية وحماية الكرامة الوطنية والشرف الوطني المدخل الطبيعي الاول لاي اصلاحات او تغيرايجابي شامل ، ومن لا يحترم نفسه لا يمكن للاخرين ان يحترموه.. ان هذه الخطوات الاساسية مطلوب اتخاذها، إبتداء، وعلى وجه السرعة وبدون إبطاء لما يمكن ان تلعبه من دوروتاثيرايجابي في إعادة الثقة والأمل للجموع الغفيرة من الثائرين الذين لا يزالون مصممين بعزم لا يلين على مواصلة واستمرار ثورتهم الشعبية السلمية المتواصلة لعام ونيف ولا تزال، إن اتخاذ هذه الخطوات الاساسية الثلاث يعطي قدراً معقولا من المصداقية والثقة لوجاهة وجدية سائر قضايا ومهام واهداف المرحلة الانتقالية وعلى رأسها وفي مقدمتها مؤتمرالحوار الوطني الشامل الموعود.. وبدون تلك الخطوات الاساسية الثلاث المشار اليها أنفا اوبالالتفاف عليها وافراغها من مضامينها فان كل الاوضاع والترتيبات الناتجة عن الاتفاقيات والاليات التي وقعتها اطراف سياسية محددة بما في ذلك المرحلة الانتقالية ومهامها ومسئولياتها ، واهمها فكرة (( مؤتمرالحوارالوطني)) الشامل المُعول عليه لإخراج اليمن من ازمته الوطنية ومشاكله الداخلية المتفاقمة ، معرضة للفشل والسقوط والتلاشي ، ذلك اننا نعتقد أن ما من احد من الاطراف والقوى السياسية ، الداخلية والخارجية ، من يجهل او يتجاهل ، إستيعاب وادراك الحقيقة المركزية الساطعة والبارزة والتي تؤكد بأن الثورة الشعبية السلمية العارمة التي اشعلت طلائع الشباب شرارتها الاولى وانخرط في مسيرتها المتصاعدة الملايين من ابناء الشعب اليمني بمختلف فئاته وشرائحه ومكوناته الاجتماعية والسياسية على امتداد ارض الوطن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، والتي ظلت على امتداد عام كامل ونيف، ولاتزال، محافظة على زخمها وحيويتها وتدفقها وقوة اندفاعها وصلابة عزمها وارادتها وتصميمها الراسخ على الثبات والاستمرار حتى تحقيق اهدافها بازاحة وانهاء السلطة العائلية الحاكمة وكل رموز الفساد والإجرام للشروع في بناء الدولة اليمنية الحديثة والديمقراطية واللامركزية دولة المشاركة السياسية الفعلية والمواطنة المتساوية والمؤسسات الدستورية وسيادة القانون والتداول السلمي الوطني للحُكم دولة الكرامة والرفاهية والازدهار، وإن هذه الثورة الشعبية الأنضج والأعمق والأعظم في تاريخنا الوطني كله التي تمكنت ونجحت، حتى الان ولاتزال ، في إحداث تغييرات جوهرية عميقة وواسعة النطاق في عقلية وثقافة الفرد والمجتمع واعادة صياغة الانسان اليمني الجديد والمعاصرالذي اكتشف اهمية دوره ومكانتة وقدرته اللامحدودة على الفعل التغييري الحاسم، وفجرقواه وطاقاته المُبدعة الكامنة، وادرك عبرالممارسة والواقع العملي الملموس امتلاكه لقوة وقدرة لايمكن ان يقف امامها المستحيل، ولا توجد اي قوة على الارض تستطيع قهرها او تصفيتها بأي حال من الأحوال ، هذه الثورة الشعبية بمنهجها السلمي الرافض لاستخدام القوة والعنف باتت اليوم متجسدة ومتغلغلة داخل وفي نسيج ثقافة وعقلية ورؤية ومنهج تعامل كل الشرائح والفئات والقوى الاجتماعية للشعب اليمني، الطلاب، الشباب ، والقبائل ، العسكر ، العمال، والموظفين ، الفلاحين، المثقفين، التجار، الطبقة الوسطى، الرأسمالية الوطنية الناشئة ، و المرأة.. وفي بنية الاحزاب السياسية ومنظوماتها الفكرية والسياسية ومناهج علاقاتها واساليب عملها داخل بنيتها ومع المجتمع حولها.. هذه الثورة الفذة ، التي تجذرت ولاتزال تتجذر في عمق الواقع والانسان، لايمكن بأي حال من الاحوال ، عقلا ومنطقا ، ان تنكفئ على نفسها او تعود القهقرى الى الوراء او تُنهي مسيرتها، او يفرض عليها احد إيقاف وإنهاء مسيرتها او تصبح حديثاً يُروى في احاديث الذكريات الغابرة وأثرا من آثارماضٍ ولى واندثر.. يستحيل حدوث شيء من هذا القبيل، في ضوء تاريخ الثورات الانسانية وقوانينها الثابتة والناظمة ، وعلى ضؤ اكتشافها وامتلاكها لاسلحتها الفتاكة والحاسمة في الانتصارالحتمي لنضالاتها السلمية الفعالة، وعلى ضؤ كل ما سبق ذكره، وتصاعد مشاعرالسخط والغضب والغليان المتصاعد والمتولد من محاولات واساليب قوى ومجاميع ، داخلية وخارجية ، للالتفاف على أهدافها وإحتواء مسيرتها وإجهاض ووأد غاياتها الوطنية النبيلة والسامية والعادلة، فان الظاهر المرئي ، في اعتقادي، يشير الى ان الثورة الشعبية تتهيأ وتُعبي طاقاتها وامكانياتها اللامحدودة وتستعد للشروع في المرحلة الثانية لاستراتيجيتها الثورية الواضحة، وهي مرحلة ربما ينطبق عليها المقولة الشهيرة لفيلسوف الثورات الفرنسي(( ريجيس دوبريه)) القائلة (( الثورة في الثورة من اجل الثورة)) وهي مرحلة تتصف بصفات من اهمها، انها الاكثر نضجا وفاعلية، وعمقا ، وقوة وحسماً، ويبدو لي ان الثورة الشعبية اليمنية بدأت عملية العد التنازلي للدخول في اتون المرحلة الثانية مرحلة الحسم الثوري السلمي النهائي والحاسم والناجز، ولن تستطيع اي قوة، داخلية اوخارجية ، وخاصة بعض الاحزاب التي قد تفكربدفع اعضائها ومناصريها لخلخلة تماسك صفوف الثورة وإيقاف مسيرتها والقيام بدور (( حصان طروادة )) من داخل الثورة ، لكن الواضح ان اسلوباً كهذا سيفشل مرتداً الى بنية وتركيب وعلاقات تلك الاحزاب ، ومُطلقاً لعملية فرزعميق بين قواعدها وكوادرها الجديدة الشابة المفعمة بثقافة الثورة وضرورات التغيير من جهة ، وقياداتها التقليدية التي شاخت وهرمت وتقوقعت داخل شرانق الصفقات والمساومات السياسية الهزيلة وأنضاف او أرباع الحلول بدافع خوفها الغريزي من تيارالتغييروعقلياتها التي تشبعت واستمرأت إيثارالدعة والسلامة ، وان كان المقابل مجرد (( الفتات)) و(( الاعطيات)) السلطانية.. وفي الاخير، وسواء تحققت اهداف الثورة العادلة والمشروعة، عبرالاسلوب السياسي التقليدي الذي يتراى اليوم بالمرحلة الانتقالية ومهامها ، بدون التفاف او إجهاض، او عبر دخول الثورة الشعبية مرحلة الحسم الثوري النهائي والناجز، فان قانون الثورة الشامخ ، اي ثورة حقيقية، يظل شاهداً على ان الثورة كفعل انساني ذي طبيعة ايجابية دوماً، يسعى الى تحقيق الاحسن والافضل والأفعل للواقع السئ الذي ثارت من أجل تغييره ، والثورة لم تكن يوماً ، ولن تكون ، عملا انتقامياً ثارياً مدفوعاً بالكراهية والحقد والضغينة ، وإلا فقدت صفتها الانسانية كثورة، لكنها كانت وستظل عملا انسانياً راقياً ومتحضراً بَناءاً وايجابياً يبني الاوضاع الايجابية الامثل والافضل لما سبقها ، رافضة بالمطلق منطق الدماء والقتل والتنكيل بالانسان ككائن قابل باستمرارلاعادة التأهيل والتربية والتقويم ، وهنا مشروعية الثورة وعظمتها . عبدالله سلام الحكيمي بريطانيا/ شيفلد 1/مارس 2012م