توقف حديثنا في نهاية الحلقة الثانية عند محور الاساس الفلسفي ـ الايديولوجي- وغاياته الذي تنبني وتتأسس عليه منطلقات ومضامين واهداف المبادرات الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، لإحداث تغييرات او اصلاحات لأوضاع دول المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وهذا المحور يرتبط ويشمل القضيتين الجوهريتين الثانية والثالثة المطروحتين في بداية الحلقة الأولى كميادين ومجالات لحديثنا في هذه التناولة العامة، وهما قضيتان تتعلقان ببيان مدى توافق او تعارض ما تهدف اليه تلك المبادرات مع مصالح وتطلعات وآمال دول وشعوب المنطقة من جهة، ومدى نجاحها، اي تلك المبادرات ، في الجمع او الائتلاف الخلاّق بين خصوصية تلك المجتمعات القائمة والمبنية على المكونات التاريخية الحضارية والدينية والثقافية والنوازع والغايات والمشتركات الانسانية العامة.. وهو ما سيكون موضوعا لحديثنا في هذه الحلقة، غير اننا وقبل بدء الحديث ، هناك اهمية بالغة وضرورة قصوى توجب علينا التأكيد على الحقائق الثابتة التالية: 1) ان الاصلاحات الشاملة والجذرية لأوضاعنا كانت، ولاتزال، مطلبا شعبيا وطنيا وهي اليوم اكثر الحاحاً وضرورة، حيث وصلت اوضاعنا العامة، في جميع مجالات حياتنا، الى درجة من التدهور والانحطاط والسؤ والفساد والتحلل المريع الذي اصبح يهدد بحق، التماسك الداخلي للمجتمع ووحدة وطنه وكيانه السياسي برمته بالانهيار والسقوط، وهي حقيقة ساطعة لاينكرها إلا مكابر او مخادع. 2) اننا لا نشعر بأية عقد نفسية، ولا نَكِنُ اية مواقف عدائية مسبقة للرؤى والافكار والمبادرات المطروحة علينا من الخارج لإصلاح اوضاعنا لمجرد كونها آتية الينا من الخارج، وذلك ما يوجب علينا التعاطي والتعامل الايجابي والحيوي والخلاق معها والتفاعل الجاد والمسئول والكفؤ مع مضامينها وما تطرحه علينا من مقاصد واهداف من خلال عملية جدلية شفافة تتأثر وتتلاقح وتتمازج حرصاً على ضمان نجاحها وصلاحيتها وقدرتها في بلوغ الغايات النبيلة لها.. 3) ان انتقاداتنا واعتراضاتنا لمضامين معلنة وردت في سياق تلك المبادرات اولمقاصد واهداف كامنة غير معلنة تثير هواجس الشك والريبة لدينا، فإننا في ذلك لا ننطلق من دوافع او مؤثرات نزعات(( شوفينية ـ دجماطيقية)) وطنية او قومية او دينية متعصبة او متطرفة، وانما ننطلق من رؤية علمية موضوعية وموقف جاد ومسئول، يضع في اعتباره دائما الحفاظ على اقصى ما نستطيع الحفاظ عليه من مصالحنا الوطنية وحماية تطلعاتنا وطموحاتنا وآمالنا العادلة المشروعة، وذلك بالتعامل والتفاعل الحيوي الايجابي والخصب مع مضامين تلك المبادرات، بالحوار العلمي العميق، حتى يتسنى لها ان تُكمل جوانب النقص والقصور فيها بالأخذ في اعتبارها، وفي مضامينها واهدافها ووسائلها ، ما يجب عليها ان تأخذ من خصوصية المُكوِن الحضاري التاريخي الثقافي لمجتمعاتنا وحقائق الواقع الموضوعي الملموس، من حيث مرحلة تطوره وعوامل تخلفه وركوده وهشاشة وضعف قواه وفئاته الاجتماعية والاقتصادية وواقع تخلفه المريع في المجالات العلمية والاقتصادية والصناعية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وذلك لضمان امتلاك تلك المبادرات لآليات عملية فعالة وقدرات واقعية وكفاءة عالية في تحريك ركود تلك المجتمعات، وتثوير طاقاتها الكامنة والدفع بها، وفق رؤية ومنهجية واقعية موضوعية سليمة على طريق النمو والتطور والتحديث والنهوض الشامل في وعلى كافة الاصعدة والمجالات. 4) وينبغي التنبه والتنبيه الى حقيقة اننا في موقفنا الذي بيناه في الحقيقة السابقة إزاء المبادرات المطروحه للاصلاحات، لم نضع في اعتبارنا ولم يكن من مقاصدنا ولا للحظة واحدة، الدفاع عن أنظمة الحكم او السلطات الحاكمة في بلداننا او الوقوف معها والى جانبها لمواجهة ما تتعرض له من ضغوط او حتى تهديدات من الخارج لاجبارها على إجراء اصلاحات على اساليب حكمها وادارتها، ذلك ما لم نفكر به في الماضي ولن نفكربه او نقوم به في المستقبل، وذلك لاننا نعلم وندرك ـ يقينا ـ بان تلك الانظمه، او على الأقل غالبيتها الساحقة، تستحق ما هو اسوأ واشد من ((الكنس)) والرمي داخل ((مزابل التاريخ)) وهي التي سامت شعوبها سؤ العذاب واذاقته صنوفاً واشكالاً من القتل والتعذيب والقهر والاذلال والاضطهاد والقمع، وجردته من ابسط وادنى مشاعر الحرية او الكرامة الانسانية بل واخرجته بجرائمها الرهيبة واساليبها البشعة من عالم الانسانية الذي كرمه الله به وفي ظله، الى عالم القطعان من الماشيه التي تأكل ما تجده وتنام، دون ان تتجه بعقلها اوبصرها صوب الحاكم والحاكمين الذين طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد، ولهذا فان ما تتعرض له سلطاتنا الحاكمة الديكتاتورية من ضغوط وتهديدات يصب في مصلحة الشعوب وتحسين اوضاعها وحياتها. بعد هذه الحقائق الاساسية الاربع التي يجب اخذها في الاعتبار نبدأ الحديث في موضوع هذه الحلقة. ان الاساس الفلسفي ـ الايديولوجي- الذي استندت عليه مبادرات الاصلاح الغربية المطروحة علينا لتنفيذها، يعود الى((القانون الطبيعي الحر)) الذي صاغه مفكرو عصرالنهضة في اوروبا ذلك القانون الذي انبثقت منه وعلى اساسه الفلسفة او النظرية او الأيديولوجية(( الليبرالية)) بمجالاتها او نظرياتها الفرعية المتعددة مثل (( الليبرالية الاقتصادية ـ الرأسمالية)) و ((الليبرالية السياسية ـ الديمقراطية)) و((نظرية المعرفة)) و((نظرية الجمال او الاخلاق والقيم)) و ((النظرية الليبرالية الخاصة بالنظرة الى الكون والحياة والتاريخ))، وينحصر المضمون الرئيسي للقانون الطبيعي الحر والنظريات الليبرالية التي تأسست عليه، بفكرة ان الانسان خُلق منذ ولادته حُراً بكل ما تعنيه كلمة الحرية من معان وأبعاد، وفي الوقت الذي خُلق فيه الناس احراراً فانهم خُلقوا من ثم بِفُرص متكافئة، وان قيمة ومكانة ودور كل انسان تتحدد وفق ملكاته وكفاءته وقدراته الخاصة في الحياة والمتحررة من كافة العوائق والقيود والكوابح بجميع اشكالها ومصادرها، ووفقاً لهذه الرؤية فان الانسان الفرد الحرهو اساس الحياة ومحرك التاريخ وصانعه، واعتبرت حرية الملكية وحرية النشاط الاقتصادي والتجاري دون حدود او قيود او ضوابط من المبادئ الاساسية المقدسة، وتحددت مهمة((الدولة)) ووظائفها بمجرد جهاز سياسي قومي يتولى ضمان استمرار تلك الحرية المطلقة في الاقتصاد والتجارة والمنافسة الحرة والتحقق من عدم نشؤ اي ما من شأنه التأثيراو كبح جماح تلك الحرية المطلقة، دون ان يحق لها الإقدام على اي شكل من اشكال التدخل او التأثير في مسار وحركة تلك الحرية والمنافسة، وعلى هذه الايديولوجية الشاملة ظهرت افكاراو بالأصح قوانين مثل ((لا بقاء إلا للاقوى)) و((دعه يعمل دعه يمر)) وحرية إنشاء وتشكيل الاحزاب والمنظمات على اختلافها، وحريات الانسان وحقه في ان يدعو ويعمل ما يشاء وكيفما يشاء شريطة ان لايؤدي ذلك الى المساس او الإضرار بحرية غيره من الناس وحقوقهم الاساسية.. وعلى اساس وبهدي من هذه((الايديولوجية)) او الفلسفة الشاملة قامت التجربة التاريخية ((الراسمالية العالمية بدولها وانظمتها السياسية الحاكمة في اوروبا)) اولاً ثم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك و((كندا)) و((استراليا)) و((اليابان)) وغيرها من الدول والمجتمعات التي اصبحت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تشكل تكتلا او تحالفاً، سياسياً عسكرياً اقتصادياً ثقافياً، عرف باسم((المعسكر الغربي الرأسمالي )) المسيحي، في مقابل التكتل او التحالف الدولي المنافس او المناقض الذي تكوّن من((الاتحاد السوفيتي)) وباقي دول اوروبا الشرقية، ((الشيوعية)) وعرف باسم((المعسكر الشرقي الاشتراكي)) ومعلوم بان(( التجربة الليبراليةالراسمالية)) نشأت اول ما نشأت في حوالي القرن السادس عشر، إثر ثورة دامية مدمرة قادتها(( الطبقة الراسمالية )) الصاعدة في ((مدن اوروبا)) ضد سلطة وحكم((الطبقة الاقطاعية)) ونبلائها وامرائها ومؤسساتها. وطبقة الإقطاعيين كانت سيطرتها ونشاطها واحتكارها يقتصر على الاراضي والنشاط الزراعي، وكان(( الاقطاع)) ودولته وسلطاته واجهزته وتشريعاته، قد اصبح يشكل عائقاً وعقبة كأداء أمام بروز وتنامي(( الطبقة الراسمالية )) في المدن والمهتمة اساساً بالصناعة واتساع طموحاتها وتطلعاتها ورؤاها ومشاريعها الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.. وكانت عملية التطور التاريخي الطبيعي ومستواه –انذاك-، يفرض، بل ويُحتم إسقاط سلطة(( الإقطاع)) لإنتهاء دورها التاريخي الطبيعي في قيادة وادارة عملية التطوروالتقدم المجتمعي، وقيام سلطة ((الطبقة الرأسمالية)) الصاعدة والنشطة والأكثر تأهيلاً ومقدرة وكفاءة في قيادة وادارة المجتمع نحو مرحلة جديدة ذات أبعاد وآفاق وطموحات اكثر عمقاً واتساعاً من التطور والتقدم والازدهار، وهو ما حدث بالفعل في إرساء مفهوم((الدولة القومية)) وتوحيدها جغرافياً وسياسياً وثقافيا، لما يخلقه ذلك من توسيع نطاق ومساحة السوق لاستيعاب منتجات وسلع الآلة الرأسمالية الكبيرة، ونتج عن ذلك نهضة واسعة وغير مسبوقة علمياً، وثورة صناعية مذهلة، وفَرضَ التطور والنمو والاتساع المتسارع والمذهل للرأسمالية الأوربية ودفعها خارج حدودها نحو أسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بقواتها العسكرية المتطورة ـ انذاك ـ لتنفيذ اوسع وابشع تجربة استعمارية واحتلالية في التاريخ الانساني، وتخلل عملية الاستعمار والاحتلال العسكري تلك تعرض شعوب تلك القارات المختلفة في جميع المجالات وعلى نحو واسع لأبشع جرائم الإبادة والتنكيل والقتل والاستعباد واشرسها همجية ووحشية، وظلت تلك البلدان الواسعة الأرجاء والخاضعة لسيطرة وقهرالاحتلال الاستعماري لعقود طويلة من الزمن عرضة لعملية سلب ونهب واستنزاف منظم ومخيف لثرواتها ومواردها الطبيعية لصالح الدول الاستعمارية، ولهذا فان دول (( المعسكر الغربي الرأسمالي العالمي)) يتحمل ،شاء ام ابى، مسئولية تاريخية اخلاقية وقانونية تجاه ما ارتكبه من جرائم لا انسانية لا نظير لها في التاريخ كله ومن سلب ونهب واستنزاف لثروات وموارد شعوب وبلدان العالم الثالث، وكذا الاساليب والسياسات المتعمدة التي اتبعها وفرضها على تلك الشعوب والبلدان لضمان إبقائها داخل نطاق الفقر والتخلف لأطول فترة زمنية قادمة، وهو ما يفرض على دول الغرب تبعات ومسؤليات والتزامات لا محدودة تجاه العالم الثالث او القسم الجنوبي من الكرة الارضية الفقير والمتخلف في كافة المجالات.. وعلى الرغم من مسئولية ((التجربة الرأسمالية العالمية)) وتسببها في تفجير واشعال حربين عالميتين رهيبتين ومدمرتين، بدافع فلسفتها وايديولوجيتها القائمة اساسا، على تحقيق الارباح والمكاسب والثراء بأي اسلوب ومهما كان الثمن، وتحللها من أية التزامات وضوابط تمليها القيم والاخلاقيات الانسانية السامية، إلا انها وجدت نفسها، منذ ما بعد الحرب العالمية الاولى ، مضطرة بل مُجبرة ، تحت ضغوط وتهديدات وتأثيرات دول (( المعسكر الشرقي الاشتراكي العالمي)) المنافس والمناقض للرأسمالية، فلسفة، وايديولوجية وغايات ونِده المتكافئ عسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً وصناعياً،اجبرت ((الرأسمالية العالمية)) الى تقديم تنازلات كبيرة استطاعت بها ان تُعدل من طبيعة وشروط نموها ودورها بتحسين حياة واوضاع واجور الطبقات العاملة فيها وبناء شبكة(( ضمان اجتماعي )) للعاطلين عن العمل وتخفيف ظروف العمل القاسية بالاجازات والترفيه والضمان الصحي، وإفساح المجال لدور فاعل للنقابات العمالية وتوسيع ومجانية كثير من الخدمات الاجتماعية العامة من خلال دفع الضرائب التصاعدية وغير ذلك من التنازلات التكتيكية، فيما يبدو، لتجنب المصير المتوقع لها بالتأزم والانهيار والسقوط اذا سارت وفقاً لايديولوجيتها الاصلية.. بعد انهيار وسقوط وغياب(( المعسكر الاشتراكي)) المنافس بقيادة(( الاتحاد السوفيتي )) وانتهاء ما عرف بمرحلة((الحرب الباردة)) بين القوتين الدوليتين العظميين التي ظلت تتحكم بمسار وحركة وموازين القوى في ساحة السياسة والعلاقات الدولية في مطلع العقد الاخير من القرن العشرين المنصرم، أعلن ((المعسكر الرأسمالي الغربي))، وخاصة قائدته وزعيمته بدون منازع الولايات المتحدة الأمريكية، انتصاره التاريخي الحاسم والنهائي على ((المعسكر الاشتراكي)) المنافس، وبالتالي السقوط الأبدي للاشتراكية، واعتبار(( الرأسمالية)) الخيارالمنتصروالأوحد الذي يجب ان يسود العالم كله ويقود حياته ومستقبله الى يوم (( القيامة )) !! وتحقيقاً وانفاذاً وتعميماً وفرضاً للخيار(( الليبرالي الرأسمالي )) الذي انتهى التاريخ الانساني الابدي به وله ومن اجله ظهرت على العالم دعوات وشعارات ضخمه من قبل ((النظام العالمي الجديد)) و(( الاقتصادالعالمي الحر)) و(( العولمة ))، ثم ترافق ذلك مع تهويل وتضخيم((الارهاب العالمي)) وخطرة الداهم والماحق وبدأت معارك وحروب عسكرية رهيبة بدعوى محاربة((الارهاب)) والقضاء عليه وتجنب((مخاطره وشروره)) على الحضارة الانسانية برمتها، كل ذلك وسط ضجيج دعاوى((العولمة)) و((الديمقراطية)) وحقوق الانسان والحريات التي تتردد اصداؤها في كافة ارجاء وجهات كوكب الارض، وتكاد تصم اذان البشر، وسط هذا الجو والمشهد الدرامي الذي يخطف الابصار والعقول جاء طرح وصياغة مطالب ومبادرات الاصلاحات الشاملة على دول منطقتنا العربية والاسلامية، خاصة، من قبل((المعسكر الغربي الرأسمالي المسيحي)) المنتصر، وبلسان وخطاب وسياسات ومواقف الادارة الأمريكية الحالية.. وتزامن كل ذلك مع دلائل ومؤشرات ووقائع تشير الى أن الرأسمالية المعاصرة تتجه نحو سحب وإلغاء تلك التنازلات والتحسينات التي قدمتها منذ عقود عديدة من الزمن تحت ضغط وتهديد وتأثير المعسكر الاشتراكي المنافس بقوة، وتبرر تنصلها بحجة انه لم يعد هناك ما يدفعها الى تقديم تنازلات بما فيها دفع ضرائب تصاعدية لتغطية شبكات الضمان الاجتماعي، مما يعني في الواقع الميداني الاستغناء عن ما يزيد على نسبة 80%( ثمانين في المائة) من أعداد القوى العاملة المتاحه بالفعل في سوق العمل داخل تلك الدول الرأسمالية، وهو ما يفسر حركة الاحتجاجات والرفض الجماهيري الذي يزداد اتساعاً وقوة يوماً بعد آخر على امتداد العالم، وخاصة الدول الصناعية (الرأسمالية الكبرى) ضد العولمة التي تطرحها الرأسمالية الامبريالية والتي بدت مخيفة ومفترسة ومتوحشة على نحو غير معقول ولا معهود، والتي عادت الى المنابع((الاصولية)) الاولى للايديولوجية((الليبرالية الرأسمالية)) التي تجعل من العمل والسعي لجني وتحقيق الارباح والإثراء المالي وحده المقدس الاعلى، ولوعن طريق السيطرة والحرب والقتل والتدمير وارهاب القوة، حيث لا بقاء إلا للقوة والأقوى ، دون مراعاة واعتبار للقيم والمُثل والأعراف والاخلاقيات الانسانية السامية والنبيلة كاحترام آدمية الانسان وكرامته والتعاطف والتكافل والتعاون الانساني والعدالة والمساواة ولو بحدودها الدنيا..وبهذا باتت ما تسمى بالعولمة إعلاناً بسيادة نزعات الحروب والقتل وسفك الدماء في سبيل السيطرة والهيمنة والاستئثار على حساب او بالأصح على أنقاض الدعوة والعمل من اجل تحقيق السلام والأمن والاستقرار والطمأنينة العامة لشعوب وامم وبلدان العالم اجمع.. وتلك هي الكارثة المروعة بعينها! ولو القينا نظرة تحليلية خاطفة لمضامين واهداف مبادرات الإصلاح المطروحة علينا مع ربطها ببرامج ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، واتفاقية ومنظمة(( التجارة العالمية )) بالاضافة الى سياسات وشروط ((الدول المانحة)) وهي الدول المالية والصناعية العظمى في العالم التي تفرضها على الدول المتخلفة اوالنامية لاستُكشِفَ وأنجلى حقيقة الابعاد والغايات المنشودة من ورائها.. غير انه لا خيار امامنا إلا ان نتوقف بالحديث عند هذا الحد، ويبدو اننا مضطرون الى تخصيص حلقة رابعة ختامية لاستكمال حديثنا، وللاجابة عن السؤال الكبير والمطروح حول: ما هي الابعاد والغايات لكل تلك المبادرات وما الحقناه بها من برامج وسياسات وشروط لمنظمات دولية ولدول مانحة وغيره؟! ذلك ما سنتعرض له في الحلقة الاخيرة القادمة باذن الله تعالى. صحيفة الأمة