استعرضنا في الحلقة السابقة ، ستة من ابرزواهم ملامح ومعالم طبيعة وتركيبة واداء تركيبة السلطة الحاكمة في اليمن ، وفي هذه الحلقة ، وهي الحلقة الختامية من هذه الدراسة ، نستكمل ماتبقى من تلك الملامح والمعالم الرئيسية ، لنخرج بصورة واضحة ، الى حد ما ، تثبت ان تلك السلطة هي في الواقع ابعد ماتكون عن الديمقراطية ونظامها وفلسفتها وثقافتها وممارساتها ، وذلك على النحو التالي : 7) نشر ودعم وتوسيع نطاق الفساد وحمايته : اعتمدت السلطة الحاكمة في اليمن ، منذ سيطرتها على مقاليد الحكم قبل 32 عام ، نهج زرع الفساد ونشره ودعمه وتعميقه وتوسيع نطاقه ليشمل كافة نواحي ومجالات ومؤسسات الدولة والمجتمع ، على نحو مدروس ومُنظم ومُتعمد ومُخطط بعناية فائقة ، عبر اعتماده عدة اساليب ووسائل فعالة ومتضافرة ومتكاملة معا ، من اهمها وابرزها : *) التدقيق والتحري الشديدين في انتقاء واختيار وتولية كبار قادة ومسئولي الدولة ومن يلونهم في المسئولية ، ممن تتوفر فيهم صفات ومعايير الفساد او القابلية للفساد والمقدرة الكفؤة على تعميم الفساد والإفساد ، دون خشية من اية عواقب لانهم محميون تماما . *) اتباع منهج تدميري رهيب يقضي بالإفقار العام والمُنظم للفرد والمجتمع ، باعتبار الفقر المستشري افتك سلاح في تدمير المبادئ والقيم والاخلاق على المستويين الفردي والجماعي ، وادخالهما في دوامة عاصفة من اشغالهما بهموم ومشاغل ومعاناة وعذابات الحياة المعيشية والكريمة التي لم تعد في متناولهما، بل باتت نائية بعيدة ، وبالتالي تدمير وتحطيم دورهما ومسئولياتهما في العمل السياسي والاجتماعي العام والانصراف عن المشاركة الفاعلة في رسم وبناء حاضره ومستقبله المشرق ، وهكذا صار الفرد والمجتمع ، نتيجة هذا المنهج التدميري التخريبي ، يعيش حالة من العزوف والإحباط واليأس وفقدان الأمل والسلبية العامة ، وهي حالة عملت السلطة على فرضها على الفرد والمجتمع اليمني. *) ومع اتساع نطاق الفقر والعوز بمستويات غير مسبوقة من قبل ، اتبعت السلطة اسلوب لايتسم بالاخلاق ولا المسئولية ولا الوازع الوطني والديني ، يقضي بإفساد الاخلاق القويمة ، وتخريب الضمائر الحية ، وتدمير المثل والقيم السامية والرفيعة ، وشراء الذمم والولاءات الشخصية غير المشروعة ، عبر تخصيص “هبات” مالية شهرية من رئاسة الجمهورية لالآف من المثقفين والكتاب والصحفيين والشخصيات الاجتماعية والسياسية ، هبات توازي اضعافاً مضاعفة مايتلقاه هؤلاء من رواتب او مرتبات وظائفهم الرسمية ، وقد تصل عند البعض من اولئك الموهوبين الى مئة ضعف رواتبهم حسب مستوى تصنيف كل واحد منهم ، في حين تعمدت السلطة باصرار على ابقاء مستويات المرتبات للموظفين العموميين في ادنى مستوياتها لا تفي حتى بسد احتياجات “حياة الكفاف” لغشرة ايام فقط ! 8) الاستيلاء والسيطرة على مؤسسات ايرادية تنموية والمال العام : ركزت السلطة الحاكمة في اليمن منذ سيطرتها على مقاليد الحكم قبل 32 عام ، على تحقيق هدف الاستيلاء على مؤسسات تنموية وايرادية كبرى والسيطرة عليها ونهب الاموال العامة بشتى السبل والوسائل والاساليب ، نذكر منها او بالأصح اهمها ، على سبيل المثال لا الحصر ، بالآتي : *) الاستيلاء التام ، بدون حياء او تغطية او مواربة ، على “المؤسسة الاقتصادية العسكرية” هذه المؤسسة النموذجية الرائدة التي اسسها الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي ، في بداية فترة حكمه “القصيرة” زمناً ، العظيمة عطاءاً وانجازاً،عبر “الاقتطاع” من مرتبات جنود وضباط الجيش والأمن ، لمؤسسة تعاونية هدفها تحسين وتطوير مستوى حياة الجنود والضباط وضمان عيش كريم ولائق لهم واسرهم وابنائهم واحفادهم من بعدهم ، عبر توفير المواد التموينية ومستلزمات الحياة لهم باسعار رمزية لاتستهدف الربح بل تقديم الخدمة ، هذه المؤسسة التي عملت السلطة الحاكمة الحالية منذ بداية حكمها على افساح المجال امامها للاستيلاء على مساحات شاسعة من اراضي وممتلكات الدولة وايضا المواطنين في كافة محافظات البلاد ، الشمال اولا ثم الجنوب ايضا لاحقا ،ومُنحت اعفاءات جمركية وضريبية كاملة ، ثم قامت تلك السلطة بالاستيلاء عليها بشكل كلي وتام ، ولقد تبين ذلك بوضوح عقب الاعلان عن قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م ، حيث تساءلت “قيادة وزارة الدفاع” التي لم تجد للمؤسسة الاقتصادية العسكرية اي وضع قانوني او مستندي او مالي ضمن هيكلية الوزارة ومؤسساتها ! فتساءلت وطرحت تساؤلها بقوة حول “ماهية الوضع القانوني والاداري والمالي” لتلك المؤسسة ، وبطبيعة الحال لم تتفجر “فضيحة ” او تثور اية مشكلة او ازمة ، اذ اكتفت السلطة الحاكمة بمجرد شطب كلمة “العسكرية” واستبدالها بكلمة “اليمنية” فقط لاغير وبكل بساطة ! ولاتزال هذه المؤسسة العملاقة الضخمة ، منذ مايزيد عن 30 عاما وحتى اليوم ، تُراكم ثرواتها المالية والاقتصادية الهائلة عبر الاستيلاء على اراضي الدولة والمواطنين والتمتع بالاعفاءات الجمركية والضريبية التامة ، والتحصن بحماية السلطة ودعمها ، لاتزال لغزاً محيراً للشعب والمنظمات والاحزاب والهيئات السياسية والاقتصادية والمدنية ولايمكن لأحد ، مسئول كان او جهة رسمية او رقابية او شعبية ، ان يتجرأ ويغامر بالاقتراب منها او فتح ملفاتها او معرفة مصير اموال وعوائد الجنود والضباط المساكين الذين دفعوا ، في تأسيسها ، من عرقهم ودمائهم ومعاناتهم ! ومثل هذا المصير الغامض والمريب شمل ايضا “مدينة الشهداء” التي امر الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي ببنائها لأسر الشهداء! والجميع يعلم المصير “المشين” الذي آلت اليه الى جانب رفيقتها “المؤسسة الاقتصادية العسكرية” *) تدمير وبيع مشاريع القطاع العام بابخس الاثمان : تعمدت السلطة الحاكمة في اليمن ، منذ سيطرتها على الحكم قبل 32 عام ، وعلى نحو اخص بعد الحرب الاهلية في 1994م ، على تعيين مسئولين يتم انتقاؤهم بعناية لادارة مشاريع وشركات القطاع العام ، تتحدد مسئوليتهم ، اساساً في تدمير وتخريب تلك المشاريع والشركات كمدخل لبيعها بابخس الاثمان ولعصابات “مافيا الفساد” بحجة انها مشاريع فاشلة او متعثرة رغم حقيقة انها لم تكن كذلك قبل تخريبها وتدميرها ! ولم يقتصر ” دراكولا ” الفساد الرهيب على المشاريع والشركات العامة ، بل تعداها ليشمل بيع الاراضي الشاسعة المملوكة لجامعة صنعاء والتي تم شراؤها بأمر من الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي من المواطنين لتغطية التوسعات المستقبلية للجامعة ، وكشاهد عيان ، بل ومشارك بحكم عملي انذاك في ادارة الجامعة ، لازلتُ اذكر تماما كيف كان رئيس لجنة الشراء المكلف الشهيد علي قناف زهرة ومقرر اللجنة الشهيد سالم محمد السقاف امين عام الجامعة وبقية اعضاء اللجنة المكلفة يفترشون الارض ويتفاوضون مع ملاك الاراضي ويدققون في وثائق ملكياتهم ويتفقون معهم على البيع والشراء ويستلمون الثمن ويوقعون على عقد البيع كل تلك الخطوات تتم من اولها الى آخرها في نفس الموقع بعيداً عن التعقيدات والدهاليز البيروقراطية ! هذه الاراضي الشاسعة التي صارت “شرعا وقانونا” ملكاً خالصاً لجامعة صنعاء، صَيرتَها السلطة الحاكمة ملكاً ل “المؤتمر الشعبي العام” المحسوب “حاكما” والذي قام بدوره ببيعها ل “مستثمرين” ! *) استنزاف اموال المؤسسات والشركات الايرادية ونهبها : وعلى جانب آخر ، وضمن سياق نهج الفساد والافساد العام والمنظم والمحمي ، دأبت السلطة الحاكمة منذ بداية سيطرتها على مقاليد الحكم في اليمن ، مشطراً ثم موحداً ، على اختيار وتعيين مدراء او رؤساء لكل المؤسسات والشركات الايرادية الناجحة وذات الربحية العالية ، بما في ذلك البنوك العامة ، باتفاق مسبق معهم ، على اقتطاع نسبة مئوية معلومة من ايرادات وارباح ورؤوس اموال تلك المؤسسات كل عام تحت مسمى ” نسبة رئاسة الجمهورية ” ! وتوريده الى الرئاسة فورا ، بعد تغطيته وتمويهه باساليب الفساد والتلاعب المعتادة ، مقابل افساح المجال امام اولئك المدراء او الرؤساء بالفساد والتلاعب ونهب الاموال العامة كيف يشاؤون وفي ظل مظلة الحماية المبسوطة على ادائهم ومسئولياتهم ! وحتى في حالة فشل اي واحد منهم في التغطية بذكاء على فساده وتلاعبه بالمال العام وفاحت رائحة فساده بشكل واسع يتم تغييره بآخر مماثل ، الى حين ان يتم تعيينه في منصب آخر اكثر اهمية او يُبتعث ” سفيرا ” للراحة والاستجمام !! ولعل اكثر اساليب الاستيلاء على الشركات والمؤسسات الايرادية ونهبها والسيطرة عليها ، فجاجة وجرأة ماحدث بالنسبة ل “بنك التسليف الزراعي التعاوني” الذي اطلق عليه مؤخرا الحروف المختصرة ” كاك بنك ” ،هذا البنك الذي تم تأسيسه في عهد الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي ، ايضا ، بهدف تشجيع ودعم ومساندة النشاط الزراعي والمزارعين لزيادة وتطوير الاقتصاد الزراعي والسمكي التعاوني في البلاد ، تم الاستيلاء والسيطرة عليه في السنوات الماضية ، عبر ادارة تم اختيارها بعناية فائقة لإدارة هذا البنك ، وجرى تحويله ، بقدرة قادر وبمجرد الهوى والرغبة التي تخفي اهدافها الحقيقية من ” مؤسسة تنموية تعاونية ” كما ينص على ذلك قانون انشاء البنك الذي لازال ساري المفعول ، الى ” مؤسسة مصرفية تجارية ” بالمخالفة لقانونه ونظامه الاساسي الساري ! وراح يمارس انشطة ” مصرفية ” بحتة ابتداءاً من التحكم بصرف مرتبات موظفي الدولة مروراً بإدخال جهات مصرفية خليجية كشركاء ، وانتهاءاً بتأسيس شركات تجارية متعددة والضغط على مؤسسات مصرفية وتجارية عامة للمساهمة فيها ، بدون قانون يَسمح بذلك او يُنظمه ، اضافة الى انشاء صناديق مثل ” صندوق التشجيع الزراعي والسمكي” تُجبى اليه رسوم مالية على مادة ” الديزل ” بواقع ريالين ونصف لكل لتر ديزل تحت مبرر تقديم الدعم والتشجيع والحوافز للمزارعين والصيادين ، وقد وصلت جملة تلك الرسوم المتحصلة خلال السنوات الماضية الى مايزيد عن 700 مليار ريال يمني،دون ان تَعرف اي جهة ادارية او محاسبيه او يَعرف اي فرد متخصص شيئاً عن مصير تلك المبالغ الهائلة وكيف تم صرفها بل وهل صُرفت للمجالات المخصصة لها ام لا ؟! ان هذه الايرادات الخيالية تذهب كما ذهبت اموال وايرادات وملكيات المؤسسات والشركات المماثلة السابق ذكرها آنفا !! ولا يُستبعد ان يقوم هذا البنك وغيره بممارسة نشاطات محظورة ومنافية للقانون المحلي والدولي مثل تبييض وغسيل الاموال وتجارة المخدرات وغير ذلك مادام في حُصن حَصين من المحاسبة والرقابة القانونيين وهكذا الحال ، في استنزاف ونهب اموال المؤسسات الايرادية الهامة في البلاد ، يجري في مؤسسة الطيران اليمني “اليمنية” و “شركة التبغ والكبريت” و “مؤسسة الموانئ” و “شركة الادوية” وغير ذلك من المؤسسات والشركات الايرادية الناجحة .. *) فرض الاتاوات والمشاركة بالباطن على المستثمرين : ولم توفر السلطة الحاكمة تلك ، حتى المستثمرين والنشاطات الاستثمارية الخارجية والمحلية ، من فرض الاتاوات والمشاركة في الباطن بنسب في مشاريعهم الاستثمارية بدون مقابل ، تحت دعوى توفير الحماية لهم ولاستثماراتهم داخل البلاد !! وهنا لايجد المستثمر، الذي ليس لديه إلمام بحقيقة الاوضاع في اليمن ، امامه سوى احد طريقين لا ثالث لهما ، فاما ان يقبل بالشروط غير المعلنة المفروضة عليه او يعود ادراجه الى حيث اتى ، واذا اصر على التحدي والمضي قُدماً فُتحت في وجهه ابواب جهنم من تسليط مُدعين بملكية الارضية التي اشتراها لاقامة مشروعه وخطفه من قبل قبائل موجهين من السلطة وايضاً خلق العقبات والعراقيل الى ان يفقد استثماراته وامواله او جزءاً منها في محاكم لاتتمتع بالنزاهة والاستقلالية ولا يُحترم في البلاد حكم القانون وسيادته ! هذا اضافة الى مايتعرض له رجال الاعمال من الصناعيين والتجار والمستثمرين المحليين من عسف واجراءات ظالمة جائرة بفرض مبالغ مالية طائلة ،عليهم تسليمها للسلطة بين فترة واخرى سواء في مواسم الانتخابات او لكسب ولاءات البعض وشراء ضمائرهم وولائهم ، وان لم ينفذوا تلك الاتاوات يتعرضون لشتى صنوف الاذى وإلحاق الاضرار الفادحة بهم عبر مطالبات ضرائبية جائرة ومُبالغ فيها وإحالتهم الى قضاء مسيطر عليه وموجه من السلطة واصدار أحكام غير عادلة ضدهم واختلاق مشاكل وازمات مفتعلة وتخويفهم بالخطف او القتل او السلب ! 9) السعي الدؤوب لتأبيد الحاكم وتوريث الحكم : بات واضحا منذ سنوات طويلة مضت ، ان السلطة الحاكمة في اليمن ، وان لم تمتلك يوماً رؤية او مشروعاً وطنياً لنهضة وتقدم وازدهار البلاد والعباد ، الا انها كانت تمتلك منذ اليوم الاول لسيطرتها على مقاليد الحكم عام 1978م ، مشروعاً فردياً قبلياً اُسرياً فئوياً يتمحور ، في كل مفاصله وملامحه ومراحله ، حول هدف ضمان استمرارها في الحكم وتأبيد بقائها فيه وإحكام السيطرة عليه بمختلف السبل والوسائل والاجراءات والسياسات والمواقف ، مشروعة وغير مشروعة ، من خلال ضمان وفرض استمرار شخص رئيس الجمهورية في الرئاسة مدى الحياة من ناحية ، وضمان انتقال الحكم وتوريثه لأحد القادة المنتمين الى اسرته ، والذي استقر في السنوات القليلة الماضية بشخص ابنه العميد احمد على عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ومن اجل هذا الهدف وفي سبيل تنفيذه وضمان تطبيقه ، تمحورت وتبلورت كل سياسات وبرامج وقرارات واجراءات ومواقف السلطة منذ سيطرتها على الحكم قبل 32 عام وحتى اليوم ، ولانريد هنا الدخول في تفاصيل وطبيعة كل ذلك ، لانها كلها باتت اليوم واضحة وضوح الشمس ، بل نكتفي باشارات خاطفة لاهمها وابرزها : *) نشر وتعميق وتوسيع دائرة ونطاق الفساد والافساد والفوضى المنظمة وافقار الفرد والمجتمع وتدمير القيم والمثل والاخلاق العامة ، وشراء الذمم وتخريب الضمائر على اوسع نطاق بما يوصل في المحصلة النهائية الى تيئيس المواطنين واحباطهم وافقادهم اية بارقة امل او تطلع بمستقبل افضل . *) تدمير وضرب وتشتيت كل القوى والفعاليات والمنظمات السياسية والمعارضة، وتجريدها من كل مقومات ووسائل النفوذ والتأثير والفاعلية لتصبح مجرد واجهات شكلية عاجزة تَقبل بالدوران في فلك النظام ولا تخرج عن اطاره او تتجه لإحداث التغيير السياسي المنشود. *) إحكام قبضة وسيطرة افراد اسرة الحاكم من القادة على وحدات ومفاصل وقوى الجيش والامن على نحو كامل وفعال والتخلص من كل الشخصيات القيادية الكفؤة التي تتأفف عن القبول بالانخراط في بوتقة الفساد والاهتمام بمصالحها الشخصية ، والاعتماد على شخصيات مستكينة “حالها وحال نفسها ” لايُشتم منها اي موقف خطير، لتجميل الصورة لا للتأثير عليها ! وهكذا تمكنت السلطة الحاكمة ، وخاصة بعد الحرب الاهلية االمدمرة في صيف عام 1994م وماتمخض عنها من اقصاء شريك الوحدة وتصفيته وازاحة واستبعاد عشرات الآلآف من العناصر العسكرية والمدنية والامَنية المحسوبة عليه ، من إحكام قبضتها المطلقة وسيطرتها الكاملة على الجيش والامن باعتباره الاداة القوية والوحيدة القادرة على حماية الحكم وضمان استمراره وبقائه الى الابد ، بعد ان اصبح تحت قيادة “الاسرة الحاكمة” وسيطرتها ونفوذها الكامل الشامل ! *) ومع استمرار المحاولات والجهود الدؤوبة لضمان تأبيد حُكم الرئيس ومن بعده ابنه ، فان السلطة الحاكمة شهدت مراحل تطورية في مسيرتها ، في البداية اعتمدت على الموالين من افراد القبيلة الاكبر “حاشد” الى جانب واضافة الى القبيلة الاصغر “سنحان” المنتمية اليها “الاسرة الحاكمة” ، ثم جرى تقليص الدائرة لصالح “سنحان” وبعد ذلك تقلصت الدائرة اكثر لصالح “اسرة الرئيس ” واخيرا تقلصت الدائرة اكثر لمصلحة الاعتماد على ابناء الرئيس وشقيقيه من دون اخوته دون ان يعني ذلك ازاحة واقصاء الأخيرين نهائياً من دائرتي القبيلة الأصغر والاُسرة ، بل ابقائهم في مراكز ومواقع ذات قوة ونفوذ ثانويين غير اساسيين !! كل ذلك مع استمرار كافة الاساليب والوسائل والسبل التي اتبعتها السلطة منذ صعودها الى سُدة الخكم قبل 32 عاما متواصلة من الفساد والإفساد والفوضى المنظمة والإفقار العام وافساد الاخلاق والقيم والمثل وشراء الذمم ، حيث بات من المستحيل وضع حد لها وايقافها لانها كانت رافعة السلطة ووسيلتها الفعالة لضمان سيطرتها وبقائها واستمرارها، وتدمير كل مايُشتم منه تهديداً او خطراً ولو متوهماً ضدها ! ولأن التخلص من تلك الاساليب والوسائل والسُبل المدمرة ووقفها من شأنه ان يؤذن بانهيار السلطة وسقوطها النهائي . وبعد هذا الاستعراض الضافي لطبيعة وملامح ومعالم السلطة الحاكمة في اليمن ومنهجها في الحُكم ، عبر اربع حلقات هي قوام هذه الدراسة حول “صندوق الاقتراع .. المفترى عليه” ، فاننا نتوجه الى القوى الدولية النافذة والحاملة لرأية ورسالة الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان في العالم ، مستصرخين ضمائرها الحية وقيمها ومُثلها الرائدة بسؤال محدد وبسيط يقول : بالله عليكم وقلدكم الله هل السلطة الحاكمة في اليمن وطبيعتها وادائها ووسائلها واساليبها القمعية الديكتاتورية الشمولية الفاسدة والمتخلفة التي استعرضناها في سياق هذه الدراسة ، تستحق او هي بالأحرى جديرة بمواقفكم المعلنة وشهاداتكم التي تُصدرونها تترى مُشيدة بديمقراطية هذه السلطة وقيم الحرية وحقوق النسان التي تقولون وتشهدون انها ترعاها وتُحققها .. ام ان المسألة لاتعدو خدمة مصالح بلدانكم الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية وغيرها ؟ ولتذهب الديمقراطية الى الجحيم بعدها ؟؟ ان الاجابة تقف حائرة ضائقة مشدوهة تائهة وسط النفاق السياسي المحيط بها . بريطانيا – شيفيلد -29 سبتمبر 2010م