دفعتان يافخامة الرئيس.. والثالثة من عندك!!

اخذتني الصدمة على حين غرة وانا استمع الى خطاب فخامة الرئيس في المؤتمر الاستثنائي للمؤتمر الشعبي العام الذي كرس لاعادة تسميته مرشحا للانتخابات الرئاسية القادمة ، وبثته وسائل الاعلام الرسمية كلها لمرات عديدة طوال يومين متتاليين ، حين فتح فجأة الملف سيئ الذكر المتعلق بإعدامات القادة الناصريين الشهداء عام 1978م دون مناسبة او اقتضاء حال لذلك اللهم الا اذا كان الهدف نوعا من تبرئة الذات وابراء ذمة! ومجمل ماقاله الرئيس في هذا الخطاب يدور حول انه امر بتنفيذ حكم اعدام اصدرته (محكمة شرعية) بإعدام الدفعة الاولى.. وأنه صدر حكم آخر على الدفعة الثانية المكونة من 22 ناصريا لكنه تفضل بإيقاف تنفيذ هذا الحكم مشيرا الى ان اعدام الدفعة الاولى كان (في لحظة غضب) لانهم تآمروا وانقلبوا على الشرعية الدستورية ولانهم كانوا سيحدثون فتنة كبرى في البلاد …الخ.   والواقع اننا نعلم كما يعلم الجميع ان هناك دفعتين تتكون الاولى من تسعة من كبار القادة العسكريين وهم: 1-محسن احمد فلاح. 2- عبدالله صالح الرازقي. 3- محمد مبخوت الفليحي. 4- عبد الواسع الاشعري. 5- مهيوب علي العرفي. 6- قاسم منصر اسماعيل الشيباني. 7- عبد العزيز محمد رسام. 8- حسين عبدالله منصر. 9- احمد مطهر مطير. هؤلاء الشهداء تم اعدامهم حسب وسائل الاعلام الرسمية وكما اكده مصدر مسئول مؤخرا بتاريخ 31-10 – 2005م يوم 27 -10 -1978م دون ان نعلم إن كان قد تمت محاكمتهم ام لا؟.. أما الدفعة الثانية فتتكون من 12 شهيدا يشكلون القيادة العليا للتنظيم بكاملها تقريبا مع عدد من القيادات الادنى وهم: 1- عيسى محمد  سيف. 2- سالم محمد السقاف. 3- محمد احمد ابراهيم نصر. 4- عبدالسلام محمد مقبل. 5- احمد سيف الشرجبي. 6- محمد محسن سعيد الحجاجي. 7- عبدالكريم ناصر المحويتي.  8- علي محمد عباد السنباني. 9- ناصر محمد اليافعي. 10- مانع يحي سعد التام. 11- حسين عبد الباري احمد المدحجي. 12- علي صالح حسين  ناجي الردفاني. هؤلاء الشهداء تم اعدامهم بحسب وسائل الاعلام آنذاك وتصريح الناطق الرسمي مؤخرا والمشار اليه عاليه يوم 5-11-1978م.. بحسب حكم صادر من ماسميت (محكمة امن الدولة العليا).. والحقيقة ان مبعث  دهشتي وصدمتي ان الرئيس قد اعلن لاول مرة ان هناك دفعة مكونة من 22 من القيادات الناصرية حكم عليها بالاعدام لكنه هو من اوقف التنفيذ ولم يكن احد منا- نحن الناصريين- آنذاك يعلم لا ولا حتى الذين كانوا في السجون ان هناك دفعة قد جرت محاكمتها وصدرت بحقها احكام اعدام على الاطلاق.. كما ان هذه الدفعة لم تكن كما قال الرئيس (دفعة ثانية) بل كانت ستكون- لولا لطف الله- الدفعة الثالثة.. ولعلي اذيع سرا هنا ولاول مرة بأن الذي اوقف مسلسل الاعدامات الرهيبة، وقد كان هناك دفع عديدة مقدر لها ان تأخذ دورها الى المحكمة والمقصلة، كان تدخلا عاجلا من قبل المملكة العربية السعودية بعد ان هالتها وروعتها تلك المذابح التي حصلت والمذابح التي كانت في الطريق وضغطت بكل ثقلها وبشكل حاسم لوقف ذلك المسلسل فورا وقد كان واذا كان هناك من كبار رجال الدولة آنذاك من الذين كانوا على صلة بهذا الامر مباشرة كمعنيين قد انتقلوا الى رحمة ربهم فإن البعض الآخر لايزال على قيد الحياة- اطال الله في اعمارهم- يشهدون على ذلك.. لقد تحدث فخامة الرئيس عن (محكمة شرعية) اصدرت الاحكام و (متآمرين) انقلبوا على الشرعية الدستورية وبأنه وافق على اعدام دفعة واحدة والغى الاخرى وهو مالم يتم  في حقيقة الامر بحجة ان هؤلاء الانقلابيين كانوا سيثيرون في البلاد فتنة رهيبة! والواقع انني اتساءل اي شرعية تكتسبها محكمة (علما ان الدفعة الاولى لا احد يعلم الا الله وحده الجهة التي حاكمتهم وإن كان الجهة التي حاكمت الدفعة الثانية هي (محكمة امن الدولة العليا) وهي محكمة كما يدل عليها اسمها محكمة طوارئ واحكام استثنائية عرفية تفتقر إلى ابسط معايير النزاهة والعدالة في ظل نظام حكم شمولي ديكتاتوري قمعي واذا كان انقلاب الناصريين قد حدث في 15 – 10-1978م فإن اعدام الدفعة الاولى قد تم بحسب المصادر الرسمية يوم 27-10-1978م اي بعد حوالي 11 يوما من الحادثة. أما الدفعة الثانية فقد اعدمت بحسب المصادر الرسمية يوم 5-11-1978م أي بعد حوالي 19 يوما فقط .. فهل الحكم بإعدام عشرات من القادة العسكريين والمدنيين خلال تسعة عشر يوما فقط منذ بدء العملية المجرمة بعرف السلطة يمكن لاي انسان ان يطلق عليها محكمة شرعية متى تم التحقيق؟ اين محامي الدفاع؟ اين درجات التقاضي المتعارف عليها في طول العالم وعرضه؟ ثم اي انقلاب على شرعية دستورية يدعون..؟! ألم يكن الوضع القائم في البلاد آنذاك يستمد مشروعيته ووجوده من الانقلابات العسكرية والاغتيالات التي بلغت ذروتها المأساوية بإغتيال الرئيس الشهيد الزعيم الكبير ابراهيم الحمدي واخيه ورفاقه غيلة وغدرا ، إن تلك الاوضاع كانت لاتستند الى ادنى مشروعية شعبية او دستورية تحرم المساس بها بل ان طبيعة وجودها كانت تفرض على طلائع الشعب واجب الخروج عليها..فعن اي شرعية دستورية يتحدثون والنظام شمولي احادي عسكري بوليسي الى اقصى الدرجات. ثم هل يستطيع احد من مخلوقات الله ان يدعي علمه بالغيب ويحكم على ضمائر الناس ويصادر حياتهم بدعوى انهم كانوا لو نجحوا سيثيرون فتنة.. يعني هنا يعدم الانسان لانه كان سيفعل ولم يفعل وليس من سلطة في هذا الشأن لانسان،فلايعلم الغيب الا علام الغيوب  جل جلاله، ربما كان تخمين الرئيس هو ماسيحدث ولكن وبنفس القدر فإن التخمين بحدوث شيء مناقض لتخمين الرئيس جائز جدا ايضا.. وبناء على ماسبق ذكره فإننا نعيد التأكيد مجددا وسنظل نؤكده دائما بأن قضية اعدام القادة الناصريين العسكريين والمدنيين لا تزال محاطة بقدر كبير من الالغاز والغموض والاسرار وهو مايبرر ويلح في مطالبتنا بإجراء تحقيق مستقل ومحايد لمعرفة كل جوانب هذه القضية الانسانية المريعة وخاصة منها تلك الجوانب المتعلقة بالتحقيقات والاعدامات.. كيف تمت ، اين تمت ، اي ثرى ضم رفات اولئك الشهداء العظام، ولابأس من الاستعانة بخبرات تقنية وفنية دولية متطورة خاصة ان المصدر المسئول يقول بأن الدفن تم في مقبرة خزيمة أما معلوماتنا فتشير الى انه بالنسبة للدفعة الاولى من القادة العسكريين التسعة فقد القي بهم احياء  في بئر قديمة تقع عند السور الغربي لمبنى القيادة، اما الدفعة الثانية من القادة السياسيين المدنيين الواحد والعشرين فإنهم قد دفنوا احياء  في اخدود تم حفره في احد معسكرات الجيش شمال غرب صنعاء.. اجل ان استشهادهم كان في (لحظة غضب) كما اشار فخامة الرئيس في خطابه ونحن بالمقابل لسنا طلاب (ثأر) او (انتقام) بل كل مايهمنا ومانطلبه ونلح عليه إزاء قضية مروعة كهذه ولاعتبارات انسانية صرفة، يقتصر على ضرورة التحقيق لكشف الحقيقة والحقيقة كلها طريقا مستقيما لمصارحة مفضية الى مصالحة .. ذلك ان الحقيقة والحقيقة وحدها قادرة على تطهيرنا جميعا من آثامنا وخطايانا لتستريح ضمائرنا ويطمئن بالنا سواء كنا أسرا لهؤلاء الشهداء ام كنا لهم رفاقا او كنا نشترك معهم في انتماء الوطن والشعب.. إنها قضية ضمير وطني ومسألة دين واخلاق في المقام الاول والاخير، فنحن كمسلمين مطالبون بأن نقول الحق ونشهد به ونصدح بالحقيقة ولو كانت على حساب انفسنا او والدينا او الاقربين.. ونأمل من المعنيين ان يحملوا همنا الانساني هذا على محمل حسن وجاد دون تفسيرات سيئة النية، فنحن في حقيقة الامر ملزمون اخلاقيا بمعرفة مصير رفاقنا ولو ذهبنا الى آخر الدنيا او هلكنا دون ذلك والله المستعان نعم المولى ونعم النصير.    

موضوعات ذات صلة