مرت على قيام(( المؤتمر الشعبي العام )) فترة من الزمن تمتد الى احد عشر عاما، وهي فترة هامة وتاريخية في التاريخ السياسي لبلادنا ، اذ حدث اثنائها تحوُل جذري كامل على صعيد النهج السياسي العام، تحولت فيه البلاد من نظام شمولي اُحادي ديكتاتوري الى بداية نظام ديمقراطي يقوم على التعددية الحزبية وضمان سائر الحريات العامة.. واستنادا الى حقيقة ذلك التحول الهام تلوح أمامي دواعٍ جادة للحديث عن (( المؤتمر الشعبي )) لا يعدو كونه مجرد اطلالة خاطفة لطبيعة الظروف التي نشأ في ظلها، وموقعه في ظل ظروف التحول السياسي الجديد، في محاولة لتسجيل بعض الانطباعات والخواطر باعتباره حزب الأغلبية من واقع نتائج اول انتخابات برلمانية تتم على اساس التعددية الحزبية في بلادنا. ورغم انني ممن لا يميلون او يحبذون الخوض في خصوصية افكار ونهج وتركيب اي حزب من قبل اشخاص لا ينتمون اليه، تَحُوطاً من ان تقود محدودية المعرفة الى سوء فهم ومن ثم سوء تفاهم يربك ويوتر التفاعل والتناغم الايجابي بين مختلف اطراف العملية السياسية، وينحرف به نحو دروب المهاترات والمشاحنات التي تؤثر سلباً في مردود ونتائج التفاعل الديمقراطي، إلا انني مع ذلك ازعم وجود مُسوِغ معقول يتيح لي الحديث عن ((المؤتمر الشعبي)) وحوله، حيث كُتِبَ عليّ ان اكون ضمن المجموعة التي يمكن ان يطلق عليها((المجموعة المؤسسة)) للمؤتمر الشعبي العام، بجانبيه النظري والمتمثل بصياغة وثيقته الفكرية (( الميثاق الوطني )) والمؤسسي المتمثل بإقرارصيغة (( المؤتمر)) التنظيمية كتنظيم سياسي، وفي اعتقادي ان هذا المُسوِغ كافياً لإزالة حرج الحديث عن وحول تنظيم سياسي آخر.. والواقع ان اكثر ما دفعني لفكرة الحديث حول ((المؤتمر الشعبي)) تلك الحوارات والمناقشات التي دارت على صفحات بعض الجرائد، وتباينت ما بين مطالب بتغييرالصيغة التنظيمية الحالية للمؤتمر وتحويله الى حزب بالمواصفات والشروط المتعارف عليها لمفهوم ((الحزب)) إنسجاماً مع التوجه الديمقراطي القائم على اساس تعدد الأحزاب والتنظيمات السياسية، ووجهة نظراخرى ترفض تغيير الصيغة وتُلح على الإبقاء عليها والتمسك بها كما هي قائمة بالفعل. وقبل ان نحاول إجراء حوار ومناقشة موضوعية لمبررات ومنطلقات وغايات كل من الفريقين المطالب بتغييرالصيغة والمتشبث بها، فإنه من المفيد والضروري معاً ان نبدأ بعمل إطلالة سريعة وعامة لطبيعة المرحلة التاريخية التي برزت في ظلها فكرة اقامة ((المؤتمر الشعبي)) والظروف والاوضاع التي نشأ وفقاً لمقتضياتها وغاياتها آنذاك. وكما هو معلوم فقد برزت فكرة قيام ((المؤتمر الشعبي العام)) ونشأ في ظل ظروف واوضاع سياسية إفرازاً طبيعياً للمرحلة التي كانت سائدة ومهيمنة آنذاك، وهي مرحلة تحددت اهم معالمها وسماتها الرئيسية باختصار شديد على النحو التالي: · نظام سياسي حاكم يقوم بالكامل على اساس الشمولية المطلقة وتحريم وتجريم الوجود والعمل والانتماء الحزبي الى حد جعل عقوبة الإعدام جزاء لكل من تثبت ادانته بالحزبية، ولم تكن هذه السمة مقتصرة على ((اليمن)) وحدها، بل انها سمة طبعت كل انظمة الحكم العربية تقريباً باستثناء (( لبنان )). · وبما ان وجود الأحزاب مُحظوراً ومُحرماً بنصوص دستورية وقانونية نافذة، فان مهندسي وصانعي القرارالسياسي للنظام الحاكم شعروا بأن ذلك الحظر والتحريم المطلق والحازم للوجود والعمل الحزبي عموما، سوف ينتج عنه حتما وبالضرورة نشوء حالة من الفراغ السياسي يتوجب التفكير بابتكار وسائل جديدة لملئ حالة الفراغ في الساحة السياسية وبايجاد وخلق بديل سياسي تضفى عليه المشروعية الدستورية والقانونية ، بتكوين تنظيم سياسي يكون اطاراً شعبياً واسعاً يستوعب ويؤطر الفعاليات الشابة المتفجرة حماساً وندافاعاً للقيام بدورما في الحياة العامة لوطنها، مستلهماً ومواصلاً لتجربتين مماثلتين سابقتين منذ قيام ثورة سبتمبر، ((الاتحاد الشعبي الثوري)) ابان فترة حكم الرئيس عبدالله السلال.. و((الاتحاد اليمني)) خلال فترة حكم الرئيس عبد الرحمن الارياني. · شعور نظام الحكم في شمال الوطن بحاجته المُلِحَة لايجاد صيغة سياسية مماثلة ومقابلة للصيغة السياسية او ((الحزب الحاكم)) في جنوب الوطن، بفعل مقتضيات الصراع السياسي المرير الذي كان قائماً بين نظامي الحكم في الشطرين. وهكذا وفي ظل تلك المعالم الرئيسية للمرحلة السائدة بظروفها واوضاعها، برزت فكرة قيام تنظيم سياسي واسع ومفتوح فكانت نشأة وقيام ((المؤتمر الشعبي العام)) والواقع ان فكرة إنشاء تنظيم سياسي وحيد في البلد لم تكن بمعزل عن الهم الدائم والشغل الشاغل للنظام الحاكم آنذاك بالقضاء على الأحزاب التي كانت قائمة ونشطة بالفعل، ولكن في اطار من السرية المطلقة، وهو هَمْ وشغل كان عنوانا رئيسيا للمرحلة التاريخية التي سادت المنطقة العربية والغالبية العظمى من بلدان العالم الثالث، كما ان فكرة انشاء ((تنظيم سياسي واسع)) كانت هي الفكرة السائدة على النطاقين العربي والعالم الثالث في مرحلة كانت فيها ((النظرة الشمولية الاحادية)) هي سيدة الموقف والنهج السائد والمهيمن، وفي وقت لم تكن الافكارالديمقراطية القائمة على ((التعددية الحزبية)) و((الحريات العامة)) و((التداول السلمي للسلطة)) قد تمكنت من احتلال مواقع لها ذات اهمية في اذهان ((العامة)) بل وفي تفكير وقناعات ((الصفوة)) من احزاب ومنظمات نقابية ومهنية ومثقفين، حتى ان مجرد التبشير بتلك الافكار الديمقراطية يعتبر عملا من اعمال ((الخيانة)) و((العمالة)) و((الانحراف)). وللحقيقة فان تجربة اقامة ((تنظيم سياسي واسع ومفتوح))التي انتهجتها نظم الحكم الشمولية السائدة على مستوى دول((العالم الثالث)) بما فيها الدول العربية ، تجربة اثبتت الوقائع والاحداث اخفاقها وفشلها الذريع ، حيث اصبحت تلك التنظيمات السياسية مجرد اُطر تنظيمية شكلية لا دور فاعل لها سوى مباركة وتبرير تصرفات وممارسات الحكم القمعية والدكتاتورية ، وكانت عبارة عن جهاز بيروقراطي تضخم جسمه بشكل هائل حتى بات عبئا ثقيلا عديم الفعالية والحيوية، لا آثر من شعور يَسري في اوصالة بوجود حافز ودافع إيماني راسخ بقضية وغاية نبيلة يناضل من اجلها ويقدم اغلى التضحيات في سبيل الانتصار لها، وتلك حالة طبيعية متوقعة لتنظيم ينشأ بقرار من السلطة الحاكمة، وينحصر دافع الانتماء الى صفوفه في نطاق محدود من تحقيق المكاسب والمصالح الشخصية بحكم ارتباطه بالدولة. وفي إطار هذه الرؤية العامة، فاننا نجد ((المؤتمر الشعبي العام)) قد نشأ وسط نفس الظروف والاوضاع التي افرزتها المرحلة السائدة آنذاك في شمال الوطن، وعلى ذات النهج السياسي الذي حكم مسار الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي والعالم الثالث او بالأصح في الغالبية الساحقة من دولهما، على النحو الذي سبق ان اشرنا الى معالمة الرئيسية آنفا، ويمكننا ان نُبلور ابرز وأهم السمات التي طبعت نشأة ((المؤتمر الشعبي)) كما يلي: · ان قيام ((المؤتمر الشعبي العالم)) جاء استناداً الى قرار رسمي من قبل النظام الحاكم ليكون بمثابة إطاراو تنظيم سياسي شعبي واسع ومفتوح واضفى عليه مشروعية الوجود باعتباره تنظيماً سياسياً واحدا ووحيدا في البلاد يُعبرعن نظام الحكم وتوجهاته. · واقتضت طبيعته والغاية المنشودة من ورائه ان تكون ابواب الانتماء اليه مفتوحة على مصاريعها أمام كل من يرغب في الانضمام اليه، وإن لم يخلو الأمر من طابع الإلزام في الإنضمام الى عضويته بحكم الوظيفة، اضافة الى جعل عملية التلقين او التثقيف الفكري والسياسي لوثيقته النظرية وبرنامجه السياسي وادبياته عملية مُلزمة وإجبارية لجميع موظفي الدولة وقطاعاتها المختلفة. · واستناداً الى مبررات وغايات اقامته، كما اوضحناها آنفا، فان وثيقته الفكرية النظرية المتمثلة بـ ((الميثاق الوطني)) حرصت وتحرّت ان تجيء صياغتها محققة قدراً من التوفيقية في التوجهات الرئيسية لكل من التيار الاسلامي والتيار القومي والتيار اليساري وإن كان الأخير اقلها نصيباً في أخذ توجهاته في الاعتبار. ورغم ان صيغة((المؤتمر الشعبي ))لا تخرج عن صيغة((التنظيم السياسي الواسع والوحيد)) التي كانت صيغة سائدة على مستوى البلدان العربية وبلدان العالم الثالث في خطها الاساسي العام، إلا ان تجربة ((المؤتمر الشعبي العام)) كاطار او تنظيم سياسي شعبي واسع ووحيد، تتميز عن سائر التنظيمات السياسية المماثلة لها في كثير من البلدان العربية بميزتين رئيسيتين: الاولى: ان صيغته الفكرية النظرية لم تُطرح بشكلها المتكامل والمُعدة سلفاً من قبل الزعيم او القائد الحاكم كما جرت العادة ـ غالبا ـ في التجارب المماثلة، بل جرى إعدادها وصياغتها عن حوار واسع من خلال لجنة سُميت ((لجنة الحوار الوطني)) مثلت فيها الاتجاهات السياسية الرئيسية! الاسلامية والقومية واليسارية بصرف النظر عن التفاوت الكبير في حجم تمثيل كل اتجاه او تيار من التيارات الثلاثة حيث كان تمثيل الاتجاه الاسلامي في تلك اللجنة طاغياً وكاسحاً، كما خضعت الصيغة المقترحة لاستبيان شعبي واسع الى حد ما.. ولهذا جاءت صيغة ((الميثاق الوطني)) محققة لقدرلا بأس به من التوفيقية الفكرية والسياسية. الثانية: كما ان تركيبته التنظيمية او بعبارة ادق قرار انشائه كتنظيم او كيان سياسي جاء بموجب ما توصلت اليه لجنة الحوار الوطني، وتميزت تلك التركيبة عن سائر التنظيمات السياسية المماثلة في البلدان الاخرى من كونها تركيبة غير مقفلة على نفسها بالكامل اي غير مقتصرة في حركتها وعناصرها على اعضائها المنتمين اليها، بل نهجت نهجاً جديداً يقوم على الانتخاب الشعبي لحوالي 70% من تشكيلاتها بغض الطرف عن طبيعة واساليب ادارة وتوجيه ذلك الانتخاب، ومثل هذا النهج التنظيمي الجديد كان كفيلا بأن يوفر للمؤتمر الشعبي، ولو من الناحية النظرية ـ امكانية واسعة للتجديد المستمرلأعضائه ومستوياته وخلق مجال واسع للحيوية والتزود بدماء وقدرات جديدة باستمرار. تلك كان إطلالة سريعة للتعرف على اهم ملامح المرحلة التاريخية وما افرزته من ظروف واوضاع نشأة ((المؤتمر الشعبي العام)) بوثيقته الفكرية وكيانه التنظيمي، في ظلها ووفق مقتضياتها آنذاك. ثم جاء وضع جديد كل الجدة، ومختلف تمام الاختلاف، بالحدث التاريخي الهائل المتمثل باعادة الوحدة الطبيعية للوطن اليمني في 22 مايو 1990م ، وإنهاء حالة التشطير غير الطبيعية باقامة دولة يمنية واحدة تنبني على اساس النهج الديمقراطي القائم على مبدأ تعدد الأحزاب والحريات العامة والتداول السلمي للسلطة، فكان من الطبيعي بل الحتمي ان تثور مناقشات وتبرزآراء محورها سؤال جوهري يتساءل.. هل صيغة((المؤتمر الشعبي العام)) كتنظيم سياسي، مع التغيرالجذري للظروف والاوضاع التي نشأ في ظلها ووفق مقتضياتها ، لاتزال صيغة مناسبة وملائمة مع واقع التوجه الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية..ام ان طبيعة المتغيرات الهائلة التي شهدتها البلاد تحتم على ((المؤتمر الشعبي)) إعادة النظر في صيغته الحالية والتحول الى صيغة بناء حزبي يتوافق مع التقاليد والاعراف والاسس الحزبية المتعارف عليها؟؟ والحقيقة ان بروز مثل هذا التساؤل الجاد والموضوعي يطرح اشكالية هامة وحقيقية تتطلب قدرا كبيرا من الدراسة والبحث المعمقين بهدف استخلاص تصور دقيق وصائب، غير اننا هنا نكتفي بتسجيل بعض الانطباعات والخواطر تدور حول (( الاشكالية )) وقد لاتتوفر لها قدرة النفاذ الى صلبها والإلمام بمختلف جوانبها. وبادئ ذي بدء يُخيل اليّ ان هناك حاجة الى الاتفاق مسبقاً على المفهوم والطبيعة العامة للحزب او التنظيم السياسي الذي اراه من وجهة نظري بأنه مجموعة من الناس يجمع بين افرادها إشتراكهم في الإيمان والقناعة بفكر اوتوجه او رؤية نظرية سياسية واجتماعية وقيمية معينة تتبلور في وثيقة نظرية او برنامج معين، وتكون لها قيادة وتشكيلات في مستويات تنظيمية تشكل في مجملها الاطار الذي ينظم ويوجه حركة ونشاط افرادها وينسق بين جهودهم وطاقاتهم من خلال قواعد تحكم الحركة والمسؤليات والاساليب والغايات للعمل الجماعي المنظم وهي قواعد يتضمنها عادة ما يطلق عليه النظام الاساسي او اللائحة الداخلية وغير ذلك من التسميات.. تلك هي اذن طبيعة ومفهوم الحزب، كما اتصور، ومنها يتضح الخطأ الفادح الذي يقع فيه البعض حين يفرقون بين مفهوم الحزب ومفهوم التنظيم السياسي وتصورهم انهما ذات طبيعتين مختلفتين بينما يؤكد الواقع انهما ذات طبيعة ومفهوم واحد تماماً لا فرق بينهما.. ومن جهة اخرى تلوح ايضا حاجة ثانية لتوضيح الفارق الجوهري الكبير بين طبيعة البناء الحزبي في ظل العمل السري المطلق من تحت الارض، وطبيعته في ظل التعددية الحزبية المشروعة والعلنية! فطبيعة البناء الحزبي في مرحلة السرية اقرب الى البناء العسكري الأمني البالغ الدقة والصرامة حيث يقتضي سلسلة طويلة من التحري والحذر والتدقيق لاختيار النوع المنتقاء وفق شروط ومواصفات شديدة التعقيد وعلى مدى زمني طويل وذلك خوفاً او تحاشياً لامكانية اختراق الاجهزة الامنية لذلك البناء الحزبي فتسهل عملية ضربه وملاحقته وتصفيته. في حين ان البناء الحزبي في مرحلة مشروعية التعددية الحزبية العلنية يقوم على قاعدة طوعية الانتماء وحرية الانسحاب من الحزب متى وكيفما شاء، ويعتمد اساساً على الحركة الجماهيرية الواسعة بهدف تحقيق اكبر قدر ممكن من التأثير السياسي على توجهات وقناعات الرأي االعام بمختلف شرائحه، فبمقدار نجاح هذا الحزب او ذاك في إحداث اكبر قدر من التأثير على الرأي العام تكون النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع لصالح هذا الحزب او ذاك، وهنا لا تبقى ضرورة للتركيز والاهتمام على النوع النقى بعناية ودقة فائقتين ، بل تصبح الضرورة متجهة نحو الاستقطاب الواسع، بهدف تحقيق انتشار حزبي في اوسع نطاق جغرافي واجتماعي. والواقع ان هناك خلطاً وتداخلاً كبيراً لا زال قائماً بين طبيعة ومفهوم البناء الحزبي في مرحلة السرية ومرحلة العلنية، وتنعكس نتائج ذلك الخلط والتداخل على تحديد رؤيتنا لطبيعة البنية التنظيمية لهذا الحزب او ذاك. وفي ضوء هاتين النقطتين سنحاول الوقوف امام التساؤل او الاشكالية المتعلقة بالمؤتمر الشعبي العام، وبما ان المقالة قد جاوزت او كادت الحيز المتاح لها في صحيفة اسبوعية فاننا سنكتفي بايراد بعض الانطباعات والخواطر على شكل نقاط رئيسية على النحو التالي: · اننا نعتقد ان طبيعة المتغيرات الهائلة التي استجدت على بلادنا قد فرضت على ((المؤتمر )) ان يُغيِر من اساليب بنائه وعمله، حيث اوجبت عليه ان يكون تنظيماً مغلقاً على اعضائه فقط، اذ لم يعد ممكنا ان تظل نسبة 70%من تشكيلاته قائمة على الانتخاب الشعبي بشكل او بآخر كما لم يعد بمقدوره ان يمارس الدعوة والتثقيف بفكره وادبياته بشكل إلزامي على الجميع. · كما ان تلك المتغيرات قد انهت وحدانية المؤتمر وتفرده بالعمل السياسي ، بل اصبح الى جانبه عددا من الأحزاب المنافسة والقوية، وذلك يحتم عليه ضرورة الارتقاء والارتفاع الى مستوى يؤهله فكريا وحركيا للوقوف امام ذلك التنافس واحتمالاته المفتوحة. · ان التركيبة الحالية للمؤتمر من حيث استنادها الى قاعدة واسعة من شرائح وفئات المجتمع، ومن حيث احتوائها على قدر من التنوع السياسي والحزبي يبدو انها تركيبة ـ من وجهة نظري ـ اكثر قُرباً وملاءمة لطبيعة البناء الحزبي الصحيح للتعددية الحزبية العلنية واساليب حركتها الجماهيرية الواسعة. · على ان ذلك لا يعني بحال القول بأن المؤتمر الشعبي في تركيبته التنظيمية قد بلغ مستوى من الكمال والمثالية، وانما قصدنا الوصول الى حقيقة أن محاولة تحويل المؤتمر الى حزب برغم عدم وجاهة وصواب هذه التفرقة بين التنظيم والحزب حيث ان المؤتمر يُعتبر حزباً في الطبيعة والمفهوم، كما اوضحنا سابقا، فان محاولة جره الى ما يتوهم انه بناء حزبي، سيدفع به الى إجراء عملية فرز وغربلة لن تكون نتيجتها سوى نسف الاساس الذي يقوم عليه بناء وتركيب المؤتمر، في ظل غياب تجربة حزبية نضالية خاصة به. ولهذا فان أهم ما ينبغي على المؤتمر الشعبي تركيز اهتمامه عليه هو فرز وابراز واجهات قيادية مقبولة وذات سمعة وتأثير جماهيري جيد، والتأكيد على مزيد من ممارسة الديمقراطية داخل اطاره وافساح المجال واسعا امام مختلف الآراء والتوجهات، وهي صفة يتفرد بها المؤتمر لاحتوائه على خبرات حزبية وسياسية متعددة، للتعبير عن ارائها ووجهات نظرها مهما كانت مخالفة للآراء ووجهات النظر صاحبة الأغلبية، إن ذلك سيوفر للمؤتمر تجربة فريدة باعتباره ساحة خصبة وحيوية لتفاعل الآراء تزدهر في تربتها الأفكار والحلول الجديدة والمتجددة باستمرار ، مما يكسبه صفة الشباب والتميزالإيجابي فكراً واداء وانجازاً.. وتخطر على ذهني ـ في هذا الصدد ـ خاطرة اراها جديرة بالدراسة ومؤداها انه ربما كان من المفيد للمؤتمر الشعبي العام، وقد استعرضنا ظروف وطبيعة نشأته، لو تبني فكرة إحياء لجنة الحوار الوطني وجعل جميع اعضائها المتبقين على قيد الحياة بمثابة ((هيئة استشارية)) للمؤتمر الشعبي بغض النظر عن تعدد وتباين انتماءاتهم الحزبية، وذلك باعتبارهم مؤسسين للمؤتمر فكراً وتنظيماً، إن تحقيق هذه الفكرة المقترحة سوف يوفر للمؤتمر إمتلاك رؤية على قدر كبير من الرصانه والمسئولية مستخلصة من واقع تجارب بعض اعضاء لجنة الحوار الوطني المنتمين الى احزاب اخرى، ولست ارى غضاضة في ظل التعددية الحزبية العلنية ان يستعين اي حزب من الأحزاب ويستفيد من اراء وخبرات واستشارات من خارج إطاره، بل لعل ذلك مما يجب على مختلف الأحزاب ان تفكر فيه وتأخذ به. وعلى كل حال فان هذه مجرد خواطر وانطباعات تلقائية عابرة ربما اعتورها القصور والعجلة، لكنها في كل الاحوال مجرد محاولة لإثارة نقاش اوسع والله الموفق. صحيفة الشورى