السلطة المحلية التي اصبحت اكثر مركزية وشمولية

لست ادري لما نحن في اليمن غالباً ما يكون حظنا سيئا وأمالنا متعثرة ونكده فكلما تطلعنا إلى شيء وهفت أمالنا إلى تحقيقه في حياتنا وجدناه معاكسا ومخالفا ونقيضا لما تطلعنا إليه وتمنيناه فيزداد حنيننا لما سبقه  وتعمقت حسرتنا وتندمنا لذهاب ما سعينا إلى ذهابه وقلنا ليتنا لم نطالب بالتغيير أو التطوير  . تمنينا وعملنا على زوال النظا م الملكي الامامي وهللنا للثورة ونظامها الجمهوري الجديد وقدمنا تضحيات هائله وجسيمه لتثبيته وانتصاره وبعد سنوات عديدة بدأنا نشعر بالاسىء والحسرة على النظام البائد , ونتمنى لو انه استمر وظل قائماً . تفجرت مشاعرنا واشتعلت أمالنا وتحرقت أشواقنا لتحقيق أسمى وأغلى أهدافنا الوطنية  بإعادة وحدة الوطن والشعب اليمني الواحد فعصفت بنا الخلافات والمؤامرات  والصراعات وطحنتنا حرب شامله طويله مهولة ومدمرة ولم يتحقق لنا البديل الافضل في الحياة الذي كنا على يقين من تحقيقه فبات قطاع كبير منا يحن لما كان قائما قبلها ويتمنى لو لم تكن هناك وحدة . طالبنا وعملنا بكل جهدو حماس لتحقيق الديمقراطيه وتعدد الاحزاب والتداول السلمي للسلطه عبر صناديق الانتخابات فهالنا وافزعنا وارعبنا ما تعرضت له هذه التجربة الوليدة من التفاف وتشويه وافراغ لمضامينها وتخريب مسارها وافساد دورها عبر اساليب الاختراقات الامنيه وخلق الصراعات والانشقاقات الداخلية وتفريخ احزاب وهمية وافساد الضمائر والاخلاقيات وشراء الذمم وتدبير الاغتيالات السرية ومحاربة المعارضين في ارزاقهم ووظائفهم ولقمة عيشهم والتلاعب والتزوير واسع النطاق لنتائج الانتخابات وغيرها من الاساليب، فاصبحنا نعذب ذواتنا ونسب انفسنا حين طالبنا وعملنا على ايجاد الديمقراطية وتعدد الاحزاب والتداول السلمي للسلطه، وكم اصبحنا نتمنى وندعو الله سبحانه ان يعيدنا الى الوضع الذي كنا عليه قبلها . وانتعش تفاؤلنا واستبشرنا خيراً حين تبنت الحكومة برنامجاً للإصلاحات المالية والإدارية والاقتصادية الشاملة التي اضطرت الحكومه الى تبنيها تحت تزايد ضغوط المنظمات الدولية والدول المانحة،وقلنا إن تلك الإصلاحات فرصة مناسبة  لاعادة بناء الدولة ومؤسساتها واجهزتها على اسس حديثة ومتطوره وبناء اقتصاد قوي ومتطور  ينعش ويوسع مجالات الاستثمار والتنمية الشاملة ويخلق المزيد من فرص العمل ويقلص حجم البطاله الى اخر مسلسل الامال والاماني، لكننا سرعان ما اصبنا بصدمة مزلزلة وخيبة امل عميقة حين راينا اصلاح  الجهاز الاداري للدولة يستبعد الكفاءات والقدرات ويستبقي الأقل كفاءة وقدره بل ويوظف اعداد متزايده وفق معاير المحسوبية والشللية والحزبية والمنطقية ، بل وفق قاعدة “من يدفع أكثر”واتجاه الخصخصة  وبيع مشاريع القطاع العام يتم وفق اسلوب فريد ما سبقنااليه احد من العالمين اسلوب يبدأ اولاً بتدمير وتخريب المشروع ثم بيعه بثمن بخس ولاشخاص محددين ومختارين سلفا وفق تلك المعاير المشار اليها أنفا وتشجيع الاستثمار وازالة كل المعوقات والعراقيل من طريقة يتم باسلوب اكثر غرابة وسوء فكل من ياتي للقيام بمشاريع استثمارية لا بأس بها يجد نفسه امام طريقين لا ثالث لهما فاما ان يخفق ويفشل في  مشروعه اذا هو سار بموجب القوانين واللوائح الممتازة أو تتيسر اموره وينجح نجاحاً تاما اذا ما قبل مايطلبه منه من بيدهم سلطة القرار من المسئولين وهو القبول بهم “شركاء” و بتنا نتمنى ان تبقى اوضاعنا واحوالنا كما كانت سابقا دون اصلاحات أو تغيرات او تحسينات لانها كانت اخف وطأة وارحم بالبلاد والعباد . ثم اخيراً ساد بيننا شعور او اعتقاد بان ” الاسلوب (الشمولي المركزي” في ادارة الدولة وتسيير شئون ومصالح المواطنين يعرقل الانجازات ويبطئ الأداء ويحمل المواطنين متاعب وإعباء وان الافضل والانجح والاكفأ للدولة نفسها وللمواطنين معا اعتماد اسلوب ” اللامركزيه ” في شؤون المواطنين المالية والادارية والخدمية والتنموية .. الخ  عبر نظام  الحكم او السلطة المحلية ،  وكنا نرى بان مركزة واحتكار جميع السلطات والشؤون كبيرة كانت ام صغيرة بأجهزة الحكومة المركزية في العاصمة بقدر  ما يضاعف من الاخطاء والتجاوزات  والانحرافات والفساد فانه يحمل المواطنين قدراً ضخماً من المتاعب والمشاق  والأعباء المادية والنفسية والمعاناة القاسية نظراً لان قضاء حوائجهم ومتابعة شؤونهم وقضاياهم  والمطالبة بحقوقهم ومطالبهم لا تتم إلى من خلال مسئولي السلطات والأجهزة الحكومية المركزية في العاصمة ، فالموظف او الجندي أو الطالب أو المريض الذي يريد استصدار شهادته أو الابتعاث للدراسة في ا لخارج أو الحصول على حقه في الترقية او الالتحاق بدورات تدريبيه  أو دراسية أو السفر للعلاج في الخارج أو المطالبين بحقوقهم في إقامة مشاريع خدمية وتنموية لمناطقهم، لا يحقق بغيته إلى في المركز (العاصمة) وكم من العذاب والمعاناة والمشاق والمتاعب والوقت والجهد الذي يضيعه في سبيل ذلك،؟! من هنا كنا نرى انه من مصلحة الدولة او الحكومة المركزية ومن المفيد والايجابي لها ان تتنازل عن سلطتها ومهامها ومسؤولياتها غير السيادية لصالح وحدات الحكم او السلطة المحلية في المديريات والمحافظات كنوع من توسيع نطاق المشاركة الشعبية وإشراك الشعب في تحمل قدرا من المسئولية في إدارة شؤون حياته .. ومع إن الحكومة قد استجابت لهذا الطلب وأصدرت قانونا وأقامت مجالس السلطة المحلية على مستوى المديريات والمحافظات لكن حالة الإحباط واليأس وخيبة الأمل المريرة عصفت بآمال الناس وأمانيهم وتطلعاتهم حين تأكد لهم من واقع الممارسة العملية اليومية  ان تلك السلطة المحلية تسير في اتجاهات معاكسة ومناقضه تماماً لاهدافها ومقاصدها حتى أصبحت اشد وطأة وأكثر مركزية وشمولية من طبيعة الإدارة المركزية السابقة عليها، حيث فرضت العديد من القيود والكوابح والمعوقات والعراقيل ماجعل اداء واعمال وانجازات المكاتب الحكومية التنفيذية أكثر  بطئاً واعقد روتيناًُ واقل انجازاً ، وباتت وزارة المالية وفروعها في المحافظات ووحداتها المحاسبية هي وحدها صاحبة الامر والنهي المستحوذة على كل صغيرة وكبيرة من اعمال ومهام المكاتب التنفيذية والمجالس المحلية وهي المتحكمة بمخصصاتها المالية وإجراءات الصرف والإنفاق وعلى نحو يفوق ويتجاوز مرات عديدة ماكان عليه الحال قبل ان يمن الله علينا بمجالس السلطة المحلية !  وحتى لا امضى مع القراء الأعزاء او أثقل عليهم بحديث نظري تجريدي عام تعالوا لنعيش معاً وقائع  قصة حقيقة واقعية عشتها عن قرب ، حيث قمت ذات يوم بزيارة لأحد الأصدقاء والذي كان يشغل منصب المدير العام لأحد المكاتب التنفيذية في احد المحافظات وكان قد بادر الى استغلال جزء من مساحة فراغ كبيرة نوعا ما ليجعل منها مكتباً من مكاتب إدارته وإكمل المشروع بقواطعه وجدرانه ونوافذه وبابه دون ان يكلف ميزانية مكتبه أية تكاليف  معتمداً على مساعدات وتبرعات من هنا وهناك بحكم علاقاته ولم يتبق لتجهيز المكتب المستحدث سوى قفل او مغلقة بالتعبير الشعبي الدارج حتى لايبقى المكتب مفتوحاً دون اقفال عند انتها العمل .. ولان قيمة القفل ضئيلة وتافهة ولاتتجاوز مبلغ أربعمائة  وخمسين ريال  فقط فقد رأى شراءه  من ميزانية المكتب لانه لا يستحق اراقة ماء الوجه لطلب التبرع به من قبل  من سبقوا ان تبرعوا لتجهيز المكتب وعليه فقد قام المدير بالإجراءات التالية : 1-      حرر مذكرة بصرف القيمة  المطلوبة لشراء القفل وإرسلها الى الوحدة الحسابية التابعة لفرع وزارة المالية بالمحافظة ، فردت عليه بطلب مذكرة من محافظ المحافظة بذلك . 2-       حرر المدير مذكرة بالأمر الى المحافظ الذي وافق عليها واشر بأنه ” لا مانع ” 3-   قام المدير بارسال موافقة المحافظ على شراء القفل  الى الوحدة الحسابية بحسب طلبها، فطلبت تصوير المذكرة عشر صور ،  وصورت المذكرة عشر صور ، وأرسلت إلى  الوحدة الحسابية ، فاعادتها مجددا طالبة توقيع مدير المكتب وختم المكتب الرسمي على كل صورة من الصور العشر ، واعيدت موقعة ومختومة الى الوحدة، فعادت الوحدة الحسابية وطلبت من المكتب فاتورة عرض سعر ، فارسلت اليها، لكنها اعادتها طالبة اعتمادمدير المكتب وختمه عليها، وارسلت الى الوحدة بعد التوقيع والختم، فعادت الوحدة وطلبت من المكتب  إحضار ثلاثة عروض سعر مختلفة وموقعة ومختومة من قبل المدير وختم المكتب الرسمي. 4-   بعد كل هذه الإجراءات والمذكرات والصور والفواتير ودوامة  الذهاب والإياب، وفي حالة موافقة الوحدة الحسابية على عملة شراء ” القفل” العتيد يحرر ” الشيك” بصرف مبلغ الاربعمائة والخمسين ريالا بتوقيع كل من مدير الوحدة الحسابية التابعة لمكتب وزارة المالية في المحافظة ، ومدير عام مكتب المالية بالمحافظة، ومحافظ المحافظة، واقل فترة تتطلبها  كل إجراءات شراء “القفل” لا تقل عن خمسة أيام كاملة.  تصوروا كم من الجهد والوقت والنفقات التي تتطلبها عملية الأخذ والرد والتصوير والتعميد والتوقيع والذهاب والاياب لكل الجهات المعنية ، وهي في مجملها تفوق كثيراً القيمة المطلوب صرفها، وعلى هذا المقياس الخاص بعملية شراء”القفل” تقاس كل الامور  والشئؤون الاخرى المتعلقة بأداء ومهام المكاتب التنفيذية.. ولعله من المفيد والمحقق لوضوح الصورة من جميع الجوانب ان نقوم بمقارنة مختصرة وسريعة بين ماكان عليه الحال في ظل جحيم المركزية ،وما أصبح عليه الحال في ظل “جنة ” اللامركزية والسلطة المحلية      في النظام السابق : كان هناك في ادراة عامه او مكتب من المكاتب التنفيذية في المحافظات مديراً للحسابات تنتدبه وزارة المالية ويعتبر تابعا لها ومسئولاً أمامها.. ويبلغ المكتب عن طريق المالية بميزانيته السنويه في بداية كل عام.. موزعة على مختلف الابواب والبنود.. ويتم الصرف على نحو سلس وفعال بعيدا عن الروتين والتطويل والعرقله.. حيث كان مدير الحسابات في أي مكتب من المكاتب التنفيذية والتابع اصلاً لوزارة المالية يقوم باعداد سجلات ووثائق الصرف الخاص بالباب الاول” المرتبات وما في حكمها ” وتحرر الشيكات الخاصة بالصرف تحت توقيعات مدير الحسابات ومدير عام المكتب ومحافظ المحافظة. اما النفقات الاخرى الجارية الادارية والقرطاسية وغيرها فيتم صرفها بموجب شيكات يوقع عليها مدير الحسابات ومدير عام المكتب المعني، وكانت المكاتب تحتفظ بالسجلات والملفات المالية المتعلقة بميزانيتها لديها عن طريق مدير الحسابات فيها  . في النظام الحالي : سحبت وزارة المالية مدراء الحسابات  المنتدبين من قبلها من جميع المكاتب التنفيذيه وانشأت الى جانب فرعها في كل محافظة  “وحدة حسابية”  وتم سحب كافة  صلاحيات ومسؤوليات مدراء عموم المكاتب التنفيذيه في المحافظات فيما يتعلق بالجوانب المالية، كما سحبت كافة السجلات والملفات والوثائق الخاصة بعملية  انفاق ميزانيتها المالية، وركزتها واعطتها  بالكامل للوحدات الحسابية التابعة لوزارة المالية وحصرت صلاحية التوقيع على شيكات الصرف بمدير الوحده الحسابية ومدير عام الماليه في المحافظة وهما يمثلان وزارة المالية اضافة الى محافظ المحافظة وكانت المكاتب مخوله بالتصرف في حدود مبلغ الفين ريال وتتم الاجراءات القانونية بالصرف خلال فترة لا تتجاوز ساعة واحده من الزمن.  وغالباً لايقوم مكتب وزارة المالية بالمحافظة باشعار المكاتب التنفيذية بميزانيتها السنوية بشكل كامل في بداية كل عام مالي، كما لم يعد المكتب التنفيذي  يحتفظ بالسجلات والملفات  والوثائق المحاسبية حول اوجه صرف وانفاق ميزانيته،  اذ اصبح كل شيء تحت السيطرة المطلقة  للوحدة  المحاسبية ومكتب وزارة المالية، ولا يعرف مدير عام المكتب التنفيذي ماله وما عليه وموقفه المالي بين فترة واخرى.. واصبحت الوحدة المحاسبية هي وحدها  صاحبة السلطه المطلقة في الموافقه او عدم الموافقه على صرف متطلبات المكاتب التنفيذية مما يفتح المجال واسعاً امام احتمالات التلاعب والفساد وعرقلة اعمال ومهام المكاتب ألتنفيذيه وتعقيد وتطويل الإجراءات والمعاملات في دوامة من الروتين والبيرو قراطيه العقيمة والمعوقة تستمر لأيام طويلة، وفي امور لاتستدعي كل تلك العرقلة والتطويل والتأخير  لانها متعلقة بنفقات بسيطة لا تتعدى مبلغ الأربعين الى ستين الف ريال مخصصة لتسديد فواتير رسمية كالكهرباء  والمياه والاتصالات والمحروقات وقطع الغيار والقرطاسية وبدلات الانتقال وغيرها . فهل هذه بالله عليكم هي صورة ومضمون  وأهداف ” اللامركزيه ” والحكم المحلي  الذي هللنا له وعلقنا عليه امالنا وتطلعاتنا في مستقبل وحياة أفضل ؟ وهل تخلت الحكومة عن بعض مهامها وسلطاتها المركزيه لصالح السلطات المحلية لتستعيدها وزارة المالية على نحو اشد واقسي مركزية وشمولاً ؟ ان كان الامر كذلك ، وهو كذلك بالفعل حالياً فإننا نناشد أولي الأمر إن يستعيدوا  ( مكرمتهم ) ويعودوا الى سالف وسابق ( مركزيتهم) فذلك أهون وأرحم وأخف وطاة .

موضوعات ذات صلة