منذ يوم 21 فبراير 2012م أصبح الأخ الرئيس/ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية السادس على مستوى (اليمن الشمالي) منذ قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، والرئيس السابع على مستوى (اليمن الجنوبي) منذ الاستقلال عام 1967م، والرئيس الثالث عشر على المستوى الوطني (جنوبا وشمالا)، والرئيس الثاني للجمهورية اليمنية منذ إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، وأول رئيس حاكم أول لليمن منحدر من الجنوب وما يسمى باليمن (الأسفل) منذ ما يزيد على ثلاثمائة عام مضى من تاريخ اليمن المعاصر واليمن الشمالي تحديدا ظل فيها الحكام المتعاقبين عليه ينحدرون حصراً من منطقة (شمال الشمال)، وذلك حدث بالغ الأهمية والدلالة، يمثل منعطفا تاريخياً كبيراً وحاسما. والسؤال المحوري الكبير الذي يرتسم اليوم على أفق الوطن واهتمامات الشعب اليمني كله مع بداية مجيء هذا الرئيس (الاستثنائي) يتبلور بالآتي: هل الرئيس الجديد يملك رؤية أو مشروعاً وطنيا واضحا ومتكاملا للتغيير والتحديث على طريق إعادة صياغة (اليمن الجديد)؟؟ وفي حالة إمتلاكه له هل تتوفرلديه إرادة سياسية صلبة وراسخة لتنفيذه ووضعه موضع التطبيق العملي؟ وإذا توافرت الإرادة والنية الصادقة والمُصمِمة، فهل يتمكن من بناء وخلق وترسيخ مُجمل العوامل والأدوات والقوى والمؤسسات اللازمة والقادرة على حمل ذلك المشروع والإيمان العميق بأهميته الوطنية المُلحة وضمان تطبيقه في الواقع العملي كاملا وبوتائر سريعة وفعالة وحمايته من كافة محاولات الاحتواء أو التحريف أو الإجهاض؟؟ سؤال استراتيجي كبير ومهم للغاية، تتطلب محاولة الإجابة عليه عمق تفكير وموضوعية رؤية وشعوراً رفيعاً بالمسئولية والتجرد إلى أقصى ما تتيحه لنا طبيعتنا الإنسانية.. والواقع أن أي إنسان كالرئيس عبدربه منصورهادي، عايش وعاصر وشارك في أعمال ومهام ومسئوليات ممتدة زمنيا لأكثر من نصف قرن في الجنوب، قبل الاستقلال الوطني وبعده، وفي الشمال ثم في (دولة الوحدة) وخاض خلالها معارك ومجابهات عسكرية وسياسية واكتوى بنارآثار وانعكاسات العديد من الأحداث والتجارب، وشاهدَ ورأى واختبرَ وقيمَ واستوعبَ طبيعة ومحركات ودوافع صراعات السلطات الحاكمة وآثارها العبثية المدمرة ودهاليزها المظلمة وأساليبها الشيطانية، وعَرفَ وتعرفَ وأحسَ عن قرب كافة مظاهر وآليات انتشار وتعمق أوضاع وأنواع وأشكال الفساد السياسي والإداري والمالي وما جره على البلاد والمجتمع من ويلات ودمار وكوارث هددت صميم الوجود والكيان الوطني برمته! أقول إن إنسانا عاش وعاصر وشاهد عن قرب وبشكل مباشر، كل تلك التجارب والأحداث والتطورات وصقل عبرمحطاتها ونتائجها وانعكاساتها التي عركته وعجنته، لا شك أنه منطقيا وطبيعيا، إنسان يملك مشروعا وطنيا كبديل أفضل لكل الأوضاع والأحداث والأزمات التي شكلت إدراكه وشعوره ووعيه الوطني السليم، أو على الأقل يملك رؤية واضحة ومحددة لما يجب ان يكون عليه اليمن الجديد، وهذا ما نعتقد بثقة بتبلوره وتكونه في عقل وتفكير الرئيس الجديد، الاستثنائي، ومع توفرهذا المطلب الضروري والمهم للغاية، فإننا نكاد نجزم بأنه لا يقتصرعلى مجرد التصورات النظرية والشعارات أو التمنيات الرومانسية الحالمة التي تظل إلى الأبد حبيسة داخل عقلية الشخص ومشاعره الباطنية الوطنية، ذلك أن الرئيس عبدربه منصور بسجل تجاربه الحافلة والغنية والعاصفة والطويلة والمتعددة، لا يمكن إلا أن يكون صاحب عزم وتصميم وإرادة سياسية ثابتة راسخة ومصممة على ضرورة إحداث عملية النهوض والتحديث والتغييرالإيجابي الشامل والجاد، معززاً بصفات الصبر والتأني والتحمل وسعة الصدر وطول البال وبعد النظر المعهودة عنه لدى الكثيرين. ويبقى الجزء الأخير، الأكثر أهمية وحساسية من السؤال، والمتعلق بمدى قدرته وتمكنه من خلق وتهيئة الأجواء والعوامل والظروف، وبناء وترسيخ الأدوات والمؤسسات، وحشد وتعبئة القوى والفعاليات الوطنية المؤهلة والقادرة والمؤمنة بمشروع التحديث والتغيير والنهوض الوطني الشامل لتكون الحامل السياسي له والضامن لتطبيقه على أرض الواقع بفعالية وبوتائر متسارعة متصاعدة، والحامي والمدافع عنه ضد كل محاولات احتوائه أو تحريفه أو إجهاضه؟ غير انه من الصعوبة بمكان محاولة الإجابة الموضوعية والدقيقة على هذا الجزء المهم من السؤال، ما لم تسبقها محاولة لرسم وبيان مجمل التحديات والمعوقات والمخاطر المتجذرة في الواقع السياسي الراهن والتي تُشكل وتُكون في مجملها وتفاعلاتها ونتائجها، كابحا حقيقيا وجديا يعوق ويعرقل ويُجهض مشروع التغيير والإصلاح والتحديث الوطني الذي يحمله الرئيس الجديد ويطمح إلى تطبيقه.. وهي تحديات ومعوقات ومخاطر يمكن بلورتها وإجمال أبرزها على النحو التالي: أولا: من الثابت والمؤكد يقينا بأنه لولا الثورة الشعبية السلمية العارمة، والدور الطليعي البارز للشباب فيها، والتي شارك في ساحات اعتصاماتها ومظاهراتها الملايين من أبناء الشعب اليمني بكافة فئاته وشرائحه ومكوناته الاجتماعية وصمودها الأسطوري واستمرارها لعام كامل ونيف منذ مطلع شهر فبراير 2011م وحتى الآن، ما كان لأي منا أن يتصور إمكانية تنحي الرئيس السابق على الإطلاق بالنظرإلى سيطرته هو وعائلته وأقاربه، سيطرة مطلقة على وحدات وتشكيلات القوات المسلحة والقوى والأجهزة الأمنية، وعلى كامل الدولة وسلطاتها وإمكانياتها المالية وجبروتها، ولما كان بمقدورنا أن نتخيل مجئ وقت قريب نتحدث فيه حول رئيس الجمهورية الجديد الذي بات اليوم قائماً بالفعل، وهذا ما ينبغي أن نضعه جميعا، نصب أعيننا ونحيط تلك الثورة الوطنية العظيمة بكل مظاهر وآيات التبجيل والاعتزاز الوطني، رسمياً وشعبياً، ونعبرعن ذلك وعن وفائنا لأرواح آلاف شهداء الثورة وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين وحجم التضحيات والمعاناة والعذابات الشعبية الجسيمة والهائلة، بالعمل بجدية وإخلاص على تحقيق هدفها الاستراتيجي بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية اللامركزية الحديثة كأولوية أولى، وعلى ضوء كل ما سبق، فإن أبرز وأهم التحديات والمعوقات والمخاطر يتمثل اليوم ببقاء واستمرار منظومة السلطة الفاسدة السابقة وتركيبة قواها العسكرية والأمنية والمالية والإدارية وكامل رموزها وقادتها كما كانوا سابقا تماما دون أي تغييرأو تبديل وهو ما يشكل الخطر الداهم الماثل للعيان على مشروع التغيير والتحديث الوطني الشامل. ثانيا: إن رؤية سريعة لمعالم وقوى ومكونات وأطراف الخارطة السياسية وموازين القوى القائمة بين أطرافها وطبيعة نشاطات وأجندات وغايات كل منها، ومدى هيمنة وتأثير تلك الخارطة على حاضر ومستقبل الدولة والمجتمع في اليمن، كفيلة بإثارة أقصى درجات القلق والرعب ليس فقط بالنسبة لآفاق التغييروالإصلاحات فحسب، بل وعلى كامل مستقبل اليمن، وطناً وكياناً سياسيا ًووجوداً، ونظرا لإدراكنا الواعي لما تمثله قراءة سريعة لمعالم ومكونات قوى وأطراف تلك الخارطة السياسية القائمة بالفعل في واقعنا الراهن، فإننا ملزمون هنا بوقفة أكثر تحديداً وتفصيلا لها، وهنا فإن المسئولية والواجب الوطني والأخلاقي يفرض علينا أن ننظر إلى الأموربأعلى مستويات الأمانة والصدق والصراحة بعيداً عن كافة أشكال المجاملات والمداهنات والالتواءات وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، مدركين سلفاً ومستعدين لتحمل كافة أنواع المعاتبات والعداء والاستهداف، وذلك لأننا على إدراك حقيقي بأن بلادنا التي تعيش وضعا متفجرا يتراقص على فوهة بركان نشط ومتحفزقابل للانفجار بين لحظة وأخرى، لم تعد تحتمل الأساليب التقليدية التي اعتدنا عليها سابقا وفرضتها اعتبارات وحسابات لم تعد قائمة اليوم ومؤثرة، إن رؤية وقراءة سريعة لخارطة الواقع الراهن والمهيمن تشير إلى معالمها ومكوناتها الرئيسية التالية: 1) خارطة القوى العسكرية والأمنية: وهي الجانب الأقوى والأخطر والأكثر قدرة على التأثير والحسم، والغالبية الساحقة فيها سواء المناطق العسكرية المحورية أو أسلحتها الجوية والمدرعات والصواريخ والوحدات والتشكيلات القتالية، تخضع لسيطرة قادة ينتمون الى عائلة الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح أو أقاربه، أسريا أو قبليا أو مناطقيا، بما في ذلك القوى والوحدات العسكرية التي أعلنت حمايتها وتأييدها للثورة الشعبية السلمية، يضاف إليها قوات الأمن المركزي وقوات النجدة والأجهزة الأمنية المتعددة، وإذا أخذنا في الاعتبار ما عرفناه مؤخرا، إبان مراحل الثورة الشعبية تلك، بأن(الحرس الجمهوري) لوحده يتكون من حوالى 32 لواء عسكرياً متكاملا في عدده وعتاده وتسليحه، وهوتحت قيادة ولد الرئيس السابق، أدركنا حقيقة ساطعة وأكيدة بأن من يسيطر على قيادة كل تلك القوات والتشكيلات والوحدات العسكرية الهائلة يفرض هيمنته ونفوذه وسيطرته التلقائية الحاسمة على مجمل حياة البلاد السياسية وكامل أجهزة ومؤسسات الدولة وبالتالي تصبح هي صاحبة حسم وتحديد إتجاهات القرارالسياسي بكامله، علما أن ( الحرس الجمهوري) يُعتبر جيشا متكاملا من حيث إمتلاكه لألوية من الدبابات والمدفعية والصواريخ والإشارة والطائرات الحربية والدفاعات الجوية..الخ. وأن أكثر من عشرين لواءاً قتالياً من مجموع ألويته الاثنين والثلاثين يتمركزون داخل العاصمة والمرافق الحساسة ويحيطون بالعاصمة ويسيطرون على الجبال المحيطة بها ومداخلها ومواقعها الاستراتيجية! وفي بلد كاليمن، حيث تعتبر العاصمة (دولة العاصمة) وليس (عاصمة الدولة) يصبح واضحاً وجلياً من هو صاحب السيطرة الفعلية على الدولة وسياساتها وقراراتها؟؟. على أن التشخيص السابق لخارطة القوى العسكرية والأمنية لا ينطبق على جنود وضباط تلك الوحدات والتشكيلات العسكرية والأمنية، وإنما يقتصر على عدد محدود للغاية من القادة المنتمين إلى عائلة الرئيس السابق وأقاربه من حيث الاسرة أوالقبيلة أوالمنطقة فقط، ويجب أن لا يغيب عن بالنا بأن ضباط وجنود كل تلك الوحدات والتشكيلات العسكرية والأمنية، أو على الأقل غالبيتهم الساحقة، لا يقرون ولا يقبلون بتلك السيطرة العائلية القيادية ويرفضونها في قرارة أنفسهم، غيرأنهم لا يرون ظروفا وأجواء قانونية وطنية ملائمة للتعبيرعن حقيقة مواقفهم الوطنية، في ظل سيطرة أولئك القادة سيطرة كاملة مطلقة على رواتبهم ومستقبلهم فصلاً وترقية وعقاباً وأحيانا يتحكمون حتى في حياتهم!. وهكذا، وعلى ضوء كل ما سبق، يصبح واضحاً وجلياً بما لا يدع مجالا لأي شك، حقيقة أنه لا ثقة ولا مصداقية ولا إمكانية لأي محاولة جادة لإعادة بناء وهيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية وعلمية حديثة، بل ومن المستحيل إحداث أي تغييرات أو إصلاحات سياسية اقتصادية اجتماعية جادة وحقيقية وجذرية، دون أن تتم، مُسبقاً، إزاحة كل تلك القيادات العسكرية والأمنية العائلية من مواقعها المسيطرة على وحدات وتشكيلات الجيش والأمن، وهم لا يشكلون سوى عدد محدود جداً من الأشخاص ،لا توجد أي مشكلة أو خطورة تذكر في عملية إزاحتهم من الفريقين المتنافسين معاً، ويمكن أن تتم عملية الإزاحة تلك، مراعاة لمدعى الحرص على القانون أو السلامة، بإعمال وتطبيق قانون التقاعد العسكري من جانب، وقانون شروط الخدمة العسكرية من حيث المؤهلات العلمية والخبرات المتراكمة والأسبقيات أو الأقدمية العسكرية بحيث يزاح كل من عُين بالمخالفة لأحكام وشروط القانون العسكري. 2) خارطة القوى القبلية: تكتسب القوى القبلية في اليمن أهمية خاصة، بالنظر إلى ما تمتلكه من نفوذ وقوة تأثير ملحوظين، على سياسات الدولة وتطورات الاوضاع الداخلية، ويمكن الإشارة إلى عوامل ثلاثة رئيسية مكنت القبائل من إمتلاك مثل تلك القوة والنفوذ والتأثيروهي: العامل الأول: ويتمثل بطبيعة موقع العاصمة (صنعاء) الجيوبوليتيكي، وهي مركز الحُكم ومنبع إدارته والتحكم به بشكل شمولي مركزي كامل، ويقع موقعها ذاك في نقطة تحيط بها من جميع جهاتها – إحاطة السوار بالمعصم – قوى قبلية قوية ومؤثرة تنتمي إلى التشكيلات القبلية الرئيسية الأكبرحاشد وبكيل ومذحج، وبما أن الحاكم وجُل القوى الذي يعتمد عليها في حماية وضمان استمرار سلطته كانت تأتي تقليدياً، وعلى إمتداد أكثر من ثلاثة قرون متواصلة، من تلك المنطقة الجيوبوليتيكية، صنعاء ومحيطها ومحمياتها، فقد سعى، بعض أو أكثر أولئك الحكام إلى توظيف واستثماروكسب ولاء وقوة هذه القبيلة أو تلك، وعلى نحو ربما يؤدي أحيانا إلى خروج قبائل أخرى عليه ومناوءته كرد فعل لتقريبه واعتماده على قبائل بعينها، وهكذا وعلى امتداد فترة زمنية طويلة تداخلت القبيلة بالدولة والسياسة، ودخلت في سياق حسابات الحُكم والمعارضة والسياسة عموما، مما أكسبها قوة ونفوذا وتأثيرا، شهد تصاعدا وهبوطا تبعاً لضعف الحُكم والدولة أو قوته. العامل الثاني: دخول القبيلة في اليمن على خط العلاقات الخارجية، الإقليمية والدولية، وخاصة خلال فترة توتر وتأزم علاقات اليمن مع دول مجاورة وقوى دولية، كما حدث بين اليمن والسعودية من توتر أفضى إلى حرب بينهما عام 1934م، حيث وقفت بعض القبائل إلى جانب السعودية حينها وحاربت إلى جانبها، بينما وقفت أخرى مع نظام الإمام يحيى حميد الدين الحاكم في اليمن آنذاك، ثم ما حدث عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م ودخول جيش مصر الناصرية لليمن لمناصرة الثورة، ووقوف السعودية ضد الثورة وتوسع الصراع ليصبح إقليميا ودوليا، بين المعسكرين الشرقي والغربي، في حرب دامت حوالى سبع سنوات أو يزيد، لتأخذ قوى القبائل اليمنية في إطار ذلك الصراع الدامي الممتد، دوراً ونفوذاً وقوة كبيرة وغيرمسبوقة، ولتكتسب منذ ذلك الحين قوة ونفوذا ًسياسياً في معادلات الحُكم وموازين الدولة والوضع السياسي الداخلي لا يمكن تجاهله سواء على الصعيد الوطني الداخلي اوالإقليمي والدولي الخارجي معاً. العامل الثالث: وبفعل التنامي الكبير لقوة القبيلة ونفوذها وتأثيرها السياسي، وحضورها الداخلي والخارجي، بدأت القوى الداخلية من أحزاب وجماعات سياسية تشعر بالحاجة إلى الاستفادة من قوى القبيلة ومحاولة توظيفها واستثمارها في حركتها وأنشطتها السياسية، داخليا وخارجيا، وفي نفس الوقت شعرت القبيلة بأن التعامل والتفاعل مع القوى السياسية يحقق لها مصالح ومكاسب تخدمها وتفيدها، وهكذا ومنذ شرعت القوى السياسية، وخاصة المعارضة، تنشط وتكثف حركتها في الأوساط القبلية، زادت الدولة من اهتمامها بالقبائل وكثفت حركتها لكسب ولائها واستمالة قواها وإبعادها عن القوى المعارضة، وفي هذا السياق كانت القبائل هي أكبر المستفيدين والرابحين، ولم تكن القبيلة بكامل تركيبها هي من يحصد المكاسب والمصالح الناتجة عن ذلك النشاط السياسي، بل استأثربها كبار المشائخ القبليين الذين تمكنوا من مراكمة مصالح ومكاسب مادية ووجاهية، شكلت مصالح مشتركة ومنافع متبادلة عززت تلاحمهم وارتباطهم بالدولة من جهة، أو بدول خارجية في حالة نشوب خلافات وتوترات في علاقاتها باليمن، والواقع أن مشائخ القبائل الكبارهؤلاء أصبحت لهم مصالح وامتيازات هائلة وضخمة، وخاصة الشيخ المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر وأبنائه من بعده، الذين يحتلون المرتبة الأولى والحجم الأضخم للمصالح والامتيازات، وهم بما يتمتعون به من قوة ونفوذ في أوساط قبائلهم لن يتنازلوا بسهولة عن مصالحهم ومواقفهم، وسوف يقاتلون حتى النهاية للدفاع عنها وحمايتها وزيادتها! ولهذا فسوف يجدون أنفسهم، عما قريب وجها لوجه في مقاومة وإجهاض كل محاولات التغيير والإصلاحات التي ستتصادم بطبيعة الحال مع مصالحهم وامتيازاتهم ومواقعهم المرموقة، وهم ما يزالون يملكون القدرة الكافية للإطباق على العاصمة واجتياحها. 3) خارطة القوى السياسية: تتمثل معالم وقوى ومكونات خارطة القوى السياسية الوطنية الرئيسية من: أ- تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارضة (سابقا) والتي أصبحت منذ الأشهر القليلة الماضية جزءا مشاركا في السلطة الحاكمة، والواقع أن (التجمع اليمني للإصلاح) وهو المُسمى السياسي المعتمد لفرع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في اليمن، ويعتبر أكبر وأقوى الأحزاب السياسية المعترف بها في الساحة اليمنية، وهو الحزب المسيطر والمهيمن على تكتل أحزاب اللقاء المشترك، ولعب الدور الأكبر والأكثر حسماً في التوصل إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والتوقيع عليهما وما نتج عنهما من أوضاع وترتيبات سياسية بمقتضى تسوية سياسية على قاعدة (الحل الوسط)، والواقع أن هذا التجمع، والذي لعب دورا كبيرا في تصعيد الثورة الشعبية السلمية وتوسيع نطاقها إلى حد كبير، كان القوة الرئيسية، إن لم تكن الوحيدة التي استطاعت أن تستفيد من الثورة وتستثمرها، سياسيا وماليا، من خلال المعونات المالية الهائلة التي قدمتها دولة قطر للثورة عبرالإصلاح وبنظره، إضافة إلى تبرعات التجار ورجال الأعمال في الداخل والخارج، وهو القوة السياسية الوحيدة تقريباً التي تمتلك وضعاً وقاعدة مالية هائلة وثابتة ومستثمرة بفعالية ونجاح.. ورغم احترامنا الكبير للتجمع اليمني للإصلاح إلا أن بعض مواقفه وممارساته خلال الأشهر الأخيرة من عمر الثورة، ولا تزال، ولدت لدينا العديد من مشاعر القلق والشكوك ورسمت علامات استفهام كبيرة حول حقيقة الأهداف والأجندة السياسية التي يسعى حثيثا، لتحقيقها من تحت الستار، فبالإضافة إلى بروز نزعة واضحة لديه نحو التفرد والأحادية وفرض هيمنته وسيطرته على فعاليات وأنشطة قوى الساحات، وكبت ومصادرة حقوق القوى والمكونات في التعبيرعن رأيها وموقفها.. الخ، فإن الأخطر من ذلك بكثير والباعث الأعمق على القلق والمخاوف ما تشير إليه الأخبارالمتواترة التي تؤكد بأن الفرقة الأولى مدرع شرعت، منذ إعلان تأييدها وحمايتها للثورة ولا تزال، بتجنيد وتدريب عشرات الآلاف من شباب (التجمع اليمني للإصلاح) بشكل رئيسي وقليل من السلفيين، بعض تلك الأخبار تقول إن العدد قد وصل إلى ما يقارب الخمسين ألفا، بدعوى إلحاقهم، في وقت لاحق، بالجيش رسميا، وإذا ما صح مثل هذا الخبر، وفي ظل ما يعلمه الكثيرون من أن إلحاق هذا العدد الهائل بالجيش غيرممكن وشبه مستحيل واقعيا، ومع كامل احترامنا للفرقة وقائدها اللواء/ علي محسن الأحمر، يمثل إعدادا لكارثة وطنية مخيفة، من خلال تدريب وتسليح مليشيات تتكون من عشرات الآلاف من المنتمين إلى التجمع اليمني للإصلاح وغيرهم من العناصر المتطرفة، والسؤال هو: ما هو الداعي ولأي أهداف يتم إنشاء مثل تلك المليشيات الحزبية المسلحة؟ وأي عدو ستقاتله تلك المليشيات الجرارة؟ ؟ غير أننا مضطرون هنا للتوقف على أمل مواصلة حديثنا لاستكمال رسم معالم ومكونات وقوى الخريطة السياسية العامة الراهنة، ومدى تأثيرها على إعاقة وإجهاض مشروع التغيير والتحديث الوطني لليمن الجديد المنشود، فإلى اللقاء. شيفلد بريطانيا – 10 مارس 2012م