الحوار الوطني المنتظر.. هل يؤسس ليمن جديد مختلف؟ صحيفة الوسط

تصاعدت في الآونة الأخيرة وتائرالاهتمام والنقاشات والتحليلات والتصورات حول مختلف المجالات المتعلقة بالدعوة إلى انعقاد “مؤتمرالحوار الوطني” المزمع قريباً، ليس على المستوى الداخلي الوطني فحسب، بل امتدت لتشمل المجتمع الدولي وخاصة قواه النافذة والمؤثرة، وبدأت أولى الخطوات العملية في اتجاه التهيئة والتحضيرلانعقاده بإصدارالأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي للقرارالجمهوري القاضي بتشكيل لجنة اتصال مهمتها التواصل والتفاهم مع مختلف القوى والأطراف والمكونات الوطنية السياسية والاجتماعية المفترض الحصول على موافقتها بالمشاركة في أعمال وفعاليات “مؤتمر الحوار الوطني” المرتقب، واستشفاف مواقفها ورؤاها وتصوراتها حوله تمهيداً للإعلان عن تشكيل (اللجنة التحضيرية) للمؤتمر، المناط بهامختلف المهام والمسئوليات المتعلقة بإجراءاته وآليات عمله والأجندات والقضايا الوطنية المحددة لجدول أعماله والأهداف والغايات المرجوة من انعقاده، أو هذا ما هو مفترض. وكنا قد سبق أن تطرقنا لموضوع مؤتمرالحوار الوطني في سياق مقال مطول نشرته صحيفة “الوسط” الغراء في عددها الصادر بتاريخ 29 فبراير 2012م، مبينين مدى الأهمية الوطنية التاريخية التي يكتسبها وينهض بأعبائها الجسيمة، ونظراً للضرورةالاستثنائية الخاصة لهكذا مؤتمر، ها نحن اليوم نعاود الحديث عنه وحوله كوجهة نظر ورؤية شخصية يمليها علينا، جميعا، شعورنا واستشعارنا بالواجب الوطني والأخلاقي المُلقى على عاتق كل الوطنيين القادرين على الإسهام الإيجابي بكل ما من شأنه خدمة وطننا وشعبنا وإخراجه أو انتزاعه من براثن وشِراك أزمته العاصفة الممسكة بتلابيبه والكابحة لانطلاقته الحضارية الشاملة بإعادة صياغة حياته من جديد على أرضه ومن أجل سعادة أجياله الصاعدة والقادمة.. وقبل أن نبدأ في حديثنا نود القول، بأقصى قدرممكن من الصدق والحرص والموضوعية والتجرد، بأننا نتمنى من أعماق قلوبنا وعقولنا، على كل من أنيطت بهم وتحملوا مسئولية التواصل في إطار لجنة التواصل القائمة بالفعل، أو مسئولية التهيئة والإعداد والتحضيرلانعقاد المؤتمر وبدء أعماله من خلال “اللجنة التحضيرية” المزمع تشكيلها قريبا، أو مسئولية الإسهام في حسن سير ونجاح المؤتمر في تحقيق الأهداف والغايات المرجوة منه، عبر كافة الأطراف والمكونات والقوى السياسية والاجتماعية الوطنية المشاركة في أعماله والفاعلة في أنشطته، أن يدركوا تمام الإدراك حقيقة أن مؤتمر الحوار الوطني هذا يجيء في خضم مرحلة تحول سياسي تاريخي بالغة الدقة والحساسية والخطورة، حَتمَ على اليمنيين، بكافة شرائحهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم  ومشاربهم ومصالحهم، العمل الصادق والتوجه المسئول في اتجاه إدراك واستيعاب مقتضيات مرحلة التحول السياسي التاريخي الحاسمة والمتمثلة أساسا في حتمية وضرورة إعادة البناء الوطني الشامل ليمن جديد ومختلف تماماً عما كان عليه طوال المراحل السابقة، وأن كياننا اليمني، وطنا وشعبا ودولة، مرتبط ارتباطا عضويا وعميقا، في حاضره ومستقبله.. وفي مصيره ووجوده، إيجابا أو سلبا بمدى نجاح أو إخفاق ) مؤتمر الحوار الوطني )  المرتقب انعقاده في القريب العاجل، حسب دلائل ومؤشرات الأحداث ومسارها الملموس والمشاهد.. وأن هناك اليوم سباقا محموماً ومتقطع الأنفاس ، بين نجاح المؤتمر في الخروج بصيغة سياسية وطنية جديدة ومختلفة لتأسيس “يمن جديد” بدولة حديثة لا مركزية دولة المشاركة الشعبية الوطنية الحقيقية والعملية والحقوق والمواطنة المتساوية، دولة الحرية والكرامة الإنسانية والرفاه الاجتماعي وسيادة القانون وحكم المؤسسات الدستورية لا الأفراد.. وبين المؤشرات المُرعبة والمُخيفة المرتسمة على صفحة الأفق المرئي أمامنا والمُنذر بانفجار هائل ومدمر للوطن والكيان والوجود السياسي لليمن برمته، بعيداً عن تعمد المبالغة الهادفة إلى ممارسة تأثيرات وضغوط تكتيكية آنية من أي نوع. والواقع أن كثيراً من الأوطان والكيانات السياسية “الدول” على امتداد العالم، وعبر مختلف مراحل التاريخ الإنساني، والسياسي منه على وجه الخصوص، وصلت إلى طريق مسدود، ووقعت فريسة أزمات مصيرية مستحكمة وعاصفة مثلت تهديداً ماحقاً لوجودها ذاته ومصيرها المستقبلي برمته، وذلك عند اللحظة التاريخية التي تعلن وتطرح، بقوة لاتقاوم، بأن التناقض بين صيغة وتركيبة السلطة السياسية الفوقية الحاكمة من جهة، وحقائق الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي الثقافي وتطوراته وتفاعلاته المتفجرة من جهة أخرى، قد بلغ ذروته ونهايته الطبيعية الحتمية، وبات يمثل عقبة وعائقا مُعطلا ومُجمداً لحركة التقدم والتطور الطبيعي التاريخي، وأن كامل المنظومات والصيغ والمؤسسات والقوانين والمفاهيم والثقافات والأخلاق المتحكمة في الواقع المعاش قد سقطت وفشلت تاريخيا في أن تكون مؤهلة أوقادرة على قيادة مسيرة شعوبها التي تخطت وتجاوزت طبيعة العقلية والفكر والأساليب والمناهج العتيقة والبالية والمتخلفة نحو آفاق وتطلعات أرحب وأكثر تطورا وتقدما ورقيا، وهنا تفرض الأزمة الوطنية التاريخية المستحكمة والعميقة نفسها بقوة على الشعوب والأوطان، وغالبا ما يتم تجاوزها ومواجهتها والتغلب عليها إما عبر (الثورات الشاملة) العنيفة والعاتية التي تتجه إلى تدمير ودك وتصفية مكونات وتركيبات ومنظومات وثقافات الماضي جذريا وحاسما، وفرض الواقع الجديد الذي ثارت من أجل الانتصار له وبنائه كبديل تاريخي إيجابي وأفضل، أو عبر التنادي والتداعي إلى عقد مؤتمرات أو منتديات أو لقاءات توافقية تضم ممثلي كافة الأطراف والقوى والفعاليات والمكونات الوطنية السياسية والاجتماعية، أوأكثرها تأثيرا ونفوذا أو قوة، للخروج بصيغة سياسية وطنية جديدة تلبي وتحقق مطالب وضرورات التغيير والتطور والتقدم المنشود، ويعتبر هذا الحل المتسم بالسلمية والإجماع الوطني الأقل كلفة وخسارة وتدميرا، والأكثر أمنا وأمانا وسلامة.. وهذا ما تتجه إليه تطورات الأحداث الداخلية في بلادنا عقب الثورة الشعبية السلمية العارمة التي دامت لأكثر من 15 شهرا ونيف، من خلال الدعوة والعمل على عقد مؤتمر الحوار الوطني بهدف الحيلولة دون حدوث البديل الأسوأ والأشد هولا وتدميرا وهلاكا. وعلى ضوء ما سبق نواصل حديثنا هذا حول مسألة “مؤتمر الحوار الوطني” المرتقب، حديثا، كما سبق أن أشرنا، يمثل وجهة نظر أو رؤية شخصية نُسهم بها على طريق حسن تشكيل وتنظيم المؤتمر، وحرصا على ضمان أعلى نسب نجاحه وإيجابيته كأهم وأبرز حدث وطني تاريخي أو هكذا نتمناه.. ويساورالبعض شكوكا أومخاوف، قد لا تخلو من وجاهة ومعقولية، من أن يكون مصير “مؤتمر الحوار الوطني”المرتقب مشابها أوغيرمختلف كثيرا عن صيغ وتجارب عديدة مماثلة تمت عبر مراحل زمنية مختلفة إن لم تكن منذ ما قبل حركة أو ثورة 1948م، فيمكن تحديدها زمنيا منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م، وكانت في الغالب الأعم أقرب إلى الشكليات المظهرية أو الأساليب الدعائية دون أن تتسم بالجدية والمصداقية والمسئولية الوطنية، وتوارت في أدراج النسيان دون أن تُحْدث الأثرالمنشود أو تحقق الأهداف والغايات التي وعدت بها.. ومبعث تلك الشكوك والمخاوف أن معظم من اُنيطت بهم مسئولية ومهام الاتصال والتمهيد والإعداد لمؤتمرالحوارالوطني، شخصيات سياسية مخضرمة ارتبطت وعملت مع سلطات حاكمة متعاقبة وشاركتها الحُكم، بهذا المستوى أو ذاك، وتواطأت مع تلك السلطات الحاكمة المتعاقبة التي استخدمتها ووظفت خبراتها السياسية والثقافية في التنظير والتنظيم والإخراج لسلسلة من الصيغ والتنظيمات السياسية الشمولية الأحادية ، وتجارب مؤتمرات الحوار الوطني والوفاق الوطني والوحدة الوطنية وغيرها من المسميات، وكلها ثبت أنها لم تكن سوى ألاعيب ووسائل إلهاء سياسية للجماهير وأدوات تُجَمِل وجه الحاكم وتبرر وتغطي ممارساته الديكتاتورية وفساده وتخلفه، وأجهزة للدعاية والمديح والتمجيد لسلطته وطغيانه.. في الوقت الذي غيب فيه إشراك قوى الجديد والتجديد من الشباب الثائر والاستفادة من طاقاتهم المبدعة الهائلة ورؤاهم وتجاربهم الثرية والخصبة والحيوية، وإن وجد شاب أو شابة فعلى مستوى محدود للغاية وبحكم النادر، واختير من بين الذين لم يخوضوا معتركات العمل السياسي أو الثوري الميداني أو النظري، ومن أولئك الذين يركزون على مجالات عملهم ومهنهم الشخصية في الغالب، ونحن هنا لا ننتقص من كفاءاتهم وتجاربهم أبدا فهم محل تقديرنا واحترامنا، ولكننا نناقش فقط المبدأ العام.. وعلى أية حال، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع شكوك البعض ومخاوفه المشار إليها آنفا، فإن الشيء المؤكد هو أن من أنيطت بهم مسئولية ومهام التهيئة والإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني القادم، يقفون اليوم أمام محك اختبار صارم، في ظل مناخات وأجواء ومعطيات مرحلة ما بعد الثورة الشعبية السلمية العارمة والتاريخية التي يعود إليها وحدها الفضل في تحقيق وفرض التحول والانتقال السياسي التاريخي الذي ما كان ليتحقق بدونها مطلقا، إن محك الاختبارالحاسم ذاك يفرض أو يحتم عليهم إزاحة ما درجوا عليه طويلا من مناهج وأساليب سياسية وطرق عمل وتجارب ماضية تشربوها وتشربتهم جانباً، وأن يتعاملوا مع الحدث الذي أملته ظروف الثورة ومعطياتها ونتائجها وتأثيراتها وأنيطت بهم مسئولية التعامل معه، أن يتعاملوا معه ويديروه بعقلية سياسية جديدة ورؤى مختلفة وأساليب مغايرة لما ألفوه ودرجوا عليه عقودا عديدة من الزمن كموظفين، أو في أحسن الأحوال كشركاء، لسلطات حاكمة غرقت في الفساد والقمع والجهل والتخلف دون أن تمتلك أي مشروع ولو بسيط، للتحديث والبناء الوطني الإيجابي، هذا إذا توفرت لديهم، بطبيعة الحال، النية الصادقة والإرادة الحقيقية في إنجاح المهمة الوطنية التاريخية للمؤتمر وتحقيق كامل الأهداف والغايات المنشودة منه. والواقع أن نجاح مؤتمر الحوارالوطني لا يتحقق، بأي حال من الأحوال ، إلا بتوفر جملة من القواعد والمعايير الأساسية لعل أهمها وأبرزها من وجهة نظرنا يتحدد بالآتي: أولا: لا بد من الإدراك الواعي لحقيقة أن مؤتمرات أو ملتقيات  وطنية كهذا المؤتمر، يعد بمثابة الوسيلة والأسلوب الأمثل الذي تلجأ إليه وتأخذ  به الشعوب والأمم التي تجتاز مرحلة تحول وانعطاف تاريخي حاسم بين واقع راهن سيئ  ومرفوض ماضٍ، وواقع جديد منشود بالأمل، وتعيش في خضم أزمة وطنية عاصفة ومستحكمة  تنبئ بمخاض ولادة عسيرة للجديد أو الانقسام والتمزق والحروب والضياع، حيث تبادر قواها ومكوناتها السياسية والاجتماعية النافذة والمؤثرة إلى التلاقي حول طاولة الحوار والتفاهم والتوافق بهدف تجاوز وحل الأزمة بالمساعدة في تحقيق ولادة آمنة وناجحة وسريعة للواقع الجديد الذي تعتبره محققا لأهدافها ومصالحها العامة المشتركة، وفي ظرف ولحظة تاريخية فاصلة وحاسمة كهذه تجد كل تلك القوى والمكونات نفسها ملزمة بدواعي المصلحة أو غريزة حفظ البقاء، بتقديم تنازلات طوعية متبادلة يسهل ويسرع عملية ولادة الجديد المنشود، ولا نجد في كل التجارب الإنسانية عبر التاريخ المماثلة، بأن المكون الأقوى والأكثر نفوذا وتأثيرا ينبري مطالبا بأحقيته في الهيمنة أو السيطرة على باقي المكونات الأقل قوة ونفوذا وتأثيرا، بل عادة ما تكون صيغة الحل مؤسسة على قاعدة التراضي والتوافق الوطني العام. وبناء على ما سبق وفيما يخص أزمتنا الوطنية في اليمن فإن الضمانة الأولى والأساسية لنجاح مؤتمرالحوار الوطني المنتظر تتمثل في الإقرار والأخذ بقاعدة “التوافق الوطني” بين الجميع بعيدا تماما عن سعي الأقوى إلى الاستئثار والسيطرة على حساب إقصاء أو تهميش أوإخضاع باقي القوى والمكونات الوطنية ذلك أن الأخذ بقاعدة “التوافق” من شأنه ان يجنبنا الوقوع  في دوامة خلاف لا نهاية له ، ولا حل مطلقا حول قياس وتقدير حجم وثقل وتأثيرالقوى والمكونات الوطنية المشاركة في مؤتمرالحوار، وبالتالي تحديد نسبة تمثيل كل واحدة منها على حدة في قوام المؤتمر وعدد المشاركين فيه، وإلى ذلك فإن الهدف الاستراتيجي للمؤتمر يتمثل أساسا في الخروج بصيغة تحدد معالم الحياة الجديدة في اليمن الجديد وطبيعته ورسالتة ووظيفة دولته الوطنية المدنية الحديثة الديمقراطية اللامركزية، وهو هدف لا يمكن أن تتحكم فيه وتحتكره قوة سياسية أو اجتماعية في الوقت الراهن، مهما بلغ حجمها وثقلها وقوتها، بل يهم ويخص أجيالا قادمة عديدة، مما يوجب أن يتشارك الجميع في تحديد ورسم معالمه ومضامينه وأسسه ومؤسساته بما في ذلك صياغة الدستور الجديد الذي يبنى عليه يمننا الديمقراطي الجديد والمشرق.. ومن هنا وما دمنا قد اقتنعنا بالأخذ بقاعدة ” التوافق” في فعاليات وآليات ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، فلا معنى، بعد ذلك، ولا تأثير لأن تُمَثل هذه القوة بممثل واحد أو بمائة ممثل فالنتيجة واحدة في المحصلة النهائية. ثانيا: ينبغي من أجل ضمان نجاح مؤتمرالحوار الوطني المرتقب، أن نتفق على رؤية واضحة حول ما هو المطلوب من المؤتمر أساسا أو بعبارة  أخرى ما هو الهدف الرئيس الذي نسعى إلى تحقيقه من وراء انعقاد المؤتمر؟ ووفقا لوجهة نظرنا فإننا نعتقد بأن “مؤتمر الحوار الوطني” من حيث نعتبره حدثا وطنيا تاريخيا، أو هكذا ينبغي أن يكون، ومن حيث أنه يمثل كل الأطراف والقوى والمكونات السياسية والاجتماعية الوطنية، فإن الهدف الاستراتيجي له يتمثل في “التوافق الوطني”على صياغة وإعلان (عقد اجتماعي سياسي وطني جديد) أو) الميثاق الوطني اليمني) أو )الوثيقة الوطنية الكبرى ) أو أي تسمية أخرى يتم اختيارها، يتم من خلاله رسم وتحديد المبادئ الأساسية والغايات الاستراتيجية والمضامين الكبرى المحددة لمفهوم وطبيعة الوطن اليمني وطبيعة وشكل ومعالم وأسس ومضامين اليمن الجديد الذي نسعى جميعا لتأسيسه وبنائه ودولته الوطنية المدنية الحديثة الديمقراطية اللامركزية دولة المواطنة والحقوق المتساوية والعدل والمساواة وسيادة القانون، دولة الحرية والكرامة والازدهار، دولة المشاركة والتداول الوطني للسلطة وحكم المؤسسات الدستورية والوظائف الحضارية الخادمة للشعب والساهرة على مصالحه وتطلعاته، دولة تحقق العدالة والتكافل الاجتماعي والتوزيع الأكثرعدلا وإنصافا للثروات الوطنية، دولة لا يتعرض في ظلها مواطن للتعذيب أو الامتهان أو الإذلال أو القهر.. وغير ذلك من المبادئ والأسس والغايات والقيم التي تضمنتها “الوثائق أو المواثيق الوطنية” التي صاغتها وتقيدت بأحكامها  شعوب وأمم غيرنا في العالم.. ويشكل مثل هذا العقد الاجتماعي أو الميثاق الوطني الصادر عن الإجماع الوطني في مؤتمر الحوار الوطني أساساً مرجعيا لصياغة الدستور الجديد وأحكامه وقواعده. ثالثا: وليس من الحكمة ولا من الإجراءات التنظيمية السليمة، إغراق “مؤتمر الحوار الوطني” وتشتيت جهده وتركيزه بجدول أعمال مشحون بقضايا ومشكلات وأزمات سياسية أو اجتماعية أو أمنية أو اقتصادية، ليس مجال بحثها  ودراستها ووضع الحلول المناسبة لها في طاولة الحوار الوطني، بل تدخل في صميم مسئوليات  واختصاصات وسلطات الدولة المختلفة، وذلك لقناعتنا الراسخة بأن بروز وإثارة مثل تلك القضايا والمشكلات والأزمات، على أهميتها وضرورة معالجتها، يعود بالدرجة الأولى إلى خلل واختلال وظيفة الدولة وانحرافها عن واجباتها ومسئولياتها واعتمادها سياسات  وإجراءات وممارسات خاطئة وفاسدة وغير مسئولية، وتدخل ضمن هذا النطاق “مشكلة الحوثيين ” في صعدة وبعض المحافظات الشمالية المحيطة بها و  (القضية الجنوبية (وتداعياتها، وتململات وعدم رضا منطقة الوسط الجغرافي في (الحديدة – تعز – إب) وغيرذلك من المشكلات والأزمات، وأعتقد أنه ما كان لمثل تلك المشكلات والأزمات والقضايا أن تحدث وتستفحل لولا انحراف الدولة عن وظائفها الطبيعية وغرقها في مستنقع الفساد والتحلل والفوضى والتسيب والاستئثار العائلي القبلي المتخلف بها! ولهذا فالثابت أن المدخل الطبيعي والسليم لمعالجة وتسوية وحل تلك المشكلات والأزمات والقضايا هو بتوجهنا  جميعا لتأسيس وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة اللامركزية العادلة وفقا للمعالم والمضامين التي أشرنا إلى أهمها آنفا، المؤهلة والقادرة على تصحيح المسار الوطني  ووضع الحلول والمعالجات السليمة والناجحة لكل المشكلات والأزمات بالحق والعدل والمساواة. رابعا: ومن المهم للغاية أن يقلع القائمون على التهيئة والإعداد والتحضير لانعقاد “مؤتمر الحوار الوطني”، عن العادة والأسلوب العقيم الذي ظل  متبعاً في التجارب المماثلة السابقة، والمتمثل بترتيب وطبخ وسلق كل شيء بشكل مسبق من  حيث القوام المشارك والوثائق والقضايا المعروضة والبيانات والنتائج الختامية، واقتصار دور ومهمة الحضور والمشاركين على أخذ الصور الإعلامية واستكمال الصورة الديكورية  الشكلية، دون إعطاء أية فرصة للمشاركة بالحوارات والمداخلات والنقاشات الجادة والمتعمقة.. إن مؤتمر الحوار الوطني المرتقب يجب أن يكون مختلفا كليا عما تعودنا عليه طويلا باعتباره حدثا وطنيا تاريخيا مهماً، وعلى جميع الأطراف والقوى والمكونات الوطنية المشاركة، من خلال ممثليها، أن تتولى مباشرة كل أعمال الإعداد والتحضير من حيث القضايا المعروضة عليه وإعداد أوراق العمل ومناقشتها وإقرارها وأسلوب إدارة الجلسات واتخاذ القرارات..الخ. أي بعبارة أخرى تحقيق المشاركة الفعلية من ألف المؤتمر إلى يائه.. فالواقع أن هذا المؤتمر ينبغي أن يكون جادا ومسئولا وليس هزليا وشكليا. وأخيراً فإنه من الأهمية بمكان أن تتولى الأطراف والقوى والمكونات السياسية  والاجتماعية الوطنية المشاركة في أعمال مؤتمر الحوار الوطني عملية تحديد واختيار ممثليها بنفسها ولا يجوز مطلقا أن يعطي أحد الأطراف لنفسه الحق في اختيار ممثلي  طرف آخر أو فرض وصايته على الآخرين منعاً لإثارة الخلاف وتأجيج الصراع بينها  !كما  حدث في تجارب ماضية كان مصيرها الفشل والتلاشي. تلك كانت وجهة نظرنا ورؤيتنا حول “مؤتمر الحوار الوطني” من حيث آليات عمله وهدفه الاستراتيجي ومعايير وقواعد التعامل بين أطرافه. ويحدونا الأمل الكبير بأن يكلل بالتوفيق والنجاح لتجاوز مرحلة الانعطاف التاريخي الحاسم والخروج بصيغة بناء اليمن الجديد ودولته الوطنية الجديدة الحديثة والديمقراطية والعادلة.   بريطانيا – شيفلد 20 مايو  2012م                   

موضوعات ذات صلة