في الحلقة السابقة استعرضنا الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها امريكا ونتائجها المأساوية المروعة وخاصة العدد الضخم جدا من الضحايا المدنيين الأبرياء واستنكرنا وادنا تلك الأعمال ادانة شديدة ومطلقة واوضحنا موقف الدين الإسلامي القاطع والحاسم في رفضه وتحريمه لكافة صور واشكال العدوان عامة واستهداف المدنيين الأبرياء غير المحاربين خاصة، واعتبرنا ان الهجمات الارهابية الشنيعة لا تمثل كارثة قومية لأمريكا والشعب الأمريكي فحسب ، بل تعتبر كارثة انسانية عالمية صدمت مشاعر وأحاسيس شعوب العالم اجمع باختلاف اعراقهم و اجناسهم و دياناتهم وثقافاتهم الذين عبروا عن تعاطفهم وتضامنهم الإنساني مع الشعب الأمريكي في محنته ومعاناته الإنسانية بالغة القسوة ، ولأول مرة في العصرالحديث تقريبا يحدث مثل ذلك التعاطف والتضامن الإنساني من حيث العمق والاتساع العالمي الشامل . ويبدو من خلال المؤشرات والشواهد الأولية ان هناك اصرارا منذ البدء على توجيه اصابع الإتهام في تخطيط وتنفيذ تلك الهجمات الإرهابيةالبشعة على عرب ومسلمين ، وهو ما اوحت به وروجت له دوائر اعلامية وسياسية مختلفة في امريكا والغرب عموما منذ اللحظة الأولى لوقوع الهجمات وهو ما ولد على الفور شعورا عارما وواسع النطاق من العداء والكراهية للعرب والمسلمين عموما الذين اصبحوا مواطنين منذ فترة طويلة من الزمن في تلك الدول والمجتمعات الغربية ومع ذلك تعرضوا لمئات بل لآلاف من حوادث الضرب والإهانة والاستهداف بدون أي ذنب اقترفوه بشكل مباشر واصبح كل عربي مسلم يعاني من ارهاب اشد وقعا واوسع نطاقا نتيجة خضوعه لتمييز في المعاملة لمجرد هويته العرقية وانتمائه الديني فقط وعليه دائما ان يكون جاهزا ومستعدا للاعتداء والضرب والمساءلة والإهانات والشتائم كلما حدث حادث ارهابي مهما كان حجمه وطبيعته حتى وان تبين بعد ذلك ان مرتكبيه ليسوا عربا ولا مسلمين ؟ وكان طبيعيا بل وواجبا ايضا ان تعلن الولايات المتحدة الأمريكية بانها ستلاحق مرتكبي تلك الهجمات منفذين ومخططين وداعمين ومناصرين ثبتت ادانتهم فعلا لينالوا جزاءهم وهذا من حقها وحق مشروع لها يدعو دول العالم ان تتعاون مع امريكا وتقدم لها ما تستطيع من المساعدة والعون، غير ان ما يستحق الوقوف عنده بالنقاش والدراسة هو اعلان امريكا عن اقامة تحالف عالمي لمحاربة الإرهاب بقيادة امريكا واعتبار أي دولة لا توافق على الانضمام الفوري الى ذلك التحالف دولة مؤيدة وداعمة للإرهاب او اعلان امريكا انها في حالة حرب وإعلانها التعبئة العسكرية الشاملة بما في ذلك استدعاء افراد الجيش الاحتياطي ورصد الأموال الطائلة واستنفار كافة قواها واسلحتها المختلفة استعدادا لخوض حرب شاملة وواسعة ومدمرة فيما يبدو او مما يمكن استنتاجه من مجموعة تصريحات واقوال بعض كبار المسؤولين الأمريكيين ان امريكا قد اعدت العدة والتعبئة العسكرية والاستعداد لخوض الحرب وان ميادين الحرب واهدافها ومستهدفيها جاهزة ومحددة، وما على سائر دول العالم الا ان تضع بلادها وامكانياتها وقواها واراضيها وسماءها تحت تصرف وإمرة امريكا دون نقاش او قيد او شرط اذا هي ارادت ان تتفادى ادراجها ضمن قائمة الدول الإرهابية ؟ ونود هنا ان نشير الى بعض الحقائق والملاحظات الأساسية على النحو التالي : 1) ان الإرهاب ظاهرة عالمية لم تكن وليدة زماننا الراهن ولكنها موجودة منذ اقدم العصور وان اختلفت اساليبها واهدافها ونطاقها ، وبالتالي فهي تهم دول وشعوب ومنظمات العالم اجمع دون استثناء فالجميع معرض للاكتواء بنارها كما ان عديدا من دول شعوب العالم تعرضت لشرور الإرهاب واثاره المدمره وقدمت اعدادا هائلة من الضحايا وقودا لنارها ومن بينها دول عربية واسلامية وكانت ضحية للإرهاب ومنها من لا تزال تعاني من نتائجها حتى الان ومنذ سنوات عدة ما برحت جمهورية مصر العربية تدعو وتناشد العالم الى عقد مؤتمر عالمي للاتفاق على استراتيجية شاملة ودقيقة لمواجهة الإرهاب ومحاربته والقضاء عليه بجهد وتحرك عالمي منسق ومتضامن وفعال . 2) ان صيغة التحالف العالمي الذي اعلنت امريكا قيامه بصورة احادية انفرادية وقيامه على الطريقة والأسس التي حددتها ورسمتها امريكا مسبقا دون تشاور واتفاق مع سائر دول العالم ، لن يكتب له النجاح والحياة مطلقا حتى وان بقى نظريا وشكليا الا انه عديم الجدوى والفاعلية ، فليس هناك دولة في العالم تحترم نفسها وشرفها وتحرص على مصداقيتها امام شعبها يمكنها القبول بوضع نفسها تحت تصرف قيادة امريكا دون ان يكون لها رايها وموقفها ومشاركتها الفعالة في رسم سياسة واهداف واساليب عمل مثل ذلك التحالف، ثم ما هي التدابير والضمانات والوسائل الكفيلة والقادرة على جعل هذا التحالف العالمي مكرسا بالكامل وعلى نحو موضوعي لمحاربة الإرهاب وبما يحول دون جعله وسيلة واداة لخدمة وتحقيق المصالح والاهداف والحسابات الخاصة بالسياسة الأمريكية الهادفة الى احكام سيطرتها وهيمنتها المطلقة على مصائر ومستقبل العالم. 3) ان أي شكل او اطار او صيغة عملية لمواجهة الإرهاب ومحاربته ينبغي من اجل ضمان نجاحه وحياديته وفعاليته ان يقام في اطار الشرعية الدولية القائمة( منظمة الأمم المتحدة ) باعتبارها مرجعية تحظى باجماع دول العالم كافة بحيث تخضع سياساته ومواقفه واجراءاته وحركته لا ليات قانونية وقضائية وامنية وعسكرية محايدة وغير منحازة نابعة عن الشرعية الدولية ذاتها مثل انشاء محكمة دولية مختصة باصدار احكام في حق الإرهابيين ومن يقف وراءهم ويساندهم ويؤيدهم بالاضافة الى محاكمة المتهمين بجرائم الحروب وسائر الجرائم ضد الأنسانية واصدارميثاق عالمي ملزم يعرف طبيعة الإرهاب واشكاله وصوره تعريفا دقيقا لا لبس فيه ولا غموض ويحدد من هو الإرهابي ومجرم الحرب والابادة البشرية والتطهير العرقي تحديدا واضحا لا لبس فيه ولا غموض، اما ان يترك لكل دولة مسؤولية وحرية تعريف الإرهاب وتوجيه الاتهام والقيام بالملاحقة والتعقب والحرب وتولي التحقيق واصدار الاحكام كيفما شاءت فتلك هي الفوضى بعينها ومن شان السماح باستمرار نهج كهذا ان يفضي الى افساح المجال كاملا امام الدول القوية لممارسة الظلم والقهر والطغيان ضد الدول الصغيرة والضعيفة لتحقيق مصالحها ومكاسبها الاقتصادية والسياسية والاسترتيجية بحجة محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين ففي الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها امريكا مؤخرا وفور وقوعها مباشرة اتجهت اصابع الاتهام الى عرب ومسلمين وحملوا اسامة بن لادن مسؤوليتها ثم اعلنوا مجموعة من الاسماء العربية قالوا انهم هم الذين نفذوا الهجمات أي انهم جميعا قتلوا مع من قتل، تبين ان عدد من تلك الاسماء موجودون ويقيمون في هذه البلدان اوتلك ومن هم من مات منذ مدة هذا جانب والجانب الاخر، ان حركة طالبان اعلنت رسميا انها ستقوم بتسليم بن لادن فورا اذا ثبت بالدليل المادي ضلوعه في تلك الهجمات وبن لادن نفسه اعلن عدم مسؤوليته مطلقا عن تلك الهجمات وكثير من العلماء وقادة الحركات الاسلامية اعلنوا صراحة انه يجب تسليم بن لادن لامريكا اذا ثبت ضلوعه ومسؤوليته عن تلك الهجمات ورغم كل ذلك مصرة على تسليم بن لادن وطالبان وتمضي حثيثا لاعلان الحرب عليهما وبالتاكيد على بلدان اخرى فاين الجهة الدولية التي تملك شرعية الحق في تقرير مسؤولية او عدم مسؤولية هذا الطرف او ذاك ؟ 4) واذا اخذنا في الاعتبار تصريحات وتلميحات بعض القادة الأمريكيين التي فهم من فحواها ان الضربات العسكرية الأمريكية لمحاربة الإرهاب ستوجه الى لبنان والسودان واليمن وربما العراق اضافة الى افغانستان واذا ما حدث ذلك بالفعل تتضح الصورة تماما وبكل جلاء فضرب لبنان يعني ضرب حزب الله وفي السودان واليمن لا احد يعرف الآن من المستهدف هناك وفي العراق كذلك، والملفت للنظرتصريحات لبعض المسؤولين الأمريكيين ردا على موقف سوريا الرسمي المعلن ، تأييدها و مساندتها لإمريكا في محاربة الإرهاب وفحوىتلك التصريحات ان امريكا لن تحتاج الى سوريا في ضرب افغانستان وان موضوع سوريا مختلف اذ ستتولى امريكا التفاهم مع سوريا بخصوص المنظمات الإرهابية الموجودة داخل سوريا، واوضح بان المقصود بتلك المنظمات الإرهابية في سوريا هو المنظمات الفلسطينية واذن فان امريكا ترى ان الذي يحتل اراضي الغير واوطانهم بالقوة العسكرية والعنف ويقتل المدنيين ويدمر منازلهم ويشردهم مستخدما مختلف انواع اسلحة الدمار والفتك يعتبر متحضرا انسانيا طالما كان الذي يفعل كل ذلك (اسرائيل).. اما الذي هو ضحية لذلك العدوان الدموي التصفوي الرهيب ويقاوم ويقاتل من اجل تحرير وطنه والحصول على حقوقه الوطنية المشروعة كحزب الله وكافة المنظمات الفلسطينية فان امريكا تعتبرهم همجا متخلفين ارهابيين لا يستحقون حتى مجرد الحياة لانهم عرب ، ووفقا لهذا المنظار الأمريكي فان الجيش الجمهوري الايرلندي الذي يقتل المدنيين الابرياء في بريطانيا ليسو ارهابيين ولكنهم اناس طيبون ومتحضرون واذا قاتل الاكراد نظام الحكم في العراق فان قتالهم مشروع يستحق الدعم واذا قاتل الاكراد نظام الحكم في تركيا فانهم ارهابيون اشرار مجرمون وهكذا دواليك . وكل ماسبق ذكره يلقي ظلالا كثيفة من الشك حول حقيقة دوافع وغايات الحرب الجراره الشاملة التي ستفجرها امريكا بين لحظه واخرى وربما ارادت امريكا ان تستثمر الاجواء الماساوية وضحايا الهجمات الإرهابية لتصفية حسابات سياسية وتحقيق مصالح استراتيجية وليس لمحاربة الإرهاب والإرهابيين في العالم . واذا ما اتخذت الحرب الشاملة التي ستخوضها امريكا ذات المسارات التي اشرنا انفا الى ملمحها فان بمقدورنا حينها القول بان الإرهاب قد نجح في استدراج اقوى قوة في العالم الى خوض حرب بغير ميدان ولا هدف محدد يفجر الشارع العربي والاسلامي ويقلب خارطته السياسية راسا على عقب وعلى نحوقد يدفع الى خلق وحدة غير متوقعة بين الشعوب العربية والاسلامية والافكار والرموز الإرهابية وبذلك تكون نتيجة الحرب قد حسمت قبل ان تبدا بانتصار كاسح للإرهاب والإرهابيين وإلا فعند من ونحو أية اهداف ستوجه اسلحة الفتك والدمار الشامل التي تحشدها امريكا لضرباتها؟ ذلك ما سنحاول مناقشته في الحلقة القادمة باذن الله تعالى ؟.