مناقشة لرسالة الرئيس الأمريكي لوزير سعودي تناولت الحلقة السابقة ـ الأولى ـ من هذا الموضوع شيئا عاما وسريعا حول رؤيتنا تجاه الولايات المتحدة الامريكية، وموقفنا ومشاعرنا منها وعنها، ثم حاولنا تسجيل أهم الاقتباسات من النص المترجم بالعربية التي وجهها الرئيس الامريكي جورج بوش ـ الابن ـ الى وزير الشئون الاسلامية في المملكة العربية السعودية حول وضع العلاقات بين البلدين ومدى تأثرها بأحداث 11سبتمبرالماضي وتطورات وتداعيات ونتائج تلك الاحداث الارهابية على الصعيد العالمي ووجدنا أنفسنا وقد أوردنا النص الكامل للترجمة نظرا لأهمية الرسالة البالغة، وتوقفنا في ختام الحلقة السابقة عند وقفة ضرورية وجادة وصادقة تستحقها الرسالة بجدارة تقف بالمناقشة حول جانبين .. الأول أسلوب ومنهج الرسالة ومغازيها ودلالاتها.. والجانب الثاني حول أهم القضايا التي حوتها الرسالة وماتضمنته من رؤى ومواقف..وهذه الوقفة هي موضوع هذه الحلقة وربما تطلب الامر حلقة ثالثة ورابعة بحسب مايمليه سياق المناقشة.. فاما ما يتعلق بالجانب الأول لوقفتنا الحوارية هذه، لابد أن نسجل هنا بأن الاطلاع على الرسالة جذب انتباهنا واهتمامنا بقوة كبيرة بل انه اثار قدرا مهما من الارتياح والسعادة والسرور الذي قابله شعور عميق بالاحترام والتقدير للادارة الامريكية في وقت سادت فيه مشاعر الاحباط والقلق والرفض على نحو واسع بامتداد العالم تجاه السياسات والممارسات والمواقف الامريكية بعد الاحداث الارهابية الماساوية في 11 سبتمبر الماضي وكرد فعل لها والتي اتسمت بطابع العنجهية والاملاء والفرض والقسر، ولا تقيم أي وزن أو مبالاة بالاطراف الدولية، كبيرة كانت أم صغيرة، وتتعامل معها باستخفاف وازدراء وتعال شديد الفجاجة على نحو بدا وكأن امريكا تريد أن تقول لتلك الاطراف بأن عليها أن تنفذ كل ماتريده أمريكا منها دون سؤال أونقاش!ولهذا جاءت الرسالة بمثابة مؤشر دال على امكانية حدوث تحول جوهري وأساسي في منهج وأسلوب تعامل السياسة الامريكية مع اطراف المجتمع الدولي يقوم على الحواروالاقناع والاقتناع وبالتالي الشراكة الايجابية المتفاعلة في مواجهة القضايا والشئون والاحداث التي تهم المجموعة الدولية بأكملها.. ان قيام الرئيس الامريكي شخصيا بتوجيه رسالة الى وزير في حكومة دولة من دول العالم الثالث تتضمن نقاشا وحوارا ورؤى ووجهات نظر حول قضايا وأحداث وشئون حساسة للغاية وخطيرة في آن معا تهم البلدين المعنيين مباشرة ومعهما سائر دول العالم، يعتبرفي حد ذاته مبدأ وتقليدا رفيعا وايجابيا ومتحضرا في ادارة وتوجيه شئون العلاقات بين الدول، كما أنه الاسلوب الوحيد القادر على دراسة المشكلات ووضع الحلول السليمة والناجحة لها.. والحقيقة أن الرسالة في أسلوبها ومحتواها وتعامله أو طريقة الحوار فيها عبرت بشكل واضح عن احترام للاخر واعتراف بمكانته ودوره واسهامه، وشددت على ضرورة وأهمية الشراكة في جهد تعاضدي تكاملي تتوفر له الضمانات اللازمة لتحقيق النجاح في بلوغ الاهداف والغايات المشتركة، ليس هذا وحده فحسب، بل اعتمدت الرسالةعلى شفافية وصراحة ومكاشفة عالية في تناول قضايا الخلاف والتباين في وجهات النظر طريقا أمثل لوضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.. كل ذلك أسهم في انعاش التفاؤل والامل على أوسع نطاق في امكانية تحول حقيقي في نهج السياسة الامريكية يؤهل اعظم قوة في عالم اليوم لتحمِل دور قيادي رائد والقيام بمسئولية عظيمة في حمل رأية رسالتها التاريخية التي لا خيار امامها سوى النهوض باعبائها من اجل بناء مستقبل مشرق للانسانية تظله رايات الحرية والاخاء والمساواة والكرامة الانسانية والخير والرفاهية وتلك هي بالتحديد معالم الصورة والدور والمسئولية التي يتمنى العالم ويتوق مخلصا ان يرى امريكا بها ومن خلالها، ولو اتخذت السياسة الامريكية في مواجهة احداث 11 سبتمبر وماتلاها نفس منهجية واسلوب هذه الرسالة لحظيت بكل احترام وتاييد وتعاطف عالمي شامل.. وفيما يتعلق بالجانب الثاني، وهو الاكثر أهمية واتساعا وتشعبا، في وقفتنا الحوارية والذي يتناول ما تضمنته رسالة الرئيس الامريكي من قضايا ووجهات نظر ومواقف سواء كانت محل اتفاق او اختلاف، فاننا سنناقش فيما يلي قضايا محددة نراها اكثر اهمية وحساسية وخطورة وهي لاتنحصر في نطاق العلاقات الامريكية السعودية فقط، بل تمتد على نطاق اوسع بكثير لتشمل العالم الاسلامي بكامله ومن ضمنه وفي وسطه العالم العربي على نحو أخص، وتتحدد تلك القضايا التي سنتناولها بالمناقشة القضايا التالية: * نظرة امريكا للسعودية ودورها وكيف تتعامل معها ماضيا وحاضرا ومستقبلا. * رؤية امريكا للاسلام كدين وللتعليم الديني ومناهجه الدراسية وعلاقته بالارهاب والعنف. * الموقف الامريكي تجاه القضية الفلسطينية في اطار الصراع العربي ـ الاسرائيلي. * أوجه الاتفاق والاختلافات بيننا وبين أمريكا. ومن المهم تناول كل هذه القضايا الجوهرية بالتحليل والتفصيل الكافي اذ يبدو أن كِلينا، نحن وامريكا خاصة والغرب عامة، يعاني من سوء فهم وتفهم للاخر من زاوية عقائده وافكاره السياسية والاجتماعية وبالتالي سياسته وموقفه تجاه مختلف القضايا والشئون وخاصة منها ذات الاثر والتاثير والاهتمام العام المشترك، ان مناقشتنا للقضايا آنفة الذكر ستتم انطلاقا من الموضوعية والواقعية والمسئولية بأقصى ما تسمح به الطبيعة والقدرة الانسانية وبعيدا عن التحيز المتعصب أوالتمترس خلف رؤانا وقناعاتنا المسبقة، وذلك على النحو التالي: أولا: نظرة وتعامل أمريكا تجاه السعودية على اختلاف المراحل: اتسمت رسالة الرئيس الامريكي بقدر كبير وغير معهود من الوضوح والصراحة بل والشجاعة في تناولها لقضية العلاقة التقليدية طويلة المدى التي تربط أمريكا والسعودية، وهو شيء يستحق الاحترام والثناء، ويمكن بلورة النظرة الامريكية للسعودية وطبيعة التعامل معها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، في نقاط رئيسيةهي : 1ـ ظلت أمريكا تتعامل مع السعودية من منطلق رؤيتها لها على أنها (( مجرد محطة ضخمة نحصل منها على النفط)) حسب ماورد في الصيغة العربية للرسالة بالنص، وتمضي الرسالة قائلة(( ان رؤساء الولايات المتحدة في الماضي انشغلوا بكتابة مثل تلك الرسائل الى وزارء البترول فقط)) وتضيف مؤكدة(( ولم نعتبرها ابدا مجتمعا يُعتد به)) 2ـ ان الادارة الامريكية الحالية ادركت خطأ تلك السياسة او النظرة اذ تقول الرسالة (( لكننا ادركنا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية انك أنت الوزير- يقصد وزير الشئون الدينية السعودي-، الذي نحتاج الى مخاطبته،بسبب الخمسة عشر السعودي الذين تورطوا في تلك الهجمات أو ـ بطريقة اخرى ـ الخمسة عشر الذين تخرجوا من مدارسكم الدينية)) 3ـ وفي اشارة الى حقيقة وجود ازمة في علاقات البلدين تقول الرسالة مانصه (( أولاً دعني أوضح لك شيئا:امريكا لم تقرر فجأة اتخاذ موقف مناهض للسعودية، وليست هناك مؤامرة صهيونية لافساد علاقتنا، التمس منك الا تقع ضحية لمثل تلك الاكاذيب)) وتستطرد الرسالة قائلة: (( سيكون خطأ فادحا ان تعتقد السعودية أن ليس هناك أي خلاف معنا، وأن تعتقد أن الشيء الوحيد الذي تحتاج اليه يتمثل في تكوين نوع من العلاقات الجيدة واجراء القليل من اللقاءات مع حلفاء واشنطن لتهدئة الامور، أنتم تواجهون مشكلة مع الشعب الامريكي الذي تملكه الشعور منذ احداث سبتمبر، بأن مدارسكم الدينية والاف المدارس الدينية التي تمولها حكومتكم والهئيات الخيرية في انحاء العالم كافة، تعلم أن غير المسلمين أقل شأنا من المسلمين، ولابد من دخولهم الاسلام أو مجابهتهم، لابد أن تكون مدركا ماأقوله)) وتواصل الرسالة قائلة: (( نحن لا يمكننا أن نملي عليك كيف تُعلم ابناءك، ولكن مايمكننا قوله هو أن الاف الاطفال الامريكيين يعيشون اليوم دون أب أو أم، بسبب هؤلاء الاسلاميين المتشددين الذين تعلموا بمدارسكم والذين يبررون جريمتهم البشعة التي اقترفوها بأسم الاسلام، لايمكننا اخبارك كيف تُعلم ابناءك، ولكن نستطيع اخبارك أننا في هذا العالم المترابط، الذي بات متاحا فيه للافراد امتلاك وسائل التدمير الشامل ـ نحتاج منك أن تفسر الاسلام بالاساليب التي تساعد على نشر التسامح الديني والسلام، ان لم تستطع تحقيق ذلك فنحن بيننا خلاف، سنعتبر السعودية مصدرا لأموال وعقيدة هؤلاء الذين نشن عليهم الحرب الحالية تماما مثلما نظرنا الى الاتحاد السوفيتي أيام الحرب الباردة)) ثم تمضي الرسالة موضحة الاسباب التي شجعت الرئيس الامريكي على كتابة هذه الرسالة ومنها تفهم الوزير الذي ابداه للخطوات التي يجب أن نتخذها لايقاف الحملات التحريضية ضد أمريكا في المساجد ووسائل الاعلام وكذا دعوات الامير عبدالله مؤخرا لكبار رجال الدين في السعودية لتحري الدقة فيما يقول لأن الله يقول (( وجعلناكم أمة وسطا)) وما أوضحه الوزير لكبار الزعماء بشأن انتشار الاسلام معتمدا على نهج الوسطية اذا نمت بطريقة سليمة فان الاتجاهات الاخرى ستكون ضعيفة أمام الاسلام. وذكر الرئيس الامريكي أنه اعرب عن امتنانه في وقت سابق لفتوى الشيخ السبيل أمام المسجد الحرام بتحريم العمليات الانتحارية التي تقتل المدنيين، مضيفا بالقول (( هذه كلمات ذات أهمية نحن نأمل في ادراجها ضمن مناهجكم الدراسية، وتستطرد الرسالة لتسجل اشارة مهمة وذات دلالة ايجابية واضحة فتقول: (( وندعوكم للنظر بامعان في مدارسنا واذا وجدتم نصوصا تهاجم الاسلام فاخبرنا بها، لقد اصبح من الضروري في ظل العولمة أن ننظر الى ما يتعلمه ابناؤنا)) 4ـ وفي اشارات مهمة تحدد، فيما نعتقد رؤية امريكية جديدة للسعودية ودورها ومكانتها تقول الرسالة: (( داخل الولايات المتحدة يوجد اعتراف واسع النطاق بأن السعودية تُعد حليفا مهما)) (( فنحن نعرف أن من المستحيل علينا أن نغير الفكر الاسلامي المتشدد دون مساعدة السعودية فهي القائمة على الاماكن الاسلامية المقدسة ورائدة للعالم الاسلامي، فهي تمول الالاف من المدارس الاسلامية والمساجد في انحاء العالم المختلفة، ونحن لايمكن أن نصبح مؤثرين دون مساعدتها)) (( نحن لانريدك عدوا ولانريد حربا ضد الاسلام، وانما نريد حربا، من خلال الاسلام، حربا ضد التباغض والتطرف الديني، نريدك صوتا للاعتدال الذي ننصاع اليه ومعنا جميع المسلمين)) وتمهر الرسالة في ختامها على نحو له دلالة وينص على: (( المخلص جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الامريكية الذي يريد صديقا لكم، وليس مستهلكا فقط)) ويمكننا أن نستنتج على ضوء ما سبق أن هناك تغييرا جوهريا مهما على صعيد علاقة امريكا بالسعودية، استند الى ما ادركته الادارة الامريكية مؤخرا من المكانة الكبيرة والمتميزة التي تحتلها السعودية والدور والتاثير الواسعين اللذين تلعبهما على الصعيدين الاقليمي الاسلامي والدولي وهما مهمين جدا في الاسهام بتعزيز السلام والأمن والاستقرار الدولي، ويبدو أن ذلك التغيير الجوهري لنظرة امريكا تجاه السعودية سيجعلها دولة شريكة سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا وليس مجرد دولة منتجة للبترول وبائعة له، وهذا تغييرايجابي وطيب عموما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وكذا استقرار وخير العالم.. ويتبدى معالم هذا التغيير في تأكيد الرسالة على حقيقة أن البلدين حليفتان واستحالة أن تحقق امريكا ماتريد تحقيقه بدون مساعدة ودور السعودية ووصف الرئيس الامريكي نفسه بأنه الذي يريد أن يكون صديقا للسعودية وليس مستهلكا فقط..على انه من المهم ان لايقتصر دور الشراكة في علاقة البلدين على ما يتعلق بالاحداث الاخيرة وتداعياتها والمناهج الدينية وابراز الجانب المشرق من الاسلام باعتباره دين اعتدال وتسامح وسلام وهي كلها مسائل آنية ظرفية آيلة للزوال، بل يجب أن تكون شراكة استراتيجية سياسية اقتصادية تكنولوجية شاملة ضمانا لفعالياتها ونجاحها، وفي اعتقادنا أن اقتناع الادارة الامريكية بمثل هذا التغيير الايجابي المثمر فيما يخص علاقتها بالسعودية ستعتمده الادارة الامريكية أسلوبا ومنهجا مع الدول الصديقة لها على امتداد العالم، بعد اقتناعها بفشل منهج العلاقات الجزئية القائمة أساسا على دول بائعة ودولة مشترية للطاقة أو غيرها من المواد الخام التي تحتاجها أمريكا .. على أن مايستحق المناقشة، فيما يخص هذه القضية، هو ماركزت عليه الرسالة وأكدته بأن مشاركة 15 ممن يحملون الجنسية السعودية في الاحداث الارهابية هو سبب الازمة والمشكلة الخطيرة بين السعودية والشعب الامريكي وحكومته، ذلك أنه وان كانت مشاركة أولئك السعوديين في الاعمال الارهابية التي حدثت يوم 11 سيتمبر الماضي ثابتة ومؤكدة وحتى لو كانوا أكثر من ذلك أو أقل ،الا أنه لم يسبق أن حُملت دول وحكومات المسئولية عن أعمال غير قانونية ينفذها اشخاص يحملون جنسياتها، فكم من العمليات الارهابية حدثت في مختلف انحاء العالم في الماضي ونفذتها منظمات ارهابية محترفة مثل(( منظمة بايدرماينهوف)) أو ((الجيش الاحمر الياباني)) أو(( الجيش الارمني السري)) وغيرها من المنظمات، ولم يحدث أن قامت الدول التي كان رعاياها ومصالحها ضحية لتلك العمليات بتوجيه الاتهام وتحميل المسئولية لألمانيا أو اليابان أو ارمينيا أو غيرها لمجرد أن منفذيها من رعاياها فهناك كما يعلم الجميع جماعات وافراد يعارضون حكوماتهم ويعملون تحت الارض بسرية مطلقة ، وكثيرا ما تتعرض حكوماتهم لأعمالهم الارهابية الاجرامية، فلماذا الان تكون السعودية مسئولة عن أعمال مجموعة من رعاياها هم خارجون عن القانون ومنهم من سحبت جنسياتهم والبعض الاخر ظل سريا لم يكشف أمره، أما اذا كانت الحكومة السعودية تعرفهم أو تلقت بلاغا مسبقا من أي جهة أو دولة في العالم يكشف حقيقتهم ولم تتخذ بحقهم أية اجراءات قانونية فالمسالة هنا مختلفة ويمكن أن نفهم اتهام السعودية وتحميلها المسئولية وهو مالم يحدث في أي وقت بحسب علمي، ولو اضفنا الى ما سبق مجاميع المرتزقة المحاربين المنتمين الى بلدانهم أو مواطنهم الاصلية فرنسا مثلا والذين ارتكبوا مجازر قتل وتخريب وارهاب في جزر القمر لتغيير حكومتها بالقوة هل حدث أن وجهت جزر القمر الاتهام الى الحكومة والشعب الفرنسي وحملتهما المسئولية بسبب ما فعله مواطنوها فيها ؟ ولعل سيادة الرئيس الامريكي يعلم كذلك أن اعدادا من الامريكيين حاربوا في اليمن كخبراء عسكريين في صفوف القوات الملكية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م وايضا من جنسيات أخرى عديدة ولم تتهم اليمن أمريكاأو غيرها وتحملها المسئولية! وعصابات المافيا العالمية وما ترتكبه من فساد وقتل وتدمير في اطار الجرائم المنظمة المتعلقة بالمخدرات وغيرها كذلك . والسعودية اكتوت بنار الارهاب والارهابيين منذ مجازر اقتحامهم للحرم المكي الشريف وتحصنهم بداخله عام 1980م، وهم ايضا يتخذون من الاسلام مبررا وغطاء وهي لاتزال تتعرض لافعالهم الاجرامية حتى الان، لا بل تعال وانظر الاعمال الارهابية الاجرامية البشعة التي تعرضت لها مصر ولسنوات طويلة من قبل من يدعون الاسلام ايضا! ومد نظرك غربا لترى ماذا يفعلون في الجزائر من مجازر لم نسمع بمثل بشاعتها ودمويتها من قبل ! وبين هؤلاء كلهم فان سوريا وايران والصومال والسودان واليمن وليبيا وربما تركيا وايران والباكستان لم تكن بعيدة عن الاكتواء بنيران الارهابيين منذ سنوات طويلة، بل ان هناك جماعات ومنظمات ارهابية داخل امريكا نفسها ذات طابع ديني أو سياسي متطرف ارتكبت جرائم ارهابية فظيعة في امريكا وهي غير اسلامية!.. وكذلك في اسبانيا وبريطانيا والهند وسيريلانكا وروسيا والفلبين وامريكا اللاتينية وافريقيا وغير ذلك الكثير من بلدان العالم فهل يعقل ان نحمل الدول مسئولية اعمال الارهابيين لمجرد جنسياتهم في حين ان دولها أول ضحايا تلك الجماعات الخارجة عن القانون؟! اما اذا كان توجيه الاتهام للسعودية وتحميلها مسئولية اجرام مجموعة محدودة من مواطنيها مبنيا على دور المدارس الدينية ومناهجها التعليمية.. فاننانشعر بضرورة ملحة الى التنبيه والتنويه بأن هذه القضية وبالنظر الى ارتباطها الوثيق والمباشر بمسألة الدين والاعتقاد الديني والمشاعر الدينية العامة، فانها محاطة بأقصى درجات الخطورة والحساسية المفرطة، وتناولها يتميز دائما بأنه محفوف بالمخاطرالتي قد تصل في بعض الاحيان الى مستوى المخاطرة لأنها ربما اصطدمت باعتقادات وقناعات تكونت عند الغالبية الساحقة من المؤمنين عبر مئات طويلة من السنين وأصبحت لديهم بمثابة المسلمات البديهية والمقدسة التي لاتقبل المساس بها أو حتى مجرد الاقتراب منها بالنقاش والحوار ويتحول الامر الى مخاطرة غير محمودة العواقب عندما تستغلها جماعات متطرفة ومغلقة التفكير كوسيلة لاثارة العامة وتهييجهم واستنفارهم لوأد وضرب أية محاولة تجديدية وتحديثية في فهم وتفسير النصوص الدينية على نحو سليم وصحيح ولكنه يخالف رؤى وتصورات تلك الجماعات المغلقة والجامدة والمتطرفة، ولقد اثبتت التجارب الماضية ان مثل هذه الجماعات تكون عادة اكثر مقدرة وفاعلية في اثارة واستنفار العامة وتوجيههم للوقوف ضد جهود ومحاولات التجديد والتحديث للموروث الهائل المتراكم في فهم نصوص وتعاليم وجوهر الدين، وبالأخص اذا مااتسمت محاولات التحديث والتجديد تلك بالفجاجة والشطحات والغلو وابتعدت عن الحصافة والحكمة والوعي والاعتدال.. والرسالة التي سبق نشرها تلخص وجهة نظر ورؤية الرئيس الامريكي كاملة بالنص ازاء قضية المدارس الدينية ومناهجها التعليمية وربما المساجد أيضا وعلاقتها المباشرة بانتاج الارهاب واعداد الارهابيين!ولنا معها نقاش وحوار مستفيضين ومعمقين لا يهدفان الى الدحض والانكار والمكابرة بل يقومان على الجدية والمسئولية والحقيقة بأقصى قدر ممكن على ذلك يساعدنا في فهم بعضنا بعضا بشكل أفضل وأصدق وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول بعضنا البعض وهو مانأمله ونرجوه. والحقيقة بأن مشكلة المناهج الدراسية الدينية التي تدرس في المدارس الدينية وغيرها من مدارس التعليم العام ليست بالمشكلة الجديدة أو المفاجئة بالنسبة لنا وان كانت كذلك ربما بالنسبة لأمريكا وغيرها من الدول الغربية، وفي بلادنا اليمن ومنذ مايزيد عن عشرين عاما مضت لم تدخر مجموعة تضم عددا من كبار علماء الدين والمثقفين والكتاب والصحفيين والشخصيات العامة، جهدا ولاتوانت عن التنبيه والتحذير عبرمختلف الوسائل من المقالات الصحفية وفي اللقاءات العامة والخاصة وابداء النصح كتابة وشفاهة لمن بيدهم سلطة القرار حول خطورة ماتتضمنه تلك المناهج في بعض جوانبها من أفكار ورؤى تخرج اجيالا عقلياتها مصاغة على مبادئ التطرف والتعصب والانغلاق وهو مايهدد حتما أمن البلاد واستقرارها ووحدتها الوطنية، وكم تعالت أصواتنا وبحت حناجرنا منذ أمد طويل في الدعوة الى غربلة وتنقية تلك المناهج من تلك الافكار المخالفة والمناقضة للاسلام وتعاليمه الواضحة في القرآن الكريم غير ان مشكلة ماتتضمنه المناهج الدراسية الدينية من أفكار ودعوات غير سوية ليست محصورة على نطاق اليمن وحدها بل تمتد لتشمل الكثير من بلدان العالم الاسلامي كله وليس صحيحا ولا دقيقا ما قاله الرئيس الامريكي بأن مدارسكم الدينية التي تمولها حكومتكم ـ يقصد السعودية – والهيئات الخيرية، في انحاء العالم كافة تُعلم أن غير المسلمين هم اقل شأنا من المسلمين ولابد من دخولهم الاسلام أو مجابهتهم بحسب ماورد في رسالته حيث ينبغي علينا خدمة للحقيقة والامانة والدقة ان نفرق بشكل حاسم وجلي بين المدارس الدينية والمناهج الدراسية التي تعلمها وبين الجماعات المتطرفة والارهابية التي تمارس أعمالها الاجرامية ياسم الاسلام وهي أبعد ما تكون عنه وعن تعاليمه، فالمدارس الدينية ومناهجها التعليمية برغم ملاحظاتنا وتحفظاتنا على بعض جوانبها إلا أنها لاتجرؤ لاهي ولا أحد من المسلمين أن يعلم ابناءه مبادئ التعالي والتميز العنصري أو الديني للمسلمين واحتقار غيرهم واجبارهم إماعلى دخول الاسلام أوقتلهم، لأن دين الاسلام كما هو واضح على نحو جلي لالبس فيه في كتاب الله المحكم(( القرأن الكريم)) الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، حاسم تماما في ضرورة التزام الانسان المسلم وجوبا بالمبادئ الاساسية التالية: 1ـ أن لايعتبر المسلم نفسه دائما الافضل وانه وحده على الحق يقول الله تعالى ( ولاتزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). 2ـ التقيد الصارم بالدعوة السلمية المسالمة يقول الله تعالى ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ويكرر قائلا (ولاتجادلوا أهل الكتاب -وهم اليهود والنصارى- إلا بالتي هي أحسن) ويصف الله سبحانه عباد الرحمن بالقول: (الذين اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). 3ـ نهى الله تعالى المسلم عن تسفيه وتحقير معتقدات الاخرين قائلا: (ولاتسبو الذين يدعون من دون الله فيسبو الله عدواً بغير علم) وقال في موضع اخر موجها الرسول والمسلمين: (قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما أعبد،ولا أنا عابد ماعبدتم ولا انتم عابدون ماأعبد لكم دينكم ولي دين) ويوجه الله سبحانه سؤالا استهجانيا لنبيه ورسوله (( صلى الله عليه وسلم)) قائلا: (( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) ويوضح له في موضع اخر مرشدا رسوله بالقول(( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم)). ويأمره في أية أخرى وأخرى قائلا: ( وما أنت عليهم بجبار) و(( وان عليك الا البلاغ وعلينا الحساب)) وحسم الله تعالى القضية بشكل نهائى بقوله:( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) واضاف( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). هذه استشهادات قليلة جدا من استشهادات أخرى اكثر بكثير من ذلك الزم الاسلام أتباعه بالتقيد بها وهي كلها تؤكد وتكفل حرية الاعتقاد المطلقة للانسان على الارض ولهذا فانه من المستحيل تماما أن يتجرأ أحد ويعلم المسلمين مبادئ التعالي والتميزالعنصري والديني واجبارالناس على الدخول في دين الاسلام بالاكراه أو قتلهم لأن مثل هذه المبادئ محرمة تماما في الاسلام، وكدليل عملي على ذلك فان أي انسان يقوم باستعراض سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين بدأ الدعوة الى الاسلام في مجتمع قريش فسوف يتبين له بكل وضوح أن الرسول الكريم كان مطلبه الوحيد من كفار قريش هو أن يتركوه يدعو الى الاسلام سلميا بما يُعرف الان بحرية التعبير والدعوة ولوتركوه وشأنه لما رفع المسلمون سيفا لقتال مطلقا ولكن قريش جابهوه بالأذى والعداء والاستفزاز فتركهم ورحل هاربا من أذاهم الى المدينة المنورة ولاحقوه بالأذى والحرب والعدوان الى هناك مما اضطره للقتال لرد العدوان والدفاع عن النفس فقط..أما اذا كان الرئيس الامريكي يرى بان الجماعات المتطرفة والارهابية التي تعمل تحت اسم الاسلام هي التي تُعلم اتباعها مثل تلك المبادئ الهدامة والمنحرفة والمناقضة للاسلام في التعالي والتميز العنصري والديني ضد غيرهم واجبار غير المسلمين على اعتناق الاسلام أومجابهتهم فنحن اذ نتفق معه تماما في هذه الرؤية، لكننا نضيف اليها اضافة على درجة عالية من الاهمية وهي ان عداء تلك الجماعات ومبادئها الهدامة لغير المسلمين لايشكل سوى نسبة ضئلة بالقياس الى عدائها وتعاليها ومجابهتها لكل الذين لايتفقون معهم في الرأي والعمل من المسلمين انفسهم وهم الغالبية الساحقة من المسلمين حيث ركزت كل نشاطها وأعمالها الارهابية الفظيعة ولسنوات طويلة وحصرته ضد الدول الاسلامية والمسلمين في تلك البلدان ، وكم عانت مصر من ارهاب تلك الجماعات، وكم حجم الضحايا الناتج عن أعمال القتل والتخريب وسفك الدماء الذي قدمته مصر، وما يجري في الجزائر منذ سنوات من مآس انسانية يندر أن نجد نظيرا لها على امتداد التاريخ الانساني والتي بلغ ضحاياها من القتلى ما يقارب المائة الف انسان حتى الان، ودول اخرى اسلامية عانت هي الاخرى نفس المعاناة وان بدرجة أقل مما عانته مصر والجزائر، ولم تتوجه تلك الجماعات بعملياتها الارهابية ضد بعض المجتمعات غير الاسلامية الاموخرا فقط، فارهاب وعنف ودموية هذه الجماعات موجه ضد المسلمين أساسا وبمستوى أقل كثيرا ضد غير المسلمين، ولهذا فالمشكلة تهم المسلمين بأكثر وأوسع مما تُهم غير المسلمين.. وحتى لو افترضنا وسلمنا ـ جدلا ـ بوجهة نظر الرئيس الامريكي التي تعتقد بمسئولية مناهج التعليم في المدارس الدينية الاسلامية عن نشوء وتكون تلك الجماعات الارهابية فان حقائق الواقع تدحض وتنسف هذا الافتراض حيث تؤكد تلك الحقائق بان غالبية قيادات وكوادر وعناصر تلك الجماعات الارهابية المتطرفة لم يلتحقوا يوما للتعلم في المدارس الدينية بل كانوا من خريجي التعليم المدني العام فمنهم أطباء ومهندسون وطيارون ومن مختلف التخصصات مثل الكيمياء والفيزياء وادارة الاعمال ورجال جيش وشرطة وغير ذلك من التخصصات غير الدينية.. والاهم من ذلك بكثير ان تلك الجماعات الارهابية المتطرفة تكفر وتجرم وتستهدف مؤسسات التعليم والمدارس الدينية نفسها كالتي هي قائمة في السعودية ومصر وايران واليمن، وتعتبرها غير اسلامية!! لابل ان هناك أشخاص من مواطني مجتمعات غير اسلامية اعتنقوا الاسلام وانضموا الى تلك الجماعات الارهابية وقاتلوا في صفوفها منهم أمريكيون وبريطانيون واوستراليون وغيرهم، وهؤلاء لم يلتحقوا يوما في المدارس الدينية ولاعرفوها.. ان الارهاب والعنف ظاهرة ملازمة للمجتمع الانساني على اختلاف معتقداته الدينية والثقافية وأصوله العرقية، ومن الخطأ الفادح حصر نشوئها بسبب واحد بعينه كدين معين او مناهج تعليم المدارس الدينية أو شعب بعينه، لأنها ظاهرة تفاعلت وتكونت ونشأت وتفاقمت بفعل تظافر وتفاعل جملة من الاسباب والظروف والاعتبارات الخاصة بكل مرحلة من مراحل تطورها على حدة ولايجب التعميم، فالعمليات الانتحارية ليست مقصورة على المسلمين وحدهم بل تكاد ان تكون شاملة لكل المجتمعات الانسانية كالمسيحيين والبوذيين واليابانيين والاكراد والمجتمعات الاؤروبية وأمريكا وسائر الدول الغربية وغيرها حدثت فيها عمليات انتحارية في ظروف خاصة ولأسباب محددة كالحروب والاحتجاج السياسي وغيره.. أما مهمة أو طلب تعديل او تغيير مضامين مناهج المدارس الدينية الاسلامية، ومع تقديرنا لحصافة وذكاء الرئيس الامريكي حين طلب بالمقابل من الوزير السعودي المجئ الى أمريكا والنظر بامعان في المناهج الدراسية الامريكية وهل يوجد فيها أي شيء ضد الاسلام وأن الجميع في عالم اليوم مطالبون بالنظر فيما يتعلمه أبناؤهم، فان هذه المهمة والمطالبة يجب ان تقتصر على المسلمين أنفسهم دون أي تدخل من قبل أي طرف غير مسلم،بالنظر الى خطورتها وحساسيتها المفرطة، ذلك أن تدخل امريكا ومواصلتها لضغوطها المتزايدة على بعض الدول الاسلامية لتغيير مناهجها الدراسية الدينية سيؤدي حتما الى نتائج معاكسة تماما لا تحارب الارهاب او تقضي عليه بل تخدمه وتعززه وتقويه حيث ان الرأي العام الاسلامي سيظل ينظر دائما الى تلك المناهج، في حال تعديلها أو تغييرها وبمساعدة الحملات المضادة، على انها مناهج مفروضة عليهم بالضغط أو بالقوة من قبل امريكا ولايمكن لأمريكا ان تكون أكثر غيرة وحرصا على الاسلام من المسلمين، والاخطر من ذلك بكثير ان ينظر الى الامر باعتباره مقدمة او خطوة أولى لمطالبة أمريكا مستقبلا وفرضها تغيير الاسلام كدين .. وكل ذلك من شأنه ان يترك الميدان في الاخير خاليا ومهيئا تماما أمام الارهاب والتطرف لتقديم الاسلام بالصورة والمفهوم الذي يخدم أهدافهم المنحرفة عن الاسلام أصلا وهذه هي المصيبة الكبرى الداهمة اذا حدثت .. لهذا فان قضية تنقية وتطوير تلك المناهج هي مهمتنا نحن اولا واخيرا ولايجب بأي حال من الاحوال ان تكون مهمة غيرنا،ونحن نملك رؤية شاملة ومتكاملة حول هذه القضية الخطيرة والحساسة، التي لا نتصور ان حلها يتحقق بالبساطة التي يراها الرئيس الامريكي في رسالته ولمجرد ادخال فتوى هذا العالِم او الكلام الطيب لهذا المسئول على المناهج الدراسية فستصبح المشكلة محلولة تلقائيا، إلا ان المشكلة أعقد بكثير وأعمق وأشمل من معالجات جزئية ترقيعية هنا وهناك لأن المناهج التعليمية نظام متكامل ومنظومة كاملة مترابطة ومتداخلة بعضها ببعض، ولا يمكن تغيير او تطوير أو تعديل المناهج التعليمية الدينية إلا على أساس معطيات ونتائج واستخلاصات حركة تجديد واصلاح ديني اسلامي شاملة وجذرية تسبق مهمة تغيير او تطوير المناهج التعليمية، حركة تعيد للاسلام جوهره الاصيل وتعاليمه وقيمه الانسانية السامية في الحرية والتسامح والمساواة والخير والسلام للانسانية جمعاء .. وهنا أشعر بأن الضرورة تلح علي أن اضيف حلقة خاصة تختتم بها هذه الحلقات، تكون مخصصة للتعريف بجوهر الاسلام الصحيح وعظمة تعاليمه ومقاصده السامية وفقا لرؤيتنا ووجهة نظرنا أهديها للرئيس الامريكي حتى يتبين له سمو الاسلام ومقاصده الانسانية السمحة في تحقيق الخير والسلام والحب والتعاون للناس وبالناس كافة على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم وأجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم فللكل كامل الحرية في اختيار معتقده وقناعاته ف(( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) صدق الله العظيم .. والى لقاء مع الحلقة القادمة باذن الله تعالى.